- شروق حسن
- 22 Views
في ظل تصاعد الغضب الشعبي واتساع أبعاد كارثة ميناء بندر عباس التي أودت بحياة أكثر من 70 شخصا وخلّفت عشرات المفقودين، تتزايد التساؤلات حول أسباب الحادث ومسؤوليات الجهات المعنية، تكشف صحيفة “آرمان ملي” الايرانية، عبر حوارها مع الخبير البيئي الدكتور إسماعيل كهرم عن جوانب مأساوية من الإهمال الإداري والتقصير في تطبيق معايير السلامة.
حيث قالت صحيفة “آرمان ملي“، في تقرير لها يوم الأحد 4مايو/أيار 2025، إن أبعاد فاجعة “بندر عباس” تتسع يوما بعد يوم، حيث أسفرت حتى الآن عن 70 قتيلا و22 مفقودا.
وفي مثل هذه الظروف، سعى المسؤولون المعنيون في الأيام الأخيرة إلى تبرئة أنفسهم من المسؤولية، موجّهين أصابع الاتهام نحو مؤسسات أخرى معنية باتخاذ القرار.
في المقابل، يصرّ المراقبون للحادثة على القول: «حتى بعد الانفجار، كانت الأجسام تتساقط على الناجين من السماء؛ قطع من الحديد، وزجاج، وسيارات، وحتى أجزاء من الأجساد تطايرت بفعل موجة الانفجار، وسقطت من السماء على الأرض وعلى رؤوس ووجوه الأشخاص القريبين من موقع الانفجار».
لا يزال أهالي بندر عباس يتنقلون في شوارع المدينة وهم يرتدون الكمامات، لقد بلغت شدة التلوّث حدّا يمكن معه رؤية سواد سماء بندر من جزيرة قشم.
وقد أعلنت لجنة التحقيق في أسباب الحريق في ميناء الشهيد رجائي، عبر بيان رسمي، النتائج الأولية لتحقيقاتها.
وقد أكدت هذه اللجنة على ثلاثة عوامل في هذا السياق: أولا: ثبت التقصير في الالتزام بقواعد السلامة والدفاع المدني غير المسلح.
ثانيا: وُجدت تصريحات مخالفة للواقع في بعض المواضع، والأجهزة الأمنية والقضائية تسعى جديا لتحديد المخطئين.
ثالثا: إن التوصل إلى تحديد دقيق لأسباب هذه الحادثة يتطلب دراسة شاملة وكاملة لأبعادها المختلفة، وهو ما يستلزم، نظرا للضرورات الفنية، المرور بمراحل فنية ومخبرية.

وقد أجرت صحيفة «آرمان ملي» حوارا مع الدكتور إسماعيل كهرم، أستاذ الجامعة والناشط في مجال البيئة، لتحليل ودراسة أبعاد هذه الحادثة الأليمة، نعرضه في ما يلي:
ما الأسباب الرئيسية لانفجار “بندر عباس” برأيكم؟
للأسف، لا توجد شفافية كافية بشأن الانفجار الذي وقع في بندر عباس، وهناك تباين واضح بين الأخبار الصادرة عن وسائل الإعلام المحلية وتلك التي تنقلها وسائل الإعلام الأجنبية.
أعتقد أن الخطوة الأولى يجب أن تكون توضيح هذه المسألة: هل تنقل وسائل الإعلام المحلية معلومات صحيحة أم لا؟ في الوضع الحالي، تشير الوسائل المحلية إلى مقتل نحو 70 شخصا، بينما تذكر وسائل الإعلام الأجنبية أن عدد الضحايا يفوق هذا الرقم، ولهذا، على المسؤولين تقديم توضيحات دقيقة في هذا الشأن.
نقطة أخرى هي أن المصادر داخل البلاد تفيد بأن الانفجار نتج عن مواد كيميائية وقابلة للاشتعال، بينما تربطه وسائل الإعلام الأجنبية بقضايا عسكرية، وعلى الرغم من إصدار بعض الجهات العسكرية المحلية بيانات حول الحادث، فإن الحقيقة لم تتضح بعد للشعب، ويجب كشفها.
إذا افترضنا أن ما نشرته وسائل الإعلام المحلية من أن الانفجار سببه مواد كيميائية ومتفجرة هو صحيح، فإن السؤال هو: لماذا تم استخدام ميناء لا يمتلك التجهيزات والقدرات اللازمة لتخزين هذه المواد القابلة للاشتعال في هذا الغرض، مما عرض حياة الأبرياء للخطر؟
هذا الأمر نفسه أثار انتقاد رئيس الجمهورية، الذي صرّح بأن تخزين مثل هذه الكمية من المواد القابلة للاشتعال في هذا المكان لم يكن قرارا منطقيا، والواقع أن نتيجة تجاهل المنطق هي هذه الكارثة التي وقعت في بندرعباس.
تشير نتائج لجنة التحقيق إلى وجود تقصير بشري واضح في هذه الكارثة. في الوقت نفسه، شهدت البلاد في السنوات الأخيرة حوادث مشابهة كثيرة سقط فيها عدد كبير من الضحايا للسبب نفسه، لماذا تتكرر هذه المآسي باستمرار؟
علينا أن نعترف بأننا خلال العقود الماضية لم نحقق تقدما ملموسا في بعض المجالات، هذا الاعتراف يساعدنا على فهم وتحليل ظروف الحادث وأسبابه بشكل أفضل.
الحقيقة أن الإدارة لا تُدار بالشعارات والصخب، بل تحتاج إلى تخطيط، ومحاسبة، ونظام دقيق، نحن بلد من دول العالم الثالث، وهذه الحقيقة لا تُدرك بالكامل إلا إذا عاش الإنسان لفترة خارج البلاد وشاهد الفرق بنفسه.
في هذه الحادثة، فقدنا عددا كبيرا من مواطنينا، أغلبهم من الطبقات الفقيرة والعمال، لم يكونوا مؤمّنين، ولا حتى يملكون ملفات رسمية يمكن من خلالها تتبع هويتهم أو خلفياتهم.
وحتى الآن، لم تُنشر إحصائيات دقيقة عن عدد الضحايا، وتشير الدلائل إلى أن العدد قد يكون أكبر من المُعلن، بعض الضحايا لم يُعثر منهم إلا على أجزاء من أجسادهم يصعب تحديد هويتهم إلا من خلال اختبارات الحمض النووي.
ما أقصده أن أي مدير لم يكن بين الضحايا، لم يُقتل مسؤول واحد في موقع الحادث، بل كانوا جالسين في مكاتبهم تحت أجهزة التكييف، يحرصون ألا يصيبهم مكروه.
حتى بعض المسؤولين الذين سافروا إلى بندر عباس، رفضوا النزول من الطائرة، واكتفوا بمراقبة الموقع من السماء! والسؤال هنا: كيف يمكن اتخاذ قرارات أو تقييم وضع كارثي وأنت تنظر من نافذة الطائرة؟ أعتقد أنهم لم ينزلوا؛ ببساطة حتى لا يشعروا بحرارة الجو!
بعد هذه الكارثة، يسعى عدد من نواب البرلمان لاستجواب بعض الوزراء، من بينهم وزيرة الطرق والتنمية الحضرية ووزير الصناعة والتجارة.. هل تعتبر هذه الخطوة سياسية فقط للضغط على الحكومة؟ أم أن هؤلاء الوزراء يتحملون فعليا جزءا من المسؤولية؟
ما حدث كان ضمن مسؤولية منظمة الموانئ، وهي بدورها تابعة لوزارة الطرق والتنمية الحضرية، بعد الانفجار، صرّحت السيدة صادق، وزيرة الطرق، بتصريحات أثارت استغرابا كبيرا، حيث قالت إن «الوضع في بندرعباس جيد، والناس يمارسون حياتهم اليومية بشكل طبيعي».
والسؤال هنا: إلى أي حد كانت الوزيرة مطلعة على تفاصيل وأبعاد الكارثة حتى تدلي بمثل هذا التصريح؟ عندما يكون المسؤول عن النقل البحري والجوي والبري في البلاد على هذا القدر من الغفلة عن حقيقة ما جرى، فماذا نتوقع من الآخرين؟
هذا النوع من التصريحات غير الدقيقة أدى إلى انتشار الشائعات، التي صدقها الكثيرون لغياب المعلومات الرسمية الواضحة، وحتى بعد مرور عدة أيام على الحادث، لا تزال المعلومات الدقيقة حول أسبابه والجهات المسؤولة عنه غير متوفرة للرأي العام.
الناس يريدون أن يعرفوا ما الذي حدث، ولماذا فقد أكثر من 70 شخصا حياتهم؟ يجب أن نعرف من المسؤول عن هذه السياسات والقرارات الخاطئة التي يدفع ثمنها الأبرياء.
ما الذي يجب فعله حتى لا تتكرر هذه المآسي في البلاد؟
نحن لا نزال نصنّف كدولة من دول العالم الثالث، وكثير من مسؤوليها يفضلون إطلاق الشعارات بدلا من التخطيط العملي.
في بيئة يحكمها الشعار، كل شيء ممكن قوله، لكن الواقع مختلف تماما، سياساتنا، رغم ما يُقال، لم تكن صائبة، بل أخرجتنا عن مسار التنمية.
لقد تخلفنا عن بعض الدول المجاورة التي كانت في يوم من الأيام تتمنى أن تصل إلى مستوى إيران. نحن لا نزال عالقين في عقلية دولة العالم الثالث، ولم نتمكن من وضع خطة مستقبلية طويلة الأمد كما تفعل الدول المتقدمة.
خلال العقود الماضية، أصبح من الواضح للجميع أن التقدم لا يتحقق بالشعارات، بل يحتاج إلى إدارة مبنية على الكفاءة والمعرفة. طالما استمررنا في إدارة البلاد بالشعارات والاستعراضات، فإن مثل هذه الكوارث ستتكرر. الحل الوحيد هو التخطيط الجاد والاستعانة بأفضل الخبرات والعقول المتخصصة من أبناء هذا الوطن.