صراع المرضى مع أزمة الأدوية.. انعدام الحلول وارتفاع التكاليف 

ترجمة: يسرا شمندي

نشر موقع ديده بان إيران الإيراني الأصولي، الثلاثاء 13 مايو/أيار 2025، تقريرا أفاد فيه بأن سوق الأدوية في إيران يمر بأزمة حادة تتفاقم تدريجيا، حيث ارتفعت الأسعار باستمرار، وظهر نقص في الأدوية الأساسية، إضافة إلى عجز شركات التأمين عن توفير الدعم المالي الكافي للمرضى، مما دفع عديدا منهم إلى التخلي عن علاجهم. 

وأضاف الموقع أن هذه الوضعية لا تعكس فقط خللا اقتصاديا، بل تكشف أيضا عن ضعف السياسات الصحية وغياب الرقابة الفعّالة من الجهات المسؤولة.

وتابع الموقع أن الأدوية الحيوية، خصوصا لمرضى السرطان، والأمراض المزمنة، لم تعد مجرد سلعة علاجية، بل أصبحت قضية معيشية. والعديد من العائلات مجبرة على الاختيار بين تكلفة الأدوية والاحتياجات الأساسية الأخرى؛ وهو اختيار غالبا ما يعرض حياة المريض للخطر.

تغطية سعر الدواء من التأمينات

قال عضو لجنة الصحة في البرلمان، أحمد آريايي نجاد، في مقابلة مع موقع “دیده بان إيران”، إنه يجب تأمين الموارد اللازمة لمواصلة تغطية الأدوية من خلال التأمينات. واصفا التأمينات بالمريضة، مشيرا إلى أنها ليست قادرة على الوفاء بالتزاماتها، وأن التأخيرات الشهرية في المدفوعات أصبحت جزءا من المشكلة. وأضاف أنه ما دام الهيكل التأميني في إيران لم يصلح، فلن يتم تحقيق أي تقدم في قطاع الصحة.

وأشار الموقع أن الأزمة لا تقتصر فقط على التأمينات؛ حيث قالت نائبة أخرى في البرلمان، عالية زمانی، إن منظمة الغذاء والدواء فشلت في مهمتها المتعلقة بإدارة توزيع الأدوية، وأصبحت كيانا تحذيريا غير فعال.

كما أكدت زماني أن نقل أدوية العلاج الكيميائي إلى الصيدليات الخاصة لا يقتصر على كونه مكلفا وغير خاضع للرقابة، بل إنه أيضا يحرم المرضى من الوصول العادل إلى الأدوية.

وأوضح الموقع أن الأبعاد الاجتماعية للأزمة تركت أثرا عميقا على المجتمع. وفي حوار مع أسر المرضى ذوي الحالات الخاصة، تم سرد قصص مؤلمة عن بيع المنازل، والديون الثقيلة، والتخلي عن استكمال العلاج.

وقالت مريم، والدة طفل مصاب باضطراب دموي نادر، إن سعر حقنة ابني ارتفع من مليوني ريال إيراني إلى سبعة ملايين ريال، أي حوالي (16.38 دولار – 58.88 دولار). وأضافت: زوجي عاطل عن العمل، ونحن لا نعرف ماذا نفعل.

وأوضح الموقع أن الدراسات تشير إلى أن أحد الأسباب الرئيسة وراء ارتفاع أسعار الأدوية هو إلغاء العملة التفضيلية، في ظل غياب سياسة دعم فعالة خلال فترة الانتقال. ورغم تأكيد بعض المسؤولين أن اعتماد التسعير على أساس سعر الصرف الحر قد يسهم في تعزيز الشفافية، إلا أن عدم قدرة شركات التأمين على تغطية فروقات الأسعار يجعل هذا الإجراء عبئا إضافيا على كاهل المواطنين.

