صحيفة إيرانية أصولية تحذّر من هوس الأبراج فوق خطوط الزلازل

نشرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الأصولية، السبت 31 مايو/أيار 2025، تقريرا كشفت فيه عن مشروع مثير للجدل لبناء فندق ضخم في منطقة ولنجك شمال طهران، رغم وقوعه فوق خط زلازل نشط ومخالفته للمعايير القانونية والبيئية. كما أشار إلى وجود تجاوزات في منح التراخيص وتواطؤ من بعض الجهات الرسمية، في مشهد يعكس فوضى التخطيط العمراني وضعف الرقابة في العاصمة الإيرانية.

ذكرت الصحيفة أن المثل الشعبي القائل “احفر البئر أولا، ثم اسرق المئذنة” يُستخدم عادة للتعبير عن ضرورة التخطيط المسبق قبل الشروع في أي مشروع كبير، تجنبا للعواقب الوخيمة. غير أن مالك الفندق الشهير الواقع في منطقة ولنجك شمالي طهران، يبدو أنه لم يعر هذا المثل اهتماما يُذكر؛ إذ بادر مباشرة بـ”سرقة المئذنة” من دون تمهيد أو تخطيط، لتبدأ بعد ذلك مساعي المسؤولين المتأخرة لـ”حفر البئر”، في محاولة لإضفاء الشرعية على بناء هذا البرج المثير للجدل، والذي يبلغ ارتفاعه نحو 43 طابقا، ولا يزال محل انتقادات وتساؤلات منذ سنوات.

وتابعت أن المشروع مثير للتعقيد لدرجة أن تصريحات المسؤولين المعنيين تُظهر تناقضات صارخة. لكن ورغم هذه التناقضات، الواقع أن هذا المبنى الشاهق يرسخ أقدامه عند تقاطع شارع ولنجك وشارع دانشجو شمال طهران.

بداية المشروع

أوضحت الصحيفة أن القصة بدأت في منتصف عام 2017، عندما تقدمت منظمة التراث الثقافي بطلب لبناء فندق. استنادا إلى هذا الطلب، قامت منظمة الأراضي والإسكان الوطنية بتخصيص أرض تقع في شارع 26 دانشجو لصالح القطاع غير الحكومي، عبر إدارة الطرق والإسكان في طهران. رغم ذلك، يدّعي محمود فاطمي عقدا، أمين لجنة المادة 5 لمدينة طهران، أن القرار المتعلق ببناء فندق ولنجك يعود إلى نهاية عام 2021.

قرار بناء الفندق رغم المعارضة

أضافت الصحيفة أنه رغم أن 3 فقط من أصل 7 أعضاء في لجنة المادة 5 صوتوا لصالح المشروع، فإن رئيس اللجنة آنذاك أرسل محضر الجلسة إلى بلدية المنطقة الأولى، والتي قامت بإصدار رخصة البناء. الإعلان عن مشروع بناء فندق من 30 طابقا في ولنجك أثار ردود فعل كبيرة بين الخبراء والمختصين.

تابعت أن المعارضين للمشروع استندوا إلى سببين رئيسيين في اعتراضهم:

أولا، أن الأرض المخصصة للبناء ترتفع نحو 1800 متر فوق سطح البحر، وهو ما يتجاوز الحد المسموح به لتشييد أبراج يزيد ارتفاعها على 30 طابقا، ما يُعد مخالفة واضحة للضوابط العمرانية المعتمدة.

ثانيا، أن الموقع يقع مباشرة فوق أحد الصدوع الزلزالية النشطة والخطرة في العاصمة، وتحديدا ضمن نطاق صدع شمال طهران، المعروف بنشاطه الزلزالي العالي، الأمر الذي يجعل تنفيذ المشروع في هذا الموقع مخالفا للوائح السلامة ويخضع لقيود إنشائية صارمة بموجب التقارير الرسمية.

محاولة تبرير المشروع علميا

أشارت الصحيفة إلى أنه في عام 2023، تم اشتراط مواصلة المشروع بالحصول على موافقة “مركز أبحاث الهياكل والزلازل بجامعة أمير كبير”. ورغم الإشارة من بعض المسؤولين إلى أن الأرض تقع على صدع نشط، فإنهم استندوا إلى ما وصفوه بـ”رسالة رسمية من الجامعة” تؤكد تحمل الهيكل للزلازل.

وتابعت أن مهدي زارع، من مركز البحوث الدولية للزلازل، فضح زيف هذه الادعاءات، كاشفا أن لا وجود لأي رسالة رسمية من الجامعة، وأن أحد أساتذتها أعد تقريرا عبر شركته الخاصة دون غطاء مؤسسي، و استخدامه كمرجع في عمل غير قانوني.

موقف مركز أبحاث البناء

ذكرت الصحيفة أن الجهة الثانية، أي مركز أبحاث البناء، طلبت في رسالة “سرية” من بلدية طهران الالتزام بتعليمات البناء في مناطق الصدوع الزلزالية. وحسب النشرة الفنية “ض-953″، يُحظر البناء في مناطق الصدوع النشطة التي تشهد تحركات أرضية كبيرة، ويسمح فقط بالبناء حتى 5 طوابق في ظروف خاصة، وحتى 6 طوابق في مناطق التحركات المتوسطة.

