بابك زنجاني بين تهم الفساد ودور المنقذ الاقتصادي.. روايتان متضاربتان تثيران الجدل في إيران

نشر موقع “عصر إيران” الإيراني الإصلاحي، السبت 26 أبريل/نيسان 2025، تقريرا استعرض فيه مسار رجل الأعمال الإيراني بابك زنجاني من متهم بالفساد المالي الكبير إلى شخصيات مرتبطة بالاقتصاد الإيراني، مع التركيز على التناقضات بين روايات فساد تحيط به وآراء أخرى تدافع عنه كمنقذ اقتصادي.

بابك زنجاني.. مفسد اقتصادي أم منقذ اقتصادي؟

طرح موقع “عصر إيران” تساؤلات جوهرية حول شخصية بابك زنجاني، مشيرا إلى أن الإشكال الأساسي يكمن في الاختيار بين تصديق صورة “تاجر العقوبات” أو قبول رواية “منقذ الاقتصاد الإيراني”. كما تساءل الموقع: هل يجب تصديق رواية “فساد بابك زنجاني” أم الأخذ برواية أنصاره؟

وأشار الموقع إلى أن خبر استثمار الشركة المنسوبة إلى بابك زنجاني في قطاع النقل بالسكك الحديدية في البلاد، أثار ردود فعل واسعة. فقد كان زنجاني يوما ما يحظى بتقدير المسؤولين وتنشر صوره على أغلفة المجلات، لكنه لاحقا فقد بريقه. كان يُعرف بتاجر يتجاوز العقوبات، ثم لاحقا وُصف بأنه “تاجر العقوبات”، وانتهى به الأمر خلف القضبان.

وأوضح الموقع أن بابك زنجاني حُكم عليه بالإعدام، لكن لاحقًا تم تخفيف الحكم إلى السجن لمدة عشرين عامًا. وعاد التساؤل ليُطرح مجددًا: أي رواية يجب تصديقها حول بابك زنجاني؟

الرواية الأولى: صورة المنقذ

أشار الموقع إلى أن الرواية الأولى تقدّم بابك زنجاني كشخصية لا تنطبق عليها الكليشيهات المعتادة عن الأثرياء الذين نشؤوا في فقر مدقع. فقد وُلد زنجاني قرب ميدان راه‌آهن، وكان والده موظفا في السكك الحديدية ومؤسس شركة “تي. بي. تي”، بحسب ما ذكره زنجاني نفسه.

وأضاف أن زنجاني أشار في مقابلة أجراها عام 2013 مع أسبوعية “آسمان” إلى أنه كان منذ صغره مولعا بالعمل والنشاط. درس في مدرسة مهنية تخصص كهرباء، وكان يعمل عصرا في السوق بحثا عن أنشطة ذات عائد مرتفع، مما دفعه إلى سوق الذهب والعملات.

وتابع الموقع موضحا أن زنجاني تمكن في أواخر الثمانينيات من شراء متجر من البلدية بقيمة تتراوح بين 130 إلى 140 مليون ريال، وأسّس ورشة تشغيلية مع عدد من العمال والموظفين.

من الخدمة العسكرية إلى عالم المال

أشار الموقع إلى أن زنجاني خلال خدمته العسكرية تم اختياره من بين عدد من الجنود لخدمة رئاسة الجمهورية، ليعمل لاحقا كسائق لمحسن نوربخش، رئيس البنك المركزي آنذاك. وعندما أنهى خدمته، عرض عليه نوربخش البقاء في البنك المركزي.

وذكر أن زنجاني، وفقا لروايته، تولى توزيع الدولار في السوق بالنيابة عن البنك المركزي لضبط أسعار الصرف، وكان يحصل على عمولة مقابل ذلك، حيث بلغ حجم المبالغ المتداولة حوالي 20 مليون دولار خلال فترة عمله التي امتدت ستة أو سبعة أشهر.

