- دنيا ياسر
- 121 Views
نشرت صحيفة “هم مهين” الإيرانية الإصلاحية، السبت 17 مايو/أيار 2025 ، تقريرا استعرضت فيه تصاعد النفوذ التركي بسوريا في ظل تراجع الدور الأمريكي، وكيف تسعى أنقرة لتعزيز وجودها من خلال الدعم العسكري والإنساني. كما يناقش المخاوف الإسرائيلية من هذا التمدد، واحتمالات التصعيد المحدود بين الطرفين رغم الضغوط الأمريكية لاحتواء التوتر.
ذكرت الصحيفة أن المصالح والأهداف المتعارضة بين تركيا وإسرائيل في سوريا ترفع احتمالية حدوث توترات بين الطرفين، خاصة في حال قررت الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري أكثر في الأراضي السورية.
هذا الانسحاب قد يفتح الباب أمام اندماج قوات سوريا الديمقراطية مع الحكومة المركزية؛ نظرا إلى أن واشنطن تمثل الحاجز الأساسي الذي يمنع الصدام بين هذه القوات وتركيا. ومع رحيل القوات الأمريكية، تفقد قوات سوريا الديمقراطية أبرز داعميها.
أنقرة وتل أبيب: تحركات متضاربة بعد سقوط الأسد
تابعت الصحيفة أن إسرائيل سارعت إلى تنفيذ عمليات عسكرية في سوريا مباشرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، ولا تزال تواصل هذه العمليات رغم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة محمد جولاني، زعيم هيئة تحرير الشام. هذا النشاط العسكري الإسرائيلي أثار قلق تركيا، التي تعتبر نفسها المستفيد الأكبر من سقوط الأسد وصعود هيئة تحرير الشام.
وأضافت أنه على الرغم من رغبة الطرفين في تجنب مواجهة مباشرة، فإن تزايد وجودهما العسكري في سوريا، وتضارب أجنداتهما ودعمهما لمجموعات مسلحة مختلفة، يعزز من احتمالية اندلاع مواجهات محدودة بينهما.
وأشارت الصحيفة إلى أن تركيا وإسرائيل بدأتا مؤخرا مفاوضات تقنية لوضع آلية لتقليل احتمالات الصدام في سوريا. وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، صرّح في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”، في 9 أبريل/نيسان 2025، بأن هناك اتصالات فنية مع إسرائيل لتجنب سوء الفهم بين القوات العسكرية، وهي آلية يُمكن استخدامها عند الحاجة لمنع التصعيد، خصوصا بعد تدهور العلاقات بين الطرفين منذ اندلاع حرب غزة 2023.
تبادل اتهامات وتعقيد المشهد
أردفت الصحيفة أن الطرفين تبادلا الاتهامات حول أنشطتهما العسكرية في سوريا، حيث تتهم أنقرة إسرائيل بأنها تقوض جهود الاستقرار في سوريا، بينما تعتبر إسرائيل أن تركيا تسعى لإقامة “دولة وصاية” خاصة بها داخل سوريا.
وأضافت أن إسرائيل قامت في مطلع أبريل/نيسان، بشن غارات جوية على قواعد جوية سورية في حماة وتياس، والتي كانت تركيا تخطط لنشر أنظمة دفاع جوي وطائرات مسيرة فيها.
وذكرت الصحيفة أن كلا من روسيا والولايات المتحدة لا يزال لهما وجود عسكري في سوريا. روسيا دعمت نظام الأسد منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011 وحصلت على اتفاق لإنشاء قواعد عسكرية دائمة. من جهتها، ركّزت الولايات المتحدة على دعم قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي لمحاربة داعش.
وأوضحت أن تركيا أنشأت آليات لتفادي التصادم مع كل من روسيا والولايات المتحدة؛ لتجنب الاشتباك مع قواتهما.

إسرائيل توسّع وجودها في الجولان
أفادت الصحيفة بأن الجيش الإسرائيلي تجاوز حدود المنطقة العازلة في الجولان بعد سقوط الأسد، وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، أن القوات ستبقى هناك “لفترة غير محددة” لحماية الأمن القومي الإسرائيلي. كما دعت إسرائيل إلى نزع السلاح من جنوب سوريا، وتحديدا محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء.
وكشفت أن تركيا والحكومة السورية الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام بصدد إبرام اتفاق دفاعي، يسمح لتركيا بإنشاء قواعد جوية في سوريا واستخدام المجال الجوي السوري لأغراض عسكرية، إضافة إلى تدريب الجيش السوري.
