السينما في إيران بين التوسع العددي وتحديات العدالة الثقافية

نشرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الأصولية، السبت 3 مايو/أيار 2025، تقريرا تناولت فيه افتتاح مجمع “ملل” السينمائي في شرق مشهد ومشكلة عدم ملاءمة أسعار التذاكر لمستوى دخل سكان المناطق المحرومة، ومقارنه بين عدد صالات السينما في إيران بدول الجوار مثل مصر والسعودية وتركيا والإمارات.

ذكرت الصحيفة أن مؤسسة “سينماشهر” أعلنت يوم 30 أبريل/نيسان 2025، أنّه منذ بداية شهر أغسطس/آب  2024، تمّت إضافة 57 صالة عرض و9 آلاف و292 مقعدا إلى الطاقة الاستيعابية لدور السينما في البلاد. 

وتابعت أن هذا الخبر السار لم يلقَ بطبيعة الحال الصدى الذي يستحقه في وسائل الإعلام المحلية، ولم يلقَ اهتماما من قبل الغالبية العظمى من الصحف، غير أنّه ينبغي القول إنّ ازدياد عدد دور العرض في إيران من شأنه أن يسهم في تحسين الاقتصاد المرتبط بهذا القطاع، ويؤدي إلى الحاجة لتشغيل عدد أكبر من الأفراد لإدارة وصيانة تجهيزات دور السينما في مختلف أنحاء البلاد.

وأضافت مستدركة: “إلا أن هذه المسألة ليست سوى جزء من الصورة العامة، إذ ينبغي أن يكون الهدف من سعي الحكومات إلى بناء وتجهيز صالات السينما تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية في مجال الترفيه، والأهم من ذلك هو أن يكون هذا التوجه مستمرا وثابتا”. 

وأوضحت أن الحكومة السابقة أولت السلطة التنفيذية في مرحلة حساسة، وواجهت على مدى ثلاث سنوات تحديات وعقبات جدية في مجالي الثقافة والفنون، لكنها نجحت – على الأقل من الناحية الكمية – في تحقيق إنجازات لا بأس بها، وسجّلت رقما جيدا في ميدان بناء وتجهيز صالات العرض السينمائي في مختلف مناطق البلاد.

وبينت أن هذه الحكومة قد وعدت خلال السنوات الثلاث الماضية، ببناء وتشغيل 430 صالة عرض، لترتفع الحصيلة الإجمالية لدور السينما الفاعلة في إيران إلى ألف صالة، وهو ما تحقق بشكل نسبي مع نهاية فترة الحكومة السابقة القصيرة، وذلك بافتتاح 293 صالة عرض جديدة، ومع مرور 9 أشهر على بداية عهد الحكومة الحالية، أضيفت 57 صالة جديدة إلى الطاقة الإجمالية لدور العرض، ما يبعث الأمل في استمرار هذا التوسع مستقبلا.

وتساءلت: هل يُعدّ بناء ألف صالة عرض في البلاد رقما مميزا يستدعي أن تفتخر به الحكومات؟ في السطور التالية، سيتم التطرق إلى الصالات السينمائية الجديدة، مع استعراض إحصاءات الدول المجاورة والمنافسة في مجال بناء وتجهيز صالات السينما، والإجابة عن هذا التساؤل الجوهري: هل يُعقل أن يقتصر إنشاء صالات العرض السينمائي في بلد شاسع مثل إيران على الحكومة وحدها، دون أن تتحمل الأطراف الأخرى أية مسؤولية في هذا المجال؟

شرق مشهد أصبح صاحب دار عرض سينمائي

ذكرت الصحيفة أن قائمة دور السينما التي أعلنت عنها مؤسّسة “سينماشهر” ضمن الدور التي تمّ افتتاحها حديثا، تضمنت اسم مجمع “ملل” الواقع في شرق مدينة مشهد الكبرى، ووفقا للمعلومات المنشورة على الموقع الإلكتروني الرسمي للمؤسّسة، فقد تمّ افتتاح مجمّع ملل بدعم من مؤسّسة سينما شهر في شهر أغسطس/آب 2024، ويضمّ خمس صالات عرض حديثة بطاقة استيعابية إجمالية تبلغ 589 مقعدا.

وتابعت أن التحقيقات الميدانية أظهرت أنّ افتتاح هذا المجمع تمّ في وقت سابق، وتحديدا في منتصف شهر يوليو/تموز 2024، أي قبل التاريخ المذكور رسميا، وهو ما يشكك في صحة ما ورد في تقرير المؤسّسة، إذ تمّ نشر خبر تدشين مجمّع ملل يوم 13 يوليو/تموز 2024، بحضور “محمد خزاعي” رئيس منظمة السينما الإيرانية السابق والمدير العام لدائرة الثقافة والإرشاد الإسلامي في محافظة خراسان الرضوية، وقد نُشر الخبر على أغلب وكالات الأنباء.

وأضافت أنه بعيدا عن هذه التفاصيل، فإنّ خبر إنشاء هذا المجمع السينمائي في منطقة محرومة من شرق مدينة مشهد أمر يدعو إلى السرور، حيث يمكن لهذا المجمع الذي يضمّ 5 صالات و589 مقعدا أن يلبّي جزءا كبيرا من حاجة سكّان شرق مشهد إلى الترفيه.

وأوضحت أنّ نقطة بالغة الأهمية تتعلق بهذه المجمعات السينمائية التي تُفتتح في المناطق الهامشية، وهي أنّ أسعار تذاكرها يجب أن تكون عادلة بالنظر إلى انخفاض متوسط الدخل في هذه المناطق، وذلك بهدف جذب الجمهور للخروج من منازلهم لمشاهدة الأفلام، إلّا أنّ الأسعار المعمول بها لتذاكر السينما لا تُحدَّد بناء على دخل سكّان المنطقة، بل تتحدد غالبا استنادا إلى مدى حداثة الصالة وجودتها، وفقا للمعايير الرسمية لتصنيف دور السينما.

