برلماني إيراني: إيران تعتمد على آليات “قديمة” في إدارة الاقتصاد 

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين

أجرت وكالة أنباء “إيسنا” الإيرانية، يوم الثلاثاء 25 مارس/آذار 2025،  تقريرا  ذكرت فيه تصريحات عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، محمد رشيدي، في حوار أجرته معه، ناقش فيه جذور المشكلات الاقتصادية في البلاد، التي تعود -بحسب رأيه- إلى البنية الخاطئة للاقتصاد الحكومي.

وأكد رشيدي في هذا الحوار، أن الاقتصاد الإيراني يعاني من عوائق تاريخية مرتبطة بالبنية الحكومية غير الفعالة، مشيرا إلى أن الاقتصاد الوطني لا يزال يعاني من الجمود بسبب تداخل السياسات الحكومية مع القطاع الخاص، وهو ما يثقل كاهل الشعب ويؤدي إلى ارتفاع مستويات الفقر والبطالة في البلاد.

جذور المشكلات الاقتصادية

وفي بداية الحوار، تحدث رشيدي عن المشاكل التي تواجه الاقتصاد الإيراني في ظل الهيكل الحالي الذي يعتمد على الاقتصاد الحكومي. وقال: “إيران لا تزال متمسكة بأساليب قديمة وغير فعالة في إدارة اقتصادها الوطني. هذه البنية مليئة بالازدواجية والتداخلات، مما أدى إلى فشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق الكفاءة الاقتصادية المطلوبة”.

وأشار إلى أن البيروقراطية الثقيلة والنفوذ الكبير للقطاع العام في مختلف المجالات الاقتصادية أديا إلى تضخم القطاع الحكومي على حساب القطاع الخاص. وأوضح أن جميع الحكومات السابقة فشلت في إدارة الاقتصاد بفعالية بسبب هذه البنية التقليدية التي لا تزال مهيمنة على معظم القطاعات الحيوية مثل الصناعة والنفط والبتروكيماويات.

سعر الصرف وتأثيره على الاقتصاد

تناول رشيدي أيضا قضية ارتفاع سعر الصرف في إيران، الذي كان قد شهد قفزة كبيرة في قيمته في الأشهر الماضية، مما أدى إلى زيادة أسعار السلع الأساسية. وذكر أن هذه القفزات في سعر الدولار ترجع إلى عدة أسباب، أبرزها طباعة النقود دون غطاء مالي حقيقي وعدم وجود توازن في الميزانية.

وقال: “إن جزءا كبيرا من تغيرات سعر الصرف سببه عدم عودة العائدات الناتجة عن تصدير النفط، إضافة إلى مضاربات السوق، وهو ما زاد من تدهور الأوضاع الاقتصادية”.

وأضاف رشيدي أن هناك أيضا عوامل أخرى ساهمت في هذه الأزمة، مثل تراجع المعروض من النقد الأجنبي في السوق. وأشار إلى أن التضخم الذي حدث في السوق كان نتيجة ضعف الرقابة الحكومية، خصوصا أن بعض القنوات الإعلامية، مثل “تليغرام” والشائعات عبر الإنترنت، لعبت دورا كبيرا في زيادة الطلب على العملات الأجنبية.

وقال إن الحكومة فشلت في إدارة سوق الصرف بشكل فعال، وأكد أن “سعر الصرف في إيران لا يعتمد فقط على العوامل الاقتصادية، بل يتأثر أيضا بالعوامل السياسية والإعلامية”.

سياسات دعم المواطنين

كما تحدث رشيدي عن قسائم الدعم الإلكتروني التي تم اقتراحها كأداة لدعم المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. وأشار إلى أن البرلمان الإيراني يصر على ضرورة استخدام هذه القسائم بدلا من توزيع الأموال النقدية، حيث إن توزيع الأموال النقدية أدى إلى زيادة التضخم ولم يحقق النتائج المرجوة.

وأضاف أن القسائم الإلكترونية ستكون وسيلة أكثر فاعلية في ضمان وصول الدعم إلى الفئات الأكثر حاجة، وذلك دون أن تؤدي إلى مزيد من الزيادة في التضخم. وأوضح أن البرلمان يعتقد أن تقديم القسائم الإلكترونية هو الحل الأنسب لتحسين معيشة المواطنين في الظروف الحالية، خاصة في ظل الحرب الاقتصادية التي تواجهها البلاد.

