- زاد إيران - المحرر
- 19 Views
ترجمة دنيا ياسر نورالدين
نشرت صحيفة “آرمان ملي” الإيرانية الإصلاحية، الخميس 24 أبريل /نيسان 2025، تقريرا استعرضت فيه آراء وتحليلات الخبير الاقتصادي الإيراني علي حريت بور حول التوافق المحتمل بين إيران والولايات المتحدة في عمان وتأثيراته على التوازنات الإقليمية والدولية، كما ركز على كيفية إعادة توزيع القوة في المنطقة مع إشارات إلى ردود فعل الفاعلين الرئيسيين مثل روسيا، إسرائيل، والدول الخليجية، بالإضافة إلى تأثيرات الاتفاق على مستقبل العلاقات بين هذه الأطراف.
ذكرت الصحيفة أن الرأي العام يتوجه نحو الأزمات المستمرة في المنطقة والتنافسات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، بدأت جولة جديدة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بخطوة أولى في عمان، وهذه المفاوضات ما زالت جارية. على الرغم من أنها لم تؤدِ إلى اتفاق رسمي حتى الآن، إلا أن تأثيراتها المحتملة، سواء تم التوصل إلى اتفاق أو توقفت المفاوضات في منتصف الطريق، ستؤثر على العديد من الأطراف في المنطقة وما وراءها.
العودة بحذر
قال علي حريت بور، الخبير الاقتصادي، في هذا السياق: “من دون شك، تعتبر إيران واحدة من أكبر الرابحين المحتملين من الاتفاق مع الولايات المتحدة. فقد عانت اقتصاد إيران في العقد الأخير من العقوبات المتزايدة، والعزلة الاقتصادية، وتراجع صادرات النفط، مما أدى إلى تدهور اقتصادي كبير جعل الاقتصاد الإيراني هشا ومتفككا.
وتابع إن التوصل إلى اتفاق، حتى وإن كان محدودا ومؤقتا، يمكن أن يكون بمثابة نافذة نحو تقليل الضغوط الاقتصادية وزيادة موارد الدولة المالية. ومن الآثار الفورية لمثل هذا الاتفاق سيكون تصدير النفط، وتحرير جزء من الأرصدة المجمدة، وتخفيف القيود المصرفية.”
وأضاف حريت بور علاوة على ذلك، يمكن للحكومة الإيرانية أن تعتمد على هذا الانفتاح لتقليل بعض الضغوط التضخمية وإضفاء بعض الانتعاش على سوق العملات المحلية.”
إشكاليات الهيكل الاقتصادي الإيراني
ذكر حريت بور أنه من ناحية أخرى، يعتقد بعض الخبراء أن مثل هذا الاتفاق لا يعني بالضرورة نهاية للتحديات الهيكلية في الاقتصاد الإيراني. إذ أن استمرار الفساد، وسوء الإدارة، وعدم وجود الشفافية الاقتصادية، يمكن أن يهدر حتى أفضل الفرص المتاحة بعد الاتفاق.
التفاوض الأمريكي: إدارة التوترات الإقليمية
فيما يتعلق بالولايات المتحدة، يرى بعض المحللين أن الاتفاق مع إيران في عمان هو أكثر من مجرد انتصار دبلوماسي. بل هو محاولة لإدارة التوترات في منطقة الشرق الأوسط بأقل تكلفة ممكنة. حكومة الولايات المتحدة الحالية، وبالنظر إلى الانتخابات المقبلة، في حاجة ماسة لمنع اندلاع صراع جديد في المنطقة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على السيطرة على الملف النووي الإيراني.
وأضاف حريتبور “إن التوافق مع إيران، خاصة إذا كان بشكل تدريجي وبتنظيمات محدودة، يمكن أن يكون إنجازاً مزدوجاً للولايات المتحدة. من جهة، سيسهم في تقليل أسعار النفط العالمية من خلال إعادة جزء من النفط الإيراني إلى السوق، ومن جهة أخرى، يساعد على تهدئة الحلفاء الإقليميين الذين يشعرون بالقلق من نمو النفوذ الإيراني. مع ذلك، يجب على واشنطن إدارة التكاليف المعنوية لهذا الاتفاق، إذ قد يرى بعض المعارضين الداخليين وحلفاء مثل إسرائيل هذا الاتفاق على أنه علامة على الضعف.

وتابع أن أوروبا، في ظل أزمة الطاقة الناجمة عن حرب أوكرانيا، من بين اللاعبين الذين يترقبون بشدة التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة . يمكن أن يساعد استيراد النفط والغاز من إيران في سد الفجوة التي تسببت بها قطع إمدادات الطاقة الروسية. كما أن الشركات الأوروبية الكبرى التي حققت أرباحا كبيرة من السوق الإيراني خلال فترة الاتفاق النووي، تتطلع الآن إلى العودة بنظرة متفائلة نحو تطورات عمان.”
تحديات استراتيجية لأوروبا
ذكر حريت بور أن الاتحاد الأوروبي تحديا استراتيجيا وسط الحماسة الاقتصادية : لا يريد أن يكون مجرد مراقب في خضم المنافسة بين أمريكا والصين أو في ظل التوترات في الشرق الأوسط. إذا تم التوصل إلى اتفاق في عمان، فسيكون فرصة لأوروبا للعب دور أكثر فاعلية في المعادلات الإقليمية، ولكن بشرط أن يكون هناك صوت واحد من داخل الاتحاد الأوروبي، وهو أمر ليس سهلا بالنظر إلى الانقسامات الداخلية في أوروبا.
الصين: رابح صامت في التفاوض الإيراني الأمريكي
تابع حريت بور قائلا: “أما الصين، فبطريقتها المعتادة، دون ضجيج أو جلبة، تعد واحدة من الرابحين المحتملين من الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة . فقد كانت بكين في السنوات الأخيرة الشريك التجاري الرئيسي لإيران، ولم تتأثر من العقوبات الغربية بل وجدت طرقا جديدة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والطاقة مع طهران.
وتابع أن الاتفاق في عمان أدي إلى تقليل العقوبات، فإن ذلك سيسهل وصول الصين إلى مصادر الطاقة الإيرانية بشكل طبيعي. من جهة أخرى، يمكن للصين أن تلعب دور الوسيط الموثوق لإيران في المستقبل في المفاوضات الإقليمية، وهو دور قد يلقي بظلاله على النفوذ التقليدي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. في النهاية، بالنسبة للصين، أي انفراج في العلاقات بين طهران وواشنطن هو فرصة لزيادة الاستثمار، وتعزيز صادرات السلع، وتقوية مبادرة “الحزام والطريق” في قلب الشرق الأوسط.”
القلق المحتمل لروسيا من الاتفاق الإيراني الأمريكي
أضاف حريت بور: “في الظاهر، تُعتبر روسيا واحدة من الحلفاء الاستراتيجيين الرئيسيين لإيران، ويبدو أنها يجب أن ترحب بأي تقليص للضغوط على طهران. ولكن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك. لا تريد موسكو، خصوصا في ظل العقوبات الغربية الثقيلة التي تواجهها، أن تجد منافسا جديدا في سوق النفط والغاز.
وتابع أن عودة النفط الإيراني إلى السوق يمكن أن يؤدي إلى ضغط إضافي على الأسعار، وبالتالي تقليص حصة روسيا في الأسواق العالمية. من جهة أخرى، اعتمدت إيران في السنوات الأخيرة على روسيا لتلبية جزء من احتياجاتها الدفاعية والأمنية.
وذكر أن أي اتفاق بين طهران وواشنطن، حتى لو كان محدودا، قد يؤدي إلى إعادة تعريف علاقات إيران مع القوى الأخرى، مما يقلل من اعتماد طهران على موسكو. لذلك، على الرغم من أن روسيا قد ترحب بشكل ظاهري بتقليص التوترات في المنطقة، فإنها في الواقع قلقة من فقدان شريكها.”
