- يسرا شمندي
- 26 Views
نشرت صحيفة هم ميهن الإصلاحية، الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2025، تقريرا كشفت فيه أن بلدية طهران تعكف هذه المرة على تطبيق حكم المادة 477، وذلك بإخلاء منزل المفكرين للعلوم الإنسانية، وتُظهر إصرارا كبيرا على تنفيذ هذا القرار، ويأتي هذا الإصرار على الرغم من أن بعض أعضاء مجلس مدينة طهران مثل رئيس المجلس مهدي جمران والعديد من الناشطين في مجال العلوم الإنسانية ووسائل الإعلام والناشطين في المجال الحضري كانوا يعارضون تنفيذه.
وأضافت الصحيفة أن النقطة المهمة هنا كانت الرسالة التي كتبها رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان موجهة إلى عمدة طهران علي رضا زاكاني، طالب فيها بعدم تنفيذ هذا الحكم في الوقت الحالي.
ومع ذلك وكما يقول مهدي إقراريان عضو مجلس مدينة طهران، فإن تعنت بلدية طهران لن يستمر وهذه أيضا من تلك الأنواع من التعنت التي تصر عليها البلدية حتى مع وجود تجارب مثل بناء مسجد في حديقة قيتريه حيث اضطرت البلدية في النهاية إلى الاستسلام لمطالب المواطنين الطهرانيين والتراجع عن موقفها.
وأكّدت أنه في يومي السبت 7 يونيو/حزيران 2025 والأحد 8 يونيو/حزيران 2025، عاد مبنى بيت المفكرين في العلوم الإنسانية ليشهد أجواء متوترة مرة أخرى؛ وهو توتر تسببت به بلدية طهران من خلال سعيها لتنفيذ قرار إخلاء المبنى. ورغم تنبيهات بعض أعضاء مجلس بلدية طهران، أصرّت البلدية على تنفيذ القرار.
وأوضحت أنه في الوقت نفسه، أكد جمران، خلال جلسة علنية للبرلمان البلدي للعاصمة والتي حضرها أيضا رئيس المركز القانوني في البلدية مقداد محتشم آرا، أنه ينبغي على البلدية الامتناع عن اتخاذ أي إجراء لمدة يومين أو ثلاثة، إلى حين عقد اجتماع يضم مدراء من البلدية، وعددا من أعضاء مجلس البلدية، ومسؤولي بيت المفكرين، بهدف اتخاذ قرار بعيدا عن الضجة والإثارة.
لكن مع ذلك، توجّه رئيس بلدية المنطقة السادسة مرتضى روحاني، إلى بيت المفكرين لتنفيذ قرار الإخلاء، برفقة ممثلين من مركز الشرطة والتنفيذ القضائي، وأقدم على تنفيذ الحكم.
وبينت أنه لم تكن جلسة مجلس بلدية طهران قد انتهت بعد، حين وصل محتشم آرا أيضا إلى بيت المفكرين وانضم إلى روحاني. وخلال ذلك، أجرى جمران اتصالا هاتفيا بهم، وذكّرهم مجددا بضرورة التراجع عن هذا الإجراء لكي تُعقد الجلسة. وخلال هذه المكالمة، أكد عضو مجلس مدينة طهران مهدي أقراريان أيضا أن عشرة من أعضاء مجلس بلدية طهران قد كتبوا رسالة إلى جمران طالبوه فيها بالتمهّل في تنفيذ الحكم.
وقد وعد هذان المسؤولان في البلدية بمغادرة بيت المفكرين، إلا أنهما بقيا هناك لساعات طويلة وأتما عملية الجرد وهي جزء من تنفيذ الأحكام.
تنفيذ الفعاليات الفاخرة بعيدا عن الزوابع واللغط
ذكرت الصحيفة أنه في الرسالة التي أشار إليها إقرار يان، لم يقتصر الأمر على طلب منع تنفيذ الحكم من زاكاني، بل طالب أعضاء مجلس مدينة طهران أيضا باتخاذ الإجراءات اللازمة لإبرام عقد جديد لضمان استمرار نشاط بيت المفكرين في موقعه الحالي، وذلك في إطار نهج يهدف إلى تعزيز وتطوير أنشطة البيت.
وورد في هذه الرسالة أن بيت المفكرين في العلوم الإنسانية ليس مجرد مكان، بل هو بمثابة معسكر للتفكير في إطار واسع لنقاشات الثورة الإسلامية في قلب طهران، وهو أحد إنجازات إيران الفخورة في مجالات العلم والفن، والذي أقيم بعيدا عن الجوانب السطحية للتوترات المعتادة، ونجح في إقامة أحداث ثقافية رفيعة المستوى، وأصبح نموذجا لتشكيل مؤسسات شعبية ذاتية المبادرة ضمن إطار القيم الدينية والوطنية والثورية، دون أن يتدهور إلى الأفراد أو التفريط في المبادئ.
