تعرّف على العلماء النوويين الذين اغتالتهم إسرائيل

Images 103

كتبت: رؤيا إسماعيلي

في الساعات الأولى من صباح الجمعة، 13 يونيو/حزيران 2025، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من خلال بيان رسمي، انطلاق الهجوم على إيران ضمن عملية حملت اسم “الأسد الصاعد”.

وأفاد مصدر إسرائيلي بأن جيش الاحتلال نفّذ خلال خمس موجات متتالية مئات الضربات على أهداف متعددة في أنحاء إيران. ورغم إعلان الجيش سابقا أن عملياته تستهدف المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، فإن الأدلة تشير إلى أن بعض الصواريخ أصابت مناطق سكنية، كما وقعت عمليات اغتيال استهدفت عددا من العلماء النوويين الإيرانيين.

أما الضربات التي وُجهت إلى منشآت “نطنز” و”فردو” و”USF” النووية، فلم تحقق أهدافا استراتيجية تُذكر، نظرا لطبيعة هذه المنشآت التي تجمع بين الأقسام السطحية والعميقة تحت الأرض. فعلى سبيل المثال، بُنيت منشأة “فردو” في عمق نحو 90 مترا داخل الجبال القريبة من مدينة قم، وتُعد من أكثر المواقع تحصينا في البرنامج النووي الإيراني. وقد صُمّمت لاستيعاب ما يقارب 3000 جهاز طرد مركزي.

وأظهرت تقارير متعددة، وضمن ذلك صور أقمار صناعية حللتها منصة “أكسیوس”، أن منشأة “فردو” لم تتعرض لأي ضرر يُذكر، وهو أمر كان متوقّعا نظرا إلى عمقها الكبير ومستوى التحصين العالي. ويُذكر أن هجمات سابقة استهدفت منشأة “نطنز” أيضا لم تُحدث سوى أضرار سطحية، سرعان ما جرت معالجتها.

اغتيال العلماء النوويين لا يُنهي المعرفة النووية في إيران

لا يؤدّي اغتيال العلماء النوويين على يد إسرائيل بالضرورة إلى القضاء على المعرفة النووية في إيران، تماما كما لم يحدث ذلك بعد اغتيال علماء بارزين مثل مجيد شهرياري ومصطفى أحمدي روشن؛ إذ إن هذه المعرفة قد انتقلت بالفعل إلى الجيل التالي من العلماء، نظرا لكونها معرفة محلية متجذّرة في المنظومة العلمية والصناعية للبلاد.

وقد أعلنت وكالات الأنباء الإيرانية، أسماء ستة علماء نوويين استُشهدوا خلال الهجمات الإسرائيلية، وهم: عبد الحميد منوجهر، أحمد رضا ذو‌الفقاري، أمير حسين فقهی، أكبر مطلبي ‌زادة، محمد مهدي طهرانجي، وفريدون عباسي. ويُعد كلّ من فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية وعضو البرلمان الإيراني سابقا، ومحمد مهدي طهرانجي، رئيس جامعة “آزاد الإسلامية”، من الأسماء الأبرز بين هؤلاء.

وفي اليوم التالي، السبت 14 يونيو/حزيران 2025، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه اغتال تسعة من علماء الطاقة النووية الإيرانيين خلال الضربات الجوية التي شنها يوم الجمعة. وجاء في بيانه: “جميع العلماء والخبراء الذين تم استهدافهم كانوا من الركائز الأساسية في المشروع النووي الإيراني، ويمتلكون خبرات تراكمية تمتد لعقود في مجال تطوير الأسلحة النووية”.

وأشار البيان أيضا إلى اغتيال ثلاثة علماء آخرين جدد، وهم: علي بقائي كريمي، ومنصور عسكري، وسعيد برجی. ويُذكر أن سعيد برجي كان عضوا في الهيئة التدريسية بجامعة مالك أشتر الصناعية، ويحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية، بينما كان منصور عسكري أستاذا في جامعة الإمام الحسين. ولم تُنشَر حتى الآن معلومات إضافية حول هؤلاء العلماء الثلاثة.

فريدون عباسي
فيما يلي لمحة عن السيرة الذاتية والنشاطات العلمية والدور الذي أدّاه بعض العلماء الذين استُهدفوا في الهجوم الإسرائيلي الأخير على البرنامج النووي الإيراني.