منافسة على ملء الفراغ بعد انسحاب روسيا وإيران
أوضحت الصحيفة أن سقوط الأسد أدى إلى انسحاب كل من روسيا وإيران، حليفيه الأساسيين، ما تسبب بفراغ في السلطة تحاول تركيا وإسرائيل ملأه سريعا.
وأضافت أن تركيا استطاعت، بفضل علاقاتها السابقة مع هيئة تحرير الشام وتحكمها بخطوط الإمداد، أن تكرّس نفوذها في دمشق الجديدة من خلال تقديم دعم فني، عسكري، وإنساني، شمل حتى إعادة إعمار مطار دمشق.
وأكدت أن هذه التحركات التركية السريعة أثارت قلق الإسرائيليين، ووفقا لتقرير لجنة “ناجل” الإسرائيلية في 6 يناير/كانون الثاني 2025، فإن التهديد القادم من سوريا قد يكون أخطر من التهديد الإيراني في المدى الطويل.
أشارت الصحيفة إلى أن تركيا، ومنذ عام 2021، تقوم بتوفير الكهرباء لمحافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام. وتمر خطوط الإمداد الخاصة بالهيئة عبر الأراضي التركية، ما يمنح أنقرة قوة ضغط كبيرة على الجماعة المسلحة.
وأوضحت أن إسرائيل تسعى لدعم الأقليات كالأكراد والدروز في سوريا لتقويض الحكومة المركزية بقيادة هيئة تحرير الشام والحد من التهديدات الأمنية طويلة الأمد.
وأضافت أن رئيس الحكومة المؤقتة، أحمد الشرع، أبدى استعدادا للتطبيع مع إسرائيل “ضمن ظروف مناسبة”، إلا أن تل أبيب لا تزال تعتبر دمشق الجديدة تهديدا بسبب خلفياتها الإسلاموية وعلاقتها السابقة بالقاعدة.
تابعت أن إسرائيل قد تقوم بعمليات جوية محدودة في الشمال الشرقي من سوريا، خاصة في حال انسحاب القوات الأمريكية، وتحديدا إذا فشلت عملية السلام بين تركيا والأكراد.
أشارت إلى أن إسرائيل قد تزود الأكراد بمعلومات استخباراتية حول القوات المدعومة من تركيا، أو تستفيد من آلية التنسيق مع أنقرة لإعطاء وقت كافٍ للأكراد للانسحاب من مناطق مستهدفة.
وأردفت أن تل أبيب تعتبر دعم الأقليات وسيلة لجعلها ترفض الانخراط في حكومة مركزية، مما يضعف هيئة تحرير الشام ويدفعها إلى التركيز على القضايا الداخلية بدل التهديد الخارجي.
وتابعت أن هذا السيناريو لن يفشل إلا إذا قررت هيئة تحرير الشام بشكل مفاجئ منح امتيازات واسعة لتلك الأقليات.
ضعف الحكومة الجديدة بعد الضربات الإسرائيلية
أكدت الصحيفة أن الغارات الجوية الإسرائيلية على مستودعات السلاح والبنية التحتية العسكرية أسدلت بظلالها على القدرات العسكرية للحكومة الجديدة، التي تحتاج لسنوات حتى تستقر.
أشارت كذلك إلى أن الانقسامات الداخلية في هذه الحكومة، خاصة مع رفض بعض المكونات الاندماج معها، تُضعف من مركزها.
وتابعت أن بعض المجموعات مثل قوات سوريا الديمقراطية قبلت مبدئيا الانضمام للجيش الجديد، لكن الخلافات حول النظام الفدرالي وتوزيع السلطات ما زالت قائمة. الشرع يرفض الفدرالية دون توافق وطني، في حين تعارض تركيا أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي.
وأضافت أن إسرائيل أوقفت مشروعا يتيح للدروز السوريين تفعيل الأنشطة الزراعية والإنشائية في الجولان، ما يعكس أولوية الأمن الداخلي على حساب التنسيق مع الأقليات.

هجوم تحذيري إسرائيلي يعقبه تحرك تركي محتمل
ذكرت الصحيفة أنه عقب اندلاع اشتباكات طائفية في 29 و30 أبريل/نيسان 2025 بين السوريين الدروز والسنة بالقرب من دمشق، أعلنت إسرائيل أنها نفذت غارة جوية “تحذيرية” ضد “متطرفين” كانوا يعتزمون مهاجمة المجتمعات الدرزية.
