خبير اقتصاد إيراني: الشعب بحاجة إلى متنفس اقتصادي 

ترجمة: علي زين العابدين برهام

واجه الاقتصاد الإيراني أزمات متشابكة منذ بداية عام 2024، والآن تتزايد التوقعات من الحكومة لوضع خطط واضحة وفعالة لكبح التضخم وتأمين الميزانية العامة.

أكد المحللون الاقتصاديون أن الخروج من هذه الأزمات يتطلب قرارات حاسمة وبنّاءة، لكن ما طبيعة هذه القرارات؟ وما مدى قدرتها على إحداث تغيير فعلي؟

نشر موقع “فرارو” تقريرا الثلاثاء 25 مارس/آذار 2025 ذكر فيه تحليلا معمقا قدّمه محمود جام‌ ساز، الخبير الاقتصادي والمحلل البارز في الشؤون المالية، حول الأوضاع الاقتصادية الراهنة وآفاق المستقبل.

إذا لم تتحقق العائدات النفطية المتوقعة في الموازنة، فسيتضاعف التضخم

أكد محمود جام‌ ساز أن عام 2024 كان عاما حافلا بالأزمات الاقتصادية، حيث أظهرت المؤشرات الرئيسية، وضمن ذلك الناتج المحلي الإجمالي، وحجم الاستثمارات الأجنبية، والتجارة الخارجية، ومعدل التضخم، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، مدى التراجع الذي شهده الاقتصاد الإيراني.

وأضاف أن تدهور قيمة العملة الوطنية بلغ مستويات غير مسبوقة. ورغم أن هذا التراجع بدأ قبل سنوات، فإنه تفاقم بشكل حاد خلال العام الماضي، لدرجة أن العملة الإيرانية أصبحت من بين الأضعف عالميا. من المؤسف أن بلدا مثل إيران، بامتدادها الجغرافي الواسع، وثرواتها الطبيعية، وسواحلها الطويلة على الخليج والمحيط، تُعرف الآن بأنها صاحبة إحدى أقل العملات قيمة في العالم.

وأوضح أن الارتفاع الحاد في أسعار العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار، يعود إلى عوامل داخلية وخارجية، مشيرا إلى أن السياسات الاقتصادية غير الفعالة للحكومة، وضمن ذلك إلغاء سعر الصرف التفضيلي، إضافة إلى التوترات الدولية، لعبت دورا رئيسيا في تفاقم الأزمة.

وأشار إلى أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد الإيراني، قائلا إنه في ولايته السابقة، انسحب ترامب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات قاسية على إيران، استهدفت قطاعي النفط والمعاملات المصرفية والتأمين، ما أدى إلى خسائر تُقدّر بنحو 100 مليار دولار، وفقا لتصريحات الرئيس السابق حسن روحاني. 

وذكر أنه رغم أن الرقم تقريبي، فإن التأثيرات الاقتصادية كانت واضحة، من نقص في الموارد المالية إلى ارتفاع التضخم وتدهور القدرة الشرائية، مما دفع غالبية المجتمع نحو الفقر.

وأضاف: “ترامب عاد إلى السلطة بنهج أكثر تصعيدا، حيث كان أول لقاء رسمي له مع بنيامين نتنياهو، أعقبه إصدار أوامر تنفيذية تهدف إلى تشديد العقوبات على إيران. كما أن توقيت هذه الإجراءات، إلى جانب إرسال قنابل خارقة للتحصينات إلى إسرائيل عقب زيارة نتنياهو، يحمل رسالة واضحة إلى طهران، وهي رسالة لم يدركها التيار الأصولي الإيراني بعد”.

وتابع أن ترامب يسعى بقوة إلى قطع أي تعامل مالي بين إيران والعالم، حيث عمل على تعطيل حتى القنوات المحدودة التي كانت متاحة عبر الإمارات والعراق. وفي ما يخص قطاع النفط، فإنه، عكس نهج التساهل الذي تبناه بايدن، يتبع سياسة صارمة تهدف إلى تصفير صادرات النفط الإيرانية تماما.

وأضاف أن ترامب فرض مؤخرا ضغوطا على الحكومة العراقية للحد من واردات الغاز من إيران، وهو ما قد يؤدي إلى وقف تصدير الغاز إلى العراق، خاصة أن العقد قصير الأمد بين البلدين يقترب من نهايته. وفي ظل هذه التطورات، وإضافة إلى إغلاق الطرق غير الرسمية لتصدير النفط، هناك احتمال أن تتجه الصين أيضا إلى تقليص أو حتى وقف استيراد النفط الإيراني.

وأشار إلى أن الخفض المحتمل لواردات الصين من النفط الإيراني لا يعود فقط إلى الضغوط الأمريكية، بل يرتبط أيضا بعوامل اقتصادية وسياسية واستراتيجية أخرى، من بينها التغيرات في الأسواق الدولية، واحتياجات الصين المتطورة في قطاع الطاقة، فضلا عن تداعيات الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.

وأوضح أنه بالنظر إلى أن الولايات المتحدة والصين هما أكبر اقتصادين عالميين، وتربطهما أعلى معدلات التجارة الخارجية في مختلف المجالات الاقتصادية والطاقة والتكنولوجيا، فمن المستبعد أن تغامر بكين بعلاقاتها التجارية مع واشنطن من أجل تجارة محدودة مع إيران.

