- ربيع السعدني
- 185 Views
في ختام الدورة الثامنة والسبعين من مهرجان كان السينمائي الدولي، فاز فيلم المخرج الإيراني جعفر بناهي (It Was Just an Accident) أو “كان مجرد حادث” بالسعفة الذهبية وهو عمل إنساني بليغ في مدته، عميق في مضمونه، لتذهب الجائزة الأولى في المهرجان العريق لمخرج كان ممنوعا من الإخراج ومغادرة إيران منذ أكثر من 15 عاما.
ويأتي هذا الفوز استمرارا لمسيرة استثنائية للموزع المستقل نيون، الذي دعم حتى الآن آخر ستة أفلام فائزة بالسعفة الذهبية، اختارت “نيون” فيلم “كان مجرد حادث” للتوزيع في أمريكا الشمالية بعد عرضه الأول في مهرجان كان، بعد فوز أفلام “طفيلي- Parasite” و”تيتان- Titane” و”مثلث الحزن- TRIANGLE OF SADNESS” و”تشريح السقوط- Anatomy of a Fall” و”أنورا- Anora”.
من هو مخرج الفيلم؟
الفيلم الإيراني من إخراج المخرج البارز جعفر بناهي، الذي عُرف بأفلامه الجريئة التي تنتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية في طهران، تمكن من حضور المهرجان شخصيا للمرة الأولى منذ 15 عاما، مما أضاف رمزية خاصة لفوزه وتدور أحداثه حول قصة انتقام مليئة بالتوتر، حيث يتناول قضايا معقدة مثل الحرية الفردية والقمع الاجتماعي، مع تقديم رؤية سينمائية متميزة تجمع بين الأسلوب الوثائقي والروائي.

وفي لحظة التكريم، قدمت النجمة الأسترالية كيت بلانشيت الجائزة إلى جعفر بناهي الذي سُجن في إيران قبل ثلاث سنوات، وأضرب عن الطعام، على مدار أكثر من 15 عاما، ورغم ذلك واصل حلمه بأن أنتج أفلاما في الخفاء في بلده الأم، بما في ذلك فيلم “هذا ليس فيلما” الذي صوّره في غرفة معيشته، وفيلم ” تاكسي” الذي تدور أحداثه بالكامل داخل سيارة.

وبعد إعلان فوز فيلم “كان مجرد حادث”، استقبله الجمهور بحفاوة بالغة ورفع بناهي ذراعيه وانحنى إلى الوراء غير مصدق لما حدث، ثم صفق لفريقه ولمن حوله، وعلى خشبة المسرح، استقبلته رئيسة لجنة التحكيم في مهرجان كان جولييت بينوش بالهتافات، وهي التي كانت قد رددت اسمه في المهرجان عام 2010 عندما كان تحت الإقامة الجبرية.
خلال كلمته على خشبة المسرح، دعا مخرج الفيلم جعفر بناهي إلى الوحدة والحرية الفردية، قائلا: “دعونا نتحد معا، لا ينبغي لأحد أن يجرؤ على أن يملي علينا أي نوع من الملابس يجب أن نرتديه، أو ما يجب أن نفعله أو ما لا يجب أن نفعله، السينما مجتمع لا يحق لأحد أن يملي علينا ما يجب أن نفعله أو نمتنع عن فعله”.
وختم كلمته قائلا: “دعونا نستمر في الأمل”، هذا التصريح يعكس الروح الثورية لفيلمه، الذي يتحدى القيود الاجتماعية والسياسية وعلى الرغم من صرخة بناهي من أجل الحرية، فقد أكد أن الحياة في المنفى لا تناسبه وهو يخطط للسفر إلى طهران عقب الحفل.
تصريحات جعفر بناهي بعد حصوله على السعفة الذهبية نقلتها قناة راهبارد تيليجرام، وترك هذه الوصية عبر منصة مهرجان كان السينمائي: “أطلب من جميع الإيرانيين من جميع المعتقدات والأديان، داخل البلاد وخارجها، الذين يناضلون من أجل الحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية، أن يضعوا خلافاتهم جانبا، المهم هو بلدنا ووحدة بلادنا”.
وجاء الحفل الختامي للمهرجان بعد فترة وجيزة من انقطاع التيار الكهربائي الكبير الذي ضرب جنوب شرقب فرنسا يوم السبت 24 مايو/أيار 2025، والذي تعتقد الشرطة أنه ربما يكون ناجما عن حريق متعمد، وقد تم إصلاح العطل الكهربائي في مدينة كان قبل ساعات فقط من بدء وصول النجوم على السجادة الحمراء.