أول سقوط وأول عودة

أوضح الموقع أن زنجاني لاحقا دخل مجال تجارة جلود الأغنام، لكنه تعثر ماليا وحُكم عليه بالسجن لعامين بسبب شيكات مرتجعة بقيمة 3,120 مليون ريال، ما أدى إلى دخوله سجن قصر.

تابع الموقع مبيّنا أنه بعد خروجه من السجن واجه منعا من السفر، فغادر البلاد بطريقة غير قانونية، وعاد لاحقًا بنفس الطريقة ليُعتقل مرة أخرى ويُسجن في سجن أرومية.

وبعد الإفراج عنه، بدأ رحلة العودة مجددًا، حيث أسس لاحقًا مؤسسة مالية في الإمارات لتسهيل فتح خطابات الاعتماد وتحويل الأموال لشركاته التي وصل عددها إلى 64 شركة.

العمل مع البنوك والتجار الإيرانيين

أشار الموقع إلى أن زنجاني أصبح لاحقا عضوا بمجلس إدارة بنك في ماليزيا. ومع تشديد العقوبات الدولية على إيران، استغل إمكانياته المالية والبنكية لدعم الشركات الإيرانية في فتح الاعتمادات البنكية وتحويل الأموال.

وأضاف أن زنجاني، عبر هذه القنوات، لعب دورا رئيسيا في مساعدة الشركات الإيرانية على تجاوز العقوبات، مما أدى إلى إدراج اسمه في قوائم العقوبات الأوروبية والأمريكية.

دخول عالم النفط

ذكر الموقع أن زنجاني بدأ رسميا تجارة النفط من خلال حساب مصرفي مرتبط بشركة هونغ كونغية تابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية، لكنه سرعان ما أُدرج في قوائم العقوبات الأوروبية نهاية عام 2012، وفي قوائم وزارة الخزانة الأمريكية عام 2013.

الرواية الثانية: عودة ضد البطل إلى البطولة

أوضح الموقع أن الرواية الثانية التي يبنيها زنجاني عن نفسه تصور شخصا خاض تجارب الفشل، لكنه دائما ما كان ينهض مجددا ويتحول من “ضد بطل” إلى بطل.

وذكر أنه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نشر رسول كوهبایه‌ زاده، محامي زنجاني، صورة لموكله على إنستغرام لمحت إلى قرب خروجه من السجن. وفي أقل من شهر، ظهرت قصة أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، تتضمن صورة طائرة مع عبارة “دات وان”، مما أثار الحديث عن مشروع جديد لتغيير صناعة الطيران في البلاد.

وأشار إلى أن حسابات منسوبة إلى بابك زنجاني على شبكة “إكس” (تويتر سابقا)، نشرت في الأشهر الماضية أخبارا عن استثمارات ضخمة تشمل:

تشغيل 32 طائرة ركاب تحت شركة “دات وان”، وآلاف الشاحنات والناقلات تحت اسم “دات وان سیر” لنقل الوقود والبضائع، و50 ألف سيارة أجرة كهربائية في مدن مختلفة.

وتابع الموقع موضحا أن ذروة هذه الأحداث تمثلت في توقيع تفاهم بين شركة بابك زنجاني وسكك حديد إيران بقيمة 640 ألف مليار ريال، وهو ما اعتُبر أكبر استثمار من القطاع الخاص في تاريخ سكك الحديد الإيرانية.

رسالة استثمارية قوية

قام الموقع بالإشارة إلى أن الحساب المنسوب إلى زنجاني على شبكة “إكس” وصف هذه الخطوة بأنها “أكبر استثمار خاص في تاريخ سكك الحديد الإيرانية”، مشددا على أن هذا العام سيكون عام “الاستثمار”، حيث ستحل القوة الاقتصادية محل القوة السياسية، وسيسجل ذلك كحدث ذهبي في تاريخ مجموعة “دات وان”.

