في أجواء إقليمية مشحونة بالتوترات والتحالفات المتبدلة، تتصاعد حدة الخطابات السياسية بين إيران والولايات المتحدة، حيث باتت التصريحات المتبادلة بين قادة البلدين تعكس عمق الصراع لا على المصالح فحسب، بل على سردية القوة والعدالة في المنطقة.
وفي ظل تنامي الاستقطاب الدولي، تكتسب كل كلمة صادرة عن قادة الدولتين أهمية بالغة، خصوصا حين تصدر من أعلى مستويات القيادة. ومن خلال مواقف لافتة، تسعى طهران لتقديم رؤيتها كقوة مقاومة، في مواجهة ما تعتبره هيمنة أمريكية مغلفة بدعوات زائفة للسلام. وبينما تتناقل وسائل الإعلام العالمية هذه المواقف، يبدو أن الخطاب السياسي الإيراني يدخل مرحلة أكثر مباشرة وتحديا.
ففي موقف حاد، وجه المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، انتقادات لاذعة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، متهما إياه بالكذب والنفاق في تصريحاته التي أطلقها خلال زيارته الأخيرة إلى دول الخليج، الانتقادات التي جاءت خلال لقائه بجمع من المعلمين والمثقفين الإيرانيين، في حسينية الإمام الخميني بالعاصمة طهران، صباح السبت 17 مايو/أيار 2025، حيث خصص جزءا كبيرا من كلمته للرد على الخطاب الأمريكي بشأن السلام والأمن في منطقة غرب آسيا.

وكان ترامب قد أكد خلال جولته الخليجية، والتي استمرت من الثلاثاء 13 مايو/أيار إلى الجمعة 16 مايو/أيار، وشملت السعودية وقطر والإمارات، أن بلاده تريد استخدام قوتها في المنطقة لتحقيق السلام، مشيرا إلى سعيه لإقامة استقرار إقليمي في مواجهة ما وصفه بـ”التهديد الإيراني”، تلك التصريحات التي أثارت موجة من السجالات الإعلامية والدبلوماسية، لا سيما في إيران، التي اعتبرتها محاولة مكشوفة لإعادة تسويق الدور الأمريكي في المنطقة، وتبرير تحالفات جديدة مع بعض الأنظمة الخليجية.

يذكر أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، كان قد اتهم ترامب بالكذب والتضليل على خلفية تصريحاته بالرياض، معتبرا أن الشعب الإيراني هو من اختار طريق التقدم والاستقلال، بينما الولايات المتحدة هي من أعاقت ذلك على مدى عقود عبر العقوبات والضغوط.
وأكد أن ترامب تجاهل جرائم إسرائيل، بما في ذلك قتل عشرات الآلاف في غزة وشن هجمات على لبنان وسوريا واليمن، وسعى بدلا من ذلك إلى تصوير إيران كتهديد، ووصف عراقجي أن هذا تزوير للواقع، وأن محاولات قلب الحقائق لن تنجح في طمس حقيقة من يشكل الخطر الحقيقي في المنطقة.

خامنئي يرد.. كلمات لا تستحق الرد
في رده على هذه التصريحات، قال خامنئي: “إن بعض هذه الأقوال التي صدرت خلال زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة لا تستحق حتى الرد، فمستواها من الانحدار يجعلها مصدرا للخزي والعار لقائلها وللشعب الأمريكي بأسره”، وتابع: “فأنا لا يهمني باقي حديثه، لكن ينبغي التوقف عند عبارات محددة”.

ووفقا للمرشد الأعلى، فقد كانت واحدة من أبرز عبارات ترامب هي زعمه أنه يريد استخدام القوة من أجل السلام، حيث وصفها بالكذبة الكبرى، وقال: “إن ترامب والإدارات الأمريكية السابقة استخدموا القوة للقتل، للحرب، لدعم المرتزقة، متى استخدموا قوتهم لإحلال السلام؟”.
كذلك، فقد أكد خامنئي أن الولايات المتحدة لم تستخدم قوتها في أي وقت من أجل بناء السلام أو الأمن، بل كانت أداة دمار دائم، مشيرا إلى دعمها لإسرائيل وتزويدها بالقنابل التي تُلقى على رؤوس أطفال غزة، مضيفا: “هم أعطوا قنابل تزن عشرة أطنان للكيان الصهيوني ليرميها على المستشفيات، على منازل المدنيين، في غزة، في لبنان، وفي كل مكان يستطيعون الوصول إليه”.
ورأى خامنئي أن الفرق بين ما تفعله إيران وإدارة ترامب يكمن في الهدف من امتلاك القوة، إذ قال: “نحن، وبعين العدو العمياء، نعزز قوتنا من أجل الأمن والسلام، لا من أجل القتل والعدوان”.

