خطوة تاريخية تتحدى العقوبات.. شراكة فضائية إيرانية- صينية: ماذا تعني “تشانغ آه-8” لطهران؟

كتب: ربيع السعدني 

انضمت إيران رسميا إلى مجموعة الدول المتعاونة في مشروع “تشانغ آه-8” الصيني، وهي مهمة قمرية مخطط لها ضمن البرنامج الصيني لاستكشاف القمر، وفقا لما أعلنه نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ورئيس منظمة الفضاء الإيرانية الدكتور حسن سالارية، لوسائل الإعلام.

هذا المشروع يهدف إلى استكشاف القطب الجنوبي للقمر واختبار تقنيات لبناء قواعد قمرية مستقبلية، وضمن ذلك تجارب مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد باستخدام تربة القمر، ومن المقرر إطلاق المهمة حوالي عام 2029، وتشمل مركبة هبوط، وروبوتا، وأجهزة لإجراء التجارب العلمية.

كما اعتبر الدكتور حسن سالارية نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ورئيس منظمة الفضاء الإيرانية، أن أحد المواضيع المهمة في برنامج الفضاء الإيراني الممتد لعشر سنوات هو مجال علوم واستكشاف الفضاء.

وفي تصريحات نقلتها وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”، قال: “يشمل هذا المجال موضوعات مثل الكبسولات الحيوية والاستكشاف واستغلال الموارد من الكواكب الأخرى، للدخول في مجال استغلال موارد الكواكب الأخرى، نظرا إلى التكاليف المرتفعة والمستوى العالي من التكنولوجيا، هناك حاجة إلى التعاون الدولي واستخدام قدرات البلدان الشريكة والمرتبطة في صناعة الفضاء”.

حمولة بحثية محلية الصنع 

وفي هذا الصدد ستشارك إيران بإرسال حمولة بحثية محلية الصنع إلى سطح القمر، وهي خطوة تُعد الأولى من نوعها لإيران في مشروع دولي لاستكشاف القمر، هذا الانضمام يعكس تعزيز التعاون الفضائي بين إيران والصين، حيث أُعلن عن هذا التطور من قبل الحكومة الصينية في يوم التكنولوجيا الفضائية الصيني عام 2025.

يأتي هذا التعاون الإيراني الصيني المشترك في إطار طموحات طهران لتطوير برنامجها الفضائي، حيث أشارت منظمة الفضاء الإيرانية إلى أن هذا المشروع جزء من برنامجها الوطني للعلوم والاكتشافات الفضائية للسنوات العشر القادمة.

يعدّ مشروع “تشانغ” من البرامج الأساسية لجمهورية الصين الشعبية في مجال استكشاف سطح القمر والاستفادة من موارده، ويُنتظر أن تُرسل في إطار مهمة “تشانغ 8” حزمة بحثية من إنتاج أحد المراكز البحثية والجامعات الإيرانية لتُثبت على سطح القمر بواسطة هذه المركبة الاستكشافية.

البرنامج الفضائي الإيراني 

ويعد مجال العلوم والاستكشافات الفضائية أحد أبرز محاور البرنامج الفضائي الإيراني للعقد المقبل، بحسب وكالة تسنيم للأنباء، ومن بين فروعه الأساسية: 

  • الكبسولات البيولوجية، والاستكشاف، والاستفادة من موارد الكواكب الأخرى.

ونظرا إلى التكاليف المرتفعة والتقنيات المتقدمة المطلوبة في هذا المجال، فإن الدخول في مشاريع استغلال موارد الكواكب الأخرى يتطلب التعاون الدولي والاستفادة من قدرات الدول الشريكة في صناعة الفضاء ويجرى حاليا إعداد برنامجين رئيسين عالميين في مجال استكشاف واستغلال موارد القمر: 

  • الأول هو برنامج “أرتميس” بقيادة الولايات المتحدة وبدعم من الدول الغربية وبعض الدول الآسيوية.
  • الثاني هو برنامج (ILRS) الذي تتولاه الصين وروسيا، وهما من القوى الكبرى في قطاع الفضاء، وقد انضمت إلى هذا البرنامج عدة دول.

أهمية برنامج “تشانغ 8”

ويعد برنامج “تشانغ” من المبادرات الكبرى للصين في مجال استكشاف سطح القمر واستغلال موارده، ويندرج ضمن إطار برنامج (ILRS)، وبعد سلسلة من المشاورات الفنية، نالت إيران ثقة الصين بعلمائها وباحثيها في قطاع الفضاء، وتم الاتفاق على أن تُرسل مركبة “تشانغ 8” حزمة علمية من إنتاج إيران إلى سطح القمر.

وفي هذا الإطار قال الدكتور حسن سالارية، نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ورئيس منظمة الفضاء الإيرانية: “نأمل أن تكون هذه المشاركة فرصة ثمينة للغاية لإيران لتكون شريكة في مشروع دولي كبير في مجال استكشاف سطح القمر، ونأمل أن تُمهّد هذه الخطوة الطريق لإيران لتكون من بين الدول التي تسير على درب استغلال سطح القمر وموارده الثمينة، بل وتمتد إلى ما هو أبعد من ذلك في استكشاف كواكب أخرى”.

في ذكرى الاحتفال بـ”يوم تكنولوجيا الفضاء” في 24 أبريل/نيسان 2025، بالصين، أعلنت حكومة بكين رسميا انضمام إيران إلى هذا البرنامج ومشاركتها في هذه المهمة الاستكشافية العلمية، وتتمثل الحزمة التي يعمل عليها الفريق الإيراني في جهاز لقياس الجهد الكهربائي الساكن على سطح القمر، وهو أمر بالغ الأهمية نظرا إلى عدم تساوي وتجانس توزيع الشحنات الكهربائية على سطح القمر، ما يجعل هذا القياس ذا أهمية بالغة للاستفادة المستقبلية.

ماذا يعني ذلك لطهران؟

انضمام إيران إلى مجموعة الدول المتعاونة في مشروع “تشانغ آه-8” الصيني له دلالات وتداعيات مهمة لطهران على عدة مستويات:

  1. تعزيز القدرات الفضائية الإيرانية: يمثل هذا الانضمام خطوة تاريخية لإيران، حيث ستشارك لأول مرة في مهمة قمرية دولية من خلال إرسال حمولة بحثية محلية الصنع إلى سطح القمر، وهذا يعزز مكانة طهران في مجال تكنولوجيا الفضاء ويظهر قدرتها على تطوير أجهزة علمية متقدمة، كما أن المشاركة في مشروع متقدم مثل “تشانغ آه-8″، الذي يركز على استكشاف القطب الجنوبي للقمر وتجارب بناء قواعد قمرية، ستتيح لإيران الوصول إلى خبرات وتقنيات متطورة قد تساهم في تطوير برنامجها الفضائي الوطني.
  1. تعميق التعاون مع الصين: هذا الانضمام يعكس تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين طهران وبكين، خاصة في المجال الفضائي، الصين، كقوة فضائية رائدة، توفر منصة لإيران للاستفادة من خبراتها ومواردها، بينما تستفيد الصين من توسيع شبكة شركائها الدوليين، يأتي هذا التعاون في سياق اتفاقيات أوسع بين البلدين، مثل اتفاقية التعاون الشامل لمدة 25 عاما الموقعة عام 2021، التي تشمل مجالات التكنولوجيا والعلوم.
  1. تأثير سياسي ودبلوماسي: المشاركة في مشروع دولي بقيادة الصين تعزز صورة إيران كدولة تسعى للعب دور فعال في المجتمع العلمي الدولي، رغم العقوبات الغربية المفروضة عليها، هذا قد يساعد في تحسين صورتها على الساحة الدولية وتعزيز شرعيتها كلاعب في استكشاف الفضاء، كما أنه يعكس توجه إيران نحو تعزيز التعاون مع دول الشرق (مثل الصين وروسيا) كبديل عن الغرب، خاصة في ظل التوترات السياسية المستمرة مع الولايات المتحدة وأوروبا.
  1. فوائد اقتصادية وعلمية محتملة: المشروع قد يفتح الباب أمام نقل تكنولوجي وتدريب علمي للكوادر الإيرانية، مما يعزز قدراتها في مجالات مثل الهندسة الفضائية، وتحليل البيانات العلمية، وتطوير الأجهزة، على المدى الطويل، قد يسهم التعاون في مشاريع فضائية كبرى في تحفيز الصناعات التكنولوجية الإيرانية وزيادة الاستثمارات في هذا القطاع.

تحديات محتملة

على صعيد آخر؛ فإن العقوبات الغربية المفروضة على طهران قد تحد من قدرتها على الاستفادة الكاملة من هذا التعاون، خاصة إذا فُرضت قيود على نقل التكنولوجيا أو التمويل، هنا قد تواجه إيران ضغوطا دبلوماسية غربية حيث تنظر الدول الغربية بحذر إلى تعزيز التعاون بين إيران والصين في مجالات حساسة مثل التكنولوجيا الفضائية.

في النهاية، يُعد انضمام إيران إلى مشروع “تشانغ آه-8” بمثابة فرصة كبيرة لتطوير قدراتها الفضائية، وتعزيز مكانتها العلمية والسياسية، وتوسيع شراكاتها الاستراتيجية مع الصين. ومع ذلك، يتطلب تحقيق الاستفادة القصوى من هذا التعاون التغلب على التحديات التقنية والسياسية المرتبطة بوضع إيران الدولي.

كلمات مفتاحية: