الصفقات الضخمة.. هل تتحول وعود ترامب في الخليج إلى واقع أم تبقى لُغة أرقام؟

دونالد ترامب- منصات التواصل

نشرت صحيفة “قدس ديلي” الإيرانية الأصولية، السبت 17 مايو/أيار 2025، تقريرا استعرضت فيه تفاصيل العقود الضخمة التي أبرمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع ثلاث دول خليجية خلال زيارته للمنطقة، والتي تجاوزت قيمتها 3.2 تريليون دولار. كما ناقش التحديات السياسية والاقتصادية والفنية التي قد تعيق تنفيذ هذه الاتفاقيات ويطرح تساؤلات حول واقعيتها وجدواها.

ذكرت الصحيفة أن ترامب يغادر أخيرا منطقة غرب آسيا، بعد أن أجرى جولة على ثلاث دول هي السعودية، والإمارات، وقطر، خرج منها بإجمالي اتفاقيات يبلغ قيمتها 3.2 تريليون دولار. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن هذه الدول، رغم توقيعها تلك الاتفاقيات الضخمة، لا يبدو أنها قادرة فعليا على توفير التمويل اللازم لتنفيذها.

عوائق اقتصادية داخلية

أضافت الصحيفة أن السعودية على وجه الخصوص تواجه تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة لانخفاض أسعار النفط وتكاليف مشاريعها الداخلية مثل “رؤية 2030″، الأمر الذي يجعل من تنفيذ تلك الاستثمارات أمرا معقدا. وتابعت أن المملكة، حتى تتمكن من الوفاء بتلك الالتزامات، مطالبة بتخصيص ربع ناتجها المحلي الإجمالي خلال أربع سنوات لصالح هذه الاتفاقيات.

غياب الشفافية في تفاصيل العقود

أكدت الصحيفة أن غياب الشفافية في تفاصيل العقود- سواء من حيث القيم الدقيقة أو نوعية الاستثمارات- يُعد عائقا إضافيا أمام قدرة الدول العربية على تقييم الفوائد المحتملة من هذه الاتفاقيات. وبدورها، أوضحت شركة SSGA في تحليل لها، أن الصناديق السيادية للدول العربية واجهت في السنوات الأخيرة تقلبات السوق، ما أدى إلى انخفاض العوائد المنتظرة من هذه الاستثمارات.

السعودية: الحصة الأكبر من التزامات الاستثمار

ذكرت الصحيفة أنه بحسب ما أكدته وزارة الخارجية الأمريكية، فقد تعهدت السعودية بتقديم أكبر حزمة اقتصادية خلال زيارة ترامب، وتابعت أن السعودية التزمت باستثمار 600 مليار دولار في قطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة داخل الولايات المتحدة، على مدى أربع سنوات.

وأردفت أن هذه الاتفاقية تُعد الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، وتشمل بيع صواريخ ورادارات ومعدات عسكرية متقدمة لتعزيز القدرات الدفاعية للسعودية ضد التهديدات الإقليمية. 

وأشارت إلى أن هذه الصفقة وقّعت رغم أن المنافس الإقليمي الوحيد للسعودية- أي إيران- في حالة تقارب حالية معها، كما أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) لم تعد تضغط عسكريا على المملكة في الوقت الراهن.

مشاريع الذكاء الاصطناعي والطاقة بقيمة 20 مليار دولار

أكدت الصحيفة أن شركة DataVolt السعودية ستستثمر 20 مليار دولار لتطوير مراكز بيانات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى بنية تحتية في مجال الطاقة داخل الولايات المتحدة .

وفي هذا السياق أفادت المصادر بأن شركة NVIDIA الأمريكية وقّعت اتفاقا لتصدير رقائق Blackwell إلى شركة Humain الناشئة في السعودية؛ في محاولة لتحويل المملكة إلى مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي. ولم يُعلن عن القيمة الدقيقة للصفقة، لكن التقديرات تشير إلى أنها بمليارات الدولارات، وأكدت الصحيفة أن شركة NVIDIA اشترطت عدم وصول هذه التقنية إلى الصين.

