في حوار أجرته وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية المعتدلة المحسوبة على مكتب علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الجمعة 9 مايو/أيار 2025، مع أسفنديار خدايي، الخبير في الشؤون الدولية، جرى تحليل معمّق لمسار المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، والعوامل التي تُعقّد التوصل إلى اتفاق جديد.
إلى نص الحوار:
كيف أثّر ضغط الترويكا الأوروبية على مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تأجيل المفاوضات؟ وما مدى دور هذه الدول في تعطيل مسار المحادثات؟
بشكل عام، تفضّل الولايات المتحدة، لا سيما في عهد ترامب، أن تُعقد المفاوضات بشكل مباشر وحصري بين إيران والولايات المتحدة.
إنّ وجود جهات فاعلة، خاصة الدول الأوروبية، لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة من وجهة نظر ترامب.
وفي الاتفاق النووي (برجام) أيضا، وُجدت مشكلة بنيوية مشابهة؛ حيث كانت إيران والولايات المتحدة الطرفين الرئيسيين اللذين قدّما تنازلات على الطاولة، في حين أن دولا أخرى مثل الصين وروسيا والدول الأوروبية، استفادت من مزايا الاتفاق دون تقديم تنازلات تُذكر.
فقد دفعت إيران كلفة بتقييد برنامجها النووي، والولايات المتحدة من خلال رفع العقوبات، أما الأطراف الأخرى فكانت مجرد مراقبين استفادوا من منافع الاتفاق.
عمليا، بعد الاتفاق النووي، كانت هذه الدول الأوروبية، إلى جانب الصين وروسيا، هي من استفادت من رفع العقوبات، دون أن تواجه تهديدا أو تتحمل التزامات.
تودّ إيران أن تلعب الدول الأوروبية دورا بنّاء في مسار المفاوضات، وألا تلجأ إلى آليات مثل آلية الزناد ضد إيران.
وفي الوقت ذاته، فإنّ مشاركتهم في الاتفاق يمكن أن تضفي على الوثيقة النهائية مصداقية دولية، وتمنع تكرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الجديد، كما حدث مع برجام.

مع أن الجولات الثلاث السابقة جرت بوتيرة جيدة، هل يمكن أن يُؤدي تدخل الدول الأوروبية الثلاث إلى إبطاء المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة؟
تُفضّل إيران ألا تكون المفاوضات مزدحمة، لأن زيادة عدد الأطراف المشاركة، إضافة إلى تعقيد مسألة التنسيق، تُضاعف من خطر تسريب المعلومات وزيادة نفوذ الجهات الثالثة مثل إسرائيل.
من جهة أخرى، فإن بعض الدول مثل روسيا، الصين، والدول الأوروبية، قد تُعقّد مسار المفاوضات وتُربكه بسبب التنافسات الاستراتيجية.
أشرتم إلى إسرائيل، كيف ترون دور هذا الكيان في تعقيد المفاوضات؟
دور الكيان الصهيوني في تأجيل المفاوضات مهم للغاية أيضا، فالولايات المتحدة تنظر إلى منطقة الشرق الأوسط من زاويتين: الأولى هي الطاقة، والثانية هي التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل.
في السنوات الأخيرة، تراجعت أهمية الطاقة، لكن التحالف مع إسرائيل لا يزال قائما، لقد ازداد نفوذ اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، لا سيما بعد أحداث السابع من أكتوبر والتطورات في غزة ولبنان وسوريا والعراق.
يشعر ترامب، رغم رغبته في التوصل إلى اتفاق، بالقلق من أن يؤدي أي اتفاق يُصنّف بأنه «ضعيف» من وجهة نظر اللوبي الإسرائيلي، إلى معارضة في الكونغرس، مما قد يؤدي إلى فشله السياسي.
لذلك، يسعى إلى اتفاق يمكن الدفاع عنه، ويُظهره بمظهر المنتصر، بخلاف ما حدث في اتفاق برجام.
نشهد هذه الأيام تهديدات عسكرية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، هل تمتلك إسرائيل القدرة على مواجهة عسكرية منفردة مع إيران؟
في ما يخص قدرة إسرائيل على خوض مواجهة عسكرية مع إيران، يجب القول إن إسرائيل تفتقر إلى العمق الاستراتيجي الكافي، وبدون دعم كامل من الولايات المتحدة لن تتمكن من تحقيق نجاح في أي حرب ضد إيران.
