عباس عراقجي.. “لاعب الشطرنج الإيراني الماهر” ودبلوماسي المواجهة بالملف النووي

كتب: ربيع السعدني 

يقف كأحد أبرز مهندسي السياسة الخارجية لطهران، حاملا على عاتقه إرثا دبلوماسيا تمتد جذوره إلى مفاوضات الاتفاق النووي لعام 2015، حيث لعب دورا محوريا في صياغة “خطة العمل الشاملة المشتركة”، لديه علاقات جيدة مع المرشد وقادة الحرس الثوري،  وجميع الفصائل السياسية في طهران.

إنه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الدبلوماسي الإيراني المخضرم، الذي وصفته صحيفة “معاريف” العبرية بـ”لاعب الشطرنج الإيراني الماهر”، بسبب دوره البارز في تحديد مسار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.

رئيس الوفد الإيراني في محادثات مسقط

في 12 أبريل/نيسان 2025، عاد عراقجي إلى دائرة الضوء كقائد للوفد الإيراني في مفاوضات عمان، التي جمعت إيران والولايات المتحدة تحت الوساطة العمانية، لإجراء محادثات مصيرية قد تقرر اتفاقا نوويا جديدا أو ضربة عسكرية أمريكية، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.

ورأس  عراقجي الوفد الإيراني، وهو دبلوماسي ذو خبرة ونفوذ ويواجه أحد أهم التحديات في حياته المهنية، كرئيس للوفد التفاوضي في المحادثات غير المباشرة بعمان (أبريل/نيسان 2025)، يقود عراقجي فريقا يضم:

  • مجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية.
  • كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية.
  • إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية.

في محاولة لإحياء الدبلوماسية النووية ببراعته المعهودة، جمع عراقجي بين الصلابة في الدفاع عن المصالح الإيرانية والمرونة التكتيكية، مواصلا نسج خيوط الحوار في ظل تحديات غربية معقدة.

من عائلة محافظة ثرية 

عباس حسين عراقجي، من مواليد عام 1962، لعائلة محافظة ثرية بالعاصمة طهران تعمل في التجارة والاقتصاد، لكنه فقد والده في سن السابعة عشرة، ورغم أن جده -الذي ينحدر من محافظة أصفهان- كان تاجرا شهيرا للسجاد وكان يحث أفراد الأسرة على المضي قدما في التجارة، فإن حفيده عباس اختار طريقا مختلفا من بين شقيقاته الثلاث وأخويه.

حصل على البكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة طهران وأكمل دراسته على مستوى الماجستير في العلوم السياسية من الجامعة نفسها، وبعد ذلك ذهب عراقجي إلى إنجلترا وحصل على الدكتوراه في الفكر السياسي من جامعة كنت.

تأثر في شبابه بثورة 1979، وعندما كان ينوي المشاركة في اختبار دخول الجامعات الإيرانية، اندلعت الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988)، حيث أغلقت الجامعات أبوابها، فانضم إلى الحرس الثوري (IRGC) في ثمانينيات القرن العشرين.

كم عدد زوجات عراقجي؟

أثارت زيارته مع امرأة تدعى آريزو أحمدوند إلى البازار الخيري لجمعية النساء الدبلوماسيات التابعة لوزارة الخارجية، الاهتمام، وأثيرت تساؤلات حول زوجات عراقجي.

عراقجي متزوج ببهارة عبد اللهيان، هي ابنة أحد الشخصيات المؤثرة في غرفة التجارة علي عبد اللهيان، وهو شخصية سياسية مقربة من حزب الائتلاف الإسلامي، وعلى النقيض من والدها وزوجها، فإن بهاره عبد اللهيان فنانة ورسامة أقامت أيضا معرضا للوحات الزيتية في أثناء وجودها باليابان بصفتها زوجة السفير.

يُوصف عراقجي بأنه هادئ وقليل الانفعال، حيث أشار في مقابلة إلى أن زوجته تتهمه أحيانا بالقسوة العاطفية، ولذلك لم تستمر هذه العلاقة وأدت إلى الانفصال رغم وجود ولدين وابنة واحدة منها.