يُعد “كان مجرد حادث” إنجازا كبيرا للسينما الإيرانية، حيث يسلط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية حساسة، مما جعل فوزه بجائزة السعفة الذهبية حدثا بارزا في تاريخ المهرجان.
أقيمت الدورة رقم 78 من مهرجان كان السينمائي في مايو/أيار 2025، وسط أجواء حافلة بالأعمال السينمائية المبتكرة وشهد المهرجان مشاركة أفلام متنوعة من جميع أنحاء العالم، مع تركيز خاص على الأصوات القادمة من الهامش وقد واجه المهرجان تحديات لوجستية، وضمن ذلك انقطاع كبير للتيار الكهربائي في جنوب شرق فرنسا قبل حفل الختام، لكن ذلك لم يمنع نجاح الحدث وتألق الأعمال المشاركة.
أهمية الفوز
جاء هذا الفوز كتتويج لمسيرة بناهي الطويلة في تقديم أعمال فنية ذات مغزى.
يُعد فوز “كان مجرد حادث” بالسعفة الذهبية إنجازا تاريخيا للسينما الإيرانية، حيث يمثل تأكيدا على قدرة المخرجين الإيرانيين على تقديم أعمال ذات تأثير عالمي رغم القيود المفروضة عليهم، ولاقى فوز الفيلم ترحيبا واسعا، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي وعبر مختلف وسائل الإعلام العالمية، حيث أشاد النقاد والجمهور بالعمل، كتب الناقد أندرو محسن مراجعة سينمائية عن الفيلم، مشيرا إلى قوته الفنية والفكرية.

كما شاركت شخصيات بارزة مثل كيت بلانشيت وجولييت بينوش في الاحتفاء بالفيلم، مما عزز من حضوره الدولي.
عن الجائزة
السعفة الذهبية هي جائزة مرموقة تُمنح منذ عام 1955، وتُعتبر رمزا للتميز السينمائي، صُممت الجائزة لأول مرة على يد المصمم لوسيان لازون، مستوحاة من شعار مدينة كان. على مر السنين، فازت بها أفلام بارزة؛ مثل “مارتي” (1955)، و”حياة أديل” (2013)، و”ديبان” (2015)، و”مثلث الحزن” (2022)، و”تشريح السقوط” (2023)، فوز “كان مجرد حادث” يضعه ضمن هذه القائمة الموقرة، مؤكدا على جودته الفنية وقوته التعبيرية.
رمزية الفيلم
“كان مجرد حادث” ليس مجرد فيلم سينمائي، بل هو بيان فني وسياسي يعكس تحديات المجتمع الإيراني ويدعو إلى الحرية والتضامن من خلال أسلوبه السينمائي المميز، ينجح بناهي في إيصال رسالته إلى جمهور عالمي، مما يجعل الفيلم ليس فقط فائزا بجائزة، بل صوتا قويا للتغيير.

هذا الفوز يُبرز أهمية السينما كوسيلة للتعبير عن القضايا الإنسانية، ويمثل لحظة تاريخية للسينما الإيرانية وللمخرج جعفر بناهي من خلال قصته القوية وأسلوبه الفني المبتكر، لإلهام الجمهور والنقاد على حد سواء، مؤكدا على دور السينما والفن العابر للحدود في مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية، وهذا الفوز ليس فقط تكريما لعمل سينمائي إيراني استثنائي، بل هو شهادة على قوة الفن في تحدي القيود وإلهام التغيير.