صحيفة أصولية ترصد “مخاطر” التناول  “غير المسؤول” لجولة مفاوضات إيران والولايات المتحدة 

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين 

نشرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الأصولية، السبت 12 أبريل/نيسان 2025، تقريرا استعرضت فيه خطوة “الاستهانة أو التقليل” بمسار مفاوضات إيران والولايات المتحدة، وكيف يمكن أن تؤدي الروايات المبالغ فيها- سواء من المتفائلين أو المعارضين للمفاوضات- إلى نتائج سلبية على الصعيدين الداخلي والدولي، كما يناقش  التقرير تأثير هذه التحليلات على الثقة الاجتماعية والموقف السياسي لإيران.

ثمانية مخاطر في التحليل السطحي لمفاوضات إيران والولايات المتحدة 

نشرت صحيفة فرهيختكان أنه في المشهد السياسي والإعلامي الإيراني هذه الأيام تبرز مقاربتان سائدتان في التحليلات السطحية إزاء العلاقة مع الولايات المتحدة، تحملان في طياتهما تبعات اجتماعية وسياسية ملحوظة، فمن جهة هناك فئة تبالغ في التفاؤل وتصوغ روايات مبالغا فيها لترسم آفاقا غير واقعية للمفاوضات.

ومن جهة أخرى، هناك من يتبنون رؤية مطلقة ترفض أي شكل من أشكال التفاوض أو التفاعل دون أن يقدموا بدائل عملية قابلة لتطبيق الحلم بالاستثمار الأجنبي من جانب الولايات المتحدة ورفض أي مفاوضات بشكل مطلق في وقت تستعد فيه البعثة الدبلوماسية الإيرانية للانطلاق نحو عمان لبدء المفاوضات، يعدان مثالين على أخطاء تحليلية قد تترتب عليها عواقب متعددة تهدد فريق التفاوض الإيراني ومجتمعا يعلق آماله على نتائج تلك المفاوضات.

وفي هذا التقرير إضافة إلى استعراض بعض هذه الأخطاء سيتم التطرق إلى ثمانٍ من أبرز النتائج السلبية المحتملة لهذا المسار من التحليل:

الحلم بالاستثمار الأمريكي في إيران

تابعت الصحيفة أن من أبرز الموضوعات التي يتم الترويج لها خاصة في الإعلام الإصلاحي، فكرة الاستثمار الأجنبي لا سيما الأمريكي، بعد توقيع أي اتفاق محتمل. لا شك أن الفكرة القائلة بأن توقيع الاتفاقات الاقتصادية قد يجعل الاتفاقات السياسية أكثر استدامة، منطقية وقابلة للدفاع عنها.

فإيران التي عانت طويلا تحت وطأة العقوبات الاقتصادية من حقها أن تطالب خلال المفاوضات الدولية بالتعويض عن الخسائر الاقتصادية والسعي لجذب الاستثمارات حتى من الولايات المتحدة نفسها.

لكن بعض الوسائل الإعلامية تطرح هذه الفكرة بشكل مبالغ فيه كأن توقيع أي اتفاق سيجعل عمالقة التكنولوجيا العالمية يندفعون فورا نحو السوق الإيرانية ليصبح اقتصاد البلاد جزءا من القرية العالمية الأمريكية. هذه الرواية الحالمة- لا سيما في ظل الظروف الراهنة التي فرضت فيها أمريكا رسوما جمركية إضافية وزادت من تكلفة الإنتاج خارج حدودهاـ تبدو أبعد ما تكون عن الواقع.

فعلى سبيل المثال سارعت شركات مثل آبل إلى إعادة كميات ضخمة من منتجاتها التي صنعت خارج الولايات المتحدة إلى الداخل قبل سريان السياسات الجديدة؛ لتفادي الخسائر المترتبة على التعريفات الجمركية. في ظل هذه الظروف فإن الترويج لفكرة استثمار واسع النطاق دون الالتفات إلى العقبات العملية مثل العقوبات والمخاطر السياسية وحالة عدم اليقين الاقتصادي لن يؤدي إلا إلى خلق توقعات غير واقعية لدى الناس.

أردفت الصحيفة أن تبسيط الروايات المتعلقة بالمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة- سواء من قبل المتفائلين المفرطين أو الرافضين المطلقين للتفاوض- قد يحمل تبعات سياسية واجتماعية واقتصادية جسيمة على البلاد. المقاربة الأولى تغذي توقعات غير واقعية تؤدي إلى تآكل الثقة العامة بالمؤسسات السياسية والإعلامية.

وإذا لم تتحقق هذه الوعود- وهو أمر وارد؛ نظرا إلى تعقيدات الدبلوماسية ونكث العهود من الجانب الآخر- فإن المجتمع سيواجه موجة من الإحباط وفقدان الأمل. أما المقاربة الثانية فبرفضها المطلق لأي مرونة في السياسة الخارجية تحرم إيران من فرص محتملة وتدفع بها نحو العزلة.

وتابعت أن هذه المخاطر لا تضعف اللحمة الداخلية فحسب، بل تضعف أيضا موقف إيران على الساحة الدولية وتمنح الخصم فرصة للنجاح في حربه النفسية والضغوط الدبلوماسية.

وفيما يلي استعراض  لأبرز ثمانية من هذه المخاطر:

خلق آمال كاذبة ثم توليد يأس اجتماعي

 قالت الصحيفة إن من أخطر تبعات تبسيط الروايات، زرع آمال زائفة في المجتمع عندما تقدم وسائل الإعلام أو القوى السياسية صورة متفائلة مفرطة لنتائج المفاوضات دون اعتبار للمعوقات الواقعية تتكون لدى الناس توقعات غير واقعية، وإذا لم تتحقق هذه التوقعات، وهو أمر وارد جدا بسبب التعقيدات الدبلوماسية ونكث العهود من الطرف الآخر، فإن النتيجة ستكون موجة من الإحباط والخيبة المجتمعية، هذا الإحباط قد يؤدي إلى تآكل الثقة بالمؤسسات السياسية والإعلامية ويضعف من رصيد النظام الاجتماعي.

وحتى لو أفضت المفاوضات إلى نتائج إيجابية، فإن تبسيطها وتهويل التوقعات قد يقوضان من الأثر الاجتماعي لتلك النتائج، فعندما تكون التوقعات العامة أعلى بكثير من النتائج الفعلية فإن النجاحات النسبية أو المحدودة قد لا تحظى بالتقدير الشعبي، بل قد تقابل بالنقد والاستياء، وقد شهدنا هذا بوضوح في عهد حكومة روحاني حين ربط روحاني حتى مسألة توفير مياه الشرب بـ”برجام”، في حين أن كثيرا من مشكلات الاقتصاد الإيراني مثل الاعتماد على النفط والانفلات المالي والهيكل المعطوب للموازنة، كانت لها جذور داخلية.

وأن الاحتفالات الشعبية التي شهدتها الشوارع عقب التوقيع على الاتفاق النووي والتي كانت نتيجة الروايات المتفائلة المفرطة أدت في نهاية ولاية روحاني إلى تراجع كبير في رصيد الثقة المجتمعية. هذا التراجع وصل إلى حد أن عبد الناصر همتي، رئيس البنك المركزي السابق وأحد المقربين من حكومة روحاني، حاول خلال انتخابات 2021، أن ينأى بنفسه عن تلك الحكومة؛ ليتفادى آثارها السلبية.

ربط الاقتصاد بالحالة السياسية

 قالت الصحيفة إن تبسيط الروايات من خلال ربط تحسن الوضع الاقتصادي بنتائج المفاوضات قد يؤدي إلى جعل الاقتصاد الوطني مشروطا بشكل كبير، وتزداد خطورة هذا الأمر خاصة في ظل استغلال الطرف الآخر مثل دونالد ترامب العمليات النفسية بهدف زعزعة استقرار الأسواق الإيرانية.

وأن ترامب يستخدم تصريحات تهديدية بشأن الحرب أو التفاوض للتأثير على أسواق العملة والذهب في إيران، وعندما تربط وسائل الإعلام المحلية الاقتصاد بهذا المسار بتفاؤل مبالغ فيه بشأن نتائج المفاوضات، فإنها تساهم بشكل غير مباشر في استكمال سيناريو العمليات النفسية للطرف الآخر. هذا النهج يؤدي إلى تقلبات غير ضرورية في الأسواق ويزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي، في حين أن الحقائق الفعلية للمفاوضات قد تكون بعيدة عن هذه الروايات.

الضغط غير المنطقي على فريق المفاوضات

أشارت إلى أنه في مقابل التحليل المتفائل، هناك مجموعة أخرى ترفض التفاوض بشكل كامل دون تقديم انتقادات بناءة، مما يضع أي جهد دبلوماسي قيد التساؤل، هذا النهج يسبب ضغوطا اجتماعية غير مبررة على فريق المفاوضات الإيراني من الداخل، مثل هذا الضغط قد يعيق قدرة الفريق على التفاوض بمرونة واتخاذ مواقف منطقية تتماشى مع المصلحة الوطنية.

