- شروق حسن
- 57 Views
ترجمة: شروق حسن
في حوار خاص مع وكالة الانباء الإيرانية المعتدلة «خبر أونلاين» يوم الخميس 29 مايو/أيار 2025، سلّط محمد داوري، الخبير في شؤون التعليم والمستشار الدراسي، الضوء على أزمة التعليم المتفاقمة في إيران، مشيرا إلى أبعاد خفية ومقلقة لظاهرة ترك الدراسة.

وفي ما يلي نص الحوار:
سيد داوري، نُشرت مؤخرا إحصاءات جديدة عن الطلاب الذين غادروا المدرسة، وهي إحصاءات لا تبدو مشجعة.
نعم، لكن الإحصاءات المقدَّمة ليست دقيقة أيضا، لأن ترك التعليم له جانبان: ظاهر وخفي.
ماذا تقصدون بذلك؟
هناك طلاب قد تكون أسماؤهم مسجلة في إحصاءات المدارس، وقد يحضرون الصفوف أحيانا، لكن غيابهم لا يُحسب أو لا يُعتبر خروجا من الدورة التعليمية.
هؤلاء، بسبب عدم حضورهم المستمر والمنتظم في المدرسة، يُعدّون في الواقع من المنقطعين عن التعليم، ويُطلق عليهم اسم “المتسربون الخفيّون”.
أما المنقطعون الظاهرون، فهم أولئك الذين لا يرتادون المدرسة أصلا، ولا توجد أسماؤهم في سجلات التسجيل المدرسي، ويتم التوصّل إلى إحصاء هؤلاء من خلال مقارنة عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة إلى أحد عشر عاما بعدد المسجلين في المدارس.
ويُظهر هذا الفرق عدد الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة، ويُعدّ هؤلاء من المتسربين الظاهرين، ومن جهة أخرى، قد يبقى الفرد لعدة سنوات ضمن الدورة التعليمية، لكنه يخرج منها خلال إحدى السنوات الدراسية أو المراحل التعليمية، وعدد هؤلاء يفوق بكثير الأرقام المعلنة.
برأيكم، ما هي أبرز أسباب ترك الدراسة؟
السبب الأهم في هذه المسألة هو الاقتصاد، فبسبب فقر العائلات يخرج الأطفال من الدورة التعليمية، في العائلات ذات الأوضاع الاقتصادية الضعيفة، يُعتبر الأطفال مصدر دخل للأسرة، هذه المشكلة شائعة جدا في المدن والمناطق الفقيرة.

كذلك، لعبت الأسباب المتعلقة بالدافعية دورا في السنوات الأخيرة في ازدياد ترك التعليم، خصوصا في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
في هذه المراحل، لا يتكوّن لدى الطلاب أفق واضح لمواصلة التعليم، لأنهم لا يمتلكون تصورا إيجابيا عن نتيجة الاستمرار في الدراسة؛ أي أنهم لا يؤمنون بأن التعليم سيمنحهم موقعا وظيفيا مناسبا، ولهذا السبب لا يجدون دافعا لمواصلة التعليم.

ما هو دور العوامل الثقافية والاجتماعية في التسرب من التعليم؟
نعم، هناك أيضا أسباب ثقافية، حيث لا تُولي بعض العائلات أهمية للتعليم، لديّ خبرة عمل في بعض المناطق التي تُعطى فيها الأولوية لمواصلة التعليم للبنين أكثر من البنات.
في بعض المناطق، وبسبب الظروف الثقافية والاقتصادية، تنخرط الفتيات في أعمال الصناعات اليدوية مثل حياكة السجاد والنسيج، وغالبا لا يُرسلن إلى المدرسة في المرحلة الإعدادية.
في هذه المناطق، تكمل الفتيات عادة دراستهن حتى الصف الرابع أو الخامس الابتدائي فقط، لا تزال هذه الظاهرة موجودة في بعض المناطق، وإن كانت قد تراجعت مقارنة بالماضي.
ومن أبرز أسباب ترك الفتيات للدراسة الزواج المبكر أو تزويج القاصرات، وهو ما يؤدي إلى خروجهن من الدورة التعليمية.
بعيدا عن ترك الدراسة، هل أدى هذا الفقر والمشاكل الاقتصادية أيضا إلى تغيّر في جودة التعليم؟
تنوع المدارس يُعدّ أحد مظاهر انتهاك العدالة التعليمية، ففي السنوات الأخيرة، تُظهر الإحصاءات أن جودة التعليم في المدن الكبرى، بل حتى داخل المدن نفسها، تختلف بين شمال المدينة وجنوبها.
كما أن هذه الفروقات موجودة في المناطق المحرومة أيضا، كذلك، زاد تنوع المدارس وانتشار المدارس غير الحكومية والمدارس الخاصة، ونتيجة لذلك، فإن حصة المدارس الحكومية العادية في الحصول على المراتب العليا في امتحان القبول الجامعي تنخفض عاما بعد عام.
في المقابل، فإن نسبة النجاح بين طلاب مدارس المتفوقين، والمدارس النموذجية الحكومية، والمدارس الخاصة، والمدارس المتميزة الأخرى، مرتفعة جدا، وهذا الأمر يدل على منافسة غير عادلة وإخفاق كثير من الأفراد.
لماذا يُعتبر تنوع المدارس انتهاكا للعدالة التعليمية؟
لأن التعليم العام لا يتحمّل التمييز، ومن الناحية الاجتماعية والثقافية، فإن هذه الظاهرة قد تسببت بأضرار كبيرة وأدت إلى طبقية وتعدّدية داخل النظام التعليمي.
وإذا تم إجراء بحث على أساس المكانة الاجتماعية، فسيتّضح أن طلاب المدارس الحكومية العادية يشعرون بانخفاض مكانتهم الاجتماعية ويعتبرون أنفسهم من الطبقات الأدنى، في حين يشعر طلاب المدارس الخاصة بنوع من التفوق الطبقي.
هذا التفاوت الطبقي لا يُرى بهذه الحدة حتى في المجتمعات الليبرالية، إن العدالة التعليمية وجودة التعليم هما مؤشّران مهمّان، فكلما كانت مرتبة الدول أعلى في هذين المؤشرين، كانت نسبة المتسربين من التعليم والأميّة أقل.
مع هذا الوضع، هل يجب أن نقلق بشأن وضع الأمية في المستقبل؟
مفهوم الأمية قد تغيّر في وقتنا الحالي، في السابق، كانت الأمية تعني فقط عدم القدرة على القراءة والكتابة، لكن اليوم توجد أنواع مختلفة من الأمية؛ مثل الأمية الاجتماعية، والمالية، والاقتصادية، وأمية التواصل، وأمية الأجهزة الصلبة والبرمجيات.
حتى آخر تعاريف اليونسكو تعتبر “القدرة على إحداث التغيير” تعريفا لمفهوم الأمية، فالشخص القادر على إحداث التغيير هو من يمتلك المعرفة والمهارة والقدرة العلمية والعملية اللازمة، ويكون قد بلغ أيضا النضج من الناحية النفسية.
هذه العملية يجب أن تتحقق في المدرسة، لكن للأسف المدرسة غير قادرة على توفير هذا المستوى.
لذلك، نحن اليوم نشهد أمية مجتمعية بأبعاد متعددة، حتى وفقا لمعايير الشهادات التعليمية، فإن حوالي 20 إلى 25 بالمئة من السكان لا يحملون حتى شهادة الثانوية العامة.
هذا الوضع في الألفية الثالثة، وفي وقت تمكّنت فيه كثير من الدول من حل مشكلاتها التعليمية، يُعدّ مقلقا للغاية، ويرسم مشهدا مخيفا للمستقبل؛ أي مجتمع قد يمتلك القدرة على القراءة والكتابة، لكنه في الواقع يعاني من أمية فعلية.