“الحجتية”.. التاريخ السري لجمعية دينية مثيرة للجدل في إيران

ترجمة: يارا حلمي 

أجرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية الإصلاحية، المحسوبة على مكتب علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، الثلاثاء 25 مارس/آذار 2025، حوارا مع محسن غرويان (الأستاذ في الحوزة العلمية في قم والذي كان في شبابه عضوا بجمعية “الحجتية”) ، ناقشت فيه  تاريخ جمعية “الحجتية” قبل الثورة وبعدها.

نص الحوار:

  كيف تفسر أوجه التشابه والاختلاف لجمعية “الحجتية”  في المرحلة قبل الثورة الإسلامية وبعدها؟

قبل أن أسافر إلى قم عام 1979 لمتابعة دراستي في الحوزة العلمية، كنت طالبا في معهد فني خلال مرحلة الثانوية، وكنت عضوا في فرع “الحجتية” بمدينة نيسابور، حيث حضرت دروسها وجلساتها عن قرب.

وفي ذلك الوقت، كانت اجتماعات الجمعية تُركز على الدفاع عن الإمام المهدي، ومكافحة الترويج للعقيدة البهائية، من خلال توعية الشباب بمفاهيم المهدوية، وكان الأساتذة يدرّسوننا كيفية مناظرة أتباع البهائية والرد على أفكارهم.

 ما طبيعة الأنشطة التي كانت تمارسها “الحجتية” قبل الثورة؟

كنا ندرس كتب البهائيين مثل كتاب “إيقان” لميرزا حسين علي بهاء الله، وكتاب “بيان” لميرزا علي محمد الباب، إضافة إلى مؤلفات أخرى؛ حتى نتمكن من الرد على أفكار هذه الطائفة.

كما كانت “الحجتية” تنظم محاضرات دينية يتمحور معظمها حول الإمام المهدي، وفي تلك الفترة، كان  محمود حلبي هو الزعيم الرئيسي للجمعية، وكان المهندس سجادي من أبرز الشخصيات المؤثرة فيها.

ماذا حدث بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979؟

بعد انتصار الثورة، بدأت الجمعية تعيد النظر في موقفها، وقررت عدم التدخل في القضايا السياسية، والاكتفاء بالأنشطة الثقافية والدعوية المتعلقة بالمهدوية، وكنا نحن أبناء المحافظات بعيدين عن مركز صنع القرار في طهران، لكننا سمعنا لاحقا أن  محمود حلبي عرض على الإمام الخميني أن يسخّر جميع أعضاء الجمعية في مختلف أنحاء البلاد لخدمة الثورة، لكن الإمام رفض.

هل استمرت أنشطة الجمعية رغم إعلان حلّها؟

بعد عام 1979، انتقلت إلى مدينة قم لمتابعة دراستي الحوزوية، ولم أكن على اطلاع دقيق على ما كان يحدث داخل الجمعية، لكن على مدى سنوات، لم أسمع أي حديث عن أنشطتها، ولكن مع مرور الوقت، بدأت أسمع عن استمرار أنشطتها في شكل جلسات منزلية سرية.

اليوم، لدي معلومات تؤكد استمرار هذه الجلسات، حيث تُعقد داخل المنازل وتستهدف الشباب والمراهقين، حيث يتم تدريس المواضيع نفسها المتعلقة بالإمام المهدي ، والغيبة، والمهدوية.

هناك مزاعم بأن الجمعية تنشط في الخفاء وتعمل ضد النظام. ما رأيكم في هذه الادعاءات؟

قرأت العديد من المقالات في الصحف ووسائل الإعلام التي تتحدث عن “الحجتية”، لكن بعض هذه الادعاءات لا تتطابق مع الواقع، البعض يقول إن الجمعية تعمل سرا ضد النظام، لكن وفقا لمعلوماتي، فإن أنشطتها لا تتجاوز الجانبين الديني والثقافي. 

 هل “الحجتية” منظمة هرمية، أم مجرد حركة غير منظمة؟ وهل هي كيان علني أم سري؟

اليوم، يمكننا القول إن “الحجتية” أصبحت كيانا سريا، فهي لا تقوم بالدعاية الرسمية عبر وسائل الإعلام أو الصحف، لكنها تواصل أنشطتها عبر اجتماعات منزلية صغيرة تُشبه المنظمات غير الحكومية المحلية.

كما أن أحد أهم مجالات عملها هو التوجه إلى المناطق التي تأثرت بالدعاية البهائية، حيث يقوم أعضاؤها بالتحدث مع هؤلاء الأشخاص، وتحذيرهم من الانضمام إلى البهائية أو البابوية.

كيف ترون مستقبل “الحجتية” في ظل هذه الظروف؟

في ظل استمرار التحديات السياسية والاجتماعية، لا أعتقد أن “الحجتية” ستتمكن من العودة إلى شكلها العلني كما كان قبل الثورة، أعضاؤها يفضلون العمل بصمت، والتركيز على الأنشطة الثقافية والدينية. 

عندما انضممتم إلى هذه الجمعية، وبالنظر إلى أنكم ذكرتم أنكم ابتعدتم عنها منذ عام 1979، كيف يتم استقطاب الأفراد للجمعية، وعلى أي أسس؟ وكيف يتم اختيار قائد الجمعية؟

إن أسلوب الاستقطاب يتمثل في التعرف على الشباب المتدينين والمثقفين وأهل القراءة والدراسة، والتحدث إليهم ودعوتهم إلى جلسات دينية وعقائدية.

 فعلى سبيل المثال، عندما كنت في الجمعية، كنا شبابا ومراهقين، وكانوا ينظمون لنا جلسات تدريبية ومحاضرات، أو يوزعون علينا كتبا دينية ويطلبون منا تلخيصها وعرضها في شكل مؤتمرات مصغرة.

بشكل عام، يتم التعرف على الشباب المتدينين الذين لديهم استعداد فكري، ثم تتم دعوتهم إلى جلسة صغيرة تضم نحو 10 إلى 15 شابا من الفئة العمرية نفسها، يكونون مهتمين بالدين والمذهب والإمام المهدي. 

وبعد ذلك، تتم دعوتهم إلى حضور الجلسات مرة أو مرتين أسبوعيا، وهكذا يتم استقطاب الأفراد وتوجيههم إلى الجمعية.

بصفتكم شخصا لديه معرفة بهذه الجمعية، هل يمكن اعتبار “التصفية العقائدية” جزءا من فكر جمعية “الحجتية”؟

إن جمعية “الحجتية” كانت تتبنى مبدأ عدم التدخل في السياسة، وكانوا يقولون إن الثورة الحقيقية يجب أن يقودها الإمام المهدي، وإنه في زمن الغيبة لا ينبغي لأحد أن يرفع راية الحكومة الإسلامية.

فنجد أن التيار الأصولي المتشدد وبعض المتطرفين السياسيين لديهم بعض القواسم المشتركة مع فكر الجمعية، خاصة من حيث الميل إلى الأخبارية (اتجاه فقهي يعتمد فقط على الأحاديث النبوية وأقوال الأئمة)، حيث يرون أنه يجب أن نستمد نظام الحكم والإدارة والسياسة والقضايا الاجتماعية من النصوص والروايات فقط، دون إدخال العقل أو الفلسفة في الفقه أو الشؤون السياسية والاجتماعية.

لذا، فإن القواسم المشتركة بين دعاة التصفية العقائدية وجمعية “الحجتية” ليست تشابها تنظيميا أو هيكليا، بل تشابه فكري، فهناك عدد من العلماء ورجال الدين في مجتمعنا يعارضون الفلسفة والعرفان، وكذلك جمعية حجتية، التي تعارض العرفان والفلسفة وتؤمن بأن المصدر الوحيد للمعرفة يجب أن يكون الأحاديث والروايات والكتاب والسنة، دون اعتبار للعقل كمصدر في الفقه.

 ومن جهة أخرى، كان الخميني فيلسوفا وفقهيا وعارفا، لكن هؤلاء لا يقبلون بهذا الجانب الفلسفي والعرفاني من فكره، ولذلك، فإن المتشددين الأصوليين ودعاة التصفية العقائدية لديهم بعض القواسم المشتركة مع جمعية حجتيه، لكنني لا أعتقد أن هناك ارتباطا تنظيميا بين الجمعية وهؤلاء المتشددين.

ذكرتم أن جمعية الحجتية ترفض التدخل في السياسة. فهل لأعضائها نفوذ في المشهد السياسي الحالي؟ 

أما ما أذكره هو أنه بعد انتصار الثورة، لم يلتزم بعض الأعضاء البارزين في الجمعية بتعليماتها بعدم المشاركة في النظام، فقبلوا مناصب في الحكومة، مثل تولي مناصب المحافظين ورؤساء البلديات، كما يُقال إن الدكتور غلامعلي حداد عادل (رئيس البرلمان الإيراني السابق) كانت لديه ارتباطات أو ميول تجاه الجمعية.

