صحيفة “كيهان” تنتقد مؤيدي التسوية وترصد ردود الفعل المختلفة داخل إيران تجاه السياسة الأمريكية

في تقرير نشرته الصحيفة الإيرانية الأصولية “كيهان” يوم الأربعاء 15 مايو/أيار 2025، انتقدت الصحيفة التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال قمة دول الخليج في الرياض، واعتبرتها تصريحات مستفزة.

كتبت صحيفة “كيهان” أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أدلى الثلاثاء 13 مايو/أيار 2025، بتصريحات اعتبرتها الصحيفة مستفزة، خلال قمة دول الخليج في الرياض، حيث قال: “على إيران أن تتوقف عن دعم الإرهاب والحروب بالوكالة”.

وأضافت الصحيفة أن ترامب قال مساء الثلاثاء، في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي: “أريد التوصل إلى اتفاق مع طهران لجعل العالم أكثر أمنا”.

وتساءلت الصحيفة: هل إيران هي من يدعم الإرهاب وانعدام الأمن في منطقة غرب آسيا؟ وهل تسعى الحكومة الأمريكية فعلا إلى جعل العالم مكانا أكثر أمنا؟ وهل سجلّ الولايات المتحدة يُظهر سعيا متواصلا وغير منقطع لمحاربة الإرهاب؟ وهل ترامب هو رجل السلام والإعمار والاتفاقات؟ 

وتابعت “كيهان” أن الجانب المؤسف في القضية ـ بحسب وصفها ـ هو وجود تيار داخل إيران يتغاضى عن تصريحات ترامب، التي وصفتها الصحيفة بأنها “ترّهات”، بل ويقوم بتغطية هذه التصريحات بعناوين من قبيل: “مقايضات في الحجاز”، “الاقتصاد أولا، ثم السياسة”، “صَيد المليارات النفطية”، و”رقصة دبلوماسية على إيقاع الدولارات النفطية”.

تهديدات ترامب

أشارت الصحيفة إلى أن هذا التيار نفسه، وفي الأسابيع الماضية، صمت صمتا مخزيا أمام تهديدات ترامب بقصف إيران، لكنه ما إن نشرت صحيفة “كيهان” مقالا ساخرا بعنوان “إطلاق بضع رصاصات على رأس ترامب الفارغ”، حتى أصابتهم الغيرة الوطنية، على حسب وصف الصحيفة، وبدأوا بالصراخ والاعتراض، قائلين إن مثل هذه التصريحات تعرقل المفاوضات مع أمريكا وتدفع نحو الحرب.

وأوضحت أن “هذا التيار يرى أنه من حق المسؤولين الأمريكيين أن يقولوا عن إيران ما يشاؤون من ترّهات، بينما لا ينبغي لطهران أن ترد عليهم ولو بكلمة قاسية، والسبب؟ لأن هذا التيار يزعم أن الحل الوحيد للمشكلات هو “التسوية مع أمريكا”.

 ولهذا نراه يكتب بعناوين عريضة: (الاقتصاد أولا، ثم السياسة)؛ وهذا يعني التغاضي عن المجازر الوحشية ضد النساء والأطفال الأبرياء في غزة، والانشغال بالتجارة والصفقات مع أمريكا! وهذا العنوان يعني أيضا نسيان السجل الأسود لأمريكا في الجرائم ضد الشعب الإيراني، والتمسك بالتجارة مع ترامب”.

وتساءلت “كيهان” مجددا: لكن هل فعلا التسوية مع أمريكا هي الحل للمشكلات؟ هل كلما اقتربنا من أمريكا سنحقق المزيد من التقدّم والرفاه؟ وهل بمجرد التقارب من واشنطن ستُحلّ مشاكلنا تلقائيا؟

وذكّرت الصحيفة بمثال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي وعد بتحويل العالم إلى مكان أفضل، أكثر إشراقا وسعادة، باستخدام كل الأدوات المتاحة. وأشارت إلى أن البرنامج الرئيسي لحكومته تمحور حول تعزيز الصداقة والتقارب مع الحكومة الأمريكية، لكنها اعتبرت أن النتائج لم تكن كما وُعِد، إذ لم يتحسن حال العالم ولا حتى وضع أوكرانيا الداخلي.

 وذكرت الصحيفة أن أوكرانيا، التي أنهكتها الحرب ودمّرتها النزاعات، فقدت نحو خمس أراضيها، وأصبحت ـ بحسب تعبير الصحيفة ـ عرضة للاستغلال من قبل الولايات المتحدة التي، كما تقول، تستفيد من مواردها الوطنية لخدمة مصالحها.