موقف منظمة التفتيش

أضافت الصحيفة أنه بعد مرور عشرة أيام فقط على التصريحات الداعمة لمشروعية المشروع التي أدلى بها رئيس بلدية طهران، أقدمت منظمة التفتيش العامة على توجيه رسالة تحذيرية إلى كل من وزيرة الطرق والإسكان، ورئيس المجلس الأعلى للتخطيط العمراني، ورئيس بلدية طهران، ووزير الداخلية، اعتبرت فيها أن مصادقة لجنة المادة 5 على المشروع تفتقر إلى الأساس القانوني، مطالبة بوقف تنفيذ المشروع فورا وإلغاء القرار المتخذ بشأنه.

كما أوضح محمد مهدي بلنديّان، نائب الرقابة القضائية بالمنظمة، أن الأرض تقع ضمن نطاق سكني متوسط الكثافة، حيث يُحظر بناء أكثر من 6 طوابق، وأن المشروع يجب أن يُحال للمجلس الأعلى للتخطيط العمراني.

إبطال القرار من قبل القضاء

ذكرت الصحيفة أن شكوى المنظمة لدى محكمة العدل الإدارية أسفرت في يونيو/حزيران 2024 عن إلغاء القرار. وبعد ثلاثة أشهر، أكد المتحدث باسم القضاء أن مخالفات متعددة شابت الملف إداريا، وأن المشروع أُعيد لبلدية طهران لمراجعته، مع وقف التنفيذ حتى إشعار آخر.

العودة إلى طاولة التخطيط

أوضحت أنه رغم قرار المحكمة، أُعيد المشروع مرة أخرى إلى لجنة المادة 5، التي صادقت عليه مجددا، ليُحال بعد ذلك إلى المجلس الأعلى للتخطيط العمراني نظرا لعدد طوابقه المرتفع. وكان من المفترض أن تُعلّق أعمال البناء إلى حين صدور القرار النهائي.

مؤشرات على تنفيذ غير آمن

في فبراير/شباط 2025، نشرت صحيفة “همشهري” تقريرا بعنوان: “ما حقيقة استئناف بناء فندق ولنجك؟”، أشارت فيه إلى تشققات في الأسفلت وحفر عميقة تُرجّح تنفيذ عمليات تثبيت غير آمنة في أرض المشروع.

وتابعت أن وزارة الطرق والإسكان أصدرت في 3 مايو/أيار 2025، أمرا بوقف فوري للمشروع، وأبلغت بلدية طهران بأن الحد الأقصى لارتفاع البناء يتراوح بين 8 و10 طوابق فقط. ويأتي هذا القرار استنادا إلى مصادقة المجلس الأعلى عام 2019، التي تحظر بناء المباني المرتفعة (12 طابقا فأكثر) في مناطق الصدوع النشطة.

وأكد الدكتور مرتضى جابري مقدم، أن المشروع يبعد فقط 38 مترا عن أحد الصدوع الرئيسية النشطة بطهران، وأن جميع الجهات المختصة وصفته بالمشروع الخطير.

تصريحات مثيرة للجدل

أضافت الصحيفة أن في اليوم نفسه، صرّح مهدي چمران، رئيس مجلس بلدية طهران، بتصريح مثير للجدل قال فيه: “عندما يستثمر البعض أموالهم، يتوجب مساعدتهم بدلا من إزعاجهم”، ودعا لإعادة المشروع مجددا إلى لجنة المادة 5.

رفض المجلس الأعلى للتخطيط

وفي هذا السياق ذكرت الصحيفة أن غلامرضا كاظميان، أمين عام المجلس الأعلى للتخطيط العمراني، أعلن رفضه الصريح لبناء فندق ولنجك الذي يشمل برجين بارتفاع 42 طابقا. ووجّه المجلس رسالة إلى الجهات المعنية أكد فيها أن القرار  الصادر من لجنة المادة 5 مخالف للقوانين، ويجب إعادة تقييم المشروع بعد أخذ رأي مركز أبحاث الإسكان باعتباره الجهة الوحيدة المخولة بإصدار أحكام بشأن البناء في مناطق الصدوع.

وتابعت أن المجلس طالب أيضا بإجراء دراسات مرورية، والحفاظ على الممرات البصرية نحو مرتفعات شمال طهران. ورغم كل ذلك، ادعى بعض المسؤولين بعد أيام أن المشروع حصل على كل التراخيص القانونية. إلا أن وزارة الطرق والإسكان نفت ذلك فورا، وأكدت عبر موقعها أن “بناء الفندق ما يزال ممنوعا”.

السلطة أم النفوذ؟

اختتمت الصحيفة تقريرها، بتأكيد أن هذا المشروع الذي تم رفضه من قبل القضاء والمجلس الأعلى للتخطيط والجهات الفنية، ما يزال يحظى بدعم خفي وضغوط خفية لإتمامه، رغم كل الأدلة القانونية والعلمية التي تحذر من كارثية إقامته في تلك المنطقة الزلزالية. وبات السؤال الأهم: هل سينتصر القانون؟ أم العلاقات والنفوذ؟