- ربيع السعدني
- 16 Views
حوار: ربيع السعدني
في حوار شامل يقدم الدكتور فاضل اليونس، الباحث في العلاقات الدولية والأمن الدولي، المتخصص في السياسة الأمريكية والشرق الأوسط، رؤية معمقة حول التحديات التي تواجه إيران في ظل الضغوط الدولية والعسكرية بعد دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة المباشرة في الحرب الجارية بين طهران وتل أبيب.
يناقش “اليونس” خلال حواره مع “زاد إيران”، تأثير استهداف العلماء النوويين، التوترات الإقليمية، دور الحرس الثوري، وإمكانية انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، إضافة إلى تداعيات قرارات سيادية محتملة مثل إغلاق مضيق هرمز والذي صوت عليه البرلمان الإيراني مؤخرا كورقة ضغط في وجه القوى الغربية الكبرى التي تدعم الكيان الإسرائيلي..
فإلى نص الحوار:
● كيف يمكن أن يؤثر استهداف العلماء النوويين الإيرانيين على قدرة إيران على إعادة بناء برنامجها النووي؟
🔘 إن اغتيال العلماء الإيرانيين والنخب العلمية المؤثرة يشكل ضربة كبيرة للنظام وللبرنامج النووي الإيراني، لا سيما بعد استهداف البنية التحتية الحيوية المرتبطة به، فإعادة تشغيل هذا البرنامج لن تقتصر على إصلاح المنشآت، بل ستتطلب كذلك إعادة تأهيل الكوادر العلمية المتخصصة، والتي تُعد عنصراً أساسياً في قدرة إيران على استئناف مشروعها النووي وبالتالي، فإن استهداف هذه البنية البشرية والعلمية يعمّق من تأثير الضربات، ويُضعف من قدرة النظام على إعادة بناء برنامجه من جديد.
● ما هي دلالات تصريحات البرلمان الإيراني والمسؤولين في طهران بشأن الانسحاب المحتمل من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) للرد على الضربة العسكرية الإسرائيلية؟
🔘 تصريحات إيران بشأن ‘الانسحاب المحتمل من معاهدة حظر الانتشار النووي ليست سوى دعاية سياسية بلا أي دلالة حقيقية، فهي تندرج ضمن حرب إعلامية تهدف للتأثير النفسي، خاصة وأن القرار الفعلي يظل محصورًا بيد المرشد الأعلى علي خامنئي، مما يجعل هذه التصريحات فارغة المضمون من الناحية التنفيذية.
● في حال انسحبت إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، ما هي السيناريوهات المتوقعة لرد الفعل الدولي؟
🔘 هذا السؤال لا يزال سابقًا لأوانه، لأننا الآن أمام مشهد متقلب ومفتوح على جميع الاحتمالات، ما يشغل النظام الإيراني حاليًا ليس الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بل كيفية النجاة من هذه الضربات العسكرية الكثيفة، أما بالنسبة لاحتمال الانسحاب من المعاهدة، فإن إيران، إن رأت أن النظام قد نجا واستعاد توازنه، فقد تتجه بالفعل نحو تطوير السلاح النووي.
لكنها لن تعلن انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي قبل امتلاك هذا السلاح فعليًا، لأنها تدرك أن خطوة كهذه ستمنح خصومها الشرعية الدولية لتوجيه ضربة استباقية أقوى وأكثر إيلامًا، بمعنى آخر، إيران ستستمر في اللعب على حافة الشرعية الدولية، حتى تضمن أن امتلاك السلاح النووي صار أمرًا واقعًا يمكن الدفاع عنه، لا مجرد نوايا يمكن إفشالها.
● كيف يمكن أن تؤثر آلية “سناب باك” في أكتوبر/تشرين الأول 2025 على العقوبات الدولية ضد إيران، وهل ستدفع طهران إلى مزيد من التصعيد؟
🔘 على الرغم من تعدد التقارير الاستخباراتية وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تؤكد عدم امتثال إيران لبنود الاتفاق النووي لعام 2015، فإن الدول الأوروبية والأطراف الموقعة على الاتفاق لم تلجأ حتى الآن إلى تفعيل آلية “سناب باك”.
