في ظل تصاعد تحركات المتشددين ومعارضي الاتفاق النووي الإيراني ضد المسار الدبلوماسي الحكومي، يؤكد محمد عطريانفر، عضو المجلس المركزي لحزب كوادر البناء، في حوار أجرته معه وكالة “خبر أونلاين” يوم الأحد 8 يونيو/حزيران 2025، خطورة ترك القضايا المهمة في قبضة التنافسات والصراعات الداخلية التي تهدد أمن إيران ومستقبلها.
نص الحوار:
في الآونة الأخيرة، تصاعدت تحركات المتشددين ومعارضي الاتفاق النووي ضد المسار الدبلوماسي الذي تنتهجه الحكومة.. برأيكم، ما الذي يقف وراء هذا النشاط المتزايد؟
في ما يتعلق بالقضايا الوطنية للبلاد، من غير المنطقي أن تُخضع المصالح الوطنية للتأثيرات الناتجة عن التنافسات، والمعارضات، والصراعات الداخلية بين التيارات.
هذا منطقي وحتمي وومسلّم به، وإذا ما تمّ العمل بخلاف هذا المبدأ، وسُمِح بأن تقع القضايا الوطنية تحت وطأة الألعاب والتنافسات الداخلية، فإن ذلك سيؤدي إلى كارثة.
كما أن الملف النووي الإيراني، منذ نشأته في عام 2003 وحتى الآن، أي بعد مضي 22 عاما، كان دائما عرضة لهذا النوع من الضغوط الناجمة عن المعارضات الهشّة، وقد ألحقت ضررا بالغا بالمصالح الوطنية للبلاد.
ومن خلال نظرة سريعة إلى خلفية النزاعات النووية، يمكن إدراك أنه في الفترات التي كان من الممكن فيها، بعيدا عن تحديات المتشددين، تحقيق مكاسب شاملة وأكثر فاعلية لصالح البلاد، فإننا اليوم، بسبب هذا النمط من ردود الفعل المتشددة، التي تفتقر إلى الأساس، وغير المتخصصة، والراديكالية، والمتسرعة من قِبل بعض المدعين في الداخل، لم نتمكن فقط من الحفاظ على المكاسب الدنيا التي تحققت في الفترات السابقة، بل إن استيفاء الحد الأدنى من تلك المكاسب قد تحوّل إلى أحلام وطنية.
من الطبيعي أنه لو تمكن النظام المعني بصنع القرار من السيطرة على السلوكيات المتشددة والراديكالية في الماضي، لكان مصير النزاع النووي قد حُسم وأُغلق آنذاك، ولكان قد حقق إنجازات أكبر.
ومن المؤكد أن المصاعب والمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الناس اليوم كانت ستكون أقل بكثير. لا ينبغي للمسؤولين المعنيين في المستويات العليا من السلطة أن يسمحوا بوقوع ردود فعل متطرفة.
فلنفترض أن حادثة ما تؤدي إلى قلق شعبي وتهدد أمن البلاد؛ ما هو رد فعل المسؤولين المعنيين أمام مثل هذه الوقائع المضادة للأمن؟ ألن تُسخّر كل الطاقات الوطنية للنظام لمنع وقوع حادثة أمنية!؟
من وجهة نظرنا، فإن القضايا النووية وما يدور حولها، تُعدّ حتى أهم من القضايا التقليدية غير الأمنية التي تهدد المجتمع، لذلك، لا ينبغي السماح بأن تتحوّل ساحة السياسات والتقييمات الفنية والدبلوماسية النووية إلى ميدان للتنافس وتصفية الحسابات بين التيارات اليسارية واليمينية، المعتدلة والراديكالية، مثل هذا الخلل سيلحق الضرر بالتدابير الأمنية العليا للبلاد.
وفي ما يتعلق بالإذاعة والتلفزيون، يجب التأكيد على أن الوسيلة الإعلامية الوطنية هي ناطق النظام السياسي الإيراني، وتعكس وجهات النظر الرسمية للبلاد.
يجب أن تكون الوسيلة الإعلامية الوطنية ساحة لتبرير الرأي العام وتعزيز أمن البلاد، وإذا ما تجرأ بعض مدراء الإذاعة والتلفزيون على أن يسمحوا لأنفسهم، من دون الاكتراث للمصالح الوطنية، بأن يفتحوا هذه المنصة وهذا الجهاز الإعلامي الترويجي أمام المتشددين والراديكاليين، فإنهم بلا شك سيُلحقون ضررا بالرؤية العليا للقيادة والسياسات الكبرى للنظام في مقاربة حل النزاع النووي، وهذه الإشكالية المحتملة تُعد مؤشرا على ابتعاد الإذاعة والتلفزيون عن مهمتها الأساسية.
وفي مثل هذه الظروف، يجب أن تُوجَّه من قِبل المسؤولين الكبار في النظام إنذارات أكثر جدية إلى مسؤولي الوسيلة الإعلامية الوطنية، من أجل الحيلولة دون الدخول غير التخصصي وغير العلمي في موضوع مضى على انشغال البلاد به عشرون عاما.
عُقد يوم السبت 7 يونيو/حزيران ملتقى بعنوان “لماذا النووي؟” من قبل معارضي المفاوضات والاتفاق النووي.. برأيكم، ما الرسالة التي تنقلها هذه الخطوة للطرف المقابل في المفاوضات؟
لا أعلم بدقة ما يدور في أذهان أولئك الذين يُعدّون لمثل هذه البرامج، ولكن إذا كانت هذه الإجراءات تأتي في إطار السياسات التي يضعها مدراء راديكاليون في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، فإن هذا المسار محكوم عليه بالفشل ويشوبه الخلل، ويجب وقفه.

أما إذا كان أولئك الذين أوكلت إليهم المهمة الأساسية للخروج من المآزق النووية، وبحسب التدابير التي قد تكون مألوفة في ميدان السياسة، قد رأوا أن من المفيد بعد عشرين عاما من الشد والجذب، أن يعلو صوت غير حكومي يعارض خطاب المفاوضين، في محاولة لاستثمار هذا التقابل كي يمتلك الطرف الإيراني المفاوض ورقة قوة، فإن هذا مجرد افتراض بعيد كل البعد عن الواقعية.
وكما في السابق، يجب التنبيه إلى أن تجربة المجرّب خطأ، إن الظن بأن فتح المجال للراديكاليين كي يشكّكوا في جهودنا الدبلوماسية سيساهم في تقوية موقفنا التفاوضي، هو تصور خاطئ.
اللغة التي تُستخدم اليوم في محادثات وزير الخارجية الإيراني عراقجي مع الأطراف الأجنبية، سواء الأوروبيين أو دول المنطقة مثل عُمان، أو الولايات المتحدة، لا تحتاج إلى مثل هذه الأساليب المفبركة التي يصوغها المتشددون.
إلى أي مدى تُعدّ الخلافات بين إيران والولايات المتحدة جديّة؟ وما توقّعكم لمصير المفاوضات غير المباشرة؟
ليست لدي معلومات خاصة عن تفاصيل المفاوضات، لكنني أشعر أنه بالنظر إلى الأحداث المؤلمة التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط خلال عام 2024 — وضمن ذلك تضرّر حركة حماس، والهجمات المتكررة من قبل إسرائيل على لبنان، والاشتباكات المباشرة بين إيران وإسرائيل، وإطلاق الصواريخ الإسرائيلية على إيران، والتقابل الإيراني، وتضرر حزب الله، ومقتل حسن نصرالله وهاشم صفیالدین — حين نضع مجموع هذه التطورات والأحداث جنبا إلى جنب، وبالنظر إلى الضغوط النفسية والاقتصادية القائمة في المجتمع، والتي يتجلى أثرها بوضوح في انخفاض القدرة الشرائية للناس، فإن استنتاجي هو أن النظام السياسي في إيران وكبار المسؤولين في البلاد قد اتخذوا قرارا حاسما لعبور هذا المنعطف التاريخي، وإخراج إيران من الأزمة النووية.
ويبدو أن يد المفاوضين اليوم أكثر انفتاحا مقارنة بالماضي، وذلك لأن النهج القائم على “رابح-رابح” الذي طُرح سابقا، يمكن أن يُخرجنا من هذا المأزق.
هذا الطرح يعني أن تصل إيران إلى قدر من الرضا النسبي، وفي الوقت نفسه، لا تشعر الدول الغربية — وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة — بالقلق من احتمال حصول إيران على سلاح نووي أو خروجها من قواعد ورقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي مثل هذا السياق، يمكن، من خلال تهيئة مناخ من التهدئة، التوصل إلى اتفاق شامل ومستدام، بطبيعة الحال، فإن تفاصيل هذا الاتفاق، وأبعاده، وجودته، ومداه الزمني، هي مسائل لا نعرفها، وليس من المصلحة الشخصية أو الوطنية أن نعرفها، فهذه المعلومات في يد فريق التفاوض، وهم من يجب عليهم إدارة هذا المسار على أعلى المستويات من الحوار.
هل هناك احتمال للتوصل إلى اتفاق مؤقت؟
انطباعي هو أننا في خضم مرحلة ثقيلة وصعبة، وإذا لم نصل في هذه المفاوضات إلى تفاهم واتفاق ثنائي منطقي، فإن مستقبل البلاد وعلاقاتها مع العالم المحيط سيبقى مجهولا بالنسبة إلينا.
لا أحد يعلم ما الحدث الذي قد يقع، وما المصير الذي قد ينتظر الأمن القومي والبلاد، هذه الحقيقة تدفع كل إنسان عاقل في ميدان الدبلوماسية إلى أن يدرك بأن مسار المفاوضات يجب أن يتجه نحو اتفاق مستدام على المستويين العالمي والإقليمي، خاصة مع الدول التي يمكن أن تكون في آنٍ معا مصدرا للفرص والمكاسب، أو قد تشكل عبئا وتكاليف.