عائدات الموارد المعدنية

كتبت صحيفة “كيهان” أن دونالد ترامب كان قد طالب سابقا بالحصول على 50% من عائدات الموارد المعدنية في أوكرانيا، بالإضافة إلى حق النقض في إصدار تراخيص استخراج تلك الموارد.

 وكان الرئيس الأمريكي قد صرّح في وقت سابق، بأنه على أوكرانيا أن تدفع ثمن الدعم المالي والعسكري الذي تقدّمه واشنطن، عبر منح الولايات المتحدة حق الوصول إلى المناجم والثروات الضخمة غير المستغلة، وضمن ذلك العناصر النادرة.

وأضافت الصحيفة أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زلنسكي وقّع في نهاية المطاف على ما سُمّي بـ”اتفاقية المواد المعدنية”، وهو في الواقع بمثابة تسليم إجباري لنصف مناجم أوكرانيا، وهذا يعني أن الحكومة الأمريكية، وبعد تدمير البلاد وسقوط آلاف القتلى والجرحى وتشريد الملايين، بدأت المرحلة التالية من مخططها، والمتمثلة في نهب وسلب ثروات أوكرانيا الطبيعية.

وتابعت “كيهان” أن اللافت في هذا السياق هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، تحت قيادة ترامب، تسعى حاليا لتكرار هذا النموذج في سوريا، باتباع نفس النمط الذي استخدمته في أوكرانيا؛ أي نشر الفوضى، ثم التوغل لنهب الموارد.

وذكرت أن “أشرف غني”، الرئيس السابق لأفغانستان، أقرّ في أول مقابلة إعلامية له بعد سقوط كابل، مع “نيك كارتر” رئيس هيئة الأركان البريطانية الأسبق، بأن أكبر خطأ ارتكبه في فترة رئاسته كان “الثقة بالولايات المتحدة”. 

وأشار غني إلى أن أمريكا ضغطت عليه لإطلاق سراح 5 آلاف من أسرى طالبان، بينما لم تكن تهتم بأي شأن داخلي يخص أفغانستان في تلك المرحلة.

وأضافت “كيهان” أن جيش أفغانستان الذي بلغ عدده 300 ألف جندي، وتلقى تدريبات مكثفة على مدار عقدين، من قبل قوات “إيساف” التابعة للناتو، لم يصمد لحظة أمام قوات طالبان التي لم يتجاوز عددها 80 ألفا، وسقطت كابل بسرعة لافتة.

وتابعت أنه في ذلك الوقت، صرّح الرئيس الأمريكي جو بايدن، بوضوح، بأن “أمن أفغانستان الداخلي لا يهمّ أمريكا”، وأن بلاده لن تستمر في دفع التكلفة، وهكذا تمّ إخلاء قاعدة باغرام رغم وجود طالبان على أبواب العاصمة.

اتفاق مع فرنسا

كتبت صحيفة “كيهان” أنه في عام 2016، وقّعت أستراليا اتفاقا بقيمة مليارات الدولارات مع شركة تابعة للبحرية الفرنسية لبناء 12 غواصة، لكن في أغسطس/آب 2021، وبعد اجتماع ثلاثي بين رئيس الولايات المتحدة ورئيسي وزراء أستراليا وبريطانيا، أعلنت كانبرا أنها توصلت لاتفاق جديد مع واشنطن ولندن لبناء غواصات نووية في إطار اتفاقية “أوكوس”. 

هذه الاتفاقية أدت إلى إلغاء الصفقة مع فرنسا، ما أدى إلى خسارة باريس عقدا بقيمة 37 مليار دولار، وقد وصف وزير الخارجية الفرنسي آنذاك، “جان إیف لودریان”، هذه الخطوة بأنها “طعنة في الظهر” من قبل أمريكا.

وأضافت الصحيفة أن السعودية، التي توصف بأنها “البقرة الحلوب” لأمريكا، تعاني رغم إيراداتها النفطية الضخمة، من تحديات اقتصادية خطيرة.

 ووفقا للإحصائيات المنشورة، فإن أكثر من ربع سكان المملكة يعيشون تحت خط الفقر، في مفارقة صارخة مع مظاهر البذخ التي تُسوّق عنها إعلاميا.

وتابعت “كيهان” أن التيار الغربي الهوى داخل إيران لا يزال “الغائب الأبدي عن صفوف التاريخ”، والدليل أن هؤلاء الذين يصفقون اليوم لتحالفات أمريكا مع السعودية ويهللون لعلاقاتهم، هم أنفسهم الذين سابقا صنعوا من رئيس أوكرانيا “زلنسكي” بطلا فذا وقدّموا تجربته كنموذج يُحتذى به، رغم أن نتائجه لا تخفى على أحد.