انتخابات المجالس الإسلامية وتأجيلها.. خلفية سياسية وأهداف القوى الثورية في إيران

ترجمة: يسرا شمندي

نشرت صحيفة اعتماد الإصلاحية تقريرا في 14 مايو/أيار 2025، أفادت فيه بأن خطة تأجيل انتخابات المجالس الإسلامية للمدن والقرى قد أثمرت أخيرا، حيث أعلنت وزارة الداخلية في بيانٍ، الأسبوع الماضي، أن انتخابات الدورة السابعة للمجالس الإسلامية في البلاد، والانتخابات التكميلية للدورة الثانية عشرة للبرلمان، والدورة السادسة لمجلس خبراء القيادة ستُجرى في 1 مايو/أيار 2026.

 

وأضافت الصحيفة أنه منذ نحو 20 عاما، أي منذ أن أصبحت المجالس الإسلامية للمدن والقرى منصة انطلاق لمحمود أحمدي‌نجاد نحو رئاسة الجمهورية، ازدادت أهمية هذا الكيان بالنسبة للتيارات السياسية.

وتابعت أنه رغم أن رؤساء البلديات الذين جاءوا بعد أحمدي‌نجاد لم يتمكنوا من الوصول إلى نفس مكانته، فإن المجالس الإسلامية للمدن والقرى أصبحت رمزا للتيار اليميني الذي نجح في العودة إلى السلطة بعد 8 سنوات من حكم الإصلاحيين. وبعد مرور 20 عاما، سعى الأصوليون الذين خسروا الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة إلى الحفاظ على سيطرتهم على هذا الكيان عبر تأجيل الانتخابات.

وأكدت أن الخطة التي بدأها المقربون من عمدة طهران علي رضا زاكاني، سمحت له بالبقاء في منصبه في “بهشت” حتى يونيو/حزيران 2026، مستغلين تعديل قانون الانتخابات. والآن، بعد أن فقدوا السيطرة على الحكومة، يحرص الأصوليون على تأجيل الانتخابات لضمان استمرار سيطرتهم على المجالس الإسلامية وبلدية طهران.

نموذج المجالس الإسلامية للمدن والقرى

أوضحت الصحيفة، أن انتخابات المجلس البلدي لمدينة طهران أُجريت في 10 مارس/آذار  2003، حيث شارك فيها 562.522 شخصا. وأصبح محمود أحمدي‌ نجاد عمدة طهران في 20 مايو/أيار 2003، وظل في المنصب حتى يونيو/حزيران 2005. 

وبعد ترشح أحمدي نجاد للرئاسة، تولى علي سعيدلو منصب القائم بأعمال العمدة لفترة شهرين، ثم تم اختيار محمد باقر قاليباف عمدة في سبتمبر/أيلول 2005. وتم صعود أحمدي‌نجاد من العمدة إلى رئاسة جمهورية إيران في 2005، وأكد أهمية هذا المنصب للتيار الأصولي.

وأكدت أنه في صيف 2009، بعد فوز محمود أحمدي‌نجاد في الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية، اعتقد الأصوليون أنهم قد سيطروا بالكامل على السياسة الإيرانية بعد انهيار حكومة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، وأصبح البرلمان تحت سيطرتهم. وكانت تلك الفترة بمثابة ذروة انتصارهم، حيث كانوا واثقين باستحالة وجود منافس لهم. 

وأفادت بأن الأصوليين كانوا يرون أنفسهم في مسار مشابه لتجربة حزب روسيا الموحد الكبير في روسيا، معتبرين أنهم سيحكمون إيران إلى الأبد. لكن بعد 16 عاما من تلك الأيام، لم يعد الأصوليون في موقف المنتصرين، بل دخلوا مرحلة جديدة من التحولات السياسية

صيف 2013 وحلم اليمين المكسور

ذكرت الصحيفة أن التنافس بين المحافظين في إيران بدأ بعد انتخابات 2009، حيث شكل غطاء فكري ظاهري تنافسا داخليا بين شخصيات تمثل التيار الإصلاحي مثل الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني ومرشحي المحافظين. 

وتابعت  أنه في انتخابات 2013، كانت المنافسة تنقسم إلى طبقتين: الأولى بين روحاني والإصلاحيين من جهة والمحافظين من جهة أخرى، والثانية كانت بين شخصيات داخل المعسكر المحافظ مثل ممثل المرشد الأعلى سعيد جليلي، الذي يمثل فكر المسجد والمدرسة والأسرة، ورئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، الذي تبنى خطابا جهاديا بعد تجربته في انتخابات 2005.

توقع السياسي الإيراني وحيد يامين‌بور فوز أحد مرشحي المحافظين على روحاني، لكن النتيجة كانت مغايرة، حيث فاز روحاني بـ18 مليون صوت في صيف 2013، مما تحطم معه حلم المحافظين في صيف 2009. وهذا التغيير شكل نقطة تحول في استراتيجيات المحافظين، حيث تبنى خطاب “خوف المنافس” في الانتخابات التالية.

وأوضحت الصحيفة أن بعد الهزيمة في 2013، بدأت عمليات تحليل أسباب الفشل بين المحافظين، مما أدى إلى انقسام فكري وتنظيمي داخل صفوفهم. ونشأت شبكات جديدة، وأصبح الخطاب السياسي للمحافظين ينقسم بين شخصيات جهادية وثورية، مما خلق جيلا جديدا من القيادات وأدى إلى تشكيل قطبين متنازعين داخل المعسكر اليميني الإيراني.