دور منظمة الغذاء والدواء

ذكر الموقع أن منظمة الغذاء والدواء، بموجب القانون، مسؤولة عن إدارة سلسلة توريد الأدوية، بدءا من الاستيراد والإنتاج، وانتهاء بالتوزيع ومراقبة الأسعار. ومع ذلك، يشير بعض أعضاء البرلمان إلى أن المنظمة عالقة في دائرة معيبة تسببت في فوضى السوق وغياب الرقابة على المخالفات.

وأضاف أن المراقبة الفعالة على الصيدليات، وتنظيم أنظمة تسجيل الأدوية، وتوضيح آلية تخصيص الحصص، ومكافحة الاحتكار، هي إجراءات وعد بتنفيذها مرارا لكنها لم تترجم إلى خطوات عملية. وفي ظل غياب الشفافية، يبقى المرضى وعائلاتهم المتضررين الرئيسيين من فشل السياسات المتبعة.

التأمينات؛ الأعمدة المتداعية لنظام العلاج

الهيكل التأميني

أشار الموقع إلى أن إيران تواجه منذ سنوات مشكلات مزمنة، من بينها تأخر المدفوعات للمستشفيات والصيدليات، والقيود على تغطية الأدوية الحديثة، وغياب التنسيق مع وزارة الصحة، وهو ما جعل شركات التأمين مؤسسات عاجزة وغير فعالة.

وبين أن العديد من التأمينات الأساسية ترفض تغطية الأدوية الحيوية بالكامل، مما يضطر المرضى لاستخدام التأمينات التكميلية، في وقت تكون فيه تكلفة هذه التأمينات مرتفعة للغاية بالنسبة للفئات ذات الدخل المنخفض. لهذا السبب، في الواقع، تتسع الفجوة العلاجية بشكل مستمر.

أفاد عضو لجنة الصحة والعلاج في البرلمان، الدكتور همايون سامه نجف آبادي، في حديثه لموقع “دیده بان ایران”، حول ارتفاع أسعار أدوية مرضى السرطان واستبعاد بعضها من التغطية التأمينية: يجب أن تكون أدوية المرضى ذوي الحالات الخاصة، ومن بينهم مرضى السرطان، مشمولة بالكامل ضمن التغطية التأمينية وفقا للقانون. وإذا طرأ أي ارتفاع في الأسعار، فإن شركات التأمين ملزمة بتغطية 100٪ من تلك الزيادة لهؤلاء المرضى.

وأضاف نجف آبادي بشأن استبعاد بعض الأدوية من التغطية التأمينية: لا أملك معلومات دقيقة حول هذا الموضوع ويجب أن يتم التحقيق فيه، ولكن المبدأ الأساسي هو تقديم الدعم الكامل للمرضى ذوي الحالات الخاصة من قبل التأمين.

وتابع: “للأسف، المرضى مضطرون لدفع مبالغ ضخمة لبعض الأدوية؛ الأدوية التي يجب أن يتناولوا منها عدة حبات يوميا، وسعر كل حبة منها أصبح يتجاوز المليون ريال، أي (84.2 دولار). وكان من المفترض أن تكون هذه الأدوية مغطاة بالتأمين في السابق”.

وأكد نجف آبادي أن منظمة الغذاء والدواء اتخذت بعض الإجراءات بشأن زيادة أسعار الأدوية، والتي يبدو أنها تسببت في ضغط إضافي على المرضى. كما أن شركات التأمين استبعدت الأدوية المخصصة لمرضى السرطان والحالات الخاصة من تغطيتها، وتعتبر منظمة الغذاء والدواء المسؤول الرئيسي عن زيادة أسعار الأدوية.

وأوضح أن سعر العملة النمائية بلغ حوالي 70 ألف ريال (حوالي 584 دولارا)، مما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بالعام الماضي عندما كان سعر العملة التفضيلية 4200 ريال (حوالي 35.4 دولارا)، وهو ما أسهم في ارتفاع أسعار الأدوية. كما أشار إلى أنه يجب أخذ زيادة التكاليف والتضخم في الاعتبار، حيث يتوقع المنتجون تحقيق أرباح، وبالتالي فإن صناعة الأدوية مضطرة لزيادة الأسعار لضمان استمراريتها.

