صحيفة إيرانية: تطوير بيئة الاستثمار الإيرانية تتطلب تغييرات جذرية في الاقتصاد

ترجمة: يارا حلمي

نشرت صحيفة “وطن امروز” الإيرانية الأصولية، في 23 مارس/آذار 2025، تقريرا تناولت فيه التغييرات في بيئة الاستثمار بإيران، إضافة إلى القضايا والتحديات الفعلية التي تواجه تطوير الإنتاج في البلاد.

ذكرت الصحيفة أنه يجب أن تكون الفكرة والروح الحاكمة لهذه التغييرات في بيئة “الاستثمار في الإنتاج” هي: “تغيير قاعدة تحديد الفائز في عملية الإنتاج” في النظام الاقتصادي. وتوضيح هذه العبارة المختصرة يعد الصياغة الأساسية لهذا التقرير.

الاقتصاد المقاوم

وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ ما يقرب من عقد من الزمن، يتم تأكيد تعزيز البنية المؤسسية للإنتاج في البلاد كاستراتيجية رئيسية لتحقيق الاقتصاد المقاوم، وذلك ضمن الشعارات الاقتصادية السنوية التي يطرحها المرشد الأعلى، حيث إنه بعد عامي 2012 و2017، ومنذ عام 2019، تمحورت جميع السنوات السبع التالية بشكل متتالٍ حول عنصر الإنتاج الوطني ومتطلباته، كما انعكس ذلك في تسمية كل عام.

كما أوضحت أن الأدبيات الاقتصادية التقليدية تعتمد على متغيرين رئيسيين لتحقيق النمو الاقتصادي: زيادة الاستثمار ونمو الإنتاجية. الاستثمار، بمعناه العام، يشير إلى إنشاء وخلق القدرات الكامنة للإنتاج، وهو مرتبط بالجانب الهيكلي للاقتصاد بهدف زيادة إنتاج السلع والخدمات.

وأضافت أن خلق هذه القدرات الجديدة يتطلب في الخطوة الأولى استقطاب الموارد المالية والسيولة المناسبة. 

وبالنظر إلى المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الكبرى التي تمر بها البلاد مع دخول عام 2025، تصبح ضرورة تغيير المسار في قطاع الإنتاج أمرا بالغ الأهمية. 

حيث إن الاتجاهات الحالية، إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح، فقد تؤدي إلى ضغوط معيشية أكبر على المواطنين مقارنة بالماضي.

أبرز هذه الاتجاهات:

  1. تغير المسار التنازلي لمعدل التضخم: هذا يعني أن الاتجاه الذي كان يشير إلى انخفاض التضخم قد تغير، وأصبح التضخم في ارتفاع بدلا من الانخفاض.
  2. تجاوز معدل التضخم السنوي: معدل التضخم السنوي (أي التضخم على مدار عام كامل) قد أصبح أعلى من المتوسط الذي كان عليه التضخم في الأشهر الـ12 الماضية. يعني ذلك أن التضخم في السنة الحالية يتسارع مقارنة بالسنة الماضية، مما يشير إلى توقعات تضخمية مرتفعة لعام 2025.
  3. تراجع معدل النمو الاقتصادي: انخفض معدل النمو الاقتصادي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 مقارنة بعام 2023، مما يعني ضعف تأثير نمو عائدات النفط، واضطراب مسار نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025.
  4. تزايد الضغوط الخارجية: تأثير العقوبات الاقتصادية يتزايد، مما ينعكس على أسواق الأصول والأسواق المالية الأخرى، مما يؤثر بدوره على سوق السلع والخدمات.
  5. نمو المتغيرات النقدية: ازدياد القاعدة النقدية نتيجة لقانون موازنة 2025 وما يتضمنه من عجز مالي ظاهر وخفي، إضافة إلى زيادة السيولة النقدية بسبب عدم توازن أداء البنوك التجارية في خلق الأموال، وقلة رقابة البنك المركزي في هذا المجال.

ماذا يجب فعله لتحقيق شعار “الاستثمار من أجل الإنتاج”؟

أشارت صحيفة “وطن امروز” إلى أن هذا هو السؤال الذي يطرحه كل من يهتم بجدية ويسعى لتجاوز الردود اللحظية أو الشعاراتية التي غالبا ما تكون محدودة بشهر أبريل/نيسان من كل عام، وبدلا من ذلك، يسعى لدفع البلاد نحو تنفيذ هذه السياسة الاستراتيجية والأساسية بحيث يصبح التغيير الملموس واضحا على المدى القصير أو المتوسط.

