تعقيدات المفاوضات النووية بين إيران وأميركا: التخصيب والضغوط السياسية

ترجمة: يسرا شمندي
نشرت صحيفة هم ميهن الإصلاحية في 20 مايو/أيار 2025 تقريرا أكدت فيه أن تخصيب اليورانيوم أصبح خطا أحمر في مفاوضات إيران والولايات المتحدة، حيث يتمسّك كل طرف بموقفه. وتؤكد إيران، استنادا إلى احتياجاتها وبموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وبالنظر إلى التكاليف والخسائر التي تكبدتها خلال العقدين الماضيين – من اغتيال العلماء النوويين إلى أعمال التخريب والضغوط – على حقها في التخصيب.

وأضافت الصحيفة أن الأمريكيون يعتبرون توقف التخصيب شرطا أساسيا لأي اتفاق مع إيران، مؤكدين أنه خط أحمر، بينما أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن موقف إيران ثابت وستواصل التخصيب مهما تكررت التصريحات.
وتابعت الصحيفة أن الخلاف العميق بين إيران والولايات المتحدة حول التخصيب يثير تساؤلات حول مستقبل المفاوضات، سواء بالوصول لطريق مسدود أو كوسيلة للضغط على إيران للحصول على تنازلات. وتأتي زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان إلى سلطنة عمان الأسبوع المقبل وسط اهتمام إعلامي كبير، نظرا للدور الوسيط الذي تلعبه عمان في المفاوضات بين الطرفين.

المنطقة رحّبت بالمفاوضات

قال وزير الخارجية عباس عراقجي، في 19 مايو/أيار 2025 خلال اليوم الثاني من منتدى حوار طهران، مشيرا إلى مشاوراته مع وزيري خارجية عُمان وقطر بشأن التفاوض مع أمريكا: أنا سعيد لأن نظرة دول المنطقة إلى إيران تغيرت مقارنة بالماضي، ونلاحظ ذلك من خلال تفاؤلهم تجاه المفاوضات، لقد رحبت المنطقة بهذه المفاوضات، إذ يشكل السلام والهدوء مصلحة مشتركة للجميع.

وأكد: يمكن أن تلعب المحادثات بين إيران وأمريكا دورا مؤثرا في تحقيق السلام والاستقرار والهدوء في المنطقة.

لن نأخذ إذنا من أحد لتخصيب اليورانيوم

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي، في مؤتمره الصحفي في 19 مايو/أيار 2025: أن إيران لا تنوي أن تطلب إذنا من أحد من أجل التخصيب، والولايات المتحدة ليست في موقع يمكّنها من أن تطلب إذنا لاستخدام حق تم الاعتراف به للدول وفقا لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وأضاف أن حجة الأمريكيين لمنع إيران من التخصيب هي مغالطة، وقال: إذا كان صحيحا أن كل من يقوم بالتخصيب يسعى بالضرورة وراء القنبلة أو يمكنه صنعها، فحينها يجب تفكيك جميع منشآت التخصيب في كوريا الجنوبية، والبرازيل، وفي العديد من الدول الأخرى أيضا.

الأمريكيون يثيرون البلبلة في الأجواء

قال مساعد الشؤون السياسية في وزارة الخارجية وعضو فريق التفاوض مجيد تخت‌ روانجي، في حديث لوكالة إرنا بتاريخ 19 مايو/أيار 2025، إنه من الممكن أن تشهد الجولة الخامسة من المفاوضات تغييرا بسبب تصريحات المسؤولين الأمريكيين. 

وأوضح أن الجولة الخامسة تم الاتفاق عليها في الجولة السابقة، وسيُعلن العُمانيون عن زمانها ومكانها، لكن المواقف المتناقضة والمتقلبة من الجانب الأمريكي تثير البلبلة، وتجعل من الصعب الجزم بعدم تأثر مسار المفاوضات.

