- زاد إيران - المحرر
- 4 Views
أجرت وكالة أنباء خبر أنلاين الإيرانية المحافظة، المحسوبة على مكتب علي لاريجاني، يوم الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025، حوارا مع عماد الدين باقي، الباحث في مجال حقوق الإنسان، حول تداعيات الاشتباكات العسكرية الجارية بين إيران وإسرائيل، ودور المجتمع المدني ووسائل الإعلام في تعزيز التماسك الاجتماعي والتصدي لعمليات الخداع الإعلامي التي ينفذها العدو، وفي ما يلي نص الحوار:
ما تقييمك للصراع القائم بين إيران وإسرائيل؟ وإلى أي مدى ترى ضرورة الحفاظ على التماسك والوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحساسة؟
هذا تبسيط مفرط أن يحاول أحدٌ ربط موضوع الحرب بالأحداث الأخيرة. فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحة، في أول خطاب له بعد سلسلة الهجمات الإرهابية والإجرامية، أن هذه الهجمات كان مخطّطا لها منذ زمن طويل. وهذا يوضح أن قرار هذه الاعتداءات كان متخذا مسبقا، وكانوا يأملون أن تستسلم إيران لما يريدونه دون قتال، لكي ينفّذوا عملياتهم بأقل مقاومة وتكلفة، تماما كما فعلوا في سوريا بعد سقوط بشار الأسد.
فبالرغم من أنه بعد سقوط بشار لم يعد هناك ذريعة أو مبرر للهجوم على سوريا، إلا أنهم بدأوا حينها بأوسع الهجمات لتدمير كل البُنى التحتية في سوريا.
وفي مواجهة مثل هؤلاء المتآمرين ومرتكبي الجرائم، لا خيار أمامنا للحفاظ على وحدة أراضينا سوى التكاتف والانسجام الوطني. ورغم الانتقادات والاعتراضات الجدية التي نوجّهها للسياسات الحاكمة، علينا أن نميّز بين القضايا الأساسية والثانوية، ونتجاوز الخلافات في هذه المرحلة. لكن للأسف الشديد، فإن كل هذه الجهود الوطنية لتعزيز التماسك الاجتماعي في مواجهة العدو تأتي من طرف واحد فقط، أي من قبل المجتمع المدني.
والمؤلم في الأمر أن السلطة، حتى في أشدّ الظروف، لا تتراجع ولو لسنتمتر واحد عن مواقفها الخاطئة. فعلى الرغم من أنه كان من المتوقع منذ أشهر أن يتم إطلاق سراح السجناء السياسيين والعقائديين كخطوة لتعزيز التلاحم، فإن ذلك لم يحدث، بل تمّ الزجّ بأشخاص جدد في السجون.
وقد أدى هذا إلى أن يتحوّل السجناء السياسيون إلى أشخاص أكثر راديكالية، فعلى الرغم من أنهم لا يتخذون أي موقف إيجابي من الاعتداءات الإسرائيلية، بل يعبّرون بوضوح عن رفضهم لها خلال تواصلهم معنا، فإنهم لا يتحمسون للإعلان عن هذه المواقف. وهذا نتيجة السلوك المتعنّت تجاههم.
وللأسف، فإن معظم الأضرار التي لحقت بجسد الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي جاءت من هذا الجانب، وهو ما شجّع العدو الغادر على الاعتقاد بأنه بمجرد بدء الهجمات، سيفرش له الناس السجادة الحمراء.
وفي الأيام الأخيرة، ظل نتنياهو يعلن باستمرارٍ أنه ينتظر انتفاضة الشعب الإيراني، ويقول: هذه هي أفضل فرصة لكم. ولحسن الحظ، بدأ كثير من المواطنين، بدلا من الاستجابة لذلك، في التعرف على العملاء الذين تمّ تجنيدهم وتنظيمهم خلال السنوات الماضية، والذين كانوا يوزّعون الطائرات المسيّرة داخل إيران ويكملون العمليات الإسرائيلية، وقاموا بتسليمهم إلى الشرطة.

هل من الضروري أن نتجه، بالتوازي مع المقاومة ضد العدوان الواقع على إيران، نحو الحلول الدبلوماسية أيضا، أم…؟
تشير جميع الأخبار والمعطيات إلى أنّهم كانوا يتصورون أن شنّ هجمات مباغتة وسريعة وعلى نطاق واسع، مدعومة بالكامل من الولايات المتحدة وحلف الناتو، بالتزامن مع خروج الناس إلى الشوارع، سيؤدّي إلى إسقاط النظام، وأنّهم سيحتفلون في طهران ويعيّنون عملاءهم في مواقع الحكم. لكنّهم انخدعوا بالمعلومات التي قدّمتها لهم الجماعات التي تُعرف بالمعارضة، وورّطوا أنفسهم في مأزق كبير.
ومع ذلك، فقد فرضوا على إيران تكاليف باهظة، وأوقعوا العديد من الضحايا المدنيين العزَّل.
لذلك، ومع بروز قدرة إيران على المقاومة والردع، لم يبقَ أمامهم سوى الرضوخ للخيار الدبلوماسي، كما أنّ إيران بدورها لا تملك خيارا أفضل من الدبلوماسية. وبعبارة أخرى، فإن استمرار هذه الحرب مضرّ بكل من إيران وأمريكا وأوروبا وإسرائيل، ولا مفرّ للطرفين من التوجّه نحو الحلّ الدبلوماسي.

ومن المؤكّد أنه لو كانت لدى أيّ طرف القدرة على إلغاء الطرف الآخر بالكامل، لما تحدّث عن الدبلوماسية أصلا. وحقيقة أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبعض المسؤولين الأوروبيين يتحدثون اليوم عن التفاوض والسلام بعد أن رأوا صلابة المقاومة الإيرانية وإمكانية استمرار واتّساع الحرب، حتى إن كانت تصريحاتهم خادعة، فإنّها تُعدّ مؤشرا جيدا على إمكانية العودة إلى المسار الدبلوماسي.
فبحسب تعاليم حقوق الإنسان، وكذلك في تراثنا الديني، فإن الأصل هو السلام، ويجب الترحيب بكل خطوة تُتخذ في اتجاه السلام وإنهاء الحرب.
إلى أيّ مدى تُعدّ ضرورة الاصطفاف خلف قرارات النظام مهمة في مثل هذه الظروف؟
لقد نشرنا بيانا في بداية العام الجديد، وقّعه نحو 440 ناشطا مدنيا من إيران، وكان نحو ثلثهم ممّن ذاقوا مرارة سجون إيران، أو تعرّضوا للطرد من الجامعات، أو لحرمانات أخرى. وغالبية هؤلاء كانوا من المنتقدين بطبيعة الحال.
وقد أعلنا في هذا البيان، بكل صراحة، أننا كلّما تعرّض الكيان الوطني أو إيران أو حتى قدرتنا الدفاعية—التي نعتبرها رصيدًا وطنيًا—للتشكيك أو التهديد من قبل قوى أجنبية، فإننا نضع خلافاتنا مع الحكومة جانبا، وندافع عن إيران جميعا بلا أيّ تردد وبكل حزم.
كيف تقيّمون دور الإعلام الرسمي في الحفاظ على التماسك الوطني؟
في عالم اليوم، أصبح دور وسائل الإعلام يفوق تأثير الصواريخ والطائرات والمسيّرات. فبينما تستهدف الصواريخ والمسيّرات البُنى المادية، تستهدف وسائل الإعلام عقول المواطنين وتخوض حربا نفسية للسيطرة على الرأي العام، ممهدة الطريق للعمليات العسكرية لاحقا.
ومن أبرز أسباب هشاشة الوضع الإعلامي في إيران، كما يرى عماد الدين باقي، أداء مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمية (صدا وسيما) التي أدّت إلى انتقال المرجعية الإعلامية إلى خارج إيران، تاركة الفضاء الإيراني مكشوفا أمام الهجوم الإعلامي المعادي دون دفاع فعال.
ويرى باقي أن أداء “صدا وسيما” خلال السنوات الماضية، كان أحد عوامل تفاقم الانقسام الداخلي، بسبب اقتصارها على تمثيل تيار سياسي واحد وإقصاء شريحة واسعة من النخب والجمهور، رغم أنها تُدار بأموال جميع المواطنين.
ويضرب مثالا بما حدث خلال انقطاع الإنترنت، حيث كان المواطنون يبحثون عن أخبار عاجلة عبر الإذاعة، لكنهم لم يجدوا سوى الأغاني والمدائح والخطابات الحماسية، في حين كانوا ينتظرون تغطية لحظية دقيقة تتناسب مع حساسية الوضع.
ويؤكد أن هذا القصور جعل الناس يلجؤون إلى وسائل إعلام العدو للحصول على الأخبار، وفي الوقت الذي كان من واجب الإعلام الرسمي أن يُشبع الجمهور بالأخبار الدقيقة والمباشرة، كي لا يضطروا للبحث عنها في مصادر أخرى. وبهذا الأداء، ترك الإعلام الرسمي المجتمع فعليا تحت رحمة الإعلام المعادي.
في ظلّ الحرب النفسية التي يشنّها العدو عبر الفضاء الإعلامي، ما الإجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهتها؟
في البداية، أودّ أن أُشير إلى أن إسرائيل قامت بقطع الإنترنت وفرض رقابة شديدة، في حين أنّ الوضع في إيران مختلف تماما، كما أفاد بذلك مراسل بي بي سي، حيث قال إن المواطنين في إيران يصوّرون مشاهد الانفجارات من زوايا متعددة وينشرونها، ورغم أنني أرى أن هذا الفعل لا يصبّ في مصلحة الأمن القومي.
وفي المقابل، يعيش الإعلام الإسرائيلي وبعض الجهات الوكيلة له في أوهام، لدرجة أن إسرائيل أعلنت أن مسؤولي إيران قد جهّزوا حقائبهم وهم في طريقهم للفرار من إيران. وقد واصل التلفزيون الناطق بالفارسية التابع لهم تكرار هذا الخبر الكاذب على شريطه الإخباري طوال أمس. ولكنّهم انخدعوا بمعلومات قدمتها جماعات ما تُسمّى بالمعارضة.
وبرأيي، أحد أهم الأمور هو أن يلتزم المجتمع بالقواعد البسيطة التي يتم اتباعها في جميع دول العالم في ظلّ ظروف الحرب. ثانيا، وعكس ما كان يتوقّعه العدو وجيشه السيبراني المنظم، ورغم الحجب والمواجهة التي تخوضها إيران ضد تلك المنصات، فإنّ شبكات التواصل الاجتماعي باتت اليوم في قبضة الإيرانيين الوطنيين والمعارضين للنظام الإسرائيلي الإرهابي.

ومع ذلك، ونظرا إلى أن إمبراطورية الإعلام تهيمن عليها إسرائيل، ووفقا لما يراه عدد من المحللين فإن الأسطول الإعلامي الحالي للولايات المتحدة والناتو يعمل بما يخدم مصالح إسرائيل، فإنه من غير المقبول أن يبقى المستخدمون في الشبكات الاجتماعية مجرد متفرجين أو مكتفين بالإعجابات فقط.
على الأفراد أن يبتعدوا عن السلبية والتعالي، وأن يشاركوا بفعالية في الفضاء الرقمي. وكما ذكرت سابقا، فإنّ تأثير الإعلام أقوى حتى من الصواريخ والطائرات المسيّرة. ويجب على وسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل أن يركّزوا على نشر الأخبار الدقيقة، وكشف الأخبار الكاذبة، وتحليلها وتقديم التوضيحات الضرورية بدلا من الشعارات والتهديدات والخطابات الحماسية.
ومن الجوانب الأخرى التي ينبغي الانتباه لها هو ضرورة تقديم الرسائل الإعلامية بعدة لغات كي تؤثر بدرجة أكبر في مواجهة هيمنة الإعلام العالمي. والأهم من ذلك كلّه، هو أن يدرك الإعلاميون أنّ أجواء الحروب تغيّر الأخلاقيات المجتمعية، وتبعد الناس عن الاعتدال والقيم، وتبرّر القسوة والعنف، لا سيّما تجاه المعارضين. لذا يجب على الجميع أن يتنبّهوا لتجنّب السقوط في فخّ الترويج للعنف أو الدفاع عنه أو تشجيعه.