خبراء إيرانيون: إصرار واشنطن على وقف التخصيب محاولة لفرض نموذج ليبيا النووي على إيران

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- وسائل التواصل

نشرت صحيفة “جام جم” الإيرانية الأصولية، الجمعة 23 مايو/أيار 2025، تقريرا استعرضت فيه موقف الولايات المتحدة المتشدد تجاه برنامج إيران النووي، من خلال مطالبتها بوقف كامل لعملية التخصيب، ويحلل خلفيات هذا المطلب من خلال آراء أربعة خبراء.

كما سلّط الضوء على البُعدين السياسي والاستراتيجي لهذا الإصرار، باعتباره امتدادا لسياسة احتكارية تُعرف بـ”الأبارتهايد النووي”.

ذكرت الصحيفة أنه في الوقت الذي أعلن فيه إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عن انعقاد الجولة الخامسة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة يوم الجمعة 30 مايو/أيار 2025، في العاصمة الإيطالية، لا تزال الخلافات قائمة بين الجانبين حول مسألة تخصيب اليورانيوم داخل إيران. وقد أعادت الولايات المتحدة مؤخرا تأكيد موقفها المتشدد بضرورة التوقف الكامل عن التخصيب في إيران.

وتابعت أن التقرير الذي أعدته يستند إلى آراء أربعة خبراء كبار في الشؤون الدولية، ويسعى للإجابة عن سؤالين أساسيين: هل مطلب أمريكا بوقف التخصيب يعكس تغييرا في موقفها أم أنه امتداد لمواقف سابقة؟ وما سبب إصرارها على هذا المطلب؟

واشنطن تسعى لتكرار “نموذج ليبيا

أشارت الصحيفة إلى أن الدكتور فؤاد إيـزدي، الخبير في الشؤون الأمريكية، يرى أن الموقف الحالي للولايات المتحدة ما هو إلا استمرار للسياسات السابقة التي تهدف إلى إضعاف إيران.

وأوضح قائلا: “نشأت في واشنطن منذ فترة، فكرةٌ مفادها أن إيران قد ضعفت، وعلى هذا الأساس قررت إدارة ترامب الدخول في مفاوضات نووية مع طهران بدافع: دعونا نرى ماذا يمكننا أن ننتزع منها؟”.

وأضاف: “في البداية أدلوا بتصريحات مشجعة لجذب الطرف الإيراني إلى طاولة المفاوضات وخلق ضغط إيجابي في الرأي العام الإيراني لصالح الولايات المتحدة”.

وأردف أن الولايات المتحدة مع تقدم المفاوضات طرحت مطلب وقف التخصيب بالكامل، معتبرا أن هذا لا يمثل تغييرا بل تشديدا للنهج السابق.

أوضح الدكتور إيـزدي أن الهدف الأمريكي هو تطبيق “نموذج ليبيا” في إيران، أي نزع القدرات النووية بالكامل وجعل إيران تعتمد على الخارج. وقال إن التخصيب قدرة خاصة لا تملكها سوى قلة من الدول، ومن الطبيعي أن لا ترغب أمريكا- التي تسعى منذ 47 عاما لتقييد إيران- في أن تصبح إيران مثل ألمانيا أو هولندا أو اليابان أو حتى كوريا الجنوبية.

وأكد كذلك، أن من أسباب امتناع أمريكا عن مهاجمة إيران هو امتلاكها قدرة التخصيب، لأن أي هجوم قد يؤدي إلى ضغط داخلي يدفع إيران نحو السلاح النووي.

وأردفت الصحيفة أن الدكتور مراد عنادي، المحلل السياسي والإعلامي، يؤكد أن الموقف الأمريكي تجاه البرنامج النووي الإيراني لم يتغير منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، بل ظل قائما على السعي لوقف النشاطات النووية الإيرانية بالكامل.

أوضح عنادي أنه قبل الثورة، كانت الولايات المتحدة نفسها من اقترحت على إيران امتلاك مفاعل نووي، لكنها بعد الثورة امتنعت عن تزويدها بالوقود النووي، بل منعت شراءه من مصادر أخرى. فقد أنشأت مفاعل طهران بنسبة تخصيب 93%، لكنها بعد الثورة لم تفِ بتعهداتها. وفي عام 1993 حاولت إيران التعاون مع الأرجنتين لتأمين وقود 20%، لكن أمريكا منعت ذلك أيضا.

وأضاف أن هذا النهج الأمريكي لا يستند إلى أي سند قانوني دولي، قائلا المادة الرابعة من معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) تنص بوضوح على حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، ولا تمنع هذا الحق إلا إذا انحرفت الدولة نحو إنتاج سلاح نووي.

وتابع قائلا: “ما تطالب به الولايات المتحدة ليس تغيّرا بل استمرار لسياستها القديمة الهادفة إلى احتكار التكنولوجيا النووية وممارسة الضغط على إيران. وأردف القبول بهذه المطالب هو بمثابة استسلام، وهو ما لن تقبله إيران”.

وأشار إلى أن دوافع الولايات المتحدة تتمثل في رغبتها بالهيمنة التقنية السياسة الأمريكية قائمة على التمييز النووي- الفصل النووي- وتحديد الدول التي يسمح لها بامتلاك دورة الوقود النووي. وأضاف: “على سبيل المثال، إسرائيل ليست عضوا في معاهدة NPT ولا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورغم ذلك يُسمح لها بما يُمنع عن الآخرين، حتى أولئك الذين يسعون لاستخدام سلمي”.