وأضاف تخت‌ روانجي أن ما يهم إيران هو إبقاء المفاوضات داخل إطار غرفة التفاوض، منتقدا سلوك الطرف الآخر الذي يلجأ أحيانا لإدارتها خارجيا. وأكد أن إيران ستتخذ القرار المناسب بناء على الأفعال لا الأقوال، مشددا على أن موقف طهران من حقوقها وفق معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بما في ذلك التخصيب، واضح وصريح، وقد تم التعبير عنه بشكل مباشر داخل المفاوضات وخارجها.

عدم وجود تخصيب على الإطلاق لا يؤدي إلى نتيجة ناجحة

كتبت نائبة مدير مركز كوينسي الأمريكي تريتا بارسي، في مقالة نُشرت في 19 مايو/أيار 2025 عن سياسة الأمريكيين المتعلقة بـالتخصيب الصفري: إن إصرار مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، على سياسة التخصيب الصفري في المفاوضات النووية مع إيران، ليس فقط طريقا لا يؤدي إلى اتفاق، بل سيُغلق أيضا نافذة الدبلوماسية.

وصرَّحت: أن هذا الخط الأحمر خلال الخمسة وعشرين عاما الماضية لم يكن فقط غير فعال، بل زاد الأمور تعقيدا ومنع التوصل إلى اتفاقات قابلة للتحقق.

واقترحت أن يعود ترامب إلى خطه الأحمر الأساسي، وهو منع تسليح البرنامج النووي الإيراني. وحذّرت من أن التصريحات المتطرفة قد تدفع المفاوضات نحو التصادم، خاصة إذا قابلتها إيران بالمثل. ومع اقتراب انتهاء مهلة تفعيل آلية الزناد في مجلس الأمن، فإن أي تأخير دبلوماسي قد يكون بالغ الخطورة. 

وأشارت إلى أن محاولات أمريكا لإعادة فرض العقوبات ستواجه معارضة من الصين وروسيا، ولن تلقى دعما من دول الجنوب العالمي. كما رجّحت أن ويتكوف قد يأمل في أن تضغط إيران لوقف التخصيب حتى نهاية رئاسة ترامب، لكنها اعتبرت هذا الاحتمال ضعيفا، نظرا لرفض إيران المبدئي للتوقف الكامل، حتى ولو بشكل مؤقت.

من التخصيب إلى صناعة القنبلة، هناك مسافة طويلة جدا
قال المحلل البارز في السياسة الخارجية حسن بهشتي‌ بور، لصحيفة هم ميهن إن استخدام الضغط الإعلامي لنقل التأثير إلى طاولة المفاوضات هو أحد أساليب الولايات المتحدة. وأوضح أن سياسة التخصيب الصفري لم يُطرح في الجولات الأربع الأخيرة، وإلا لتوقفت المفاوضات منذ الجولة الأولى. واعتبر أن الأمريكيين يسعون عبر هذه الأجواء لانتزاع تنازلات أكبر، لكنه لا يرى أن المفاوضات تتجه حاليا نحو طريق مسدود.

وأفاد بهشتي‌ بور أن لدى إيران وأمريكا في هذه المرحلة إرادة للوصول إلى اتفاق، رغم أن الطريق المشترك ما زال غير واضح، إلا أن الحلول ممكنة. وأكد أن احترام الخطوط الحمراء المتبادلة شرط أساسي للتفاهم، محذرا من أن التمسك بسياسة التخصيب الصفري سيؤدي إلى انسداد المفاوضات. وأضاف أن إيران، كما أكد عراقجي، ستواصل التخصيب سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا.

ووضح بهشتي بور أن اليورانيوم يُستخرج من المناجم ثم يُحوّل إلى الكعكة الصفراء، وبعدها تُحول الكعكة الصفراء إلى أكسيد اليورانيوم ليُستخدم في إنتاج غاز هكسافلوريد اليورانيوم الذي يُحقن في أجهزة الطرد المركزي. ويتم إنتاج هذا الغاز في منشآت أصفهان. وهناك نوعان من اليورانيوم نسميهما يورانيوم-235 ويورانيوم-238. اليورانيوم-238 لا يمكنه إنتاج الطاقة.

