- ربيع السعدني
- متميز
- 4 Views
كتب: ربيع السعدني
تواجه المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، التي تستضيفها سلطنة عمان، تحديات معقدة تهدد نجاحها، تتمثل العقدة الأمريكية في التناقضات الداخلية بإدارة ترامب، التي تعاني من خلافات بين كبار المسؤولين.
كما تجلى في إقالة مستشار الأمن القومي مايكل والتز، وغياب معايير واضحة للمطالب الأمريكية وتتفاقم هذه التحديات بضغوط خارجية من جماعات الضغط المناهضة لإيران، مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وأنصار إسرائيل، التي تسعى لتقويض أي اتفاق، إضافة إلى ذلك، تعرقل التهديدات العسكرية والعقوبات الجديدة، كتلك المعلنة في 10 مايو/أيار 2025، والمطالب الخارجة عن إطار المفاوضات، مثل وقف تخصيب اليورانيوم بالكامل، بناء الثقة وتدفع إيران نحو مواقف أكثر صرامة.
بدأت إدارة ترامب محادثات مع إيران قد تكون واعدة إذا كانت الإدارة الأمريكية على استعداد للسماح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم بشكل محدود، وهو التنازل الذي قد يكون ضروريا للتوصل إلى اتفاق، وقد يثير انتقادات داخل الولايات المتحدة ومن إسرائيل، لكن ترامب يتمتع بالقوة الكافية لتحمل مثل هذه الانتقادات إذا حدثت.

وقد تأجلت الجولة الرابعة من المحادثات غير المباشرة والرسمية بين إيران والولايات المتحدة في الوقت الذي لا يزال فيه البيت الأبيض يعاني من نوع من الارتباك وحتى الخلاف في إرسال إشارات واضحة ومحددة بشأن المفاوضات، وقد أدى إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي، مايكل والتز وتصريحات الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته ماركو روبيو بشأن القضية النووية الإيرانية والعقوبات، إلى خلق حالة من عدم اليقين بشأن استمرار المفاوضات ومستقبلها.
ووصف أستاذ العلاقات الدولية جلال دهقاني فيروز آبادي تكتيكات التفاوض الأمريكية بعد الجولة الثالثة من هذه المحادثات بأنها أشبه بلعبة “السلم والثعبان”، إلا أنني أعتقد أن ترامب لا يسعى إلى الحرب، بل يسعى إلى التوصل إلى اتفاق أقصى لتأمين المصالح الأمريكية باستراتيجية تفاوضية قائمة على القوة، وقد تم تحديد استراتيجية إيران تجاه هذه الاستراتيجية بشكل صحيح”.
المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، خاصة بشأن القضايا النووية ورفع العقوبات، كانت دائما مصحوبة بالتعقيدات والتحديات، وتتواصل الجولة الجديدة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، التي تستضيفها سلطنة عمان، في حين أن هناك عدداً من العوامل والضغوط على الجانب الأمريكي قد تؤثر بشكل أكبر على مسار هذه المحادثات وتؤدي إلى إبطائها أو تأخيرها أو إعاقتها.
- خلافات داخلية بفريق ترامب
ومن بين العوامل الرئيسية التي قد تؤثر على المفاوضات المستقبلية، الخلافات والنزاعات الداخلية داخل فريق الرئيس الأمريكي وتشهد إدارة ترامب الثانية، التي بدأت عملها مطلع عام 2025 بشعار سياسة خارجية عدوانية، توترات بين كبار مسؤوليها، قد تعقد عملية اتخاذ القرار بشأن إيران وكتبت شبكة CNN في تقرير لها: إن إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز في 30 أبريل/نيسان 2025، هي علامة على التوترات الداخلية داخل إدارة ترامب.

على سبيل المثال، ذكرت صحيفة واشنطن بوست يوم الجمعة الماضي (2 مايو/أيار 2025) أن الولايات المتحدة لم تحدد بعد معايير مطالبها من إيران، وأن تحديد هذه المعايير يعتمد على قرار يتخذه ترامب نفسه، ولم يعلق على هذا أيضا، وذكرت الصحيفة أن مجموعة من المسؤولين من إدارات ترامب المختلفة عقدت اجتماعا الأسبوع الماضي لمناقشة ما إذا كان ينبغي السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم.
وفي وقت سابق هدد الرئيس الأمريكي الخميس (1 مايو/أيار 2025) بفرض عقوبات على أي شخص يشتري النفط الإيراني، وهو التحذير الذي جاء بعد تأجيل المحادثات المقررة بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي يشهد تقدما سريعا.
ويمكن رؤية انعكاسات هذه الارتباكات أيضا في المواقف التي اتخذها ستيف ويتكوف ممثل إدارة ترامب في المفاوضات، وهو الذي يفتقر إلى الخبرة في القضايا النووية المعقدة والدبلوماسية، تبنى بمفرده عدة مواقف تجاه إيران، وتراجع في بعض الأحيان عما قاله، ثم عاد إليه بعد فترة وقد زاد وجود أفراد ذوي خبرة دبلوماسية محدودة من الارتباك وافتقاد الكفاءة والخبرة اللازمتين لقيادة قضايا معقدة مثل المفاوضات مع إيران.
- جماعات الضغط المناهضة لإيران
وفي الوقت نفسه تتفاقم هذه الخلافات الداخلية القائمة بسبب الضغوط الخارجية من جماعات الضغط المناهضة لإيران والجماعات المتطرفة في الولايات المتحدة، وقد مارست جماعات الضغط، مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وأنصار إسرائيل، مع نفوذها في الكونجرس ووسائل الإعلام، ضغوطا على إدارة ترامب لتجنب أي اتفاق مع إيران.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن صادرات إيران من النفط لم تنخفض فحسب بل زادت منذ عودة سياسة الضغط القصوى التي ينتهجها ترامب، وبحسب وكالة تسنيم للأنباء نقلا عن الصحيفة الأمريكية، فإن جماعات الضغط المناهضة لإيران قد تعمل على الحد من مساحة الدبلوماسية من خلال الترويج لمواقف متشددة وإذا ما اشتدت هذه الضغوط في المستقبل، فإنها قد تدفع فريق التفاوض الأمريكي نحو مطالب تتعارض مع الخطوط الحمراء الإيرانية، مثل الحفاظ على الحق في التخصيب، وبالتالي تقود المفاوضات إلى طريق مسدود.
- التكتيكات الأمريكية
وإضافة إلى هذه الضغوط السياسية، فإن إدمان أمريكا على سياسة “العصا والجزرة” يشكل إحدى العقبات التي يمكن أن تسمم مساحة التفاوض وتحولها عن المسار البناء، قبل أيام، عشية الجولة الرابعة من المحادثات الإيرانية الأمريكية التي تأجلت، هدد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيت، مساء الأربعاء 30 أبريل/نيسان 2025، إيران بنشر رسالة على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، مفادها أنها ستدفع ثمن دعمها لميليشيات الحوثي في اليمن. وأكد هيغسيت عبر حسابه على منصة إكس، الهجمات في اليمن إلى إيران، قائلا: “إن إيران سترد في الوقت والمكان اللذين تختارهما الولايات المتحدة”.