شدد على أنه وفقا للتعريفات، يجب على شركات التأمين تغطية حوالي 90٪ من سعر الدواء، بينما يجب على المريض دفع 10٪ فقط. ولكن المشكلة تكمن في أن التعريفات التأمينية لا تتماشى مع السعر الحقيقي للدواء، مما يسبب ضغطا كبيرا على المواطنين. وفيما يتعلق بالخدمات شبه السريرية مثل الفحوصات، هناك أيضا فجوة كبيرة بين التكلفة الحقيقية والنسبة التي تغطيها شركات التأمين.

وأشار إلى أنه لا يمكن إنكار دور منظمة الغذاء والدواء في هذه الأزمة، ولكن المشكلة لا تقتصر فقط على هذه الهيئة. من جهة، لا يستطيع المنتجون في القطاع الخاص تعويض خسائر الإنتاج ويضطرون إلى زيادة الأسعار أو وقف الإنتاج. ومن جهة أخرى، تواجه شركات التأمين أيضا قيودا في الميزانية. لذلك، يجب معالجة هذه المشكلة على المستويات الإدارية العليا، بما في ذلك على مستوى الحكومة ورئاسة الجمهورية.

استيراد الدواء

صرح نجف آبادي بأن في السنوات الماضية، كان يتم تخصيص حوالي 700 مليون دولار لاستيراد الأدوية، وحتى مع وجود التهريب العكسي، كان من الممكن إدارة الوضع. لكن اليوم، لم يعد المنتجون المحليون يرون جدوى اقتصادية بسبب انخفاض أسعار الأدوية، وقد توقفوا عن إنتاج بعض الأدوية. وهذا يعني الاعتماد على الاستيراد وخطر تدمير صناعة الأدوية في إيران.

وأقر بأن حل هذه المشكلة لا يمكن أن يتحقق بمجرد توجيه الانتقادات إلى الوزير أو رئيس منظمة الغذاء والدواء، بل يتطلب التفكير في حلول جذرية واتخاذ قرارات على مستوى القيادة العليا. وأكد أن دعم المرضى، وصناعة الأدوية، والمصلحة العامة، لن يكون ممكنا إلا من خلال هذا النوع من المعالجة الشاملة.

حلول للخروج من الأزمة

أفاد الموقع بأن خبراء في مجال الصحة يرون أن أزمة الأدوية ستتفاقم يوما بعد يوم ما لم يتم إصلاح الهيكل المالي للتأمينات الصحية، وإعادة تعريف دور منظمة الغذاء والدواء، واستعادة الرقابة الحكومية على نظام التوزيع.

وذكر أن الخبراء يرون أن إنشاء نظام شفاف لتوزيع الأدوية، وإعادة مركزية التوزيع إلى الصيدليات الحكومية، وتعويض فروقات أسعار العملات من قبل الحكومة أو شركات التأمين، إلى جانب إعداد خطة وطنية لدعم المرضى المصابين بأمراض مزمنة وصعبة العلاج، والتصدي لتضارب المصالح في سلسلة تأمين وتوزيع الأدوية، يمكن أن يشكل مسارا فعالا لإعادة الاستقرار إلى هذا القطاع.

وفي ختام تقريره، أكد أن سوق الأدوية في إيران يسير نحو تحلل تدريجي، نتيجة لهيكل التأمينات المهترئ، وعجز منظمة الغذاء والدواء عن الإدارة والرقابة، إضافة إلى تجاهل الواقع الاقتصادي للمواطنين، مما يعرض الصحة العامة لخطر بالغ. وإذا لم تتخذ التدابير اللازمة اليوم، فقد يأتي الغد وقد فات الأوان — متأخرا لإنقاذ حياة المرضى، ومتأخرا أيضا لإعادة بناء الثقة العامة بنظام الرعاية الصحية.