- شروق حسن
- 31 Views
في حوار موسع مع موقع “جماران“، تناول حشمتالله فلاحتبيشه، رئيس لجنة الأمن القومي السابق في البرلمان الإيراني والمحلل في الشؤون الدولية، آخر مستجدات الملف النووي الإيراني في ظل تعثر المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة.
أشار حشمتالله فلاحتبيشه، رئيس لجنة الأمن القومي السابق في البرلمان ومحلل الشؤون الدولية، في حديثه إلى مراسل “جماران”، إلى تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي دعت إلى التخصيب الصفري في إيران، مقابل تأكيد المسؤولين في إيران على ضرورة الحفاظ على القدرات النووية للبلاد.
وأوضح أن إنتاج الوقود يُعدّ القضية الأهم بالنسبة لإيران في مجال التكنولوجيا النووية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة، في وقت سابق، منعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوفاء بالتزاماتها تجاه إيران بعد نفاد وقود مفاعل أميرآباد في طهران بقدرة 5 ميغاواط، والذي يستخدم لأغراض بحثية وطبية.

وبيّن أن الاتفاق النووي (برجام) كان ينص على أن توفّر الوكالة الظروف اللازمة لتسليم الوقود بنسبة 20% لإيران، غير أن الولايات المتحدة حالت دون تنفيذ هذا الالتزام، الأمر الذي دفع إيران إلى رفع نسبة التخصيب من 3.7% إلى 20%.
أضاف فلاحتبيشه أن إيران، في حال أوقفت الآن عمليات التخصيب وإنتاج الوقود النووي، لا تملك أي ضمانة بأنها ستتمكن من الحصول على الوقود اللازم من بقية أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولفت إلى أن البرنامج النووي الإيراني لا يقتصر على تشغيل المفاعل فقط، بل يشمل مجالات سلمية متعددة كالمجال الطبي والزراعي وغيرها، حيث شهد توسعا في التكنولوجيا النووية. وشدد على أنه إذا لم تكن هناك ضمانات لتأمين الوقود النووي الذي تحتاجه إيران، فإن البلاد لن تتكبد فقط خسارة معنوية، بل ستواجه أيضا خسائر مالية كبيرة.

وتابع رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان العاشر قائلا إن خرق الولايات المتحدة لالتزاماتها في الاتفاق النووي (برجام) جعل إيران تفقد ثقتها بها بشكل كبير، مضيفا أن مفاوضات غير مباشرة جرت بين طهران وواشنطن منذ شهر فروردين من هذا العام بهدف التأكد من الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، إلا أن الولايات المتحدة طرحت مطلبا جديدا يتمثل في إنهاء إيران لعمليات التخصيب. وأوضح أن التخصيب بالنسبة لإيران ليس مجرد قضية فنية، بل يمثّل مسألة سيادية ومعنوية، كما أن هذا المطلب الأمريكي سيحمّل الجمهورية الإسلامية أعباء مالية ضخمة، وهو ما أدى إلى حدوث خلاف جوهري في المفاوضات.
وبيّن فلاحتبيشه أن الدبلوماسيين لم يقوموا بأي خطوة جديدة في الجولة الأخيرة من المفاوضات، واقتصر دورهم على تفادي الإعلان عن فشلها.
وأشار إلى أن ما طُرح في نهاية الجولة هو أن العُمانيين قدّموا مقترحا بديلا لتجنب انهيار المفاوضات، وهو مقترح لم تتضح تفاصيله بعد، إلا أن السيناريو الوحيد المطروح حاليا يبدو أنه تعليق البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع بعض العقوبات.
وأضاف أن كلا الطرفين يدرك أن الوصول إلى هذه المرحلة من التفاوض لم يكن أمرا سهلا، وأن استمرار النقاش حول المقترحات المختلفة تحقق بعد تجاوز الكثير من العقبات.
وأكد أن فرضية اندلاع الحرب قد تلاشت في الوقت الراهن، لأن الولايات المتحدة؛ نظرا إلى استثماراتها الكبيرة في المنطقة، تعلم أن فشل الدبلوماسية واندلاع نزاع عسكري في المنطقة سيُعرّض مصالحها الاقتصادية للخطر.
وأوضح أن الاتفاقات الأخيرة التي أبرمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع ثلاث دول عربية تُعدّ حتى الآن الإنجاز الأكبر في ولايتيه، لكنها أصبحت نقطة ضعف له في سياق التفاوض مع إيران، إذ إن عدم التوصل إلى اتفاق واندلاع حرب بين إيران والولايات المتحدة قد يُلقي بظلال من الشك على مستقبل العقود الأمريكية البالغة قيمتها 4 تريليونات دولار مع تلك الدول العربية، الأمر الذي يُجبر واشنطن على السعي نحو التوصل إلى اتفاق.