ولفهم “ماذا يجب أن نفعل؟” يجب أولا إدراك القضايا والتحديات الفعلية التي تواجه تطوير الإنتاج في البلاد:

  1. السياسات العامة كمرآة للنظام السياسي: طبيعة التنافس السياسي والأنشطة المرتبطة به تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد. أحد تأثيرات النظام السياسي على قطاع الإنتاج هو الأفق القصير المدى الذي يتبناه السياسيون عند تحليلهم واختيارهم للقطاعات الإنتاجية في البلاد.
  2. جودة السياسات العامة وأسلوب تنفيذها: أسلوب اختيار الأدوات والسياسات لتعزيز “الإنتاج الوطني” لم يكن فعالا بالشكل المطلوب، مما أدى إلى عدم وصول معظم أشكال الدعم إلى أهدافها الحقيقية، بل انحرفت عن مسارها بدرجة كبيرة.
  3. النظام الإداري في البلاد: بدلا من تقديم إنجازات ونجاحات ملموسة، يركز النظام الإداري على التقارير الشكلية حول العمليات المنفذة، مما يساهم في تضليل الرأي العام وإعطاء انطباع كاذب حول الوضع.
  4. اللجوء إلى التمويل النقدي كأداة لتحفيز الإنتاج: رغم استخدام التمويل النقدي لعجز الموازنة كأداة لتحفيز الإنتاج، فإن الأهم من حجم السيولة هو جودتها وآلية دورانها، حيث لم تُستخدم لتوسيع الإنتاج الوطني بل تم توجيهها نحو المضاربات في القطاعات غير المنتجة.

دور الشعب والسلطات الثلاث في تعزيز الاستثمار

ذكرت الصحيفة أنه في هذا السياق، يقع الدور الرئيسي أيضا على عاتق الشعب، لكن تهيئة البيئة المناسبة وخلق فرص الاستثمار هي مسؤولية السلطات الثلاث في الدولة:

  • السلطة القضائية: من خلال الإصلاح الهيكلي لنظام الملكية في الاقتصاد.
  • السلطة التشريعية: عبر تحسين جودة القوانين التنظيمية والتأسيسية في المجال الاقتصادي.
  • السلطة التنفيذية: عبر إصلاح النظام الإداري في البلاد وتعزيز رأس المال الاجتماعي.

“تغيير قاعدة تحديد الفائز” في الاقتصاد

ذكرت الصحيفة أن توضيح هذه العبارة المختصرة هو المحور الأساسي لهذا التقرير، حيث طرح عالم الاجتماع الأمريكي ريتشارد سكوت في كتابه “المؤسسات والمنظمات” ثلاثة أبعاد أساسية للمؤسسات:

  1. البعد الثقافي – المعرفي
  2. البعد المعياري (القيمي)
  3. البعد التنظيمي

يمكن تطبيق هذه الأبعاد أيضا على “مؤسسة الإنتاج”، حيث إن القاسم المشترك بينها هو خلق “نظام عوائد متوازن ومتماثل” للعمل المنتج داخل النظام الاقتصادي.

إعادة توجيه رؤوس الأموال نحو الإنتاج

وأشارت الصحيفة إلى أن الأرقام المتعلقة بعوائد الأصول المختلفة خلال 2024 تبين الفجوة بين القطاعات غير المنتجة والقطاعات الإنتاجية، حيث حققت بعض الأصول غير المنتجة مثل الذهب والدولار، عوائد أعلى من تلك المتعلقة بالأنشطة الإنتاجية.

أوضحت أن تغيير هذه الظروف يتطلب مطالبة جادة من السلطات الثلاث في البلاد لإجراء تعديلات في آليات العوائد الاقتصادية، بما يضمن:

  1. تقليل تكاليف المعاملات في القطاع الإنتاجي: تحفيز مشاركة عامة الناس في الإنتاج من خلال استخدام التكنولوجيا.
  2. توحيد الخطاب الثقافي والمؤسسات القيمية: تعزيز ثقافة العمل المنتج ورفض عقلية “الربح دون عمل”.
  3. تقليل جاذبية القطاعات غير المنتجة: تنفيذ سياسات ضريبية وتنظيمية فعالة للحد من المضاربات في القطاعات غير المنتجة.

الحاجة لإصلاحات ضرورية في التشريعات

كما أشارت الصحيفة إلى أن القوانين غالبا ما تمر بفترات طويلة قبل إقرارها، مما يؤدي إلى ضعف جودتها وفشلها في حل المشكلات الاقتصادية المستهدفة.

وخلصت الصحيفة في نهاية تقريرها، إلى أن هذه الإصلاحات تتطلب أن يتعلم صناع القرار من أخطاء الماضي، وأن يقوموا بتطوير سياسات أكثر كفاءة وشفافية لدعم الإنتاج الحقيقي، مما سيسهم في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.