قطر: اتفاقات استثمارية ضخمة بقيمة 1.2 تريليون دولار

أفادت الصحيفة بأن قطر أبرمت حزمة من الاتفاقيات الاستثمارية بلغت قيمتها الإجمالية نحو 1.2 تريليون دولار، في خطوة تعكس طموحات الدوحة لتعزيز شراكاتها الاقتصادية والتكنولوجية مع الولايات المتحدة.

وأشارت إلى أن الخطوط الجوية القطرية خصصت ما يقارب 96 مليار دولار لشراء ما يصل إلى 210 طائرات من طرازي «بوينغ 787» و«777X»، في إطار استراتيجية تهدف إلى دعم قطاع النقل الجوي وخلق آلاف فرص العمل داخل الولايات المتحدة.

كما أوضحت أن الدوحة وقّعت اتفاقا مع شركة McDermott الأميركية لتطوير مشاريع الغاز الطبيعي المسال، وهو ما من شأنه زيادة الطاقة الإنتاجية للغاز وتعزيز مكانة قطر كمصدر رئيس للطاقة عالميا.

وأكدت الصحيفة أن جزءا من هذه الاستثمارات خُصص لدعم قاعدة “العديد” الجوية، التي تحتضن تواجدا عسكريا أمريكيا، إلى جانب تطوير أنظمة الدفاع الجوي وتعزيز قدرات الأمن البحري.

وأضافت أن قطر تعتزم استثمار مليار دولار في مجال تقنيات الحوسبة الكمية، ضمن جهودها لتعزيز الابتكار العلمي وتنويع مصادر الدخل الوطني بعيدا عن الاعتماد على الطاقة.

الإمارات توقّع عقودًا بقيمة 1.5 تريليون دولار مع الولايات المتحدة

أكدت الصحيفة أن الإمارات أبرمت مجموعة من العقود الضخمة مع الولايات المتحدة، تجاوزت قيمتها الإجمالية 1.5 تريليون دولار. وبيّنت أن الاتفاقيات الاقتصادية الموقّعة تُقدّر بأكثر من 200 مليار دولار، من أبرزها صفقة شراء 28 طائرة من طراز “بوينغ” لصالح شركة “الاتحاد للطيران”، بقيمة بلغت 14.5 مليار دولار.

وأشارت الصحيفة إلى أن الإمارات تهدف من خلال هذه الاتفاقيات إلى ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي رائد في قطاع التكنولوجيا، رغم غياب التفاصيل الكاملة لبعض البنود. وفي هذا السياق، كشفت عن اتفاق مع شركة أمريكية يتضمن تزويد الإمارات بنحو 500 ألف شريحة إلكترونية سنويًا من إنتاج شركة “NVIDIA”، وذلك لدعم تطوير البنية التحتية لمراكز البيانات في البلاد.

استثمارات صناعية كبرى في الولايات المتحدة 

وأضافت الصحيفة أن شركة الإمارات العالمية للألمنيوم تخطط لاستثمار 4 مليارات دولار لإنشاء مصنع لصهر الألمنيوم في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، في خطوة تُعد من أضخم الاستثمارات الصناعية التي تنفذها الإمارات داخل الولايات المتحدة.

كما أوردت أن العاصمة أبوظبي أبرمت اتفاقات مع عدد من الشركات الأمريكية العملاقة، من بينها “ExxonMobil”و”Occidental Petroleum”، بهدف تعزيز إنتاج النفط والغاز. وتأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية الإمارات لتأمين احتياجاتها من الطاقة، وتعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع واشنطن.

علامات استفهام بارزة

طرحت الصحيفة تساؤلات حول مدى جدية تنفيذ الاتفاقيات المُبرمة، في ظل التحديات السياسية الراهنة، رغم الصورة الإيجابية التي تسعى الولايات المتحدة إلى تصديرها بشأن هذه الزيارة.

وأشارت نقلا عن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)  إلى أن الولايات المتحدة لم تقدّم دعما فعليا لكل من السعودية والإمارات خلال حرب اليمن، ما أدى إلى اهتزاز الثقة في واشنطن باعتبارها شريكا أمنيا يُعتمد عليه.

تجربة قطر مع غياب الدعم الأمريكي

أضافت الصحيفة أن قطر أيضا لم تتلق أي دعم أمريكي خلال فترة الحصار السياسي والاقتصادي من جيرانها العرب، في حين كانت إيران هي من ساعدها على تجنب الانهيار.

وأشارت إلى أن كل من السعودية والإمارات وقطر لديهم علاقات اقتصادية واستراتيجية كبيرة مع الصين، الخصم الجيوسياسي الأبرز للولايات المتحدة، ما قد يعقّد من تنفيذ تلك الاتفاقات.

تحديات اقتصادية ومالية حقيقية

أكدت الصحيفة أن هذه الاتفاقات الضخمة تصطدم بواقع اقتصادي صعب، فالسعودية، على سبيل المثال، شهدت تراجعا في الاستثمار الأجنبي المباشر لثلاث سنوات متتالية، ويُعزى ذلك إلى انخفاض أسعار النفط والقلق من التباطؤ الاقتصادي العالمي.

وتابعت أن أسعار النفط وصلت حاليا إلى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات، ويأتي ذلك بالتزامن مع قرار “أوبك+” برفع الإنتاج، ما يفاقم الضغط المالي على السعودية.

أرقام غير واقعية

ذكرت الصحيفة أن الالتزامات المعلنة مثل 600 مليار دولار من السعودية خلال 4 سنوات أو 1.4 تريليون دولار من الإمارات خلال 10 سنوات، تبدو غير واقعية، خصوصا أن الناتج المحلي السنوي للسعودية لا يتجاوز تريليون دولار.

وأشارت  إلى أن جزءا كبيرا من هذه الاتفاقات لا يزال مبهما من حيث طبيعته، فبعضها مجرد عمليات شراء معدات لا تُعد استثمارا حقيقيا، والبعض الآخر لا تتوفر له أي مؤشرات جدية عن الجدوى أو آلية التنفيذ.

أكدت الصحيفة، نقلا عن Breaking Defense، أن هناك قلقا حقيقيا بشأن تسريب التقنيات المتقدمة التي تتضمنها هذه العقود، لا سيما وأن الإمارات تستخدم شبكات 5G صينية، ما قد يفرض قيودا على التعاون الأمني والتكنولوجي.

تعقيدات لوجستية

أضافت الصحيفة أن تنفيذ العقود العسكرية الضخمة مثل صفقات الصواريخ والرادارات يتطلب منظومات إدارية فعالة، وهو ما تفتقده بعض هذه الدول. كما أن أحداثا مثل حرب اليمن وقضية خاشقجي قد تعيد تعقيد العلاقات مع واشنطن وتعرقل تنفيذ العقود.

وتابعت أن هذه العقود العسكرية قد تكون بلا جدوى فعلية، نظرا إلى أن إيران- الخصم الإقليمي الوحيد- ليست في صدام مباشر حاليا مع هذه الدول، ما يعني أن المعدات قد تُخزّن دون استخدام، أو تُباع لاحقا لدول أخرى، أو تُفكّك.

تحديات دبلوماسية داخلية وخارجي

ذكرت الصحيفة أن الثقة بترامب ومعه الولايات المتحدة لا تزال موضع شك لدى العديد من الحلفاء، خاصةً أن مصداقية واشنطن في الخليج تراجعت بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير.

وفي هذا السياق أضافت وكالة رويترز أن بعض الاتفاقيات مثل رفع العقوبات عن سوريا التي أُعلن عنها خلال هذه الزيارة، قد تواجه معارضة في الكونغرس الأمريكي، مما قد يؤثر على تنفيذها.

هل هي استثمارات حقيقية أم أوهام مشتركة؟

اختتمت الصحيفة تقريرها، بطرح سؤال جوهري يقول: هل يمكن اعتبار هذه الاتفاقات مع الدول العربية واقعية وقابلة للتنفيذ؟ أم أنها مجرد أوهام مشتركة بين ترامب وحلفائه الخليجيين تهدف إلى إظهار الإنجازات على الورق دون أي ضمانات حقيقية لتنفيذها على الأرض؟