فالمفاوضات عملية معقدة تحتاج إلى دعم داخلي لكي تنجح، وعندما ترفض مجموعات معينةٌ التفاوض دون تقديم حلول عملية فإنها تقيد المساحة اللازمة للدبلوماسية النشطة، مما يجعل الفريق في وضع حساس.

تسهيل تحميل إيران مسؤولية فشل المفاوضات

في هذه الجولة من المفاوضات يبدو أن الطرف الآخر أكثر اهتماما بتوجيه اللوم لإيران في حال فشلت المفاوضات بدلا من البحث عن نتيجة فعالة. هذه الاستراتيجية يمكن أن تساعد في تبرير خطوات لاحقة مثل تفعيل آلية الزناد أو تشديد العقوبات في الأذهان العامة العالمية، عندما تروج مجموعات في إيران لرفض المفاوضات بشكل مطلق فإنها تسهم بشكل غير مباشر في هذه الاستراتيجية. هذا النهج يمنح الطرف الآخر فرصة أكبر لإغلاق أبواب المفاوضات وتحميل إيران المسؤولية في حال تعثرت.

تعزيز السردية الداعمة للسلام المزعوم

قالت الصحيفة إن ترامب خلال حملته الانتخابية سعى لتقديم نفسه كداعم للسلام من خلال وعده بإنهاء الحروب؛ في محاولة لطمس الجرائم في مناطق مثل غزة واليمن، وعلى الرغم من أن هذه السردية لم تلق قبولا واسعا داخل الولايات المتحدة، حيث شهدنا مظاهرات واعتصامات تعبيرا عن الاستياء من مشاركة الحكومة الأمريكية في الجرائم ضد شعب غزة.

إلا أن الروايات القاسية والمطلقة ضد المفاوضات في إيران قد تساعد في تقوية هذه الاستراتيجية المضللة، عندما ترفض مجموعات في إيران التفاوض بلغة عدائية ودون تقديم حلول عملية فإنها تتيح للطرف الآخر فرصة تقديم نفسه كداعم للسلام بينما تتهم إيران بأنها هي مصدر التوتر.

التركيز فقط على الاتفاق دون استراتيجية تنفيذية

أحد أشكال التبسيط هو التركيز فقط على ضرورة الاتفاق دون تقديم أفكار أو استراتيجيات عملية لتحقيق ذلك، إذا كانت المفاوضات تقتصر فقط على معاهدة قانونية دون آليات تنفيذية حقيقية فلن تحقق أي فائدة ملموسة لإيران، الانتقادات التي يتم توجيهها اليوم إلى الاتفاق النووي “برجام” تتعلق جزئيا بهذا الموضوع.

حيث إن الاتفاق النووي فقد قوته بعد انسحاب الولايات المتحدة وعدم التزام أوروبا بتعهداتها، مما جعل قدرة إيران على استعادة حقوقها محدودة، مع ذلك تقدمت إيران في تنفيذ التزاماتها، بينما تهرب الطرف الآخر من التزاماته. التركيز على الاتفاق دون وضع آليات تنفيذية يزيد من خطر تكرار هذه التجربة الفاشلة.

تحويل جبهة الصراع من الخارج إلى الداخل

اختتمت الصحيفة تقريرها، بأن تبسيط الروايات يؤدي أيضا إلى تحويل الصراع السياسي من التركيز على الأطراف الخارجية إلى الداخل. بعض الجماعات السياسية مثل الإصلاحيين تبرز المعارضة الداخلية للتفاوض دون التركيز على عرقلة الطرف الخارجي، مما يعطي صورة غير واقعية عن العقبات أمام المفاوضات.

في المقابل تقوم الجماعات المعارضة للمفاوضات بالهجوم على القوى الداخلية باستخدام تسميات مثل خائن أو جاهل بدلا من تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة الضغوط الخارجية، وإن هذه التحولات في جبهة الصراع تضعف الوحدة الوطنية وتستهلك الطاقة السياسية للبلاد في الصراعات الداخلية بدلا من مواجهة العدو الخارجي، نتيجة لذلك، تتقلص القدرة الدبلوماسية لإيران وتزيد من هشاشتها في مواجهة الضغوط الخارجية.