وفي حال استمرت هذه الاشتباكات، من المرجح أن تزيد تركيا دعمها العسكري والإنساني لدمشق، بهدف تعزيز الحكومة المركزية السورية، والحد من خطر الهجمات العابرة للحدود، وزيادة نفوذها داخل الأراضي السورية.
أردفت الصحيفة أن تركيا ستسعى إلى تحسين جودة حياة الشعب السوري من خلال تكثيف المساعدات الإنسانية وتصدير الكهرباء، مما من شأنه أن يعزز شرعية الحكومة السورية داخليا. كما ستعمل أنقرة على تقديم مساعدات عسكرية وتدريب وأسلحة للنظام السوري الجديد، الذي تضررت قدراته العسكرية بشكل كبير بعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة، وذلك للمساعدة في استقرار الأوضاع الأمنية.
وتابعت أن المساعدات العسكرية التركية ستمكن الدولة السورية من الدفاع عن نفسها بشكل أفضل ضد الأعداء الخارجيين والجماعات الجهادية المحلية، ما يقلل من خطر عودة تنظيم داعش، الذي قد يشن هجمات داخل الأراضي التركية.
الجيش السوري الجديد وتأثيره على الأكراد
أضافت الصحيفة أنه في حال تعزز الجيش السوري الجديد، فقد يشجع ذلك الجماعات الكردية، مثل قوات سوريا الديمقراطية، على الاندماج في الحكومة المركزية. وإذا حدث ذلك، فإن قدرتهم على تنفيذ عمليات عسكرية ضد تركيا ستتضاءل بشكل كبير.
هذا المزيج من الدعم العسكري والإنساني، إضافة إلى إمكانية تعزيز العلاقات الاقتصادية في حال رفع العقوبات الدولية عن سوريا، سيزيد من اعتماد سوريا على تركيا، وبالتالي يعزز النفوذ التركي في البلاد.
وأوضحت أن النفوذ التركي في سوريا سيكون أكبر من نفوذ باقي القوى الإقليمية، نظرا إلى الدعم الأيديولوجي التركي للحركات الإسلامية السياسية، والقرب الجغرافي، والخبرة العسكرية. في المقابل، فإن منافسي تركيا، مثل إسرائيل وروسيا وإيران ودول الخليج، لا يمتلكون جميع هذه العناصر مجتمعة.
وذكرت أنه إذا قررت الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري في سوريا، فسيزيد احتمال انضمام قوات سوريا الديمقراطية إلى الحكومة المركزية، حيث إن هذا الانسحاب سيضعف الحاجز الذي شكّلته واشنطن بين تلك القوات وتركيا، ويجعل الأكراد يخسرون أهم حليف لهم.
وأضافت أنه حتى لو تم دمج قوات سوريا الديمقراطية بنجاح في الدولة السورية، فقد تنشق بعض الميليشيات المتشددة عنها وتواصل مهاجمة المواقع التركية. ومع ذلك، فإن هذه الجماعات المنشقة ستكون محدودة العدد والموارد، وبالتالي فإن نطاق وجودة هجماتها ستكون محدودة، كما أن أي عمليات تركية للرد عليها ستكون بدورها محدودة، مما يقلل من احتمالية اندلاع توترات جديدة في المناطق ذات الغالبية الكردية بسوريا.

موقف دول الخليج ودور قطر والسعودية
ذكرت الصحيفة أن دول الخليج العربية تسعى بدورها إلى دعم الاستقرار في سوريا. فرغم اختلاف هذه الدول في رؤيتها السياسية تجاه الحكومة السورية الجديدة، فإنها قدمت مساعدات إنسانية.
وتابعت أنه على سبيل المثال، تعهدت قطر بتزويد سوريا بالكهرباء ودفع رواتب موظفي القطاع العام، إلا أن التحديات اللوجستية ومخاوفها من العقوبات الأمريكية عطّلت تنفيذ هذا التعهد. وإذا ما التزمت الإدارة الأمريكية كما وعد ترامب بتخفيف العقوبات، فإن الطريق أمام قطر سيكون أسهل.
وأردفت أن قطر والمملكة العربية السعودية اتفقتا على سداد ديون سوريا البالغة 15 مليون دولار لصالح البنك الدولي، وهو ما يمهّد الطريق أمام سوريا لاستعادة دعم البنك وتمكينها من الحصول على تمويلات لإعادة الإعمار.
