- يارا حلمي
- 11 Views
ترجمة: يارا حلمي
نشرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الأصولية، الأربعاء 30 أبريل/نيسان 2025، تقريرا تناولت فيه مظاهر التضامن الشعبي الواسع في إيران بعد انفجار بندر عباس، وكيف تحولت مشاهد التعاطف والمساعدة إلى رمز وطني يفخر به الإيرانيون.
ذكرت الصحيفة أنّه في شهر فبراير/شباط 2023، ضرب زلزال عنيف الأراضي التركية وأدى إلى خسائر مادية وبشرية جسيمة، وحينها، قرّر المسؤولون الإعلاميون في تركيا إطلاق برنامج خاص لترميم هذا الحزن الوطني.
وتابعت أنه أذيع برنامج بعنوان “قلب واحد، تركيا واحدة” بشكل متزامن على جميع القنوات التلفزيونية في البلاد، بمشاركة أبرز الشخصيات الفنية، ونجحوا في جمع مبلغ ضخم خُصص للتعامل مع آثار الزلزال المدمّر، ونال هذا الحدث تغطية واسعة من وسائل الإعلام العالمية، وقدّمت فيه تركيا تعاطفها كمكوّن أساسي من ثروتها الوطنية أمام أنظار العالم.
وأوضحت أنّ حادثة انفجار ميناء الشهيد رجائي في بندر عباس هزّت البلاد دفعة واحدة، إذ اشتعل أهم ميناء ترانزيت إيراني فجأة بالنيران، ولم يُخمد الحريق إلّا بعد عدة أيام من جهود مكثفة من قبل وحدات الإطفاء، ولم تُعرف بعد الأسباب الدقيقة للحادث، وما تزال وسائل الإعلام المناهضة لإيران تحاول حرف رواية ما جرى بما يخدم أهدافها الخاصة.
وأضافت أنّ تيارا شعبيا نشأ في ظل هذه الكارثة، واستطاع أن يجذب إليه النخب والشخصيات الفنية المعروفة، فعبّر الإيرانيون من خلال وقوفهم إلى جانب المأساة والألم عن صورة موحّدة ومتعاطفة، وأوصلوا هذه الصورة إلى العالم باعتبارها “علامة وطنية” تمثّلهم.
دماء إيران في عروق محافظة هرمزغان

ذكرت الصحيفة أنه بعد إعلان وسائل الإعلام عن انفجار ميناء الشهيد رجائي، جرى التنويه إلى أنّ بنك الدم الوطني بحاجة ماسّة إلى تبرعات دموية، وعلى الفور، بدأت تتشكّل طوابير طويلة من المواطنين أمام مراكز التبرع، حتى إنّ الازدحام في بعض المناطق كان شديدا إلى درجة أدّت إلى تحطيم أبواب مغلقة تحت ضغط الحشود.
وتابعت أن الصفوف امتدّت لساعات النهار والليل، وتجاوزت فترة الانتظار أحيانا الساعتين، ما دفع كثيرين إلى الجلوس على الأرصفة والجداول بانتظار دورهم.
وأضافت أنه لم تمضِ فترة طويلة حتى بدأت صور هذا التجمّع الكبير تنتشر عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي على يد المواطنين أنفسهم، ولم تؤدّ هذه الصور إلى تقليص عدد المتبرعين، بل زادت من حماسة الآخرين ودفعَتهم للحاق بالموجة التضامنية.
وأوضحت أن هذه الصور انتشرت أيضا في وسائل الإعلام الأجنبية ولفتت أنظار مستخدمي الإنترنت حول العالم، وكتب أحد المستخدمين الأميركيين على صفحته الشخصية أنّ آخر مرة شهدت فيها الولايات المتحدة مثل هذا الاصطفاف، كان من أجل بيض مقلي ورخيص، بينما يصطف الإيرانيون من أجل التبرع بدمائهم.
طيّار إيلوشين: بطل قومي
أشارت الصحيفة إلى أحد الأبطال القوميين في هذه الأيام، وهو طيّار طائرة إيلوشين 76، الذي نفّذ نحو عشرين طلعة جوية للمساعدة في إخماد حريق الميناء، بعضها جرى ليلا لتجنّب هدر الوقت.
وبينت أن تسجيلات هذا الطيّار الشجاع تحولت خلال تنفيذ هذه المهمة الخطيرة إلى مقاطع واسعة الانتشار على وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، ليبرز من قلب المآسي من جديدٍ أبطال وطنيون يؤدّون أدوارهم بكل فخر.
الهلال الأحمر والإطفاء
ذكرت كذلك، المشاهد المصوّرة لعمليات إطفاء الحريق، وإسعاف المصابين، والحضور القوي لرجال الإطفاء، ووجوههم المرهقة والمغطاة بالسخام وسط النيران، وانتشرت مرارا وتكرارا في وسائل الإعلام.
وتابعت أن المواطنين قدموا في منشوراتهم التحية والتقدير لهؤلاء الأبطال، حتى تحوّلت بعض الصور إلى لافتات وبوسترات مهيبة، تصلح لأن تُضم إلى ألبوم “فخر الإيرانيين الوطني”.
معاينات طبية مجانية
وأضافت أنه عقب كارثة بندر عباس المؤلمة، بادرت فئات مهنية مختلفة لتقديم مساهماتها في التخفيف من آثار المأساة، وسرعان ما أعلن عدد من الأطباء، لا سيما في جنوب البلاد والمدن المجاورة، عن استعدادهم لمعالجة المصابين في انفجار ميناء الشهيد رجائي بشكل مجاني.