واستطرد قائلا إنه علاوة على ذلك، فإن إيران، بسبب العقوبات والقيود الاقتصادية، فضلا عن افتقارها إلى القدرة الإنتاجية الكافية، غير قادرة على تأمين حصة كبيرة في التجارة الخارجية مع الصين. 

وأردف أن بكين تدرك تماما أن أي تعزيز لعلاقاتها التجارية مع طهران قد يزيد من التوتر مع الولايات المتحدة، لا سيما في ظل الحرب التجارية بينهما. ولذلك، وحرصا على مصالحها الاستراتيجية، قد تتخذ الصين قرارا بخفض وارداتها النفطية من إيران؛ حفاظا على علاقاتها التجارية مع واشنطن.

وأشار إلى أن تراجع عائدات النفط سيؤدي إلى تفاقم أزمة نقص النقد الأجنبي في إيران، مما يجعل تحقيق الإيرادات النفطية المتوقعة، والتي قُدرت بنحو 35 مليار دولار في موازنة عام 2025، أمرا بعيد المنال. ونتيجة لذلك، سيتضاعف العجز المالي، وسيرتفع معدل إصدار النقد، مما يؤدي إلى تفاقم التضخم.

وصرح بأن استمرار الأزمات الاقتصادية هو نتيجة تراكم المشاكل والسياسات غير الفعالة التي اتبعتها الحكومات والمسؤولون على مدى 45 عاما. لذلك، لا ينبغي توقّع معجزة من حكومة بزشكيان في حلّ هذه الأزمات، خاصةً أنها نفسها أقرت منذ البداية بعدم امتلاكها برنامجا واضحا أو أدوات تنفيذية فعالة.

مشروع التوافق الوطني وصل إلى طريق مسدود

أكد محمود جام‌ ساز أن مسعود بزشكيان لطالما شدّد على أهمية تحقيق توافق وطني بين الأجنحة المختلفة داخل النظام، بهدف تحسين إدارة البلاد، إلا أن هذا المشروع اصطدم بجدار من المصالح الفئوية والسياسية، مشيرا إلى أن إقالة وزير الاقتصاد كانت دليلا واضحا على ذلك. 

وأوضح أن المصالح الحزبية لا تزال تتقدم على المصلحة الوطنية، مما يجعل حل الاختلالات الاقتصادية أمرا مستبعدا طالما تُستخدم الموارد الوطنية كأداة للمساومة السياسية.

وأضاف:  “شهد العام الماضی أزمات حادة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، لكن الحكومة، بدلا من تقديم حلول واقعية، اكتفت بسرد الأزمات، وإطلاق التصريحات الإعلامية، واتخاذ إجراءات مؤقتة مثل تعطيل بعض القطاعات، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع وانعكاسها بشكل مباشر على حياة المواطنين”.

وتابع أنه يُروَّج لانخفاض التضخم بنسبة 10%، لكن الواقع أن إيران لم تشهد من قبلُ مثل هذه المستويات القياسية من الغلاء. والأسوأ من ذلك، أن المسؤولين أنفسهم يعترفون بعجزهم قائلين إنهم لا يعلمون “من المسؤول عن ارتفاع الأسعار!”، من الواضح أن مثل هذا النهج في صنع السياسات لن يسهم في حل أي أزمة.

وأشار إلى أن الاقتصاد الإيراني بات رهينة للسياسات الداخلية، موضحا أن جذور الأزمات تكمن في التوجهات السياسية للنظام، ثم في السياسات الاقتصادية الفاشلة. البحث عن “المذنب” وتحميل العوامل الخارجية المسؤولية، مجرد محاولات لصرف الأنظار عن الخلل العميق في البنية الاقتصادية وعلاقتها الوثيقة بالأهداف الأيديولوجية للنظام.

واعتبر أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي يتطلب إرادة قوية وموارد كافية، وبدون هذين العنصرين، لا يمكن معالجة الأزمات. 

وأضاف: “قدرة الشعب على التحمل لها حدود، وعلى القيادة أن تبادر سريعا بإجراء تغييرات جوهرية في سياساتها. استمرار الامتناع عن بدء المفاوضات والانغلاق عن العالم سيؤدي إلى عواقب وخيمة، قد تصل إلى انهيار البنية التحتية للبلاد”. 

وحذّر من أن استمرار “سياسة تعطيل الحلول”، التي انتهجتها الحكومة خلال العام الماضي، قد يؤدي إلى خسائر أكبر في العام الحالي، مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد، مشيرا إلى أن الانكماش الاقتصادي سيؤدي إلى انخفاض معدلات التوظيف، وتراجع الدخل القومي، وازدياد الفجوة بين العرض والطلب، مما سيفاقم التضخم بشكل غير مسبوق.

وأكد أن إيران لا يمكنها تحمل البقاء في دوامة الأزمات دون تنفيذ تغييرات جذرية، مضيفا أن إنقاذ إيران يعتمد على تركيز القيادة على المصالح الوطنية ورفاهية المجتمع، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال خفض العقوبات عبر التفاوض، وإجراء إصلاحات هيكلية داخلية شاملة.