الخوف الإسرائيلي من الخسارة
ذكر حريت بور قائلا: “إسرائيل، على الأرجح، ستكون واحدة من أبرز المعارضين لأي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة، فقد طالما اعتبرت البرنامج النووي الإيراني تهديدا لأمنها القومي ووقفت ضد أي تنازل تجاه طهران.
وتابع أن تل أبيب تخشى أن يؤدي الاتفاق، سواء كان مؤقتا أو طويل الأمد، إلى تقوية إيران ماليا، وبالتالي زيادة دعم طهران للمجموعات المقاومة في المنطقة. من الناحية الأمنية، ترى إسرائيل في الاتفاق فرصة لإيران لاستعادة قوتها، مما يمكن أن يسهل إعادة بناء قوتها الإقليمية. ولهذا، تسعى إسرائيل للضغط على الحكومة الأمريكية لمنع التوصل إلى اتفاق، الذي ترى فيه مجرد ‘شراء وقت’ لإيران.”
أمل وخوف الجيران
أوضح حريت بور أنه بالنسبة للاعبين في منطقة الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، فإن اتفاق إيران والولايات المتحدة يحمل وجهين متناقضين. من جهة، يمكن أن يؤدي تقليص التوترات بين طهران وواشنطن إلى تهدئة الوضع الأمني الإقليمي وفتح المجال لتطوير التجارة وجذب الاستثمارات. ومن جهة أخرى، يشعرون بالقلق من زيادة نفوذ إيران في فترة ما بعد الاتفاق، وهو النفوذ الذي قد يغير توازن القوى الإقليمي لصالح إيران.
وتابع أنه مع ذلك، فقد شهدنا في الأشهر الأخيرة تحركات باتجاه تهدئة التوترات بين طهران والرياض، وهو ما ربما تأثر بإشارات من هذه المفاوضات غير المباشرة. في حال التوصل إلى اتفاق، من المحتمل أن تحاول السعودية والإمارات إدارة علاقاتهما مع إيران بشكل منظم واستراتيجي؛ دون التفاؤل المفرط ولكن بتوجه أكثر واقعية.”
كما أشار حريت بور أنه رغم أن تركيا ليست جزءا مباشرا من التوترات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، إلا أنها بصفتها لاعبا إقليميا مهما، تتابع باهتمام تطورات المفاوضات في عمان. أي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة قد يؤدي إلى تقليل الضغوط الاقتصادية على الحدود الشرقية لتركيا، مما يوفر فرصا لتوسيع التجارة بين البلدين.
وتابع أنه في الوقت نفسه، تركيا قلقة من أن تقليص الضغوط على إيران قد يؤدي إلى زيادة تحركات إيران الإقليمية، مما قد يؤثر على مصالحها الجيوسياسية، خصوصا في سوريا والعراق والقوقاز. ومع ذلك، ستظل تركيا وفية لنهجها البراغماتي، ومن المحتمل أن تسعى للحصول على حصتها الاقتصادية أو الدبلوماسية من أي اتفاق يتم التوصل إليه.”
وأضاف حريت برو إن التوافق المحتمل بين إيران والولايات المتحدة في عمان، سواء كان كاملا أو جزئيا، يتجاوز كونه صفقة نووية، بل سيكون بمثابة إعادة توزيع للقوة والنفوذ في المنطقة. مختلف الفاعلين، مع رؤى ومصالح متباينة، يسعون كل واحد منهم للعثور على مكانه في المعادلة الجديدة. ولكن ما هو مؤكد، هو أنه لا يوجد اتفاق بدون تكلفة؛ بعضهم سيخسر، والبعض الآخر سيكسب، وربما يبقى البعض مجرد مراقبين.
واختتم أن مصير هذا الاتفاق لن يتحدد فقط في مضمونه، بل في طريقة تنفيذه وردود الفعل من الفاعلين الإقليميين والدوليين. عمان قد تكون فقط مضيفا للمفاوضات، لكن ما يوضع على هذا الطاولة سيغير مستقبل معادلات القوة في الشرق الأوسط.”