دبلوماسي إيراني سابق: حلّ الخلاف حول التخصيب صعب للغاية.. ولا أحد يرى طريقا واضحا حتى الآن


في خضمّ الجمود الذي يخيّم على المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، يبرز ملف تخصيب اليورانيوم بوصفه العقدة الجوهرية التي تعيق أي تقدم ملموس، أجرت وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية المعتدلة، حوارا مع كوروش أحمدي، الدبلوماسي الإيراني السابق، للوقوف على أبعاد هذا الخلاف، وأسباب تشبّث كل طرف بموقفه، وإمكانية التوصّل إلى تسوية مؤقتة تُجنّب الطرفين إعلان الفشل.

لماذا تطالب الولايات المتحدة أساسا بوقف كامل لتخصيب اليورانيوم في إيران؟


تتصور الولايات المتحدة وتدعي أن استثمار إيران في برنامجها النووي لا يمكن أن يكون له هدف سوى صنع القنبلة النووية. 

وبالطبع، بالنظر إلى أن تقييم أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وفقا لما يُعرف بتقارير “تقدير الاستخبارات الوطنية” (NIE)، كان دائما خلال السنوات الأخيرة أن إيران امتلكت حتى عام 2003 برنامجا تسليحيا نوويا، لكنها أوقفت ذلك البرنامج في ذلك العام ولا يزال متوقفا حتى الآن، فإن أحد الافتراضات الأساسية الأخرى لدى الولايات المتحدة هو أن إيران ترغب في أن تكون دولة على عتبة القدرة النووية العسكرية.

أي أن تمتلك مستلزمات تصنيع القنبلة بحيث إذا قررت في لحظة ما أن تمضي في هذا الطريق، تتمكن خلال فترة قصيرة من إنجاز ذلك.
وقد رأت مختلف الإدارات الأمريكية، سواء بشكل مباشر أو تحت تأثير ضغط “إسرائيل” ولوبي “إسرائيل” داخل الولايات المتحدة، وأيضا بدعوى تجنّب تشكّل سباق نووي في المنطقة، أنه ينبغي منع تحقق كلا الاحتمالين المذكورين أعلاه.

وخلال السنوات الخمس عشرة إلى العشر الماضية، كانت هناك مقاربتان مختلفتان لتحقيق هذا الهدف من قبل إدارتي أوباما-بايدن من جهة، والإدارة الحالية لترامب من جهة أخرى.

فقد كانت إدارتا أوباما-بايدن تعتقدان أن من الممكن احتواء البرنامج النووي الإيراني من خلال تخصيب اليورانيوم بنسبة وحجم منخفضَين، وليس بالضرورة أن يكون هذا الهدف ممكنا فقط من خلال منع التخصيب تماما في إيران. 

وكانت نتيجة هذه المقاربة هي التوصل إلى اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة (برجام).
وبما أنه لم تُجرَ مفاوضات بين إيران وأمريكا في عهد إدارة ترامب الأولى، فلا يزال الأمر غير واضح لي على الأقل، هل كانت تلك الإدارة ستطالب أيضا بوقف التخصيب في إيران في حال جرت مفاوضات أم لا؟

تصوري في تلك الفترة، استنادا إلى تصريحات مسؤولي تلك الإدارة، هو أن ترامب كان يريد فقط إدخال بعض التعديلات الطفيفة على الاتفاق النووي بطريقة تُمكّنه من تسويقه كاتفاق خاص به لقاعدته الانتخابية في الداخل.
وبالطبع، أضيف هنا أيضا أن إدارة بوش في العقد الأول من الألفية الثانية كانت قد اشترطت لبدء المفاوضات مع إيران أن توقف إيران تخصيب اليورانيوم.

على أي حال، التصور السائد لدى إدارة ترامب حتى هذه اللحظة هو أنه إذا استمر التخصيب في إيران، وبقيت البنى التحتية المرتبطة به قائمة، فإن إيران قد تقرر في المستقبل، استنادا إلى هذه البنى، أن تبدأ التحرك نحو تصنيع القنبلة في أي وقت تريده.

إذا كانت الولايات المتحدة تقول إنه يجب ألا يكون هناك تخصيب، وتقول إيران إن التخصيب هو خطنا الأحمر، فكيف يمكن حل هذا الخلاف الجوهري؟
حل مثل هذا الخلاف صعب للغاية، وحتى الآن لم يبدُ أن هناك طريقا واضحا في نظر أحد، والمشكلة الرئيسية والعقدة الأساسية في المفاوضات حاليا هي هذه بالضبط.
المسألة هي أن كلا البلدين قد حدّدا خطا أحمر في هذا المجال، وتجاوزه – لأسباب متعددة، منها مقتضيات السياسات الداخلية – إذا لم يكن مستحيلا، فإنه على الأقل صعبٌ للغاية.

هناك احتمال، بطبيعة الحال، أن يرضى الطرفان بحلّ مؤقت أو مرحلي لتجنّب توقف المفاوضات، بحيث يجري التفاوض حول قضايا مهمة أخرى، ويُؤجَّل التفاوض بشأن التخصيب إلى نهاية المسار.

ولكن إذا لم يكن هناك أي تفاهم أصلي على جوهر الموضوع، فلماذا تستمر المفاوضات إذن؟ هل يخشى الطرفان من إعلان فشل المفاوضات؟


الواقع هو أن كلفة وقف المفاوضات وإعلان فشلها عالية جدا بالنسبة إلى كلا الطرفين، ولذلك فإن من الصعب عليهما قبول إعلان الفشل.
في مثل هذه الحالة، قد تتعرض إدارة ترامب لضغوط من التيارات المتشددة من أجل القيام بتحرك عسكري، وهي تَتَحرّج من ذلك.
أما إيران، فهي واقعة تحت ضغوط من جوانب مختلفة، منها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، وأنواع من الاختلالات، ومشكلة رأس المال الاجتماعي… ويُفترض أنه في حال توقفت المفاوضات، فإن هذه المشكلات ستتفاقم.
ولهذا السبب، أعتقد أن الطرفين يحاولان إبقاء المفاوضات مستمرة، أعتقد أن من وجهة نظر إيران، من المهم للغاية استمرار المفاوضات، حتى وإن كانت من دون إنجاز كبير، وتجنّب توقفها بأي ثمن.

إن مرور الزمن واستمرار المفاوضات حتى الآن كان في صالح الطرفين.
لكن، في حال استمرار الخلاف حول التخصيب، فإن رغبة الولايات المتحدة في وقف المفاوضات وتشديد الضغوط ستزداد.

هل يوجد حل مناسب يُرضي الطرفين الإيراني والأمريكي؟


في ما يتعلق بالتخصيب، ومع تأكيد كلا الطرفين أن هذه القضية تشكّل خطا أحمر بالنسبة لهما، يصعب العثور على حلّ تكون نتيجته أن يتم التخصيب في إيران وفي الوقت نفسه لا يتم.

العقدة الأساسية في حلّ مثل مقترح “الكونسورتيوم” أيضا هي هذه: هل ستكون المنشآت المتعلقة بالتخصيب قائمة على الأراضي الإيرانية أم على أراضي أحد شركاء الكونسورتيوم؟

بالطبع، الكونسورتيوم يواجه مشكلات أخرى أيضا، من ضمنها المشكلات الجدية في العلاقات بين الدول التي يُتوقّع أن تكون مرشحة للمشاركة في الكونسورتيوم.

لكن، وكما قلت، إذا توفرت الإرادة السياسية اللازمة، يمكن للطرفين أن يُواصلا المفاوضات في الوقت الحالي بالتركيز على قضايا أخرى، وتأجيل موضوع التخصيب إلى نهاية الطريق.

يرى بعضهم أن إيران تسعى لكسب الوقت، هل توافق على هذا الرأي؟
لا أوافق على هذا التصور، الذي تكرّره كثيرا تحليلات بعض المراقبين في الخارج.
على العكس، أعتقد أن مرور الوقت ليس في مصلحة إيران، لأن إيران، في المقام الأول، هي التي تخضع للعقوبات، وكلما مرّ مزيد من الوقت، تزداد الأضرار الناتجة عن العقوبات على الشعب والنظام. ثم، ما الهدف من أن تشتري إيران الوقت؟!

إذا كان التصور هو أن إيران تسعى لكسب الوقت إلى أن يحين موعد آلية الزناد وينقضي، فهذا تصور خاطئ للغاية.

إذا اقتربنا من المهلة المذكورة ولم يتم التوصل إلى اتفاق، فلا ينبغي الشك في أن الغرب لن يتردّد في تفعيل الزناد.

بشكل عام، أعتقد أننا لا نملك فرصة للاستمرار في هذه المفاوضات إلى ما بعد منتصف، أو في الحد الأقصى، أواخر أغسطس.

 بعد ذلك، من المحتمل أن يبدأ الغرب عملية تفعيل آلية الزناد، والتي تستغرق نحو شهرين.
بالطبع، خلال هذين الشهرين، سبتمبر وأكتوبر، يمكن للمفاوضات أن تستمر، لكن في ظلّ تفعيل مسار آلية الزناد، وعلى أساس الافتراض بأنه إذا تم التوصل إلى تفاهم، فإن هذا المسار سيتوقف.

 ومن المحتمل أيضا أن يُطرح تمديد قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي تنتهي صلاحيته في 18 أكتوبر/تشرين الأول، على جدول الأعمال.