وشرح بهشتي بور أنه في عملية التخصيب، ترتفع نسبة اليورانيوم-235 وتنخفض نسبة اليورانيوم-238، وكلما زادت نسبة اليورانيوم-235 ارتفعت درجة التخصيب. فمثلا، تخصيب بنسبة 3.67% يعني أن اليورانيوم-235 يشكّل هذه النسبة، والباقي 96.33% هو يورانيوم-238. 

وأكمل: إن هذه العملية تُنفّذ عبر سلسلة من أجهزة الطرد المركزي للوصول للنسبة والكمية المطلوبة. وإيران تمتلك هذه القدرة حاليا، لكنها موضع اعتراض من الطرف الآخر. وحاليا، تخصب إيران حتى 60%، ولديها القدرة على الوصول إلى 90%.

وتابع: للوصول إلى تخصيب بنسبة 90%، يتطلب الأمر تعديلات فنية في أجهزة الطرد المركزي. فاليورانيوم بهذه النسبة قد يُستخدم لأغراض عسكرية. ويرى الطرف المقابل أن أي دولة تمتلك قدرة تخصيب متقدمة قد تكون قادرة نظريا على صنع القنبلة، لذا يجب وقف برنامجها. 

ورغم أن التخصيب حتى 90% شرط ضروري لصناعة القنبلة، إلا أنه غير كاف، إذ تحتاج الدولة أيضا إلى إنتاج اليورانيوم المعدني وتصنيع مادة التفجير وتطوير تقنيات التصنيع الآمن للقنبلة.

وأشارت الصحيفة إلى أن المبدأ الأول في صنع السلاح النووي هو ضمان ألا يسبب انفجاره تدمير المنشأة أو تلوث المناطق المحيطة، وهذا يتطلب تقنيات خاصة. فتخزين السلاح وتركيبه في رأس نووي وإطلاقه تعد عمليات منفصلة ومعقدة. إذن هناك ثلاث مراحل: الإنتاج، والتخزين، والاستخدام. 

ويمكن صنع السلاح أيضا من البلوتونيوم، لذا التخصيب هو الخطوة الأولى فقط. أما الطرف الآخر الذي يبرر ضغوطه على إيران بحجة التخصيب، فيتجاهل أن هذه التقنيات المعقدة غير متوفرة لإيران، وفقا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لم تجد أي أثر لهذه الأنشطة في برنامج إيران النووي.

وأوضح بهشتي بور أنه عندما تكون إيران مستعدة لمواصلة برنامجها النووي تحت الرقابة الدولية، وحتى قدمت اقتراحا للتعاون المشترك، يبقى السؤال: ما المبرر والمنطق وراء رفض ذلك؟ إن حجة إيران أقوى بكثير، فإلغاء التخصيب يشبه تمزيق خيط المسبحة؛ فالحبات موجودة لكن المسبحة غير مكتملة. إذا التخصيب هو الرابط الأساسي في دورة الوقود النووي. 

وصرَّح بهشتي بور أنه قد يُطلب من إيران استيراد الوقود، لكن مع سجل الخيانات السابقة، يصبح ذلك غير منطقي؛ فقد استثمر شاه إيران في شركة فرنسية لتأمين اليورانيوم المخصب، لكنها بعد الثورة لم تزود إيران بأي شيء وجمدت حصتها. 

كما أن الأمريكيين بنوا مفاعل أميرآباد في طهران، ثم رفضوا تزويده بالوقود، مما اضطر إيران لاستيراده من الأرجنتين بعد الثورة. 