وتابع  أنه لم يكن أحد يعرف بابك زنجاني سابا، إلا أن هناك رواية أخرى تنفي الصورة التي حاول بابك زنجاني تقديمها عن نفسه. إذ ترفض هذه الرواية حكاية تحوله إلى ملياردير عبر الخدمة العسكرية والعمل في البنك المركزي، وتربط ثروته باستخدام الامتيازات النفطية خلال عهد حكومة أحمدي نجاد.

تفنيد رواية العمل في البنك المركزي

ذكر الموقع أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2013 وبعد شهر واحد من مقابلة بابك زنجاني مع مجلة “آسمان”، قامت مجلة “تجارت فردا” بالرجوع إلى مسؤولي البنك المركزي إبان رئاسة محسن نوربخش. وأكدت التحقيقات، بحسب تصريحات متعددة، أن بابك زنجاني لم يعمل يوما كسائق لرئيس البنك المركزي.

وذكر يزدان‌ بناه، رئيس مكتب نوربخش، أن “سائقي رئيس البنك المركزي لم يكونوا أبدا من الجنود الإلزاميين، بل كانوا شخصيات معروفة وناضجة.

كما أضاف محمدرضا شجاع‌الديني، نائب الشؤون الإدارية والمالية السابق بالبنك المركزي، بأنه “عقب سماع هذا الادعاء، وبسبب عدم معرفته لوجه بابك زنجاني، طلب من أصدقائه في الشؤون الإدارية التحقق من سجله، ولم يجدوا أي أثر له في سجلات البنك”.

وأشار محمدجواد وهاجي، نائب محافظ البنك المركزي، إلى أنه “كان على دراية بجميع الأشخاص الذين كانوا على تواصل مع البنك، ولم يعرف شخصا يُدعى بابك زنجاني”.

وأضاف الموقع أن الرواية الثانية تربط ثراء بابك زنجاني بالاستفادة من امتيازات النفط خلال فترة حكومة أحمدي نجاد. وبعد تولي حكومة روحاني الحكم، انتشر مصطلح “تجار العقوبات”، وأصبح زنجاني يوصف باعتباره أحدهم، لا كشخص سخر إمكانياته لتجاوز العقوبات.

وتابع أنه طالب عدد من النواب المتشددين في رسالة موجهة إلى رؤساء السلطات الثلاث بمحاسبة بابك زنجاني. وانتقدت الرسالة تفشي الفساد المؤسسي، مشيرة إلى أن “صمت الأجهزة الأمنية تجاه دعمها المفترض لزنجاني، وتأخير تسديد أموال النفط، وعلاقاته مع شخصيات فاسدة كـ سعيد مرتضوي، كل ذلك كان سببًا لتفاقم الشكوك”.

وأكد أن هذه الرسالة أدت إلى اعتقال بابك زنجاني بعد أيام قليلة، وبعد عامين، حكمت المحكمة عليه وعلى اثنين من شركائه، مهدي شمس وحميد فلاح هروي، بالإعدام بتهمة الإفساد في الأرض.

قائمة التهم الموجهة إليه

أوضح الموقع أن التهم التي وُجهت لزنجاني شملت: الإفساد في الأرض عبر الإخلال بالنظام الاقتصادي بقيادة شبكة منظمة واستخدام مستندات مزورة، وغسل أموال بمبالغ ضخمة عن علم بتأثير ذلك في الإضرار بالنظام الاقتصادي. والاحتيال الواسع على عدة بنوك ووزارة النفط، وتزوير 24 مستندا بنكيا وغسل أموال بمقدار مليار و967 مليون و500 ألف يورو.

ونقل الموقع عن غلامحسين محسني إيجئي، المتحدث باسم السلطة القضائية آنذاك، أن المحكمة حكمت على المتهمين إضافة إلى الإعدام بإعادة الأموال إلى الشاكي والشركة الوطنية للنفط، ودفع غرامة تساوي ربع أموال غسلها.

وأضاف أن المحكمة العليا صادقت عام 2016 على حكم الإعدام بحق زنجاني، إلا أن الحكم تضمن بندًا ينص على أنه “في حال أعاد المدان جميع الأموال وسدد التعويضات، بإمكانه الاستفادة من الرأفة المنصوص عليها في المادة 114 من قانون العقوبات الإسلامي.