هناك من يرى أن الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد كان يربط نفسه بالإمام المهدي، وأن هذا الخطاب أدى إلى اعتباره شخصية ذات صلة بالفكر المهدوي. كيف ترون هذا الأمر؟

كان محمود أحمدي نجاد يتحدث دائما عن قضية الإمام المهدي بطريقة توحي بأن لديه ارتباطا خاصا به، شخصيا، استمعت إلى أحد خطاباته والذي أُلقي في مناسبة وطنية، وكاني يبث مباشرة عبر الإذاعة.

وفي نهاية الخطاب، قال أحمدي نجاد: ‘”أشكر قوات الأمن، أشكر المحافظ، وأشكر رئيس البلدية، وأشكر الإمام المهدي”. كان يتحدث عن الإمام المهدي كأنه مسؤول حكومي على غرار المحافظ ورئيس البلدية، كأن العلاقة بينه وبين الإمام المهدي مباشرة وطبيعية.

وهذا الأسلوب في الحديث خلق لدى الناس انطباعا بأن أحمدي نجاد لديه علاقة وثيقة بالإمام المهدي، وأنه يتلقى منه التوجيهات.

وفي قم، تم إعداد مقطع فيديو يتناول الروايات المتعلقة بعلامات الظهور في آخر الزمان، وأشاروا فيه إلى أن أحمدي نجاد هو “شعيب بن صالح”، وهي شخصية مذكورة في بعض الروايات الإسلامية كأحد القادة الذين يظهرون قبل ظهور الإمام المهدي.

 كما تم إنتاج أفلام أخرى حول هذا الموضوع وتوزيعها على نطاق واسع، مما عزز في أذهان البعض فكرة أن أحمدي نجاد شخصية مهدوية أو لديه صلة خاصة بالإمام المهدي.

 يُقال إن إسفنديار رحيم مشائي، أحد المقربين من أحمدي نجاد، كان يدّعي أنه على اتصال بالإمام المهدي. هل هذا صحيح؟

نعم، كان مشائي يدّعي أنه مرتبط بالإمام المهدي، وكان يدخل في حالات وجدانية غريبة. كان يُغمض عينيه، أو يُصاب بما يشبه الإغماء، ثم يقول: “الآن اتصلت بالإمام المهدي”. لكن فيما بعد، اتضح أن كل ذلك كان مجرد أكاذيب.

 هناك حديث عن مصادر التمويل الخاصة بجمعية الحجتية، كيف يتم تمويلها؟ وهل أعضاء الجمعية أثرياء؟

 حسب معلوماتي، بعض المراجع الدينية سمحوا لهم باستخدام الأموال الشرعية (الخُمس والزكاة)، وقالوا لهم: “يمكنكم استخدام هذه الأموال”، كما أن هناك عددا من رجال الأعمال المتدينين والميسورين الذين تأثروا بأفكار الجمعية، فدفعوا جزءا من أموالهم لها، على أساس أن هذه الأموال ستُنفق في سبيل الإمام المهدي.

 هل تُستخدم هذه الأموال لأغراض سياسية؟ وهل يمكن القول إن جمعية الحجتية لها نفوذ داخل الحوزة العلمية؟

لا يمكن القول إن لها نفوذا بالشكل الذي يُتصور، لكن أفكار الجمعية لها أنصار داخل الحوزة العلمية. 

هناك العديد من العلماء والمراجع والمجتهدين وفضلاء الحوزة الذين يعتقدون أنه لا ينبغي التدخل في السياسة، وهذا كان أصل فكر جمعية الحجتية، لا يزال كثير منهم يرددون أن “دورنا كعلماء دين هو الاهتمام بالدين والعقيدة، وليس السياسة”، لذلك لا يشاركون حتى في الانتخابات.

 إذن، هناك من داخل الحوزة العلمية من يعتقد أنه يجب عدم التدخل في السياسة إلى أن يظهر الإمام المهدي؟

نعم، هناك من يحمل هذه الفكرة، وهذا ليس أمرا جديدا، هناك أشخاص لا يؤمنون بمبدأ ولاية الفقيه، ويرون أن الفقهاء خلال عصر الغيبة لا يملكون سوى المهام الدينية والإرشادية، وليس من مسؤوليتهم إقامة حكومة.

هذه الأفكار كانت تُناقش في الأوساط الفقهية منذ زمن مرتضى الأنصاري (فقيه شيعي بارز، أسس علم الأصول الحديث في الفقه الإمامي)، واستمرت في النجف، وهي ليست جديدة.

كلمات مفتاحية: