- دنيا ياسر
- 113 Views
ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
أجرت وكالة أنباء “خبر أونلاین” الإيرانية المحافظة المحسوبة على مكتب علي لاريجاني، الأحد 25 مايو/أيار 2025، حوارا مع السفير والدبلوماسي الإيراني السابق جلال ساداتیان، تناولت فيه أسباب قرار الولايات المتحدة رفع بعض العقوبات عن سوريا، وسرّ صمت حكومة جولاني تجاه إيران، إلى جانب تحركات السعودية والإمارات لتوسيع نفوذهما على حساب إيران في سوريا.
قال الخبير في الشؤون الدولية من الناحية الاقتصادية، اتخذت حكومة الشرع خطوات نحو تحسين الوضع عبر فتح أبواب التعاون، لا سيما مع الدول العربية. وتشمل هذه الخطوات استيراد النفط، تصدير السلع، تفعيل قطاع السياحة، وإعادة إعمار الدمار، وهي إجراءات يمكن أن تترك أثرا إيجابيا على الاقتصاد السوري.
وتابع أنه بعد زيارة ترامب للشرق الأوسط الأسبوع الماضي ولقائه بأحمد الشرع، تحققت وعود ترامب للجولاني، حيث أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية ترخيصا عاما بإلغاء بعض العقوبات المفروضة على سوريا، مما أثار فرحة بين أبناء الشعب السوري.

وأضاف أن وزير الخارجية الأمريكي قال أن بلاده منحت سوريا إعفاء من العقوبات لمدة 180 يوما بموجب قانون قيصر، وذلك بهدف تعزيز الاستثمار وتدفق السيولة المالية.
وتابع إن هذا الإعفاء من عقوبات قانون قيصر هو الخطوة الأولى في تحقيق رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعلاقة جديدة مع سوريا.
وذكر أن وزارة الخارجية السورية رحبت بهذا القرار الأمريكي، ووصفت إلغاء العقوبات بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تخفيف المعاناة الإنسانية والاقتصادية، وأكدت أن سوريا تمد يدها لكل من يرغب بالتعاون على أساس الاحترام المتبادل.
كما أضاف أن بعض الأخبار نقلت تصريحا لـ “كايا كالاس”، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، قال فيه إن الاتحاد الأوروبي قرر إلغاء جميع عقوباته الاقتصادية ضد سوريا.
وفي ما يلي نص الحوار:
ما هو أساس قرار الولايات المتحدة إلغاء بعض العقوبات المفروضة على سوريا؟
اسمحوا لي قبل الإجابة على السؤال الأساسي، أن أُقدم نقدا موجزا للتطورات التاريخية. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، دخلت الولايات المتحدة إلى الساحة كقوة عالمية صاعدة. قبل ذلك، كان العالم خاضعا لهيمنة أوروبا. ومع نشوء التنافس الأيديولوجي والعسكري بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ترسخت البنية الثنائية القطبية في النظام العالمي.
وفي الشرق الأوسط، سعت الولايات المتحدة إلى تشكيل قطبين استراتيجيين: المملكة العربية السعودية كقطب اقتصادي، وإيران كقطب سياسي وجيوسياسي. كما حاول العراق في عهد صدام حسين أن يلعب دورا، لكنه تراجع عمليا مع توقيع اتفاقية 1975.
ومع وقوع الثورة الإسلامية في إيران، تغير هذا النظام الإقليمي. وظهرت السعودية كمنافس مباشر لإيران، وانضوت تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، ووقفت بشكل مباشر مع صدام في الحرب المفروضة على إيران.
ثم تصاعدت هذه المنافسة لاحقا في سوريا ولبنان والعراق وسائر دول المنطقة. وكانت السعودية تدّعي أن إيران تسعى لتأسيس “الهلال الشيعي”، ولذلك وقفت في وجهها بكل ما تملك.

أي إن السعودية دخلت في منافسات أيديولوجية وجعلت من النفوذ الديني أولوية؟
نعم، السعودية، إلى جانب تدخلها في منطقة الشرق الأوسط، سعت حتى في الدول الغربية لتعزيز نفوذها عبر تمويل الأئمة والخطباء، وبناء المساجد، ونشر الكتب الدينية. وهذه الإجراءات كانت جزءا من منافسة دينية وثقافية واسعة مع إيران.
بالعودة إلى سوريا، كيف تقيمون التطورات الأخيرة هناك ودور اللاعبين الإقليميين؟
خلال العام الماضي، ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على محور المقاومة (من لبنان إلى غزة)، وبعد انحسار المعارك مع داعش، دخلت أطراف مثل تركيا وإيران وروسيا في مرحلة جديدة من التعاون ضمن إطار مسار أستانا. ولعبت تركيا دور الوسيط في هذا السياق.
وفي هذا المسار، تم دعم بقايا الجماعات المسلحة في إدلب، ومنهم أبو محمد الجولاني، الذي تلقى تدريبات في مجال الإدارة والحكم، وتمكن من تنظيم قواته، وأسس في نهاية المطاف، بعد تهميش بشار الأسد، بنية حكم جديدة.
وقد حظيت هذه البنية الجديدة بترحيب من بعض الدول العربية والغربية. واحتلت إسرائيل أجزاء من الأراضي السورية، منها الجولان ومناطق قرب دمشق، وشنّت هجمات على البنية التحتية العسكرية السورية. وفي خضم ذلك، اعترفت دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا بالحكومة الجديدة.

وقد دُعيت حكومة الجولاني إلى جامعة الدول العربية أيضا.
نعم، لاحقا، دخل الجولاني، الذي غير مظهره وخطابه، إلى الساحة السياسية، وتمت دعوته إلى الجامعة العربية. وخلال زيارة دونالد ترامب للسعودية، أعلن أيضا اعترافه بالحكومة الجديدة. وقامت السعودية والإمارات بتسديد ديون سوريا، وعادت سوريا بالكامل إلى الحضن العربي. وتسعى السعودية اليوم، من خلال تقييد دور تركيا في سوريا، إلى ترسيخ موقعها الأبرز في عملية إعادة إعمار هذا البلد.
هل يرتبط إلغاء العقوبات بالتغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية؟ أم أنه مجرد إجراء إنساني؟
إذا كانت السياسة الخارجية للدول الغربية أو العربية إنسانية فعلا، فكيف يبررون صمتهم حيال الجرائم المرتكبة في غزة؟ يُقتل هناك آلاف الأطفال والنساء، ولا يُسمح حتى بدخول قوافل المساعدات الإنسانية. أليس سكان غزة من البشر؟ خمسة شاحنات غذاء مقابل هذا الكم من النازحين، ما الذي يمكن أن تفعله؟ وتلك الأنقاض التي تحولت إلى ملاجئ تُقصف أيضا.
ما الجهات أو القطاعات في سوريا التي ستستفيد أكثر من هذا القرار؟ وهل سيتأثر الاقتصاد السوري بهذه التغيرات؟
تحاول الحكومة السورية الجديدة، بقيادة الجولاني (الذي يُشار إليه الآن باسم أحمد الشرع)، أن تستوعب الجماعات المعارضة والمتضررة من فترة حكم الأسد ضمن بنيتها الحاكمة. ورغم الادعاء بأن الحكومة الجديدة تمثل جميع السوريين، إلا أن بعض الأقليات، كالأكراد والعلويين، ما زالوا على الهامش، أو حتى يتعرضون للقمع.
من الناحية الاقتصادية، فتحت حكومة الجولاني أبواب التعاون، خصوصا مع الدول العربية، واتخذت خطوات لتحسين الأوضاع. ويشمل ذلك استيراد النفط، تصدير السلع، تنشيط قطاع السياحة، وإعادة الإعمار، وهي إجراءات يمكن أن تؤثر إيجابا على الاقتصاد السوري.
تركيا كانت أحد العوامل المؤثرة في وصول حكومة الجولاني إلى الحكم، كيف ترى دورها الاقتصادي في السوق السورية؟
حتى الآن، كانت تركيا تسيطر على السوق السورية، لكن يبدو أن المستقبل سيشهد دورا أكبر للإمارات والسعودية في المشاريع الاقتصادية والبنى التحتية. وهذا يعني توسعا في النفوذ والعلاقات. ومع ذلك، لا تزال هناك تناقضات بين الرؤية العربية والرؤية “الإخوانية” التركية، وهو ما قد يثير توترات جديدة مستقبلا.
ما السبب الرئيس لتغير موقف الولايات المتحدة تجاه الجولاني؟ وهل يمكن اعتبار إلغاء العقوبات بداية لمفاوضات سياسية جديدة بين واشنطن ودمشق؟
كان الجولاني حاكما لإدلب، وتعلّم من الجماعات المتحالفة معه أنه عندما تصبح حاكما، عليك أن تتخلى عن سياسة الاعتقالات وقطع الرؤوس التي رافقت فترة الإرهاب، وأن تسعى لكسب رضا الناس.
ويبدو أن مرحلة نفوذ إيران في سوريا قد انتهت. فالتكاليف الباهظة التي دفعتها إيران، سواء من حيث الأرواح أو الأموال، لم تؤد إلى ترسيخ وجودها. أما الحكومة السورية الجديدة، ورغم أنها تنظر إلى كل عمليات القمع على أنها كانت بإيعاز من إيران، فإنها لم تصدر أي موقف ضدها، ولم تذكرها حتى بكلمة واحدة، لكنها عمليا أخرجت إيران من المعادلة.
وبقدر ما انتهى نفوذ إيران، بدأت موجة الترحيب بالجولاني، الذي غيّر من أسلوبه، ولبس ثوب الديمقراطية، واستضاف وفودا دبلوماسية.
أي إن ما كان بإمكان إيران أن تحققه طوال السنوات الماضية من خلال تحركات جماعية وتشجيع الآخرين على التفاعل، ضيّعته عبر الاصطدام بالجميع، وتكبّدت خسائر كبيرة بشرية ومالية، وفي النهاية، فرحت تلك الدول بهزيمة إيران في سوريا.
وسعت إلى دعم الحكومة الجديدة، واستثمرت دول مثل السعودية والإمارات مبالغ ضخمة لإعادة سوريا إلى مدارها، حتى أن دونالد ترامب، بعد تلقيه دعما ماليا من السعودية، غيّر موقفه واعترف بالحكومة الجديدة في سوريا.