وصل إقراریان، إلى بيت المفكرين بعد ظهر الأحد 8 يونيو/حزيران 2025، ليكون على اطلاع بأحدث الأخبار أثناء زيارته. من ناحية أخرى، وعلى الرغم من تحدي زاكاني لرسالة الرئيس، لا زالت الحكومة تستضيف عمدة طهران في جلسة مجلس الوزراء.
وكتبت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني، على حسابها بمنصة إكس، أنه تمت مناقشة ومتابعة القضية المتعلقة ببيت المفكرين في العلوم الإنسانية خلال جلسة اليوم للمجلس الوزاري. وبأمر من بزشكيان، تم وضع الإجراءات اللازمة لإزالة العقبات ودعم هذه المؤسسة العلمية والفكرية على جدول الأعمال. وتؤكد الحكومة التزامها بدعم تدفق الأفكار والآراء الحرة وتبادلها.

تعتبر البلدية الآراء المختلفة تهديدا لها.
أكد عضو مجلس مدينة طهران، علي أصغر قائمي، أن سلوك بلدية طهران، خصوصا في هذه الدورة، لا يعكس نهجا أبويا تجاه مختلف التوجهات، بل أدى إلى تقليص مكانتها لتحوّل نفسها إلى ما يشبه حزبا سياسيا صغيرا. ونتيجة لذلك، أصبحت البلدية تعتبر تلك التوجهات منافِسة لها، وتتعامل معها على هذا الأساس.
وأضاف أنه لو كان سلوك البلدية تجاه مؤسسات مثل بيت المفكرين للعلوم الإنسانية وغيرها من الأمثلة سلوكا أبويا، لكانت بالتأكيد تحت مظلتها وساعدتها. وإذا كانت هناك انتقادات لعملها، لتم العمل على إصلاحها. في الحقيقة، ومع وجود تفاعل ثنائي الاتجاه، كان من الممكن أن يسير المسار نحو التحسن. ولكن، للأسف، سلوك البلدية ليس كذلك.
إهمال عمدة طهران لشعب طهران وإيران
تحدث المستشار الاجتماعي لبزشكيان/ علي ربيعي، عن بيت المفكرين ومشاورات الحكومة الحاسمة مع عليرضا زاكاني، وقال لست أنا وحدي، بل جميع الجمعيات العلمية والنوابغ في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية يشهدون أن إدارة بيت المفكرين ، بنظرة علمية تماما، وفي إطار تعزيز المعرفة، ونشر العلم، وبدون أي توجه سياسي، استمرت في عملها على مدى هذه السنوات.

وأوضح أن بيت المفكرين أضاءت المشعل العلمي، فكانت منارة للفكر ومركزا للإشعاع الثقافي. فإن وجود مثل هذا الصرح الذي يحتضن العلماء والمفكرين، يشكّل مصدر فخر لكل مجتمع ومدينة، لما يمثله من رمز لنشر المعرفة وتعزيز العلوم الإنسانية.
وقال: “رأيتم مشاركة جميع التيارات داخل بيت المفكرين في النقاش. فلطهران أماكن كثيرة ومتنوعة، لكن لا أفهم تركيز العمدة على زعزعة هيكل بيت المفكرين . وبالطبع، تم اتخاذ إجراءات ونحن نحترمها، لكن لا ينبغي أن تتعطل نوعية التفاعل الذي كان بين بيت المفكرين وأهل الأدب والعلم والثقافة في المجال الإنساني والاجتماعي، تحت ذرائع مختلفة.
أشعر بالقلق من أن يحدث ذلك، وأتحدث بقلق. إن حدث ذلك، فإن البلدية لم تؤدِّ واجبها الإنساني والأخلاقي تجاه ليس فقط مواطني طهران، بل حتى تجاه كل إنسان، لأن بيت المفكرين يؤثر على إيران ككل”.
وأكَّد ربيعي، في إشارة إلى التواصل بين الحكومة وبلدية طهران، أن بزشكيان كتب رسالتين وتحدث بشكل شخصي، كما تحدث عدد من أعضاء الحكومة ممن لديهم تعاملات في هذا الشأن. وإذا كان القلق يتعلق بطريقة إدارة بيت المفكرين ، فيمكن إشراك الجمعيات العلمية في إدارتها. ويمكن لأي شخص من أي توجه، فاز في الجمعيات العلمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، أن يشارك في إدارة بيت المفكرين.
وأفاد بأنه من الممكن تكوين فريق من أهل العلم لإدارة هذا البيت بهدف معالجة قلق البلدية. ولكن، إذا كانت النية تتجه تدريجيا نحو إفراغ بيت المفكرين من الفكر والإبداع، فإن ذلك يُعد ظلما لسكان طهران وإيران.
وقال: “هم الآن يتفاعلون. أشكر أعضاء مجلس مدينة طهران الذين يتفقون غالبا على الحفاظ على هذا الصرح. وعلينا أن نعطي فرصة لهذه التفاعلات الجارية، وآمل أن يتم إعداد ترتيبات تضمن أن يصلكم دائما صوت العلم من بيت المفكرين وتظل مشعّة”.

الآراء السياسية ممنوعة في الثقافة
أكد نائب رئيس الجمعية الإيرانية للدراسات الثقافية والاتصال هادي خانیکی، أن ما شهدته مدينة طهران من تقلبات بشأن الأماكن التي تُعد ملتقى أو مراكز للفكر المهني والتخصصي، يبيّن أن الحصول على المكانة والاعتبار العلمي والثقافي والاجتماعي ليس أمرا مفاجئا أو شيئا يمكن تحقيقه من خلال سياسة أو برنامج تنفيذي قصير الأمد.
وأبرز أن قضية بيت المفكرين في العلوم الإنسانية، يجب النظر إليها على أنها قضية جادة، وطنية، ووثقافية، وعابرة للقطاعات.
وأوضح أنه “لا أحد يُنكر الحقيقة القائمة بأن هناك بالفعل اختلافات في وجهات النظر داخل أجهزة الحكم، سواء كانت الحكومة أو البلدية أو الهيئات العامة أو سائر السلطات مثل السلطة التشريعية أو القضائية، وذلك من الناحية القانونية أو الإدارية أو التمويلية وغيرها.
ولكن قبل كل هذه الأمور، يجب أن ننتبه إلى أن مجتمعنا اليوم، وخاصة النخبة الفكرية والثقافية والعلمية، بحاجة إلى حلقات وصل تتيح لها الحوار، والتواصل، وتعزيز رأس المال الاجتماعي والثقافي والرمزي، وهي فوائد تعود بالنفع على الجميع، وليس على جهة بعينها”.
وذكر أنه “من المؤسف حقا هو أن قضية المفكرين تحوّلت إلى موضوع خلافي حول بقائهم أو عدم بقائهم، بناء على المسار الذي سلكوه حتى الآن”.
وأوضح أن “المسار الذي اتخذه بيت المفكرين هو أنه حاز على مكانة مرموقة في الوسط الجامعي. فغالبية الجمعيات العلمية المعتبرة التي تُشكّل بمجموعها أكبر شبكة لعلوم الاجتماع والعلوم الإنسانية في إيران تعتبر هذا المكان بيتها، وتعقد فيه حوارات تتناول العديد من قضايا الوطن”.
وأفاد: “بصفتي أكاديميا أعمل في العديد من المؤسسات العلمية، لا أتنصّل من السياسة، ولا أدّعي أنه ليست لدي وجهة نظر أو رؤية سياسية، بل أؤكد أنه ينبغي أن ننظر إلى مسألة بيت المفكرين من زاوية تتجاوز هذه النظرات السياسية الفئوية والحزبية، لأن هذا النوع من الرأسمال لا يُكتسب بسهولة”.
ونوَّه إلى أن المؤسسات العلمية والثقافية والمدنية تُنتج رأس المال الاجتماعي بسبب الفقر أو الضعف في البنية المكانية، أو الفقر أو الضعف في الثقة، أو الفقر أو الضعف في مشاعر الانتماء والحماسة. فرأس المال الاجتماعي ليس أمرا يمكن الحصول عليه فقط بالمال والتمويل، بل يتطلب سنوات لبناء هذا النوع من الانتماء.
وأكَّد أنه في الوقت الراهن، نحن نواجه تحديات تتعلق بالهويات المركبة والمُدمجة في مقابل التمزق والتشرذم الهوياتي، والانقسامات التي تهدد مجتمعنا من حيث الهوية الوطنية، والهوية الدينية، والهوية الحضارية، لذلك فإن المجتمع بحاجة فعلية إلى أماكن وفرص مثل بيت المفكرين.
وأشار خانیکی إلى أنه، من وجهة نظره، يجب النظر إلى هذه المسألة بشكل يتجاوز النزاعات القانونية والهوياتية، وبروز الهويات الفئوية التي توحي بأن طرفا لا يجب أن يتراجع أمام الطرف الآخر، وقال أن بقاء بيت المفكرين يصب في مصلحة الجميع، في مصلحة إيران، والمجتمع العلمي في إيران، والأكاديميين والباحثين الذين يبحثون عن مكان يمكنهم الوثوق به، كما أنه في مصلحة الحكومة وحتى بلدية طهران.
وأوضح أنه “يجب ألا تُعطى للمكان هذه الدرجة من الأهمية بالنسبة لبلدية طهران بحيث يظنون أن تقسيمه بين الأطراف المختلفة – كأن تُعطى غرفتان لهذا الطرف وثلاث غرف لذاك – سيحل المشكلة”.
وفي الختام صرّح خانيكي بأن “علينا أن نرتقي قليلا في طريقة تعاملنا، لأن القضايا الثقافية لا يمكن حلها عبر النزاعات السياسية، أو الحزبية، أو الفئوية”.