توقُّف الإنتاجية.. لماذا لم يتحقق الهدف الرئيسي لأفق 2025 لحكومة بزشكيان؟

ترجمة: يارا حلمي 

نشرت وكالة أنباء “مهر” الإيرانية الأصولية، الجمعة 2 مايو/أيار 2025، تقريرا تناولت فيه فشل إيران في تحقيق أهداف رؤية 2025 في مجال رفع الإنتاجية رغم التوجيهات الرسمية، وعزا ذلك إلى ضعف الإدارة، وغياب التكنولوجيا، وهجرة الكفاءات. 

ذكرت الوكالة أن إنتاجية عوامل الإنتاج تُعد أحد المؤشرات الرئيسية للتنمية الاقتصادية في أي بلد، وفي إيران، وعلى الرغم من وفرة الموارد البشرية والطبيعية، فقد واجهت الإنتاجية في مختلف القطاعات الإنتاجية خلال العقود الماضية، خصوصا بالمقارنة مع الدول الصناعية الناشئة، تحديات أساسية.

وتابعت أنه بناءً على ذلك، نصّت إحدى الركائز المحورية لوثيقة الأفق المستقبلي للجمهورية الإيرانية لعام 2025، التي صدرت بهدف تحويل إيران إلى دولة متقدمة ذات الصدارة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية في المنطقة، على ضرورة تحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال رفع إنتاجية عوامل الإنتاج، وضمن ذلك الطاقة، والقوى العاملة، ورأس المال، والموارد الطبيعية، وذلك كما جاء في البند رقم 37 من الوثيقة. 

وأضافت: “غير أن مراجعة الأداء الفعلي للاقتصاد الإيراني بعد مرور سنوات عدة، تُظهر أن هذا الهدف المحوري لم يتحقق بالشكل المطلوب، وتشير دراسة الوثيقة المذكورة والبرامج التنموية المرتبطة بها إلى أن نسبة ملحوظة من النمو الاقتصادي كان من المفترض أن تأتي من خلال تحسين الإنتاجية. ففي الخطة الخمسية للتنمية الخامسة، حُدِّدت حصة الإنتاجية من النمو الاقتصادي بنحو 33%، وارتفعت هذه النسبة إلى 35% في الخطة السادسة”. 

كما أوضحت أنه من المتوقع أن يسجل معدل إنتاجية إجمالي عوامل الإنتاج نموا سنويا وأن يؤدي دورا كبيرا في الناتج المحلي الإجمالي.

الفجوة بين الهدف والواقع

ذكرت الوكالة أن البيانات الرسمية الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني، ومنظمة التخطيط والميزانية، وتقارير المنظمة الوطنية للإنتاجية في إيران، أظهرت أن نمو الإنتاجية في السنوات التي سبقت عام 2025، لم يكن مستقرا فحسب، بل كان في العديد من الأعوام سلبيا أو قريبا من الصفر.

وتابعت أنه وفقا لتقرير صادر عن المركز الوطني للإنتاجية في إيران، فإن معدل نمو إنتاجية إجمالي عوامل الإنتاج خلال العقدين الأخيرين لم يتجاوز 0.5% سنويا، في حين أن الوثائق الاستراتيجية العليا كانت قد استهدفت نموا سنويا يفوق 2.8% لهذا المؤشر، كما أن حصة الإنتاجية في النمو الاقتصادي للبلاد كانت عادة أقل من 10%، وهو ما يعكس اعتماد النمو على الاستثمارات والقوى العاملة بدلا من الكفاءة.

وأضافت أنه في القطاع الصناعي، فقد ظل مؤشر إنتاجية القوى العاملة منخفضا نتيجة ضعف التدريب المهني، وتقادم المعدات، وسوء إدارة عمليات الإنتاج. وفي القطاع الزراعي، وعلى الرغم من التقدم المحدود في مجال المكننة، لا تزال إنتاجية المياه والتربة متخلفة عن المعدلات العالمية.

لماذا لم تتحقق أهداف الإنتاجية؟

ذكرت الوكالة رغم أن وثيقة أفق 2025 كانت قد حددت بشكل واضح رفع الإنتاجية كمحور للنمو الاقتصادي، فإن هذا الهدف لم يتحقق فحسب، بل شهد في بعض الحالات اتجاها معاكسا.

وتابعت أن هناك عوامل متعددة أعاقت تحقق هذا الهدف، منها ضعف التنفيذ، وعدم الاستقرار الاقتصادي، ونقص الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة، العقوبات، وهروب رأس المال والكوادر البشرية، وغياب الإرادة الجادة على مستوى صانعي السياسات.

وأضافت أن أحد الخبراء الاقتصاديين صرح بأن “حصة الإنتاجية المنخفضة في النمو الاقتصادي كانت ملموسة خلال هذه السنوات؛ وعلى خلاف الأهداف المحددة، كان النمو الاقتصادي في كثير من سنوات عقد التسعينيات إما سلبيا وإما ناتجا في الغالب عن زيادة استهلاك الموارد والاستثمارات المادية المحدودة، دون أن يكون لتحسن الإنتاجية أي دور يذكر في هذا النمو”.

وأوضحت أنه أشار إلى أن نمو إنتاجية إجمالي عوامل الإنتاج كان سلبيا أو شبه معدوم في أغلب سنوات هذا العقد، مضيفا أن هذا المؤشر شهد انهيارا حادا خلال أعوام مثل 2018 إلى 2020، نتيجة العقوبات، وتقلبات السياسات، وانخفاض الاستثمارات.

وبينت أن هذا الخبير لفت كذلك إلى غياب السياسات التنسيقية التي تركز على الإنتاجية، مشددا على أن العديد من السياسات والبرامج التنفيذية لم تركز بما فيه الكفاية على إصلاح البُنى غير الفاعلة، أو تعزيز رأس المال البشري، أو تحديث التكنولوجيا، أو تحسين إدارة المؤسسات. وفي الواقع، لم تحظَ الإنتاجية بالمكانة التي تستحقها في السياسات التنفيذية.

وأفادت بأنه “عدّ تراجع رأس المال البشري وهجرة العقول من بين العوامل الأخرى التي حالت دون تحسن مؤشر الإنتاجية، مؤكدا أن البلاد بدلا من الاستثمار في تنمية المهارات، والتعليم الفني والمهني، وتطوير الموارد البشرية، واجهت موجة واسعة من هجرة الكوادر الماهرة، وهو ما كان من الأسباب الرئيسية لتراجع إنتاجية القوى العاملة”. 

ولفتت إلى أن هذا الخبير أشار كذلك إلى أن الفجوة الواسعة بين التعليم النظري والمهارات المطلوبة للإنتاج أدت إلى تقليل فعالية رأس المال البشري، ويشير تقادم البُنى التحتية والتكنولوجيا الإنتاجية، أن تحديث تكنولوجيا التصنيع وتعزيز إنتاجية رأس المال يتطلب استثمارات مستمرة، إلا أن محدودية الوصول إلى رأس المال والتقنيات الحديثة، خاصة بعد فرض العقوبات المشددة، أدت إلى تراجع حاد في عوائد رأس المال.

وأضاف أن النظام غير الفعّال في اتخاذ القرار والإدارة الحكومية يُعد من العوامل الأخرى التي حالت دون تحقيق تحسين في الإنتاجية؛ فكثير من الوحدات الصناعية في إيران تخضع لسيطرة الحكومة أو هيئات شبه حكومية، وتدار على أساس الاعتماد على الميزانية أو وفقا لاعتبارات سياسية، لا على أساس الكفاءة والإنتاجية.

وذكرت أنه لفت إلى عدم الاستقرار في الاقتصاد الكلي، موضحا أن تقلبات أسعار الصرف، والتضخم المزمن، والقيود المفروضة على التصدير خلال هذه السنوات، قد أدّت إلى تراجع حوافز المنتجين نحو الاستثمار طويل الأجل في رفع مستويات الإنتاجية.

نماذج من النجاح والإخفاق

ذكرت الوكالة أنه رغم الظروف العامة، تمكنت بعض الشركات الخاصة من رفع إنتاجيتها من خلال إدخال تقنيات حديثة، وتحسين إدارة الموارد البشرية، وفتح قنوات تواصل مع الأسواق الدولية، فعلى سبيل المثال، استطاعت بعض الشركات الناشئة في قطاع الصناعات الغذائية والبتروكيماويات، عبر زيادة مستويات الأتمتة وتحليل البيانات، تقليل التكاليف ورفع كفاءة التشغيل.

وتابعت في المقابل، لم تتمكن مشاريع مثل بعض مصانع تجميع السيارات أو مصانع الفولاذ، من تحقيق أي إنتاجية ذات مغزى رغم ضخ استثمارات كبيرة فيها، وذلك بسبب سوء الإدارة والاعتماد الكامل على استيراد التكنولوجيا.

ما العمل؟

أوردت الوكالة أنه رغم انتهاء أفق عام 2025، فإن الحاجة إلى التركيز على الإنتاجية لا تزال قائمة، ولتدارك التأخر الحاصل، يؤكد الخبراء ضرورة إدراج مؤشر الإنتاجية كمعيار رئيسي في تقييم أداء المؤسسات التنفيذية.

وتابعت أن الخبراء يشددون كذلك على أن تكون الأولوية للاستثمار في مجالات التعليم، والتكنولوجيا، والابتكار، مع إعادة هيكلة النظام الإداري للمؤسسات والمرافق الحكومية، ومن المهم أن يتم رصد مؤشرات الإنتاجية بشكل شفاف ومستمر، مع تقديم تقارير دورية بهذا الشأن.

وأضافت أنه في القطاع الصناعي، ينبغي أن تتضمن الأولويات إصلاح هيكل الحوكمة الاقتصادية، وتقليص دور الدولة في الصناعات الإنتاجية، وزيادة الاستثمارات في مجالي البحث والتطوير من خلال منح إعفاءات ضريبية للقطاع الخاص.

وأوضحت أنه ينبغي كذلك إعادة النظر في النظامين التعليمي والفني والمهني بما يواكب احتياجات قطاع الإنتاج، ونشر ثقافة الإنتاجية، إلى جانب توظيف أدوات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء داخل القطاع الصناعي، فضلا عن إنشاء قواعد بيانات للإنتاجية، ووضع نظام موحد لتقييم الأداء.

وأكدت أن إنتاجية التصنيع في إيران لا تُعد فقط ضرورة اقتصادية، بل تمثل أيضا مطلبا اجتماعيا واستراتيجيا لتجاوز الأزمات الاقتصادية المزمنة، ورغم كثرة التحديات، فإن الطاقات البشرية، والموقع الجغرافي، والإمكانات التكنولوجية للبلاد، يمكن أن تفعّل محرك النمو القائم على الإنتاجية، شريطة إجراء إصلاحات هيكلية وتقديم دعم ذكي ومدروس.