أكد عنادي أن هذا النهج الأمريكي يتعارض مع القوانين الدولية، قائلا: “مطلب الولايات المتحدة بوقف النشاط النووي الإيراني يتنافى مع الأعراف القانونية الدولية”. كما أشار إلى الدور الإسرائيلي قائلا: “هذا جزء من منطق التمييز الأمريكي، ويتغذى على تحريضات إسرائيل ضمن منظومة الفصل النووي. وبيّن أن إسرائيل، رغم امتلاكها 200 رأس نووي ورفضها التفتيش على منشأة ديمونا، لا تواجه أي مساءلة من أمريكا، مما يجعلها تهديدا فعليا للمنطقة”.

“التخصيب الصفري” يعني فشل المفاوضات

أضافت الصحيفة أن الخبير في الشؤون الدولية، حسن بهشتي‌پور، أرجع إصرار أمريكا على وقف التخصيب إلى تأثير اللوبي الصهيوني على سياساتها.

قال بهشتي‌پور: “من المحتمل أن يكون هذا الضغط قد أدى إلى تبني أمريكا لمطلب التخصيب الصفري. لكن هذا خط أحمر لإيران، ومن غير المرجح أن تقبله”.

تابع: “طرح مثل هذا الشرط يعني عمليا أن الولايات المتحدة لا تريد نجاح المفاوضات. لكنه أشار إلى ضرورة الاستمرار في التفاوض مع الدفاع القاطع عن الحقوق الوطنية”.

أوضح أن الإصرار الأمريكي نابع من التكبر وعدم الاعتراف بخطوط إيران الحمراء ما يُطرح في الإعلام الأمريكي يعكس نزعة التوسع في المطالب، أو كما يسميها البعض الحلم الأمريكي.

وأكد أن التخصيب جزء من سلسلة تكنولوجية نووية متقدمة تُعد مصدر فخر وطني القدرة النووية الإيرانية ليست فقط مصدر فخر بسبب التخصيب، بل لأنها تثبت قدرة الإيرانيين على العمل الجماعي المتقن والمبهر في مشروع شديد التعقيد

سيناريو الكونسورتيوم.. حل الفريق الإيراني

أشارت الصحيفة إلى أن الدكتور مهدي خانعلي‌زاده، الأستاذ الجامعي، يرى أن الموقف الأمريكي الحالي لا يمثل تحولا، بل هو تشديد للنهج السابق نفسه.

قال خانعلي‌زاده: “سعى الفريق الإيراني في المفاوضات لتحويل مطلب الطرف الأمريكي- الذي لا يستند لأي منطق فني- إلى صيغة مقبولة للطرفين. ومن هنا جاء مقترح إنشاء كونسورتيوم تخصيب بين إيران وبعض دول المنطقة”.

تابع مستدركا: “لكن في الجولة الرابعة من المفاوضات، رفضت الولايات المتحدة جميع المبادرات التي تقدم بها الفريق الإيراني وأعادت تأكيدها على عدم التخصيب داخل الأراضي الإيرانية”.

وأوضح أن هذا التعنت الأمريكي أدى إلى طريق مسدود في المفاوضات، مما يعكس تشدد السياسات الأمريكية.

وأشار إلى أن أسباب هذا الإصرار الأمريكي تتمثل في ثلاثة محاور: أهمية التخصيب في إنتاج الأدوية المشعة، وتأمين الطاقة في إيران، ودوره في الردع. وأضاف أن الولايات المتحدة تحاول عبر هذه السياسة الحفاظ على أدوات الضغط على إيران ومنعها من تحقيق الاكتفاء الذاتي.

وأشارت الصحيفة إلى أن مطلب الولايات المتحدة بوقف التخصيب ليس جديدا، بل يعكس سياسة قديمة ذات جذور تمييزية واحتكارية في التعامل مع التكنولوجيا النووية.

وأكدت أن هذا الموقف، بحسب الدكتور مراد عنادي، لا يستند إلى أي قاعدة قانونية، ويغذيه التحريض الإسرائيلي وسياسة الفصل النووي. كما أن دوافع الولايات المتحدة تتراوح بين الهيمنة العالمية، ومنع إيران من التقدم العلمي، وسلبها القدرة على تحقيق الردع النووي أو حتى الاكتفاء في مجالات الطب والطاقة.

وتابعت الصحيفة أن الدكتور بهشتي‌بور اعتبر هذا الموقف عائقا أمام تقدم المفاوضات، فيما اعتبره الدكتور إيـزدي محاولة لتكرار نموذج ليبيا ونزع القدرات النووية، أما الدكتور خانعلي‌زاده فأكد أن التخصيب ضرورة علمية وواقعية في مجالات متعددة لا غنى عنها.

واختتمت بأن إيران، اعتمادا على إنجازاتها العلمية وتمسكها بحقوقها المشروعة ضمن إطار معاهدة NPT، ستواصل المقاومة في وجه هذه الضغوط، ولن تقبل التنازل عن خطوطها الحمراء في سبيل إنجاح المفاوضات.