أشار هذا المحلل في الشؤون الدولية إلى أن الطرفين الآن بحاجة إلى حل يشبه النهج الذي اتبعه نيلسون مانديلا، موضحا أن مانديلا يرى أن تحقيق السلام مع العدو يتطلب تقديم عرض للتعاون معه.
وعلى هذا الأساس، اعتبر أن على إيران والولايات المتحدة، من أجل تفادي فشل المفاوضات، أن يعتمدا خطة تقوم على التعاون، ورأى أن هذه الخطة، سواء اتخذت شكل كونسورتيوم (تحالف مشترك) أو أي شكل آخر من أشكال التعاون، ينبغي أن تُبنى على أسس تُمكّن الطرفين من تلبية مخاوف بعضهما البعض؛ بحيث يُتاح لإيران الاستمرار في برنامجها النووي السلمي من جهة، ومن جهة أخرى لا تكون لدى الطرف الأمريكي أي هواجس بشأن هذا البرنامج.
واعتبر أن هذه الخطة أفضل بكثير من تلك التي تدعو إلى تعليق الأنشطة النووية الإيرانية، وأنها يمكن أن تشكل أرضية مناسبة للتوصل إلى اتفاق.
وأضاف فلاحتبيشه أن إطالة أمد المفاوضات بشكل استنزافي تُعدّ أمرا ضارا للطرفين، موضحا أن الولايات المتحدة بحاجة إلى استقرار في المنطقة، حتى تتمكن شركاتها من تنفيذ العقود المبرمة مع الدول العربية الثلاث، لاسيما وأن هذه الشركات لا ترغب في استثمار مشاريعها الممتدة لعشر سنوات في منطقة غير آمنة كمنطقة الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن إيران أعلنت بوضوح، أن أي حرب في الشرق الأوسط ستكون نتيجة تعاون مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وشدد على أن الحرب، بطبيعة الحال، تضر بإيران أيضا، مؤكدا أنه خلال الفترات الفاصلة بين جولات التفاوض الأخيرة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة ضد إيران، ما يدل على أن إطالة أمد المفاوضات تضر بكلا الجانبين.
أوضح فلاحتبيشه أن المخاوف الأمريكية المرتبطة بإسرائيل قد تُسرّع من وتيرة التحرك الدبلوماسي، لافتا إلى أن بنيامين نتنياهو يدرك أنه لا يستطيع الاستمرار إلا في أجواء الأزمات، ويسعى لاستغلال القوى المتشددة والداعية للحرب داخل الولايات المتحدة لصالحه.
وأشار إلى أن دونالد ترامب يعلم جيدا أن نتنياهو بارع في إشعال الحروب التي لا نهاية لها، خصوصا أن الحرب مع إيران تُعدّ حربا كبرى تهدد مصالح الولايات المتحدة نفسها. ولذلك، فإن كلا من إيران وأمريكا على دراية بأن تكلفة التوصل إلى اتفاق أقل بكثير من تكلفة فشل المفاوضات.
وأضاف المحلل في الشؤون الدولية أن الخروج من الوضع الراهن يتطلب مبادرات جريئة تنطوي على قدر من المخاطرة، مشددا على ضرورة أن يكسر الطرفان حاجز التعاون بينهما.
ولفت إلى أن الصين وروسيا والدول الأوروبية الثلاث خلال العقدين الماضيين، عرقلوا مسار الملف النووي الإيراني من خلال مماطلات مكلفة، كما حاولوا الإيحاء بأنه لا يمكن الوصول إلى اتفاق من دونهم.
وفي هذا السياق، أكد مجددا أن الملف النووي الإيراني يتمحور حول طرفين فقط هما إيران والولايات المتحدة، مشيرا إلى أن البلدين تمكنا في السابق من الجلوس إلى طاولة المفاوضات دون الحاجة إلى وجود الصين وروسيا والترويكا الأوروبية، واليوم أيضا ينبغي عليهما تقديم حلول تقوم على التعاون المتبادل ومعالجة الهواجس المشتركة، لأن مثل هذا الحل وحده قادر على تحقيق اتفاق مستقر ودائم.
وتطرق فلاحتبيشه إلى تحركات وزارة الخارجية الإيرانية في التشاور مع الصين وروسيا والترويكا الأوروبية، موضحا أن هذه الخطوة تأتي في إطار السعي للخروج من سياسة الضغط والهيمنة التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وأكد أن غياب الدول الأخرى الأعضاء في مجموعة 1+5 عن المفاوضات الحالية لا يعود إلى رغبة إيران، بل كان بطلب من الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن الأمريكيين، حتى في الوقت الراهن، لا يرغبون في انخراط أي طرف ثالث في المفاوضات.
وأوضح أنه رغم ضرورة أن تبادر إيران إلى طمأنة الأوروبيين فيما يخص ملف أوكرانيا، فإنه لا ينبغي لأي دولة أخرى أن تتدخل في المفاوضات النووية الجارية بين إيران والولايات المتحدة.