- زاد إيران - المحرر
- 66 Views
في حوار خاص أجرته الصحيفة الإصلاحية “شرق“ الإيرانية، الثلاثاء 13 مايو/أيار 2025، مع السفير السابق نعمتالله إيزدي، آخر سفراء إيران لدى الاتحاد السوفيتي وأولهم في روسيا الاتحادية، سلّط الدبلوماسي المخضرم الضوء على الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران، معتبرا إياها خطوة “غير مسبوقة” في تاريخ العلاقات الثنائية.

أجرت الصحيفة الإيرانية “شرق” حوارا مع نعمتالله إيزدي، آخر سفير لإيران لدى الاتحاد السوفيتي وأول سفير لدى الاتحاد الروسي، فإلى نص الحوار:

أكدتم سابقا ضرورة أن يزور بوتين طهران قبل أي زيارة إيرانية لروسيا. الآن وقد أصبحت زيارته وشيكة لتعزيز العلاقات الثنائية، كيف تقيّمون هذه الخطوة غير المسبوقة؟
لا شك في أن هذه الزيارة ستكون مهمة جدا لكلا البلدين، خاصة للجانب الروسي الذي لم يسبق أن قام بزيارة على مستوى رئيس الجمهورية لإيران من أجل علاقات ثنائية.
ومن وجهة نظري، هناك مواضيع واسعة ومتنوعة مطروحة للنقاش بين الطرفين؛ من القضايا الثنائية السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية والدفاعية… إلى القضايا الإقليمية والدولية.
يبدو أن موضوعين اثنين، هما “المفاوضات النووية” و”الحرب في أوكرانيا”، يمكن أن يُلقيا بظلالهما الثقيلة على سائر المواضيع الأخرى؟
نعم، كما تفضلتم، فإن موضوعين جاريين حاليا في العلاقات الدولية، وهما المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا، والمحادثات الرامية إلى إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قد مهّدا الأرضية لزيارة بوتين إلى إيران والتشاور بين البلدين، لذلك، لديّ تقييم إيجابي جدا لهذا الحدث.
كنتم من المنتقدين لموقف إيران من حرب أوكرانيا، فمع تزايد الحديث عن نهايتها، هل تعتقدون أن روسيا رسمت دورا لطهران في هذا المسار؟
إيران لم تقم بأي عمل أو تحرك خاص يجعلها طرفا جديا في إنهاء الحرب في أوكرانيا، أو طرفا محوريا في مفاوضات بوتين.
على أي حال، كانت هذه الحرب أمرا كان من الأفضل ألا تقع، لكنها وقعت في النهاية، وروسيا بالفعل انتهكت أراضي أوكرانيا، ودخلت الأمور في مسار حرب طويلة الأمد، وخلال هذه الفترة، كانت أغلب المتاعب من نصيب روسيا نفسها، وآمل أن تنتهي هذه الحرب في أقرب وقت ممكن، بغضّ النظر عمّا إذا كانت إيران مطروحة في هذا الملف أم لا.
لماذا؟
لأن هذا الموضوع طُرح بما فيه الكفاية خلال السنوات الماضية، ولا أرغب في الخوض فيه أكثر من ذلك، على كل حال، إيران قدّمت على مدى هذه السنوات ردودا على الادعاءات والاتهامات المتعلقة بطريقة دخولها أو تدخلها في هذه الحرب، ولا أرى حاجة للدخول في هذا النقاش مجددا.
لكن، إذا كان بإمكاننا تقديم دعم أو مساعدة من أجل إنهاء هذه الحرب والمضي في مسار السلام، فبالنظر إلى الوضع الحالي في علاقات إيران مع أوكرانيا وأوروبا، لا ينبغي أن يكون هناك تقصير أو تردد من جانبنا.
هل تعتقدون أنه إذا انتهت هذه الحرب، ستعود علاقاتنا مع أوكرانيا وأوروبا إلى سابق عهدها؟
ليس بشكل كامل.
لماذا؟
لأن أحد العوامل التي أضرّت بعلاقات إيران مع أوروبا يتعلق بحرب أوكرانيا، كما أن هناك قضايا أخرى مثل الخلافات بيننا وبين الأوروبيين بشأن الاتفاق النووي، والقضايا النووية، وآلية الزناد، وما شابهها، والتي كان لها دور كبير أيضا في تدهور هذه العلاقات.
وهذه أحداث كان ينبغي ألا تقع، لذلك، فإن أي دعم أو مساعدة تقدمها إيران لإنهاء الحرب في أوكرانيا يمكن أن يكون له أثر إيجابي في إعادة بناء علاقاتنا مع أوروبا، لكن من أجل العودة إلى العلاقات السابقة، هناك حاجة إلى المزيد من بناء الثقة بين الطرفين.
وأعتقد أن هناك خطوات إيجابية قد اتُخذت حتى الآن، وهناك جهود واتصالات تجريها وزارة الخارجية، وآمل أن تستمر هذه الجهود وتُرفع العلاقات إلى مستوى أعلى، لأن العلاقات بين إيران وأوروبا تمثل طاقة لا يمكن تجاهلها.
في ضوء زيارات ويتكوف لموسكو قبل كل جولة من المفاوضات، والمواقف الدبلوماسية الروسية حول الوساطة، ما الذي قد يحمله بوتين معه إلى طهران بشأن مفاوضات إيران وأمريكا؟
إذا قام بوتين بزيارة لإيران، فإن أهم ما يمكن أن يفعله هو تقديم دعم جاد للمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، ويجب أن يتجنب إشراك إيران في ملفات أخرى، كما ينبغي أن يتخذ مواقف إيجابية ومناسبة بشأن المسائل النووية الثنائية مع إيران، مثل تزويدها بالوقود أو تقديم الدعم الفني لمنشآتها النووية.
أما بخصوص سير المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا، فروسيا ليست مطالبة بأن تلعب دورا خاصا، باستثناء الاستمرار في سياسة الدعم التي تبنّتها حتى الآن، ومع ذلك، فإن صدور هذا الدعم من الرئيس بوتين نفسه سيكون أكثر تأثيرا وفعالية.
ألا تعني قراءتكم هذه ضمنيا أن المفاوضات النووية بين إيران والغرب أصبحت ورقة مساومة بيد بوتين لخدمة مصالحه خلال حرب أوكرانيا؟
لا يمكننا طرح المسألة بهذه الصيغة الحادة والواضحة، ولكن، لا بد أن نعترف بأن الأرضية اللازمة لم تكن متوفرة من قبل لإجراء مفاوضات جادة مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة، بهدف حل الخلافات العالقة.
ينبغي أيضا النظر إلى قرارات دونالد ترامب المتعلقة بالمفاوضات مع إيران، والتحولات الإقليمية، وردود الفعل حيال السياسات الإسرائيلية، باعتبارها عوامل أسهمت في خلق واقع جديد يسمح اليوم بمقاربة جدية لتسوية هذه الخلافات، لذا، لا يمكن القول إن فشل المفاوضات بين إيران وأمريكا حتى الآن كان بسبب عدم رغبة بوتين، فالأمر ليس كذلك.
برأيي، لم تتوافر الظروف الحقيقية لمثل هذه المفاوضات كما هي متوافرة الآن، وأكرر مجددا: أهم ما يمكن أن يقوم به بوتين وروسيا هو تقديم دعم حقيقي لهذه المفاوضات، وهذا يعني أن الدور الروسي يجب أن ينحصر في كونه عضوا دائما في مجلس الأمن وعضوا في الاتفاق النووي، يقدم الدعم اللازم ويسعى لتسهيل التوصل إلى نتائج ملموسة.
هل يمكن تفسير تزامن زيارة بوتين المحتملة مع جولة ترامب الإقليمية كمحاولة روسية لطرح “بديل دبلوماسي”، رغم غموض تفاصيل زيارة بوتين حتى الآن؟
نعم، هذا التزامن قائم، وتقاريركم الإعلامية أشارت إليه، من الممكن أن يكون بوتين بصدد بلورة تحرك دبلوماسي موازٍ، أو كما يقال “بديل دبلوماسي”، بهدف إثبات الوجود في مواجهة زيارة ترامب للمنطقة.
لكن النقطة الأهم هنا، والتي أود التأكيد عليها، هي أن إيران يجب ألا تنشغل بمثل هذه الأمور، بل ينبغي أن تركز كل اهتمامها على القضايا الثنائية مع روسيا.
المطلوب هو التركيز على الاتفاقيات والإمكانات المتاحة بين البلدين، والاستفادة منها إلى أقصى حد، لا الانخراط في التجاذبات الجانبية التي تمليها المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة.
إن كان الكرملين يريد لفت الأنظار بموازاة زيارة ترامب أم لا، فذلك لا يعنينا، لا أقول إنه يسعى لذلك أو لا يسعى، بل أقول إننا يجب ألا نتورط في هذا النوع من الحسابات.
هل يمكن القول إن لدى روسيا والصين، كما في مرحلة الاتفاق النووي السابقة، قلقا من تقارب محتمل بين إيران وأمريكا، وربما دفع هذا القلق بوتين إلى زيارة طهران؟
برأيي، حتى لو وُجد مثل هذا القلق سابقا، فلا ينبغي أن يكون موجودا اليوم، وإذا كان بوتين لا يزال يحمل مثل هذا الهاجس، فإن ذلك يعكس غياب قراءة واقعية وناضجة لدى الكرملين.
قبل بدء أي جولة مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، قام مسعود بزشکیان، بزيارة رسمية إلى موسكو، وتم خلالها توقيع اتفاقية شاملة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، حينها لم تكن طبيعة وشكل المفاوضات بين طهران وواشنطن واضحة بعد، ولم يكن معلوما إلى أين ستؤول الأمور.
هذا بحد ذاته يؤكد أن إيران اتخذت خطوات عملية لإظهار إرادتها الصادقة والجادة في تطوير العلاقات مع روسيا، العلاقات الثنائية بين طهران وموسكو قائمة بذاتها، ولا يجب أن ترتبط بأي ملفات أو تؤثر عليها أي قضايا أخرى.
حتى أثناء سير المفاوضات مع واشنطن، زار وزير الخارجية الإيراني موسكو، لذلك، إذا كان هناك فعلا نوع من التخوف لدى بوتين أو الروس من أن تؤدي هذه المفاوضات إلى انضمام إيران إلى المعسكر الغربي، فإن هذا التخوف غير واقعي ويحتاج إلى مراجعة.
علاقاتنا مع روسيا هي علاقات أصيلة تقوم على مبادئ حسن الجوار والجغرافيا المشتركة، ولا يجب لأي اتفاق أو تفاهم خارجي أن يُلقي بظلاله على مضمون هذه العلاقات، وفي الوقت نفسه، أؤكد على أهمية تحقيق التوازن وتنويع الشراكات في السياسة الخارجية.
بعد توقيع اتفاقية التعاون الشامل بين طهران وموسكو، هل يمكن أن تمثل زيارة بوتين لطهران نقطة تحوّل نحو تنفيذها بشكل عملي وواسع؟
بلا شك، هذه الاتفاقية تمثل إطارا شاملا للتعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا، لكنها لا تتضمن التفاصيل الدقيقة لكل المجالات، لذا، فإن تنفيذها الفعلي يتطلب صياغة تفاهمات واتفاقات تنفيذية على شكل عقود ومذكرات تفاهم تفصيلية.
يجب أن يُستغل حضور الرئيس بوتين في طهران لتعميق هذا التعاون، من خلال وضع برامج واضحة ومحددة، خاصة في مجالات حساسة واستراتيجية مثل الاستثمار، وقطاعي النفط والغاز.
علينا أن نُحضّر مسبقا ملفات دقيقة ومحاور محددة لعرضها خلال هذه الزيارة، وأن نعمل على الحصول على إشارات إيجابية مباشرة من بوتين لدفع التعاون قُدما.
الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة تمثل “مظلّة”، ويجب أن نحسن استخدام هذه المظلة لتغطية مشاريع فعلية وشراكات حقيقية في مختلف المجالات.