وُلد فريدون عباسي دواني عام 1958 في مدينة آبادان، وتابع دراسته في التخصصات الفنية والهندسية، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء النووية من جامعة “أمير كبير” في ثمانينيات القرن الماضي. وقد تمحورت أطروحته حول مواضيع مثل “فيزياء الإشعاع” وتطبيقات الطاقة النووية.

بعد إتمام دراسته، عمل عباسي كعضو هيئة تدريس في عدد من الجامعات الإيرانية، من بينها جامعة “الشهيد بهشتي” وجامعة “الإمام الحسين”. وقد أدّى دورا بارزا في تطوير البرنامج النووي الإيراني، حيث كان أستاذا متفرغا في الفيزياء النووية بجامعة الشهيد بهشتي، وشارك في أبحاث متقدمة في مجالات حساسة مثل “فصل النظائر”، و”المعجلات النووية”، و”أنظمة البلازما”.

كما شغل عباسي منصب رئيس مركز أبحاث “الليزر والبلازما” في جامعة الشهيد بهشتي، وكان عضوا في المجلس المركزي لجمعية الطاقة الذرية الإيرانية. وقد تركزت أبحاثه على الفيزياء النووية، وله مساهمات علمية بارزة نُشرت في مجلات علمية دولية.

وفقا لملفه العلمي على منصة “ResearchGate”، نشر عباسي 124 بحثا علميا، واستُشهد بأعماله من قبل 603 باحثين آخرين، مما يدل على مدى تأثيره في المجتمع الأكاديمي والعلمي الإيراني.

في الفترة بين عامي 2010 و2013، تولى عباسي منصب نائب رئيس الجمهورية ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية خلال الولاية الثانية للرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، حيث أدّى دورا محوريا في تسريع البرنامج النووي الإيراني، ولفت أنظار المجتمع الدولي حينها بإعلانه عن تسريع إنتاج اليورانيوم المخصب.

كان عباسي مدرجا باستمرار على لوائح العقوبات الغربية؛ ففي ديسمبر 2012، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عليه عقوبات بتهمة “المساهمة في تطوير أسلحة الدمار الشامل”، وذلك ضمن جهود دولية للحد من الطموحات النووية الإيرانية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، فرض الاتحاد الأوروبي عليه أيضا قيودا مالية ومنعا من السفر، في خطوة تعكس مكانته البارزة كأحد الشخصيات الرئيسة في المشروع النووي الإيراني.

تجدر الإشارة إلى أن عباسي نجا من محاولة اغتيال سابقة قبل الهجوم الإسرائيلي في 13 يونيو/حزيران 2025؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2010، استُهدف بعملية تفجير مغناطيسي وُضِع في سيارته، لكنه نجا منها. وقد وقع هذا الهجوم في اليوم نفسه الذي اُغتيل فيه العالم النووي الإيراني الآخر، مجيد شهرياري.

محمد مهدي طهرانجي

وُلد محمد مهدي طهرانجي في 21 مارس/آذار 1965 في العاصمة طهران. بدأ دراسته الجامعية في تخصص الفيزياء بجامعة الشهيد بهشتي، وحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء النظرية من الجامعة نفسها عام 1997.

عقب تخرّجه، التحق بهيئة التدريس في جامعة الشهيد بهشتي، وأصبح لاحقا من الشخصيات البارزة في مجال الفيزياء النووية في إيران.

كان لطهرانجي دورٌ مؤثّر في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد؛ إذ أسّس “معهد أبحاث الليزر” و”كلية التقنيات الحديثة” بجامعة الشهيد بهشتي، وهما مؤسستان كان لهما إسهام ملحوظ في دفع عجلة العلوم الحديثة في إيران. تولّى رئاسة جامعة الشهيد بهشتي بين عامي 2012 و2016، وفي عام 2019 عُيّن رئيسا لجامعة “آزاد الإسلامية”، وهي من كبرى الجامعات في إيران.

وفي عام 2020، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليه بسبب دوره في تطوير التكنولوجيا النووية الإيرانية، واعتبرته من الشخصيات المحورية في هذا المجال.

استشهد محمد مهدي طهرانجي في 13 يونيو/حزيران 2025 خلال الهجوم الجوي الإسرائيلي على إيران. وتجدر الإشارة إلى أنه كان قد نجا من محاولات اغتيال سابقة، من بينها هجوم وقع قبل أسابيع قليلة من اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده في عام 2020.

عبد الحميد منوجهر

وُلد عبد الحميد منوجهر عام 1962 في العاصمة الإيرانية طهران. واصل دراسته في التخصصات الهندسية والفنية، وسافر إلى الخارج لإكمال تعليمه العالي، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة النووية من جامعة موسكو عام 1998. وقد تمحورت أطروحة الدكتوراه خاصته حول موضوع: “مصدر التصادمات الأولية في طرق الإحداثيات المنفصلة: الخوارزميات والتنفيذ البرمجي”، ما يعكس تخصصه العميق في الحسابات النووية المعقدة.

بعد عودته إلى إيران، انضم إلى الهيئة التدريسية بجامعة الشهيد بهشتي، وتسلّم في عام 2022 رئاسة كلية الهندسة النووية بالجامعة، حيث عمل على تطوير البرامج التعليمية والبحثية في هذا المجال الحيوي.

لعب منوجهر دورا محوريا في تأهيل جيل جديد من المتخصصين الشباب في القطاع النووي الإيراني. ولم يكن مجرد باحث بارز، بل عمل أيضا كمشرف أكاديمي ومستشار علمي لطلاب الفيزياء النووية. وقد ركزت أبحاثه بشكل أساسي على تصميم النوى وأغلفة وقود المفاعلات النووية ونمذجتها.

من أبرز أعماله البحثية مقال بعنوان: “محاكاة حادثة انزلاق القضيب في مفاعل WWER-1000 باستخدام كود PARCS”، والذي نُشر عام 2014 في مجلة Annals of Nuclear Energy، ويبرز هذا البحث خبرته في مجال تحليل سلامة المفاعلات النووية.

إلى جانب نشاطه الأكاديمي، تولّى منوجهر رئاسة تحرير المجلة التخصصية “التكنولوجيا والطاقة النووية”، ونشر العديد من المقالات المتخصصة في سلوك الوقود النووي وأمان مفاعلات الجيل الجديد. كما أجرى بحثا متقدما حول تحسين كفاءة فصل نظائر اليورانيوم عبر تعديل الظروف التشغيلية لأجهزة الطرد المركزي، وهو ما يعكس مساهمته في تطوير تقنيات إيران النووية.

كان منوجهر من المعارضين البارزين لأي قيود دولية تُفرض على البرنامج النووي الإيراني. ففي مقابلة له عقب صدور أول قرار من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2003، اعتبر القرار “إعلانا للهزيمة”، ودعا إلى انسحاب إيران من الوكالة. كان يؤمن بأن الطاقة النووية ترتبط ارتباطا وثيقا بالقوة الاقتصادية والسياسية لأي دولة، مؤكدا أنه لا يمكن لأي بلد أن يمتلك اقتصادا متينا من دون دعم عسكري وتسليحي كافٍ.

وقد جعلته هذه المواقف أحد أبرز المؤيدين للمشروع النووي الإيراني، وربما كانت من الأسباب الرئيسة التي جعلته هدفا للهجوم الإسرائيلي.

سيد أمير حسين فقهي

وُلد سيد أمير حسين فقهي عام 1978 في مدينة شيراز. بدأ دراسته الجامعية في تخصص الفيزياء النووية بجامعة أرومية، ثم واصل تعليمه العالي في جامعة أمير كبير الصناعية. حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الهندسة النووية، حيث تمحورت أطروحته حول مواضيع مثل الأدوية الإشعاعية وتطبيقات الطب النووي، ما يعكس اهتمامه باستخدام التكنولوجيا النووية لأغراض طبية وسلمية.

كان فقهي من الشخصيات البارزة في تطوير العلوم والتقنيات النووية في إيران. وقد تركزت أبحاثه بشكل رئيس على الأدوية الإشعاعية، التي تُستخدم في علاج السرطان، إلى جانب إسهاماته في مجال القياسات الإشعاعية. ألّف كتبا مرجعية، منها كتابه المعروف: مبادئ وفنون القياس النووي”.

