تحذيرات من موجة غلاء جديدة في إيران.. عودة التضخم الثلاثي الرقم تهدد الأمن المعيشي

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين 

تناول موقع  “ديده بان إيران” الإيراني الإخباري، في تقرير له الخميس 1 مايو/أيار 2025، تصريحات الخبير الاقتصادي علي سعدوندی حول عودة معدلات التضخم الثلاثي الرقم في إيران، خاصة في أسعار المواد الغذائية. ويحلل أسباب هذا التصاعد، وفشل السياسات النقدية، ومخاطر الدخول في موجة تضخم مفرط ما لم تُتخذ إصلاحات جذرية.

6 سلع غذائية تتجاوز حاجز الـ100% تضخم سنوي

أضاف الموقع أنه وفقا للإحصاءات المعلنة، فإنه من بين 53 سلعة غذائية مختارة في المناطق الحضرية، شهدت 30 منها معدل تغيير سنوي يفوق المعدل العام للتضخم في المناطق الحضرية (38.5%). كما تُظهر المقارنة السنوية للأسعار في فروردين 1404 أن هناك ست سلع غذائية على الأقل شهدت تضخمًا ثلاثي الرقم، ما ينذر باستمرار هذا المنحى في الأشهر القادمة.

وتابع التقرير أن معدل التغيير في الأسعار السنوية يُظهر ارتفاع سعر البطاطا بنسبة 193%، واللوبيا التشيتی بنسبة 166%، والليمون الحامض بنسبة 136%، والعدس المقشور بنسبة 126%، واللوبيا الحمراء بنسبة 112%، والباذنجان بنسبة 109%.

ثلاث موجات تضخمية منذ عام 2018

أكد  الخبير الاقتصادي سعدوندی أن عودة التضخم الثلاثي الرقم كانت متوقعة، مشيرا إلى أن السياسات التي يعتمدها البنك المركزي للسيطرة على التضخم مؤقتة وليست جذرية.

وقال: “هناك توصيات واضحة في علم الاقتصاد للحد من التضخم، ولكن البنك المركزي لم يلتزم بها خلال الخمسين عاما الماضية، بل يواصل استخدام سياسة ما يُعرف بـ(الإغراق بالعملات الأجنبية-ارزباشی) لكبح أسعار السلع المستوردة”.

وأوضح أن هذا النهج لا يعدو كونه مسكنا مؤقتا يشبه إعطاء المريض المصاب بالسرطان حبة مسكن بدلا من العلاج الحقيقي.

وأضاف أن المقلق هو أن عددا من الاقتصاديين يدعمون هذه السياسة في البداية، لكنهم يصمتون بعد فشلها. ومنذ عام 2018، تكررت ثلاث موجات تضخمية؛ في كل مرة يرتفع التضخم إلى ذروته ثم ينخفض مؤقتًا، ما يمنح الناس بعض الأمل، إلا أن الأسعار تعاود الارتفاع، وتكسر القمم السابقة، مما يفتح الباب أمام خطر الدخول في حالة “التضخم المفرط”.

تجاهل التحذيرات الرسمية ينذر بالخطر

تابع سعدوندی قائلا إن هذه التحذيرات وُجهت مرارا إلى البنك المركزي، ولكن كما هو الحال مع تجاهل قضية ميناء “شهيد رجائي”، فإن التحذيرات بشأن التضخم المفرط تُقابَل بعدم اكتراث. وشدد على أن الحلول المؤقتة الحالية غير كافية، وأن موجة جديدة من الغلاء في الطريق.

قال سعدوندی في معرض رده على سؤال حول أسباب تذبذب الأسعار الحاد في السلع المحلية، إن استيراد السلع الأجنبية يُضعف المنتج المحلي. وأوضح أن “الإعانات المخصصة للاستيراد (عبر سياسة الإغراق بالعملة الصعبة) تُسبب مشاكل في جانب العرض، ما يؤدي بدوره إلى رفع معدلات التضخم، وهذه الظاهرة تُعرف بـ ‘المرض الهولندي'”.

وأشار إلى أن المرض الهولندي لا يضر فقط بالإنتاج المحلي، بل يؤثر أيضا بشكل مباشر على التضخم من خلال تقويض القدرة الإنتاجية الداخلية.

جذور الأزمة: العجز المالي ونظام مصرفي غير مُصلَح

وأردف سعدوندی أن السبب الرئيسي في التضخم الراهن هو عجز الميزانية الحكومية والخلل في النظام المصرفي، مؤكدا أن أي إصلاح حقيقي في هذا المجال لم يُنفذ خلال السنوات الماضية. وقال: “ما لم يتم تنفيذ إصلاحات جذرية في النظام المصرفي، فإن الأزمة ستستمر”.

وأشار إلى أن البنك المركزي يمتلك أدوات كثيرة يمكنه استخدامها، لكنه لا يرغب في ذلك. وأضاف: “يجب أن تكون الأولوية لترسيخ سياسات نقدية واضحة، ولكن البنك المركزي الإيراني من القلائل في العالم الذين لا يمتلكون سياسة نقدية حقيقية”.

وأردف أن السياسة النقدية يجب أن ترتكز على الشفافية والتواصل الصادق مع الناس، بما يشمل تحديد أهداف واضحة للفائدة والتضخم.

وأكد أنه من الأفضل أن يتوقف رئيس البنك المركزي عن الظهور الإعلامي، لأن تصريحاته أضعفت مصداقيته منذ توليه المنصب، لا سيما عندما قال إن “سعر السوق الحر غير معترف به”، واصفا إياه بـ”السعر التلغرامي”. واقترح تعيين متحدث رسمي يكون قادرا على كسب ثقة الرأي العام، مؤكدا أن التواصل الجيد عنصر أساسي في علم مكافحة التضخم.

السير نحو المجهول

واختتم سعدوندی حديثه بالقول إنه ما لم يُفعَّل دور الرقابة الجادة على البنوك وتتم محاسبة الإدارات المتورطة، فإن الأزمة مرشحة للتفاقم. وأضاف أن الميزانية العامة للدولة بحاجة لإصلاح عميق، لكن لا البرلمان، ولا منظمة التخطيط والموازنة، ولا وزارة الاقتصاد، ولا الحكومة نفسها تُبدي أي رغبة في كبح العجز أو ضبط النفقات أو تحسين الإيرادات. “الجميع عازم على مواصلة السير في طريق يقود نحو المجهول”، حسب تعبيره.