- زاد إيران - المحرر
- 34 Views
تتزايد حدة التوترات داخل البرلمان الإيراني، وسط مشاهد تتكرر وتعيد إلى الأذهان أزمات سابقة عاشتها الحكومة الحالية منذ أيامها الأولى. في جلسات يغلب عليها الطابع السياسي أكثر من التشريعي، تتحول منابر النواب إلى ساحة اتهامات مفتوحة، حيث تُستخدم القوانين كأدوات ضغط، وتُطرح ملفات شخصية لتقويض خصوم سياسيين. وفي قلب هذه السجالات، يبرز قانون مثير للجدل بات كالسيف المسلط على رقاب مسؤولي الحكومة.
فخلال جلسة البرلمان التي عقدت الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2025، هاجم البرلماني الأصولي، حميد رسائي، النائب الأول لرئيس الجمهورية، محمد رضا عارف، وذلك بسبب جنسية أبنائه، حيث صرح بأن “السيد عارف يعاني من المشكلة نفسها التي واجهها ظريف، بل أشد”.

وأضاف النائب: “يحمل نجل عارف جنسية أجنبية، وقد تحدثت معه وأخبرته أنني سأنتظر إذا كان لديه حل، لكنه كان مستاء جدا من هذا القانون! لا يصح أن ننام مساء ونستيقظ صباحا لنسأل، أو ننام ونستيقظ لنقدّم طلب استجواب، أو ننام ونستيقظ ونطالب بتفعيل المادة 234”.

وأوضح رسائي أنه تابع الموضوع نفسه لعدة أشهر من دون أن يُصدر تنبيها، على أمل أن يُطبّق القانون بطريقة ما، الأمر الذي لم يحدث، كما تحدث أيضا عن أن وزير الاقتصاد المرشح من قبل الحكومة يواجه نفس المشكلة، فقال: “والآن الوزير المقترح لحقيبة يواجه المشكلة نفسها. وقد انتشرت شائعات بأنه تم استثناء الوزير من القانون. هذا غير صحيح؛ القانون لم يستثنِ الوزير. وفقًا للفقرة الخامسة، فإن الحالات التي حدد لها الدستور ترتيبات خاصة تخضع لقرار الجهة المخولة”.
وأشار إلى تعامل المجلس مع قضية ظريف قائلا: “كيف تعامل المجلس مع ظريف؟ هل يمكن للمجلس أن يتعامل بازدواجية؟ كيف ستُجيبون الشعب؟ لا فرق عندي إن كان الشخص هو ظريف أو عارف، إصلاحيا أو أصوليا، حتى عندما كان رئيس بلدية قم، وهو أصولي، يحمل جنسية أجنبية، سألت الوزير المعني لماذا لم تلغِ قراره؟ قاوم قليلًا، لكن بعد حديث زملائه، قدّم رئيس البلدية استقالته بعد شهور من المقاومة. يا سيد قاليباف، توقيعك موجود تحت هذا القانون؛ هذا القانون من أفضل القوانين التي أقرها البرلمان ويجب تطبيقه على الكل”.
جدير بالذكر أن رسائي كان قد كتب على حسابه بمنصة إكس، الأحد 8 يونيو/حزيران 2025، بخصوص جنسية نجل وزير الاقتصاد، قائلا: “اليوم تابعت شفهيا من وزارة الاستخبارات مسألة الاستعلام عن وضع مدني زاده وموضوع جنسية ابنه، وقالوا إن نتيجة الاستعلام إيجابية، وإنه تقدم بطلب لإلغاء جنسية ابنه، لكن الإلغاء لم يتم بعد، وبافتراض صحة الرد الشفهي، فإن السيد مدني زادة لا يمتلك حاليا الأهلية القانونية بسبب عدم إلغاء جنسية ابنه حتى الآن”.

وتابع: “على وزارة الاستخبارات أن توضح موقفها لنفسها ولنا أيضا، هل القانون لا يملك أي اعتبار لديها؟ عندما لا يزال الابن يحمل جنسية أجنبية، ووفق القوانين الأميركية لا يمكن إلغاء الجنسية قبل بلوغ سن الـ 18، فبأي أساس أعلنت الوزارة أن نتيجة الاستعلام إيجابية؟ وهل يتم التعامل مع استعلامات الآخرين بالطريقة نفسها؟ ولماذا وافق قاليباف على ذلك؟”.
وفي أعقاب هذه التصريحات، اعترض النائب مهرداد لاهوتي على منعه من الحديث، بينما سُمح برسائي بالتطرق إلى قضايا سياسية، الأمر الذي اعتبره لاهوتي مخالفة ضمن مخالفة، مشيرا إلى أن المجلس كان يناقش قضايا تقنية متعلقة بالحوادث وتطبيق المادة 234، إلا أن رسائي اتجه نحو تسييس النقاش دون رد فعل من رئاسة المجلس.