وأشارت إلى أن الحقيقة المُقلقة هي أن زوار مجمّع ملل في مشهد يضطرون لدفع 110 آلاف تومان مقابل تذكرة واحدة في الأيام العادية، أي بنفس السعر الذي يدفعه زوار مجمّع “سينما غاليري ملت” في شمال طهران، الأمر الذي يُعدّ مجحفا ويُشكّل مساسا حقيقيا بمبدأ العدالة في مجال الترفيه. 

وأكدت أنه على الرغم من ذلك، فإنّ افتتاح هذا المجمع السينمائي خطوة إيجابية يجب الإشادة بها، ويُستحسن مواصلة هذا النهج في المدن الكبيرة والصغيرة على حد سواء، وفي القائمة التي نشرتها مؤسّسة سينما شهر بعنوان “دور السينما الجديدة في البلاد”، جاء مجمّع “الخليج الفارسي” السينمائي في مدينة الأهواز كواحد من أبرز دور العرض الحديثة في جنوب غرب البلاد.

وبينت أن هذا المجمع  يضم 6 صالات عرض و690 مقعدا، علما بأنّ “مسعود حميدي ‌فرد” مالك هذا المجمع، يشير إلى أنّ العدد الحقيقي للمقاعد يبلغ 720 مقعدا عند احتساب 25 مقعدا لصالة كبار الشخصيات، وهذا المجمع قادر إلى حدّ كبير على تلبية احتياجات سكّان المنطقة للترفيه السينمائي.

كما أفادت بأن القائمة تضم مجمعات أخرى حديثة التأسيس مثل: «هميلا» في طهران، و«صدرا» في شيراز، و«ساحل» في چابهار، و«كانون» في جزيرة أبو موسى، ويُعدّ السعر المناسب لتذاكر صالة «كانون» التابعة لمركز تنمية فكر الأطفال والناشئة في جزيرة أبو موسى نقطة إيجابية تستحق التنويه، وفي الوقت الراهن، يُعرض فيلم الإنتاج الضخم «موسى كليم‌الله (ع)» بسعر تذكرة يبلغ 4٠0 ألف ريال، أي ما يعادل 67 سنتا أمريكيا، وهو سعر مناسب لجمهور هذه المنطقة.

عدد صالات العرض في الدول المجاورة والمنافسة

ذكرت الصحيفة أن السينما الإيرانية تحتل مرتبة متقدّمة عالميا من حيث إنتاج الأفلام، إذ تُصنّف ضمن أفضل 20 دولة في هذا المجال، لكن هل يعكس عدد صالات العرض السينمائي في إيران تفوقا مشابها مقارنة بدول الجوار؟ للإجابة عن هذا السؤال، لا بدّ من العودة إلى الإحصاءات الدولية.

وتابعت أنه على سبيل المثال، ووفقا لبيانات “الوكالة المركزية للتعبئة العامة والإحصاء” في مصر، بلغ عدد مجمعات السينما في هذا البلد عام 2020 نحو 53 مجمّعا يضمّ 243 صالة، وتمّت إضافة 55 صالة أخرى في العام التالي، وتختلف التقديرات في هذا الصدد، حيث تذكر بعض المصادر أنّ العدد يصل إلى 325 صالة.

وأضافت أن مصر، رغم تاريخها العريق في الفنون المسرحية وتفوّقها في صناعة السينما بين الدول العربية، تعاني اليوم من أزمة حادة في مجالي الإنتاج السينمائي وتحديث صالات العرض، وتوزيع دور العرض في البلاد غير متوازن، إذ تتركّز معظمها في مدن كبرى مثل القاهرة والإسكندرية والجيزة، في حين لا توجد أي صالة سينما نشطة في جنوب البلاد.

وأوضحت أنه في السعودية، فقد استُؤنفت صناعة السينما عام 2018 بعد حظرٍ دامَ 35 عاما، وشهدت هذه الصناعة انتعاشا لافتا منذ ذلك الحين، ففي عام 2023، بلغ إجمالي الإيرادات السنوية لشباك التذاكر مليار دولار، رغم وجود 69 مجمعا سينمائيا فقط، يضمّ ما مجموعه 65 ألف مقعد، ويُتوقّع أن تستمر هذه الوتيرة التصاعدية مع افتتاح مزيد من دور العرض.

وأفادت بأنه في تركيا، تُوثّق إحصاءات عدد صالات السينما من قبل المديرية العامة للسينما في وزارة الثقافة والسياحة، ووفقا لهذه البيانات، بلغ عدد صالات العرض في تركيا حتى عام 2023 نحو 2618 صالة، علما بأنّ أعلى رقم سُجّل في عام 2018، حيث بلغ عددها 2858 صالة.

ولفتت إلى أن الإمارات العربية المتحدة، وعلى الرغم من مساحتها البالغة 83.600 كيلومتر مربع، تُعدّ من الدول المتقدّمة جدا في مجال عدد صالات السينما، إذ تضمّ حاليا 702 صالة موزّعة في مختلف أنحاء البلاد.

وتابعت أن الإمارات تستحوذ على 30% من إجمالي إيرادات شباك التذاكر في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعكس نجاح الاستثمار المتواصل في البنية التحتية الثقافية والسينمائية، وقد بلغت عائدات القطاع السينمائي الإماراتي العام الماضي 800 مليون درهم، مع بيع 15 مليون تذكرة دخول.