وتابعت أنه في 6 يناير/كانون الثاني 2025، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية إعفاء من العقوبات مدته ستة أشهر، يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية والاحتياجات الأساسية مثل الماء والكهرباء إلى سوريا. ومنذ ذلك الحين، عرضت إدارة ترامب تمديد هذا الإعفاء لعامين على الأقل، بشرط أن تتخلص الحكومة السورية المؤقتة من مخزونها من الأسلحة الكيميائية، وتُبعد المقاتلين الأجانب عن المناصب العليا.
أضافت أنه وفقا لتقرير نشرته وكالة رويترز في 26أبريل/نيسان 2025، أعلنت سوريا أنها أحرزت تقدما في تنفيذ العديد من الشروط الأمريكية، لكنها أشارت إلى أن بعض الشروط الأخرى تتطلب “تفاهما متبادلا” لتحقيقها. وإذا لم يُمدد الإعفاء، فقد تضطر تركيا إلى تقليص دعمها لسوريا؛ خوفا من العقوبات الأمريكية.
وتابعت أنه من المرجح أن تسعى كل من تركيا وإسرائيل، تحت ضغط الولايات المتحدة، إلى تجنب الاشتباك المباشر في سوريا، إلا أن وجودهما العسكري المتقارب، مع ارتفاع مستوى المخاطرة، يزيد من احتمال ارتكاب حسابات خاطئة تؤدي إلى مواجهات محدودة.
أضافت أن الولايات المتحدة، لكونها حليفا رئيسيا لكل من تركيا وإسرائيل، تمارس ضغوطا على الجانبين للحد من التصعيد. هذا الضغط، إلى جانب رغبة تركيا وإسرائيل في تجنب صراع واسع، يُضعف احتمالية اندلاع مواجهة مباشرة بين قوات البلدين في سوريا.
وأوضحت الصحيفة أن تنامي النفوذ التركي في سوريا من شأنه أن يثير مخاوف اليمين المتطرف في إسرائيل، ما قد يدفع الداخل الإسرائيلي إلى المطالبة بعمليات عسكرية أكثر صرامة ضد تركيا أو القوى المدعومة منها، خاصة في ظل استعداد إسرائيل لتحمّل المخاطر كما أظهرت في عملياتها الأخيرة ضد حماس وحزب الله وإيران.
وتابعت أنه حتى مع وجود آليات لفض النزاع، فإن استمرار العمليات العسكرية لكل من تركيا وإسرائيل في سوريا يحمل خطر وقوع أخطاء في الحسابات العسكرية قد تؤدي إلى اشتباكات محدودة، خصوصا إذا قامت أنقرة بنشر أنظمة دفاع جوي وطائرات مسيرة متطورة في سوريا، واستخدمتها لاختراق المجال الجوي الذي تسيطر عليه إسرائيل.

انسحاب أمريكي محتمل وتبعاته
أضافت الصحيفة أنه إذا انسحبت القوات الأمريكية من سوريا، فإن جرأة تركيا على اتخاذ خطوات عسكرية أكبر سترتفع، رغم أنها ستبقى حذرة من العواقب السياسية والاقتصادية للعقوبات الأمريكية. فهذه العقوبات حتما ستُفرض على أنقرة في حال نشب نزاع بينها وبين إسرائيل، لأن واشنطن في مثل هذا السيناريو ستقف بلا شك إلى جانب إسرائيل.
وتابعت أن أي مواجهة بين تركيا وإسرائيل في سوريا لن تؤدي بالضرورة إلى اندلاع حرب شاملة، بل قد تفتح المجال لخفض التصعيد. فالعواقب الاقتصادية والسياسية لهذه المواجهة ستدفع الطرفين إلى توخي الحذر.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة من المتوقع أن تسحب نحو 600 جندي من قواتها المنتشرة في سوريا، والذين كانت مهمتهم الأساسية محاربة داعش. وبهذا، سيبقى أقل من ألف جندي أمريكي داخل سوريا.
وذكرت أن هذا الانسحاب لا يقلل فقط من دعم الولايات المتحدة للعمليات الكردية ضد داعش، بل يضعف كذلك دورها كحائط صد يحول دون قيام تركيا بشن عمليات عسكرية ضد الأكراد، مما قد يجعل أنقرة تعيد النظر في عملياتها أو تحدّ من نطاقها. ومع انخفاض عدد القوات الأمريكية، ستضعف قدرة واشنطن على ردع تركيا، التي باتت أكثر جرأة في تحركاتها مؤخرا.