إن ضيق مساحة إسرائيل وهشاشتها في مواجهة الهجمات الصاروخية يجعلها تملك الجرأة على التحرك العسكري فقط في حال وجود دعم أميركي شامل.
وهل سيخضع ترامب لهذا المطلب الإسرائيلي؟
ترامب لا يملك ميولا جدية نحو الحرب، وقد صرّح مرارا بأنه لا يسعى إلى المواجهة، بل إنه حتى خلال ولايته الأولى تجنّب الانخراط في صراعات عسكرية.
إنه يسعى إلى جائزة نوبل للسلام وتسجيل اسمه كرئيس يسعى للسلام، وليس كشخص يزجّ أمريكا في حرب مكلفة.
وبالنظر إلى تجربة حرب العراق وما تسببت به من متاعب للولايات المتحدة، فإن ترامب لا يرغب في التورط في الشرق الأوسط، ولا يريد أن يُحوّل تركيزه عن شرق آسيا، حيث تتواجد الصين واليابان وكوريا الجنوبية وقوى ناشئة أخرى، ولهذا السبب، فإنه من دون دعم داخلي كامل وموافقة الكونغرس، لن يُقدم على شنّ هجوم عسكري ضد إيران.
تمتلك الولايات المتحدة وإسرائيل أسلحة نووية، ومع ذلك يتخذ الجانب الأمريكي مواقف متشددة في المفاوضات بشأن الطاقة النووية الإيرانية، لماذا؟
أحد أسباب تشدد الولايات المتحدة وإسرائيل في المفاوضات النووية، رغم امتلاكهما للأسلحة النووية، هو مسألة الردع بحد ذاتها.
فإذا امتلكت إيران القدرة على إنتاج سلاح نووي أو باتت على مشارف ذلك، فإن ميزان القوى سيتحول لصالح إيران، وفي هذه الحالة، حتى لو استخدمت إسرائيل السلاح النووي، فقد يؤدي ذلك إلى فنائها.
وذلك لأن إيران، بفضل مساحتها الجغرافية الواسعة وقدراتها الصاروخية، يمكنها أن تُظهر ردّ فعل عنيفا في حال تعرضها لهجوم، وربما تنقل التكنولوجيا أو الأسلحة إلى حلفائها في المنطقة.
ومن وجهة نظر الغرب، فإن النظرة الأيديولوجية لإيران تجاه إسرائيل، والتي ترى في تدميرها هدفا، تُعتبر تهديدا جديا، وهذا بخلاف باكستان، على سبيل المثال، التي تمتلك سلاحا نوويا لكنها لا تُبدي عداء علنيا تجاه إسرائيل، ولهذا فإن مخاوف الغرب تجاه باكستان أقل بكثير.
كيف تقيّمون تأثير غياب الأطراف الدولية (أوروبا، الصين، روسيا) عن المحادثات الثنائية المباشرة بين إيران والولايات المتحدة؟
في الجولة الأخيرة من المفاوضات، التي عُقدت بصيغة «واحد زائد واحد» (إيران والولايات المتحدة) دون حضور الأوروبيين، طُرحت مقترحات بشأن انضمام الترويكا الأوروبية.
وكما ذُكر سابقا، فإن ايران، رغم رغبتها في أن تكون تواقيع الدول الأوروبية وروسيا والصين على الاتفاق لمنحه طابعا رسميا، إلا أن الواقع يُظهر أن كلا من إيران والولايات المتحدة لا ترغبان في وجود فاعل وكبير لباقي الدول.
ذلك لأن هذه الدول، إلى جانب عدم تقديمها لأي تنازلات ملموسة، تُعقّد مسار المفاوضات من خلال تدخلاتها وتنافساتها.
من جهة أخرى، فإن ترامب يعارض تكرار تجربة الاتفاق النووي (برجام)، حيث استفادت دول أخرى من مزايا الاتفاق دون أن تتحمّل التزامات أو تقدّم تنازلات، إنّ وجود هذه الدول لا يُبطئ فقط وتيرة المفاوضات، بل يزيد كذلك من احتمال تسريب المعلومات ويُوسّع من نفوذ اللوبي الإسرائيلي.
بالمجمل، ورغم التعقيدات، فإن كلا من إيران والولايات المتحدة تسعى إلى اتفاق بأدنى مستوى من تدخل الدول الأخرى، اتفاق يُلبّي المصالح المتبادلة، ويتجنب ثغرات الاتفاق النووي السابق (برجام)، ويمنح الطرفين الرئيسيين، أي طهران وواشنطن، أكبر قدر من السيطرة.