وأشار يهشتي بور إلى تجربة الاتفاق النووي، موضحا أن البلد الذي يقبل الرقابة ويتحمل التزامات تتجاوز البروتوكول لبناء الثقة والحفاظ على برنامجه، إذا خرق الطرف الآخر الاتفاق، فلا منطق للثقة به. رغم أن الاتفاق كان يعمل جيدا ومنح الوكالة صلاحيات رقابية كاملة، لم تنفذه الدول الغربية. ووفقا لـ15 تقريرا للوكالة، التزمت إيران بالكامل بالاتفاق. والآن يجب إيجاد طريقة لمنع استغلال هذه الحجة والسيطرة على الوضع.

لا ينبغي أن نُفسد طاولة المفاوضات

وأفاد السفير السابق لإيران في جنوب أفريقيا جاويد قربان‌ اوغلي أن تصريحات ويتكوف وعراقجي تسببت سابقا في تأجيل الجولة الرابعة من المفاوضات، والتي كانت إيران والطرف العماني مبادرين فيها، ومرونة الأمريكيين آنذاك ساعدت في تخطي الأزمة. واعتبر أن الأمريكيين يستخدمون هذا الأسلوب للضغط من أجل تنازلات أكبر. 

وأوضح أن السبب وراء هذه التقلبات يعود إلى شخصية ترامب غير المستقرة وتأثره السريع بالمواقف، بالإضافة إلى نفوذ اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، حيث لا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نجاح المفاوضات بين إيران وأمريكا، وحاول دفع واشنطن نحو الحرب مع إيران لكنه لم ينجح بعد.

وأضاف أوغلي: في لقاء نتنياهو مع ترامب في البيت الأبيض، طرح سيناريو ليبيا لأنه كان يعلم أن إيران لن تتخلى عن برنامج تخصيبها النووي بسهولة. فإيران ليست ليبيا، ولم تحصل على منشآتها ومعرفتها النووية مجانا لتتنازل عنها بالمجان.

 إضافة إلى ذلك، هناك أعضاء مجلس الشيوخ والنواب المناهضون لإيران في واشنطن الذين لا يمكن تجاهل تأثيرهم، خاصة أن الموافقة على أي اتفاق نووي مع إيران تتطلب موافقة الكونغرس. وفي ظل هذه الظروف، ترى إيران أنها تسير على الطريق الصحيح.

نشر عراقجي عدة تغريدات أكد فيها استمرار المفاوضات والتزام إيران بالدبلوماسية ورفضها للسلاح النووي. وأشار إلى أن الخطاب الإعلامي الأمريكي يختلف عن ما يجري على طاولة المفاوضات، داعيا إلى عدم الاستعجال وعدم إفشالها. وأضاف: أنه إذا لم يخضع ترامب للضغوط، فقد يعود للمفاوضات ويقبل بتخصيب بنسبة 3.67%

وذكر أيضا أن هناك تكهنات نشرتها صحيفة الغارديان تفيد بأن الطرف المقابل طلب تعليق برنامج التخصيب لمدة ثلاث سنوات، محذرا من دراسة هذا الاقتراح بحذر لمعرفة الضمانات والتنازلات المقدمة، مستذكرا اتفاق سعدآباد الذي كسره الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد مما أدى إلى ستة قرارات من مجلس الأمن.

وأكد عراقجي أن تصريحات المستشار السياسي للمرشد الأعلى الإيراني علي شمخاني الأخيرة، التي أعاد ترامب نشرها، كانت متسرعة، واعتبر أنها نتيجة لتأثره بالمنافسات الداخلية. وأشار إلى أن النزاعات الداخلية أثرت سلبا على الملف واستغلها الطرف المقابل.

وشدد على أن هذا المسار قد يكسر اللعبة الشيطانية التي يخطط لها نتنياهو، بحيث تحتفظ إيران بصناعتها وقدراتها النووية ومنشآتها، ويستمر تشغيل أجهزة الطرد المركزي دون ضخ الغاز. وإذا رُفِع هذا الاقتراح مع الضمانات، والتنازلات التي طُرحت لإيران، فلا ينبغي تجاهله بسهولة، ومن بين هذه التنازلات يمكن رفع العقوبات الثانوية، وتهيئة الأجواء للانتقال إلى رفع العقوبات الأولية.