وأوضحت أن أسماء هؤلاء الأطباء أدرجت بشكل متواصل في قوائم نشرتها شخصيات مشهورة في الجنوب، لتسهيل مراجعتهم.
إلغاء الحفلات ومراسم الفرح
أشارت الصحيفة إلى مهرجان “كوشه” الذي كان قد توقّف في دورته السابقة وسط جدل واسع، وهذه المرة أيضا واجه مصيرا مشابها بين أخبار تؤكد وتشكك في إمكانية انعقاده، وبمجرد الإعلان رسميا عن إقامته، شهدت التذاكر إقبالا كثيفا، ونفدت بطاقات الدخول في بوشهر، وسجّلت حفلاته أرقاما قياسية.
وتابعت أن الفنانين المحليين توافدوا للمشاركة في هذا الحدث الثقافي التراثي، وأقيم المهرجان بالفعل، لكن بعد يوم واحد فقط من انطلاق الفعاليات، انتشر خبر حادثة بندر عباس المفجعة، فخيّم الحزن على قلوب المواطنين، خصوصا في الجنوب الإيراني.
وأضافت أنه رغم التحضيرات المطوّلة، قرّر القائمون على “كوشه” التوقف، فوضعوا آلاتهم الموسيقية أرضا، وحملوا الطبول وأدوات العزاء، ليملأ الحزن الأزقة بدلا من البهجة، وأقاموا مراسم عزاء ضخمة تضامنا مع جيرانهم الجنوبيين المنكوبين.
وأوضحت أنه في النهاية، نشر منظمو المهرجان بيانا مؤثرا أعلنوا فيه إلغاء الحدث الذي شقّ طريقه بصعوبة وسط الكثير من العقبات، وجاء في نص البيان: “الجنوب بيت فيه نخلة في وسطه، شجرة كناري في زاويته، قارب قديم في ركنه، إحدى غرفه أهواز، والأخرى بوشهر، وأوسعها وأجملها بندر عباس، وإذا كانت إحدى عينيه تبكي، فلا تبقى في يده لا ناي ولا طاقة”.
وتابعت أن هذا الموقف لقي ترحيبا واسعا من الجمهور، ليشعر كل الإيرانيين بالفخر بهذا التعاطف والاحترام لآلام الوطن، وبعد انطلاق موج التضامن الشعبي بين الإيرانيين بأشكاله المتعددة، حرص عدد كبير من الشخصيات البارزة والمشهورة على الانضمام إلى صفوف الناس، سواء بالحضور الميداني أو عبر الفضاء الافتراضي.
وذكرت الصحيفة أنه قد نشر كثير منهم صورا توثق هذا التعاطف الشعبي، سواء في طوابير التبرع بالدم أو في قلب موقع الكارثة إلى جانب رجال الإطفاء والهلال الأحمر، وكتبوا عليها: “فلنفتخر بإيراننا”.
وتابعت أن هذه إيران التي تعرّضت خلال العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية لهجمات متكررة، والتي باتت الحياة فيها محط استهزاء من بعض الشخصيات التي غادرت البلاد.
وأضافت أنه منذ فترة قصيرة فقط، نشرت إحدى المذيعات السابقات في التلفزيون الإيراني، والتي ظهرت على الشاشة منذ سنّ المراهقة، مقطع فيديو مع زوجها سخرا فيه من أن احتمال ولادة إنسان في إيران لا يتعدّى الواحد بالمئة، وقالا إنّ 80 مليون إيراني كانوا سيئي الحظ لكونهم جزءا من هذا الواحد بالمئة.
وأوضحت أن الصور المبهرة للتضامن والتلاحم الشعبي خلال هذه المحنة الوطنية، أعادت تقديم وجه مشرّف للهوية الإيرانية ولحياة يعيشها أبناء هذا الوطن رغم كل التحديات.
ما الذي يجب فعله بهذا الرصيد؟
ذكرت الصحيفة أن مثل هذه الأحداث تذكر دائما بأن الإيرانيين، رغم محاولات وسائل الإعلام الخارجية المتكررة لزرع الفرقة والانقسام، كانوا يقفون دوما كتفا إلى كتف في لحظات الكوارث الوطنية، ويسارعون إلى نجدة بعضهم.
وتابعت أن هذا التلاحم يظهر بأجلى صوره في الأيام التي يحتاج فيها جزء من الوطن إلى دعم جزء آخر، وقدرة فريدة ونادرة قلّما نجدها في دول أخرى، ويمكن تقديم هذا القدر من التعاطف كأحد أبرز العلامات الوطنية المميّزة للإيرانيين أمام العالم.
وأضافت أن ما يجب أن تضطلع به المؤسسات الإعلامية والثقافية في البلاد هو العمل بجدية على توثيق وتعزيز ونقل هذه القيمة الوطنية الثمينة، سواء أكانت تلك المشاعر تضامنا عبر “الذهب” لصالح بلد صديق ومجاور، أو “الدم” من أجل مواطن جنوبي منكوب.
وأوضحت أن واحدة من أهم مهمات الإعلام الإيراني في الساحة الدولية هي تقوية هذه “العلامة الوطنية”، لا سيما في الأيام التي يضحك فيها أعداء إيران على آلام الإيرانيين مستخدمين لغتهم الفارسية ذاتها في برامجهم.