وفي ظل الضربات التي تعرض لها البرنامج النووي الإيراني مؤخرًا، لم يعد هناك ما يبرر تفعيل هذه الآلية في المرحلة الراهنة، خاصة مع ما يبدو أنه تراجع ملموس في القدرات النووية الإيرانية.
ومع ذلك، يبقى خيار “سناب باك” مطروحًا نظريًا على الطاولة، في حال حدوث خرق شامل وصريح من قبل إيران تجاه التزاماتها مع الوكالة الدولية.
لكن كما أظهرت التجارب السابقة، تتبع إيران سياسة مراوغة محسوبة، تحرص من خلالها على تجنب استفزاز الدول الأوروبية، مما يقلل من احتمال تفعيل هذه الآلية في المستقبل القريب.
● من هم المرشحون المحتملون لخلافة المرشد الإيراني علي خامنئي، وكيف يمكن أن تؤثر الأزمة الحالية على عملية اختيار خليفته؟
🔘 بالنسبة لمسألة خلافة المرشد علي خامنئي، يظل اسم المرشح القادم محاطًا بتكتم شديد، خصوصًا في أوساط الحوزات العلمية في النجف وقم، والتي تشتهر بعدم الإفصاح عن توجهاتها بشكل مبكر، فآلية اختيار المرشد تتم وفق معايير صارمة يصعب توفرها في كثير من الشخصيات، وتستوجب ألا يسعى المرشح بنفسه للمنصب.
في المرحلة المقبلة، ستبرز عدة أطراف تسعى للتأثير على القرار. فالحرس الثوري، بحكم نفوذه العسكري والسياسي، سيدفع باتجاه اختيار شخصية موالية له تضمن استمرار مصالحه. وفي المقابل، ستسعى الحوزة الدينية في قم إلى فرض مرشح يحظى بقبولها الديني ويحافظ على نفوذها التقليدي داخل النظام.
لذلك، من المتوقع أن يشهد المشهد خلافًا حادًا بين الطرفين، لكن في نهاية المطاف سيُفرض نوع من التوافق بين الحرس الثوري والحوزة الدينية لاختيار شخصية توازن بين الاعتبارات السياسية والدينية، وتحقق الحد الأدنى من مصالح الطرفين.
● ما هو دور الحرس الثوري الإيراني في تشكيل الرد على الضربات الأمريكية والإسرائيلية، وهل هناك انقسام داخلي بين التيار العسكري والسياسي؟
يُعد الحرس الثوري الإيراني الركيزة الأساسية في البنية الأمنية والعسكرية للنظام الإيراني، فرغم عراقة الجيش الإيراني، إلا أن ما بعد الثورة الإسلامية شهد تهميشًا تدريجيًا لدوره، مقابل صعود الحرس الثوري الذي مُنح صلاحيات واسعة وغير محدودة، وتحول إلى قوة شبه نظامية أقرب في بنيتها إلى الميليشيات، تعمل على تحجيم دور الجيش والأجهزة الأمنية التقليدية، هذا التوجه كان مقصودًا، إذ سعى النظام إلى تمكين الحرس الثوري من السيطرة على مفاصل الدولة، ليس فقط عبر القوة العسكرية، بل من خلال اختراق المنظومات الاستخباراتية والأمنية والاقتصادية وبذلك، بات الحرس الثوري وحدة مكتفية ذاتيًا، لا تعتمد على مؤسسات الدولة الأخرى، بخلاف الجيش الإيراني الذي ما يزال بحاجة إلى موافقة البرلمان للحصول على التخصيصات المالية، وهو ما يجعله مقيدًا سياسيًا ومؤسساتيًا.
في المقابل، يحظى الحرس الثوري بدعم كامل من التيار المتشدد، الذي يسيطر على البرلمان والسلطة القضائية، ويكنّ ولاءً مطلقًا له وبالتالي، لا يقتصر نفوذ الحرس الثوري على إدارة العمليات العسكرية والأمنية، بل يمتد ليشمل توجيه السياسة العامة للدولة، وفرض رؤيته على القرار السياسي وحتى الأصوات السياسية الناقدة للوضع الداخلي، تجد نفسها عاجزة عن مواجهة سطوة الحرس الثوري أو كبح نفوذه المتصاعد.