في جزء آخر من خطابه، تناول خامنئي تصريحا سابقا لترامب زعم فيه أن دول الخليج لا يمكنها البقاء أكثر من عشرة أيام من دون الدعم الأمريكي، حيث قال: “هو يحاول فرض هذا النموذج الذليل على المنطقة، لكنه نموذج فاشل بلا شك، وبهمة شعوب هذه المنطقة، سيخرج الأمريكيون منها، وسيرحلون”.
كذلك، لم تخل كلمة خامنئي من التطرق إلى إسرائيل، التي وصفها مرة أخرى بأنها “غدة سرطانية مميتة وخطيرة يجب أن تُستأصل من هذه المنطقة، وسيتم استئصالها”، وهو الوصف نفسه الذي تكرر استخدامه قادة الحرس الثوري، واعتبر أن وجود الكيان الصهيوني هو مصدر الفساد والحروب والانقسامات في منطقة غرب آسيا.
الإعلام الدولي يسلّط الضوء
هذا وقد لاقت تصريحات المرشد الأعلى صدى واسعا في وسائل الإعلام الدولية، التي تابعت باهتمام خطابه ضد ترامب وأمريكا وإسرائيل، حيث نشرت وكالة رويترز الأمريكية تقريرا بعنوان “المرشد الأعلى الإيراني: ترامب يكذب حين يتحدث عن السلام”، أشارت فيه إلى أن خامنئي اتهم الرئيس الأمريكي باستخدام لغة النفاق، مؤكدا أن الولايات المتحدة تدّعي السلام بينما تدعم حربا مفتوحة ضد الفلسطينيين.

بدورها، كتبت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الصهيونية في مقال لها، أنه “في خطابه اليوم، قال المرشد الأعلى لإيران إن رئيس الولايات المتحدة يكذب بشأن أهدافه ومقاصده فيما يتعلق بغرب آسيا”، كما أضافت أنه وصف الكيان الإسرائيلي بأنه غدة سرطانية يجب اقتلاعها.
أما صحيفة “تايمز أوف إنديا” الهندية، فقد نشرت تصريحاته تحت عنوان “المرشد الأعلى لإيران: على الولايات المتحدة أن تغادر هذه المنطقة وستغادرها”، وذكرت: “قال المرشد الأعلى لإيران تعليقا على زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دول الخليج، إن الولايات المتحدة يجب أن تغادر هذه المنطقة، وستغادرها”.
أيضا، فقد علقت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية على ما وصفته بـ”اللغة القاسية” التي استخدمها خامنئي، مشيرة إلى أنه وصف تصريحات ترامب بأنها “لا تستحق الرد، ومصدر خزي للناطق بها وللشعب الأمريكي”.
أبعاد سياسية وإقليمية
عكست تصريحات ترامب تصعيدا واضحا في الخطاب السياسي الإيراني تجاه إدارة ترامب، وتأتي في سياق توتر متزايد في الخليج بعد إبرام صفقات تسليح أمريكية جديدة مع بعض دول المنطقة، وكذلك في ظل استمرار التوتر حول الملف النووي الإيراني والصراعات في اليمن وسوريا.
ويبدو أن طهران اختارت أن تُظهر أن خطاب ترامب، الذي يُسوّق على أنه سلمي، ليس أكثر من واجهة لصراعات دموية تمولها وتوجهها واشنطن، سواء بشكل مباشر أو عبر حلفائها.
وفي المقابل، تشير ردود الفعل الإعلامية الدولية إلى أن العالم يراقب هذا الخطاب الإيراني عن كثب، خاصة في ظل تغير موازين القوى الإقليمية وتصاعد الرفض الشعبي في بعض دول المنطقة للوجود الأمريكي.