قضايا الإسكان والصحة

عند الحديث عن قضايا الإسكان والرعاية الصحية، أشار رشيدي إلى أن البرلمان قد وضع قوانين لمعالجة هذه المشكلات، مثل قانون “تعزيز إنتاج المساكن” الذي يتضمن توفير أراض مجانية وتسهيلات ائتمانية للبناء.

وقال: “إذا تم تنفيذ هذا القانون بشكل صحيح، يمكن حل جزء كبير من مشكلة الإسكان في إيران”.

كما أكد ضرورة تحسين نظام الرعاية الصحية في البلاد، مشيرا إلى أن هناك العديد من القوانين المتعلقة بالضمان الصحي، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم تنفيذ هذه القوانين بشكل فعال.

وأضاف: “نظام التأمين الصحي بحاجة إلى إدارة جدية لتحقيق الفاعلية المطلوبة، والتشريعات موجودة لكن التنفيذ يعاني من القصور”.

تفكيك الاقتصاد الحكومي

وفي معرض حديثه عن الاقتصاد الحكومي، أكد رشيدي أن الوضع الحالي للاقتصاد الإيراني يعود إلى “الاقتصاد الحكومي والموجه”، وهو نموذج اقتصادي يعود إلى حقبة ما قبل الثورة الإسلامية.

وقال: “في حين أن العديد من دول العالم تخلت عن هذا النموذج، فإن إيران ما تزال متمسكة به. حتى لو افترضنا أن الاقتصاد الحكومي كان مثاليا، فإن التداخل والتكرار في الهيكل الاقتصادي الحالي يجعلان جميع الحكومات غير فعالة”.

وأشار إلى أنه ينبغي للحكومة أن تتراجع عن هذا النموذج وتسمح للقطاع الخاص بالقيام بدور أكبر في النشاط الاقتصادي. ولفت إلى أن الشركات شبه الحكومية تسيطر على العديد من القطاعات الاقتصادية الهامة، مثل صناعة الإسمنت والصلب، مما يمنع القطاع الخاص من المنافسة الفعالة.

وأوضح أن الحكومة يجب أن تترك المجال للقطاع الخاص، وهو ما سيسهم في تحسين الأداء الاقتصادي وخلق بيئة تنافسية حقيقية، مشيرا إلى أن المستثمرين الأجانب لا يأتون إلى الدول التي تسيطر فيها الحكومة على جميع القطاعات.

دور البرلمان في الإصلاحات

وعن دور البرلمان في الإصلاحات الاقتصادية، أكد رشيدي أن البرلمان كان قد قام بالفعل بسن العديد من القوانين الإصلاحية، لكن التنفيذ لا يزال قاصر.

وقال: “لقد وضعنا قوانين تهدف إلى تقليص سيطرة الحكومة على الاقتصاد، ولكن هذه القوانين تحتاج إلى تنفيذ فعال لتحقيق نتائج ملموسة”.

وأشار إلى أن البرلمان يعمل حاليا على مراقبة تنفيذ المادة 44 من الدستور الإيراني التي تدعو إلى خصخصة القطاعات الاقتصادية.

وأضاف: “لسوء الحظ، هناك مقاومة من بعض القوى التي لا ترغب في تنفيذ هذه الإصلاحات بسبب مصالحها الخاصة”.

وفي ختام الحوار، أكد رشيدي أن البرلمان يسعى إلى تقليص تدخل الحكومة في الاقتصاد، وهو ما سيؤدي إلى تحفيز القطاع الخاص وتحسين النمو الاقتصادي في البلاد.

وأضاف أن الحكومة يجب أن تركز على تنظيم الاقتصاد بدلا من التدخل المباشر في جميع المجالات.

وختم رشيدي حديثه قائلا: “إذا لم نقم بتنفيذ هذه الإصلاحات، فإننا سنستمر في مواجهة تدهور مستمر في المستوى المعيشي للمواطنين، وسيستمر الاقتصاد في التراجع”.