إن مثل هذه التصريحات، خاصة إذا تكررت عشية جولات لاحقة من المفاوضات، قد تؤدي إلى تقويض ثقة إيران بجدية الدبلوماسية الأمريكية، وأكد المسؤولون الإيرانيون المشاركون في الجولة الحالية من المحادثات مرارا وتكرارا أنهم غير مستعدين للتفاوض تحت الضغط أو التهديدات.
فرض العقوبات الأمريكية الجديدة، مثل تلك التي أُعلن عنها في 10 مايو/أيار 2025 ضد أفراد وشركات إيرانية، والتي قوبلت بردّ فعل حاد من طهران، هو مثال على هذا النهج وإذا استمرت الولايات المتحدة في سياسة الضغط القصوى في المستقبل، فإن هذه العقوبات قد تدمر أجواء بناء الثقة وتدفع إيران إلى تبني مواقف أكثر صرامة في المفاوضات، ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي هذه العقوبات بأنها علامة على “عدم جدية” واشنطن ويعزز من عملية تهميش المفاوضات وتأخير تقدمها.
مطالب جديدة
إضافة إلى ذلك، فإن محاولة أمريكا تغيير إطار المفاوضات واقتراح مطالب جديدة قد تؤدي أيضا إلى طريق مسدود في المحادثات، ورغم أن المفاوضات الأولية اتفقت على التركيز على القضايا النووية، فإن مزاعم الولايات المتحدة بشأن وقف كامل لتخصيب اليورانيوم، وحتى إثارة قضايا مثل برنامج الصواريخ الإيراني، قد تؤدي إلى طريق مسدود دبلوماسي في المستقبل.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الخلافات الفنية بشأن مستويات تخصيب اليورانيوم واحتياطيات إيران من اليورانيوم كانت من بين القضايا الحساسة في المفاوضات وإذا استمرت هذه التجاوزات، فقد تنأى إيران بنفسها عن المحادثات، وقد تتوقف عملية الحوار ربما يتذكر الأمريكيون أن أحد أسباب فشل عدة جولات من المفاوضات خلال رئاسة جو بايدن كان اقتراح الأمريكيين بمطالب جديدة.

وفي هذا الصدد، كتب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أيضا على صفحته بمنصة إكس: “إذا كان الهدف النهائي هو كما قال الرئيس ترامب مرارا أي (الشيء الوحيد الذي لا يمكنهم الحصول عليه هو الأسلحة النووية)، فإن الاتفاق قابل للتحقيق، ولكن هناك طريقة واحدة فقط لتحقيقه: الدبلوماسية القائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة”.
وأكد رئيس فريق التفاوض الإيراني أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يملي – بكل وقاحة- على الرئيس ترامب ما يمكنه وما لا يمكنه فعله في دبلوماسيته مع إيران، كما يعلم الجميع كيف يتدخل نتنياهو بشكل مباشر في الحكومة الأمريكية ليقودها إلى كارثة أخرى في منطقتنا، وإن أقلية نتنياهو، في إشارة إلى جماعات الضغط الإسرائيلية المناهضة لإيران في أمريكا، التي تخاف من الدبلوماسية، كشفت الآن عن خطتها الحقيقية، ينبغي للعالم أن ينتبه إلى ما هي أولوياته الحقيقية”.
وبشكل عام، فإن التناقضات الداخلية داخل فريق ترامب، والضغوط من جماعات الضغط المناهضة لإيران، خاصةً الإسرائيلية والتهديدات العسكرية، والعقوبات الجديدة، والمطالب خارج إطار المفاوضات، والافتقار إلى الشفافية في الالتزامات الدبلوماسية، وعدم رغبة إيران في الاستفادة من فوائد الاتفاق، كلها ضغوط قد تستمر في تحدي المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.
ولمنع هذه العواقب، يتعين على الولايات المتحدة إعادة النظر في نهجها وخلق التماسك في سياستها الخارجية لتمهيد الطريق إلى المفاوضات دون الوصول في النهاية إلى طريق مسدود.