● كيف يمكن أن تستغل إيران التوترات الإقليمية، مثل الصراع في غزة أو دعم الحوثيين، لتعزيز موقفها التفاوضي؟
🔘 لم تعد الأذرع الإقليمية لإيران من الميليشيات الشيعية، سواء التابعة أو الموالية لطهران، تمثل تهديدًا فعليًا كما في السابق، إذ باتت إلى محيّدة حد كبير، ففي كل الضربات الأميركية الأخيرة، وحتى تلك التي سبقتها من قبل إسرائيل، لم نشهد أي ردّ يُذكر من قبل حزب الله أو الحوثيين أو حتى الميليشيات في العراقي ويبدو أن هذه الأوراق قد أُحرقت، ولم تعد تُستخدم في معادلة الردع.
● هل ترى أن الضغوط الدولية والعسكرية قد تدفع إيران نحو تطوير سلاح نووي علني، أم أنها ستظل ملتزمة بالخطاب الرسمي حول الاستخدام السلمي للطاقة النووية؟
🔘 بعد كل ما جرى من أحداث، من المؤكد أن القيادة الإيرانية ستُعيد النظر في فتاواها السابقة التي كانت تُحرِّم امتلاك السلاح النووي، فقد أدركت أن الردع التقليدي، سواء عبر الميليشيات أو منظومات الصواريخ، لم يعد مجديًا في مواجهة الهجمات العسكرية المركزة، مما يترك الخيار النووي كملاذ وحيد لضمان بقاء النظام والدفاع عن مستقبله.
ولكن، من المرجّح أن تستمر إيران في التمسك ظاهريًا بموقفها السياسي المعلن، الرافض لامتلاك السلاح النووي، وذلك حفاظًا على الغطاء الدبلوماسي والدولي لكنها في الواقع ستسعى جاهدًا، وبشكل سري، إلى تطوير قدراتها النووية، وستترقّب اللحظة المناسبة سواء كانت أزمة اقتصادية أو انهيارًا في النظام الأمني الدولي لتقتنص الفرصة وتمضي في مشروعها النووي حتى نهايته.
● كيف يمكن أن يؤثر قرار البرلمان الإيراني بالموافقة على إغلاق مضيق هرمز على التوازنات الإقليمية والاقتصاد العالمي، وما العوامل التي قد تؤدي إلى تأييد أو رفض المجلس الأعلى للأمن القومي لهذا القرار؟
🔘 هذا القرار يُعد مقامرة انتحارية سياسيًا وعسكريًا، إذ لا مصلحة للنظام الإيراني، وخصوصًا القيادة في طهران، في استعداء أطراف إقليمية ودولية متعددة في آنٍ واحد، فالمضيق يُمثل شريانًا حيويًا تمر عبره نحو 45% من واردات الصين الطاقية، ما يجعل بكين من أبرز المتضررين المحتملين، ولن تسمح بتعطيله بسهولة.
كذلك، فإن الدول الخليجية لن تقف مكتوفة الأيدي، بل من المرجح أن تنضم إلى تحالف تقوده الولايات المتحدة والسعودية لحماية أمن الطاقة العالمي وردع أي محاولة إيرانية للعبث بأمن الملاحة وبالتالي، لا يمكن تصور أن تُقدم القيادة العليا في طهران على خطوة بهذا الحجم ما لم تكن قد وصلت إلى قناعة بأن النظام يواجه خطرًا وجوديًا، أو أنها تحاول افتعال أزمة دولية حادة، اقتصادية وأمنية، بهدف خلط الأوراق وفرض معادلات جديدة، ولكن خلق أزمة في مضيق هرمز قد يكون وسيلة للضغط على الداخل الأمريكي وبالتالي على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وللتأثير على مواقف الدول تجاه إسرائيل من بوابة حماية الاقتصاد العالمي من الانهيار.
لا سيما أن العالم يعيش أصلاً حالة اختناق اقتصادي جراء حرب تجارية متعددة الجبهات يقودها البيت الأبيض.