الطاقة النووية في إيران بين الطموح والواقع: استثمارات ضخمة وعقبات سياسية تعرقل التطوير

الملف النووي الإيراني- منصات التواصل

تناول موقع “فرارو” الإيراني الإصلاحي في تقرير له، السبت 17 مايو/أيار 2025، واقع الطاقة النووية في إيران ودورها المحدود في توليد الكهرباء، وسلط الضوء على التحديات التقنية والمالية والسياسية التي تعرقل توسعها. كما ناقش آفاق التخطيط المستقبلي لزيادة حصتها في مزيج الطاقة الوطني خلال العقد المقبل.

ذكر الموقع أنه في ظل التحديات التي تواجهها إيران حاليا في تأمين الطاقة بشكل مستدام، تُطرح الطاقة النووية كأحد الحلول الاستراتيجية لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي، بحسب ما أشار إليه بعض المحللين في هذا المجال.

وأضاف أنه بحسب التقارير الرسمية الصادرة عن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، فإن محطة بوشهر النووية تنتج حاليا نحو 1000 ميغاواط من الكهرباء، وهو ما يُشكل فقط 1.2% من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد. 

وفي الوقت نفسه، تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن إيران ستواجه عجزا قدره 25 ألف ميغاواط من الكهرباء في عام 2025، أي ما يعادل إنتاج 25 مفاعلا بحجم محطة بوشهر.

الملف النووي في قلب التفاوض السياسي

وتابع أنه في خضم استمرار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، شدد عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، مجددا على حق إيران في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وأعلن استمرار عمليات تخصيب اليورانيوم لتأمين وقود المحطات النووية.

نسبة الطاقة النووية ضئيلة والاعتماد الأكبر على الغاز

أفاد الموقع بأن الدكتور هاشم أورعي، الأستاذ بجامعة شريف الصناعية ورئيس اتحاد الطاقة، سلط الضوء على الاختلال الواضح في توزيع مصادر الطاقة ضمن مزيج الكهرباء في إيران. وأوضح أن نحو 88% من إنتاج الكهرباء يعتمد على الغاز، فيما لا تتجاوز مساهمة الطاقة الكهرومائية 6%، وهما مصدران يواجهان تحديات كبيرة في تأمين الإمدادات.

وأضاف أورعي أن مساهمة المصادر الأخرى، مثل الطاقة المتجددة والطاقة النووية، لا تزال هامشية للغاية، إذ لا تتعدى 1% من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد، ما يعكس ضعف التنوع في البنية التحتية لقطاع الطاقة الإيراني.

قال إن جوهر الأزمة يكمن في غياب البصيرة والتخطيط العقلاني عند صياغة مزيج الطاقة في البلاد، مشددا على أن إعادة النظر في هذا الواقع باتت ضرورة ملحّة. لكنه أوضح في الوقت نفسه أن الاعتماد على الطاقة النووية لن يكون حلا سريعا لأزمة الكهرباء، نظرا إلى طبيعة هذه التقنية ومتطلباتها المعقدة.

وأشار إلى أن إيران تفتقر حاليا إلى التكنولوجيا المتقدمة اللازمة لتشغيل محطات الطاقة النووية بكفاءة، وهي تقنيات لا تتوافر إلا لدى عدد محدود من الدول. ولفت إلى أن طهران مضطرة إلى الاعتماد على التعاون الخارجي في هذا المجال، مضيفا أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تبدي استعدادا فعليا للتعاون، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على البلاد.

التجربة الروسية في بوشهر: خسائر وتأخير

للأسف، لم تكن تجربة التعاون مع روسيا في مجال الطاقة النووية مشجعة. فقد أظهرت تجربة محطة بوشهر كيف أن موسكو تسلّمت الاستثمارات المالية، لكنها ماطلت لسنوات طويلة في تنفيذ المشروع، ولم تلتزم بالجدول الزمني أو المعايير المتفق عليها. والنتيجة كانت هدراً كبيراً لرأس المال دون تحقيق نتائج ملموسة.

الطاقة النووية تحتاج إلى استثمارات ضخمة

لفت أورعي إلى أنه من السمات البارزة لمشاريع الطاقة النووية أنها تعتمد على استثمارات ثابتة ضخمة، بخلاف مصادر الطاقة الأخرى التي تتطلب تمويلا أوليا أقل بكثير. وأوضح أنه عند مقارنة المشاريع النووية المنفذة في كل من تركيا والإمارات، يتبيّن أن تكلفة الاستثمار الثابت لكل كيلوواط من الكهرباء النووية تبلغ نحو 4000 دولار، مقابل أقل من 1000 دولار في مشاريع توليد الكهرباء عبر مصادر بديلة.

وأضاف أنه رغم ما تحققه الطاقة النووية من عوائد مجزية على المدى الطويل، فإن حجم الاستثمارات الأولية اللازمة يبقى عاملاً حاسمًا يجب التعامل معه بواقعية.

الزمن الطويل لتنفيذ المشاريع النووية يشكل عائقا إضافيا

في سياق حديثه، أكد أورعي أن من أبرز التحديات التي تواجه مشاريع الطاقة النووية هو المدى الزمني الطويل اللازم لتنفيذها، موضحا أنه حتى في حال توافر الاتصال بالعالم الخارجي واستقطاب الاستثمارات، فإن إتمام مثل هذه المشاريع يحتاج إلى سنوات عدة.

وأشار إلى أن التعامل الدولي مع الملف النووي الإيراني يشوبه قدر كبير من الحساسية في المرحلة الراهنة، واصفا الوضع بالدقيق، ومؤكدا أن توقيع عقود جديدة لتطوير الطاقة النووية لا يمكن أن يتم بسهولة في ظل هذه الظروف، خاصة في ظل الضغوط والمطالبات الدولية المتزايدة لإغلاق بعض المنشآت النووية.

نظرة واقعية للمستقبل:زتخطيط لعشر سنوات مقبلة

شدّد أورعي على أهمية تبني نهج واقعي واستراتيجي طويل الأمد في قطاع الطاقة، مؤكدا أنه رغم التحديات، من الضروري العمل على زيادة مساهمة الطاقة النووية في مزيج الكهرباء الوطني. وقال: “ينبغي أن يوضع هدفا عمليا يتمثل في تأمين ما بين 5 و10% من احتياجات البلاد من الكهرباء عبر الطاقة النووية خلال العقد المقبل”.

وأضاف أن منطق قطاع الطاقة يفرض الاعتراف بأن هذه المشاريع لا توفر حلولا آنية، لكنها تمثل ضرورة استراتيجية لضمان أمن الطاقة على المدى البعيد.