- دنيا ياسر
- 21 Views
ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
تناول موقع “فرارو” الإيراني الإصلاحي، في تقرير له الإثنين 5 مايو/أيار 2025، أزمة المياه المتفاقمة في إيران من زاويتين أساسيتين: ارتفاع معدلات استهلاك المواطنين مقابل تهالك شبكات التوزيع وفقدان كميات كبيرة من المياه قبل وصولها للمستهلكين. كما يناقش فعالية السياسات الحكومية، مثل رفع التعرفة، في الحد من الاستهلاك ويطرح تساؤلات حول غياب المعالجات الجذرية.
أفاد الموقع بأن العاصمة طهران، كمركز سكاني كبير، تعاني وضعا غير مرض على صعيد إهدار المياه. فحتى نهاية عام 2024 ، يتبين أن ما بين 22 إلى 30% من المياه المنتجة تُفقد نتيجة تهالك شبكة التوزيع وتسرب المياه من الأنابيب.
وأضاف أن أكثر من 24% من شبكة المياه في طهران يتجاوز عمرها 25 عاما، وهي بحاجة مُلحّة للتجديد، غير أن العقبة الكبرى، بحسب ما أكده خبير إدارة الموارد المائية، داريوش مختاري، هي النقص الحاد في الميزانية اللازمة لأعمال التحديث والصيانة.
استهلاك يفوق المعدلات العالمية
تابع الموقع، مشيرا إلى أن إيران تُعدّ واحدة من بين عشر دول تعاني من أعلى معدلات الضغط المائي في العالم. رغم ذلك، نقل الموقع عن علي سيدزاده، المدير العام لإدارة الاستهلاك وتقليل الفاقد في شركة المياه والصرف الصحي، قوله إن معدل استهلاك الفرد الإيراني يبلغ 195 لترا يوميا، في حين ينبغي أن يكون الحد المقبول عالميا 150 لترا للفرد يوميا فقط.
كما أشار إلى أن وزارة الطاقة أعلنت عن نموذج جديد لاستهلاك المياه حُدد لعام 2025 بـ130 لترا للفرد في اليوم، إلا أن معدلات الاستهلاك ما زالت أعلى من هذه القيم، ما دفع السلطات إلى التوجه لفرض زيادات تدريجية في أسعار المياه على المستهلكين الذين لا يلتزمون بالنموذج المقرر.
تسعيرة المياه: حلّ جذري أم مسكّن مؤقت؟
أوضح الموقع أن من الأساليب التقليدية التي تتبعها السلطات للحد من الاستهلاك المرتفع، رفع أسعار المياه، وهو إجراء استُخدم مرارا من قبل مؤسسات مختلفة. ففي عام 2024 تم رفع التسعيرة وفق نظام شرائح تدريجي، بحيث يدفع المستهلك العادي 2000 ريال لكل متر مكعب، أما من يتجاوز النموذج، فتبلغ القيمة 4000 ريال للمتر المكعب. وقد تجاوزت فواتير بعض المشتركين 2000 ألف ريال.
لكن الموقع لفت إلى أن البيانات الرسمية تُظهر أن هذا الإجراء لم يكن كافيا. إذ إن 52% من المشتركين يستهلكون 28% فقط من إجمالي المياه، بينما يستأثر الـ48% الباقون- وهم المستخدمون المفرطون- بنسبة 72% من الاستهلاك. وهذا يُظهر خللا واضحا في توزيع الاستهلاك.
ويؤكد أن رفع الأسعار لم ينجح في تغيير سلوك الفئات ذات الاستهلاك العالي، بل ألقى العبء الأكبر على الأسر ذات الدخل المحدود، دون تحقيق نتائج مؤثرة في تقليص حجم الاستهلاك الكلي.

أين تذهب المياه قبل أن تصل إلى المنازل؟
أوضح الموقع أن جزءا كبيرا من هدر المياه لا يعود للمستهلكين أنفسهم، بل يحدث أثناء عملية نقل المياه من السدود إلى محطات التنقية، ثم إلى أنظمة التوزيع الحضرية. حيث تشير الإحصائيات إلى أن نحو 32% من المياه المنتجة لا تصل أصلا إلى المستهلكين.
وأضاف أن هذا الرقم كبير جدا حتى على الورق، ويتضمن هدرا ماديا وفيزيائيا (15%)، وهدرا ظاهريا (15.5%) مثل أخطاء القياس أو السرقات، إضافة إلى 1.4% من الاستخدامات المرخصة غير المنتجة للدخل. ما يسلّط الضوء على أزمة مستمرة في بنية التوزيع المائي، التي لطالما شدد الخبراء على ضرورة إصلاحها وتجديدها.
الجفاف والفساد في البنية التحتية: كارثة مزدوجة
أكد الموقع أن محسن أردكاني، المدير التنفيذي لشركة المياه والصرف الصحي في محافظة طهران، أشار إلى أن السنوات الخمس الماضية شهدت موجات متتالية من الجفاف، وأن العامين الأخيرين كانا الأصعب خلال السنوات الخمسين الماضية. ومع ذلك، فإن مسألة تهالك البنية التحتية لم تلقَ اهتماما كافيا رغم أثرها الكبير في تفاقم المشكلة.
وفق إحصائيات عام 2024، فإن ما بين 25 إلى 30% من المياه المنتجة في شبكات التوزيع الحضرية والريفية في إيران تضيع بسبب تسربات الأنابيب، الوصلات غير القانونية، وأخطاء القياس. هذا الكمّ الهائل من المياه المهدر يعادل استهلاك أكثر من 25 مليون شخص في عام واحد.
هل الفواتير المرتفعة تُغيّر من سلوك الاستهلاك؟
تابع فرارو موضحا أن تعديل تسعيرة المياه قد يبدو خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه لا يكفي وحده. فبحسب بعض الاقتصاديين، ينبغي أن تُرافق هذه السياسات أدوات أكثر عدالة وتأثيرا، مثل تطوير البنية التحتية وإطلاق حملات توعية فعالة.
و وأضاف أنه في حين أن بعض المؤسسات قد حاولت تحفيز المستهلكين من خلال خصومات وتخفيضات، إلا أن نتائج هذه المبادرات لم تكن مؤثرة بما يكفي، خاصة في المدن الكبرى.
وذكر أن جهود التوعية لا تزال محدودة، فموقع شركة المياه والصرف الصحي يحتوي على أقسام لتعليم سلوكيات الاستهلاك السليم، لكن المحتوى المقدم يحتاج إلى تطوير ليواكب تطلعات الجمهور.

الإعلام والتوعية: الحلقة المفقودة في ترشيد الاستهلاك
شدد الموقع في ختام تقريره، على أهمية وسائل التواصل الاجتماعي كأداة فعالة في نشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه. إذ يمكن من خلال مقاطع فيديو قصيرة، وحملات توعوية جذابة، الوصول إلى جمهور واسع بتكلفة منخفضة. غير أن غياب محتوى تعليمي مشوّق، ومحدودية عدد المتحدثين المتخصصين بلغة يفهمها العامة، يجعلان من هذه الوسيلة غير مستثمرة كما ينبغي.
وأكد أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق المواطنين لتقليص استهلاكهم، بل تقع أيضا على الجهات المعنية التي يجب أن تعمل على تحديث البنية التحتية وتفعيل أدوات التوعية الثقافية. إذ إن الأدلة المتاحة تُثبت أن السياسات العقابية وحدها لم تكن كافية للحد من تفاقم استهلاك المياه في البلاد.