الأحلام الضائعة في صيف 2024

ذكرت الصحيفة أنه مع إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في 2024، كان يُعتقد أن رئاسة الجمهورية ستنتقل بين شخصيات محافظة، مثل سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف. رغم ذلك، أظهرت التجربة السابقة أن انتخابات ذات نسبة مشاركة منخفضة قد تُؤدي إلى فوز مرشح غير إصلاحي. وبسبب الأحداث التي وقعت في 2023، فقدت الانتخابات فعاليتها، مما أدى إلى انقسام التيار المحافظ إلى مجموعتين. ورغم أن البرلمان كان تحت سيطرة المحافظين، فقد خرجت السلطة التنفيذية من أيديهم، حيث تولى مسعود پزشكيان الرئاسة، بينما قاليباف لم يكن يحظى بقبول واسع بين المحافظين.

إيجاد حل للحفاظ على مؤسسات المجالس في أيدي القوى الثورية

أوردت الصحيفة أنه في عام 2024، تم تصديق قانون إصلاح انتخابات المجالس البلدية والقروية في البرلمان الإيراني، الذي أثار جدلا واسعا بين المؤيدين والمعارضين. وبدأ الموضوع يطرح في الإعلام قبل أشهر من التصديق، حيث كان بعض النواب يضغطون لتمديد فترة عمل المجالس الحالية. 

وأضافت أنه في 3 يناير/كانون الثاني 2024، أعلن رئيس لجنة الإشراف على النواب محمد صالح جوكار عن تقديم مشروع تعديل قانون الانتخابات لتمديد فترة عمل المجالس لمدة عام واحد، على أن تُجرى الانتخابات في يونيو 2025.

وأكدت أن مؤيدي التمديد اعتبروا أنه بناء على السياسات العامة للانتخابات، يجب أن تُجرى الانتخابات كل عامين، وبالتالي كان تمديد الانتخابات منطقيا في ظل الظروف. في المقابل، اعتبر المعارضون أن تمديد الانتخابات يُطيل معاناة المدن التي تعاني من غياب تمثيل في المجالس.

وأفادت بأنه في 11 فبراير/شباط 2024، وافق مجلس صيانة الدستور على تأجيل الانتخابات لمدة 10 أشهر، على أن تُجرى الانتخابات في أواخر مارس أو بداية أبريل/نيسان 2025. في 22 فبراير/شباط 2024، أعلن قاليباف عن تصديق القانون، الذي يتضمن 71 مادة، بعد أن تمت الموافقة عليه من قبل مجلس صيانة الدستور في 10 فبراير/شباط 2024.

والجدير بالذكر أن المعارضين طالبوا بالحفاظ على الجدول الزمني المحدد، بينما اعتبر المؤيدون أن التعديل يوفر فرصة لإصلاح بعض المشكلات في العملية الانتخابية

انتقاد جبهة الإصلاحات لتأجيل موعد الانتخابات

ذكرت الصحيفة أن شخصيات بارزة في التيار الإصلاحي أعربت عن معارضتها لتأجيل الانتخابات، معتبرة أن القرار يُعد انتهاكا لحقوق الناخبين ويهدد الديمقراطية، وأكد المتحدث باسم جبهة الإصلاحات جواد إمام، أن التأجيل يتناقض مع إرادة الشعب ويُعتبر تجاوزا للصلاحيات الممنوحة من قبل الناخبين. كما حذرت وزارة الداخلية من فوضى محتملة في العملية الانتخابية.

كما شدد إمام على ضرورة إعادة الانتخابات إلى مسارها الصحيح، مع التركيز على الكفاءة والتخصص في إدارة المدن. من جانبه، حذر  المتحدث الرسمي باسم حزب اعتماد ملي  محمد صادق جوادي حصار من أن بعض أعضاء المجالس قد يسعون للاستفادة من التأجيل لتعزيز مواقعهم السياسية والاقتصادية.

وأضافت الصحيفة أنه في بيان لها، اعتبرت جبهة الإصلاحات أن تأجيل الانتخابات يتعارض مع القانون ويُخالف الاتفاقات بين الناخبين والمنتخبين. وأشارت إلى أن التأجيل لن يحل مشكلة تزامن الانتخابات مع الانتخابات الرئاسية المبكرة. كما انتقدت الجبهة تجاهل السياسات العامة للانتخابات التي أقرها قائد الثورة، معتبرة أن التغيير في القانون لم يُبرر بشكل كاف

من التحرك خطوة بخطوة إلى الرؤية الشاملة

وأفادت الصحيفة بأنه بعد من 20 عاما من الوقت الذي اكتشف فيه المحافظون منصة مجلس المدينة وبلدية طهران للوصول إلى رئاسة الجمهورية، تمكّنوا الآن من الحفاظ على هذا المعقل بفضل تعديل القانون. الخوف من تأثير نتائج انتخابات الرئاسة 2024 على انتخابات المجالس 2025 دفعهم لتعديل النظام القانوني، وبالتالي الحفاظ على هذه المؤسسة الشعبية كقاعدة لهم.

وفي الختام أوردت الصحيفة أن المؤسسة التي كانت يوما ما، بداية استراتيجية “فتح الخندق تلو الخندق” لأحمدي نجاد، أصبحت الآن أداة في يد القوى الثورية التي تتبع استراتيجية “من عمود إلى عمود آخر نحو الفرج”؛ على أمل أن يكون يونيو/حزيران 2026أكثر حظا لهم من يوليو/تموز 2024.