في المقابل، تدخّل رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، مؤكدا أن النظام الداخلي سيتم تطبيقه بحذافيره، ولن يُسمح لأي نائب بالتحدث خارج جدول الأعمال تحت أي مسمى، سواء أكان تنبيهًا أم إخطارًا.
مشهد ظريف يتكرر مرة أخرى
لم تكن تلك التصريحات، ومن رسائي نفسه، بجديدة على البرلمان الإيراني، فمنذ بداية تولي الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في سبتمبر/أيلول 2024، إلى مارس/أيار 2025، كان محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الأسبق ونائب الرئيس للشئون الاستراتيجية، في مرمى النيران، وذلك بسبب جنسية أبنائه ومخالفتها للقانون الإيراني، الأمر الذي دفع ظريف إلى تقديم استقالته عدة مرات كانت آخرها في مارس/أيار 2025.

تصفية حسابات أم انتقام انتخابي؟
مع تصاعد الحملة ضد رموز الحكومة، بدأت تساؤلات تُطرح حول الدوافع الحقيقية لما يجري. هل هي تطبيق للقانون أم تصفية حسابات سياسية؟
بهذا الشأن، كتبت صحيفة آرمان ملي الإصلاحية في عددها الصادر الأربعاء 11 يونيو/حزيران 2025، توصف ما يحدث من قبل التيار الأصولي بانه حملة ممنهجة، فتقول: “لا يزال الأصوليون غير قادرين على تقبل هزيمتهم في الانتخابات الأخيرة، ومنذ تسعة أشهر على تولّي حكومة بزشكيان لم يتوانوا عن بذل كل جهد لتصوير الحكومة على أنها عاجزة، وزرع الاستياء في نفوس الناس تجاه أدائها”.

وتكمل الصحيفة: “يقول محمد مهاجري، الناشط الأصولي، أن التيار الأصولي في البرلمان يعاني من أزمة في الشرعية والمقبولية، فالتيار الذي أتى أساسا من أصوات 4% فقط من الشعب، من الطبيعي أن يُنظر إلى أي قرار يتخذه على أنه يفتقر إلى المشروعية في نظر الرأي العام”.
وتتابع: “ويضيف مهاجري أن التيار الأصولي ينتقم من الحكومة الجديدة بسبب فشل مرشحهم في نيل الأصوات. ومن الطبيعي أن تواجه الحكومة ردود فعل مختلفة أمام مثل هذه الهجمات، أولا أن تتخذ موقفا دفاعيا، أو ثانيا أن تتخذ موقفا هجوميا. ولكن البرلمان نفسه ينتظر مثل هذه الأمور حتى يستغلها كسلاح للاستجواب أو المساءلة بهدف الضغط على الحكومة وإزعاجها، لذلك فإن اقتراحي هو أن تتعامل الحكومة مع ردود الفعل المتشددة بالصمت التام، وألا تدخل في اللعبة التي وضع المتشددون قواعدها”.
ما هو قانون شغل المناصب الحساسة؟
يُثير قانون منع شغل المناصب الحساسة لمن لهم أقارب من أصحاب الجنسيات المزدوجة جدلا واسعا في الأوساط السياسية الإيرانية، وسط اتهامات باستغلاله لتصفية حسابات داخل السلطة، حيث القانون ينصّ على منع تعيين المسؤولين في مواقع حساسة إذا كان أحد أفراد أسرتهم يحمل جنسية أجنبية، تحت ذريعة حماية الأمن القومي وضمان الولاء الكامل للدولة.

لكنّ هذا النص التشريعي يواجه انتقادات حادة لعدم وضوحه، إذ لم يحدد بدقةٍ مفهوم المناصب الحساسة، ما يفتح المجال لتفسيرات متباينة وتأويلات سياسية. كما يُطرح تساؤل آخر حول ما إذا كان القانون يسري بأثر رجعي، خاصة على المناصب التي تتم عبر التكليف لا التعيين الرسمي.
ويرى مراقبون أن بعض النواب المتشددين يستخدمون هذا القانون كأداة لتعطيل أداء الحكومة، وليس لحماية الأمن كما يُزعم، في هذا السياق، يعتبر كثيرون أن الهدف الحقيقي من التلويح بالقانون هو إضعاف السلطة التنفيذية والضغط على رئيس الجمهورية، في ظل التوتر القائم بين البرلمان والحكومة.