ولم تقتصر جهوده على البحث والتعليم، بل كان له دور مهم في تعريب وترجمة المصادر العلمية إلى الفارسية. ومن أبرز أعماله في هذا المجال ترجمته، بالتعاون مع الدكتورة نوشين يسائول، لكتاب حول فولاذ “مارجنك”، المستخدم في برامج تخصيب اليورانيوم، ما يُبرز سعيه الحثيث إلى توطين المعرفة التقنية النووية في إيران.

كما شغل فقهي مناصب إدارية رفيعة؛ ففي ديسمبر 2021، عيّنه محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، رئيسا لمعهد أبحاث العلوم والتقنيات النووية، وهو أحد الأذرع البحثية الرئيسة للمنظمة. كما تولّى منصب نائب رئيس المنظمة، وساهم في تطوير سياسات وبرامج الطاقة النووية في البلاد.

ويُذكر أن فقهي كان من تلامذة العالم النووي البارز مجيد شهرياري، أحد مؤسسي كلية الهندسة النووية بجامعة الشهيد بهشتي، والذي اغتيل عام 2010. وهذا يدل على صلته المباشرة بجيل العلماء المؤسسين للبرنامج النووي الإيراني.

استُشهد فقهي صباح الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، خلال الهجوم الصاروخي الإسرائيلي على إيران.

أكبر مطلبي زاده

وُلد أكبر مطلبي زاده في 1 أغسطس/آب 1963 بمدينة يزد. يُعد من الشخصيات المحورية في البنية الفنية والتنظيمية للبرامج العسكرية الإيرانية، حيث ترأس لسنوات “مجموعة الشهيد كريمي”، وهي وحدة تابعة لمنظمة الأبحاث الدفاعية الحديثة في إيران (سبند).

في مارس 2019، فُرضت عليه وعلى مجموعته عقوبات من قبل وزارة الخزانة الأميركية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13382، الذي يستهدف منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها. وقد شملت أنشطة المجموعة مجالات مثل تطوير الأنظمة التسليحية، والمواد المتفجرة، واختبارات الصدمة والانفجار، وكانت تشكل جزءا من جهود إيران لتطوير قدراتها العسكرية وربما النووية أيضا.

كان مطلبي زاده مشرفا رئيسيا على عدد من المشاريع ذات التطبيقات العسكرية، ولم يكتفِ بالإشراف الفني، بل عمل أيضا مستشارا شخصيا لمحسن فخري زاده، الرئيس الراحل لمنظمة الأبحاث الدفاعية الحديثة، الذي اغتيل عام 2020.

إلى جانب أنشطته البحثية والعسكرية، كان مطلبي زاده فاعلا في القطاع الإداري والاقتصادي؛ إذ شارك مع العالم سعيد برجي (المعاقب أميركيا أيضا) في تأسيس شركة باسم “بارسيان عصر آروين” عام 2015، وهي شركة تجارية مرخصة للاستيراد والتصدير. ومن اللافت أن محسن فخري زاده كان يشغل منصب “المفتش الخاص” لهذه الشركة، ما يعكس الارتباط الوثيق بين مطلبي زاده وشبكات البحث والتصنيع العسكري الإيرانية.

وصفت إسرائيل الهجمات التي شنّتها يوم الجمعة على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، وعمليات اغتيال العلماء النوويين، بأنها “ضربة استباقية” تهدف إلى منع إيران من تطوير قدراتها النووية. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار أحد أهداف الهجوم الإسرائيلي هو تقييد البرنامج النووي الإيراني السلمي ودفعه إلى التراجع، من خلال استهداف البنى التحتية و”الإقصاء الجسدي” لعلمائه.

لكن هذا النهج يُعد خطأ استراتيجيا جوهريا؛ إذ إن المعرفة النووية في إيران أصبحت قدرة وطنية متجذّرة ومؤسّسية، تنبع من بيئة علمية وصناعية متكاملة. وهي ليست حكرا على أفراد يمكن القضاء عليهم، بل هي تراكم معرفي مؤسّسي لا يُمحى بالاغتيالات أو الهجمات العسكرية. بل على العكس، فإن مثل هذه الإجراءات التخريبية لا تؤدي سوى إلى تعزيز الإرادة الوطنية في مواصلة الطريق نحو الاستقلال العلمي والتكنولوجي.