استرداد أموال زنجاني وتخفيف الحكم

أشار الموقع إلى أنه في أواخر عام 2023، أعلنت السلطات القضائية والبنك المركزي عن استرداد أموال بابك زنجاني من الخارج وإعادتها إلى الخزانة العامة. وبعد عدة أشهر، أعلنت السلطة القضائية عن تخفيف حكمه من الإعدام إلى السجن 20 عاما بسبب تعاونه وإعادة الأموال.

السلطة القضائية تنفي الإفراج عنه

أضاف الموقع  أنه بعد نشر صورة لبابك زنجاني من قبل محاميه، أعلن أصغر جهانغير، المتحدث باسم السلطة القضائية، أن زنجاني لم يُفرج عنه ولم يكن في إجازة.

كما نقل الموقع تصريح رسول كوهبايه زادة، محامي بابك زنجاني، بأنه امتنع عن التعليق، موضحا أن الإعلانات الرسمية بشأن موكله تصدر عن الجهات المختصة.

ولفت إلى أن وجود حساب رسمي مرتبط ببابك زنجاني يعود إلى عام 2019، عندما كان لا يزال يقضي محكوميته، مما يزيد من الغموض حول كيفية مواصلة أنشطته الاقتصادية من داخل السجن.

وأضاف الموقع أن هناك تسجيلا رسميا لمجموعة “دات وان” الاقتصادية، التي نُسبت إلى بابك زنجاني.

وأوضح أن الخبير القانوني كامبيز نوروزي صرح لوكالة “إيلنا” بأن لا مانع قانونيا يمنع المحكوم عليهم من العمل، ما لم ينص الحكم القضائي على ذلك صراحة.

وأشار نوروزي إلى أن “بابك زنجاني، كواحد من أشهر المدانين في قضايا الفساد الاقتصادي، كان له تعاملات نفطية ضخمة، غير أن تفاصيل عملياته ظلت مجهولة، ما دفع البعض للاعتقاد بارتباطه بالاقتصاد الخفي الإيراني”.

ذكر الموقع أن مهدي إبراهيمی، المدير التنفيذي لشركة “آوان ريل”، إحدى الشركات التابعة لهولدينغ “دات وان”، أوضح أن الاستثمارات الرئيسية جاءت من مستثمر أجنبي، وأن بابك زنجاني مجرد داعم ولم يلتقوا به شخصيا.

وأشار إلى أن رئيس السلطة القضائية كان قد أعلن أن زنجاني أعاد كل ديونه للدولة، بل وتجاوزها، ما جعله “دائنا” للحكومة بحسب زعمهم.

غير أن موقع “دات وان” الرسمي لم يذكر اسم زنجاني ضمن قياداته، بينما تُظهر وثائق السجل التجاري الرسمي أن بابك زنجاني مسجل كمدير عام لشركة “آوان”.

تابع أن توقيع الاتفاقية الضخمة مع شركة منسوبة إلى بابك زنجاني أثار تساؤلات واسعة، ما دفع شركة السكك الحديدية الوطنية إلى إصدار بيان توضيحي أكدت فيه أن دورها يقتصر على الإشراف، وأن الاتفاق تم وفق الضوابط القانونية الشفافة، بهدف تحديث شبكة النقل بالسكك الحديدية وزيادة الترانزيت الدولي.

غير أن الموقع شدد على أن هذه التوضيحات لم تقنع الرأي العام، بل زادت الشكوك حول ما إذا كان يجب النظر إلى بابك زنجاني كبطل اقتصادي أم كرمز للفساد المالي.

واختتم الموقع بتساؤله: إذا كانت رواية فساده صحيحة، فكيف حصلت شركته على هذه العقود الحكومية الضخمة؟ وهل جرى هذا ضمن منافسة شفافة مع بقية شركات القطاع الخاص؟