فضيحة ابن أخيه

شغل ابن شقيقه أحمد عراقجي، منصب نائب محافظ النقد الأجنبي في البنك المركزي الإيراني عام 2017، لكنه أُلقي القبض عليه عام 2018 بتهمة التلاعب بالعملة في أعقاب التقلبات في سوق الصرف الأجنبي ورحيل ولي الله سيف عن رئاسة البنك المركزي، وأُقيل أيضا من منصبه واعتقلته السلطة القضائية وأرسلته إلى السجن ثم أُثيرت حوله اتهامات بالمحسوبية، لكن الحكم أُلغي لاحقا.

البدايات الدبلوماسية

بدأ تعليمه الدبلوماسي في إيران، ثم أكمل دراسته العليا في المملكة المتحدة، حيث طوّر فهما عميقا للسياسة الدولية والمفاوضات، يُشار إلى أنه كان متحدثا طليقا بالإنجليزية، مما أذهل نظراءه الأمريكيين خلال المفاوضات لاحقا، حيث لم يكونوا يعرفون في البداية أنه يجيد اللغتين العربية والإنجليزية، وكان سفيرا لإيران في تركيا، وتسلم أوراق اعتماده من إمبراطور اليابان في 11 مارس/آذار 2008، وبعد عودته من طوكيو تم تعيينه نائبا لوزير الخارجية للشؤون الآسيوية والمحيط الهادئ في النصف الثاني من عام 2011.

المناصب القيادية

وفي أواخر حقبة الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، عُين عراقجي في مايو/أيار 2013، متحدثا باسم الخارجية خلفا لرامين مهمان برست، من قبل علي أكبر صالحي لفترة لم تتجاوز 4 أشهر، ثم عيَّنه وزير الخارجية الجديد محمد جواد ظريف، نائبا له للشؤون القانونية والدولية حتى عام 2017.

بعد استقالة رامين مهمانبرست، المتحدث باسم وزارة الخارجية، في 11 مايو/أيار 2013، تم تعيين عراقجي متحدثا باسم وزارة الخارجية لمدة 4 أشهر في حكومة حسن روحاني عام 2013، خلال هذه الفترة، شارك في مفاوضات نووية مبكرة تحت إشراف سعيد جليلي (2007-2013)، لكنه عُرف بأسلوبه البراغماتي مقارنة بالنهج المتشدد لجليلي.

ثم عمل لاحقا نائبا لوزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية بين عامي 2013 و2017، وبعد التغيير في هيكل الوزارة، أصبح نائبا لوزير الخارجية للشؤون السياسية منذ 1 فبراير/شباط 2017. 

مؤلفات عراقجي

عراقجي لديه اهتمام بالكتابة، حيث نشر 6 كتب و46 مقالة بالفارسية والإنجليزية، وتتنوع كتبه بين السيرة الذاتية “مذكرات عن فترته في اليابان”، وتجاربه في المحادثات النووية، وخبرته الكبيرة في دبلوماسية المياه، وفي ما يلي أبرز كتبه:

  • الإرهاب والفضاء الإلكتروني في الشرق الأوسط، نشر عام 2017.
  • السر المكتوم: الاتفاق النووي، جهود جبارة من أجل حقوق وأمن وتنمية إيران، في 6 مجلدات، نشر عام 2021.

خبرة دبلوماسية طويلة 

يقول عنه الناشط والمعلق الإيراني الإصلاحي سعيد ليلاز، أحد أنصار الرئيس بزشكيان، وفقا لما نقلته صحيفة “معاريف“، إنه “الشخص المناسب هو واحد من أقوى وزراء الخارجية في تاريخ طهران، ويتمتع بسلطة كاملة من المرشد الأعلى ومعرفة عميقة بكل جوانب القضية النووية”.

يُعرف عراقجي بخبرته الطويلة في الدبلوماسية وسجله القوي في المفاوضات الدولية، خاصة في إطار الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPOA). 

وزيرا للخارجية

وتولى عراقجي منصب وزير الخارجية الإيراني منذ أغسطس/آب 2024، منذ أن رشحه الرئيس مسعود بزشكيان لتولي المنصب، وحصل على تصويت الثقة من البرلمان في 21 أغسطس/آب 2024 كوزير يقود دفة الدبلوماسية التي تقوم على “الاحترام المتبادل” مع أوروبا و”إدارة العداء” مع الولايات المتحدة مع تعزيز العلاقات الإقليمية.

يُعرف عراقجي بأسلوبه الهادئ ولكنه صلب، مع التركيز على الدبلوماسية كأداة لتجنب التصعيد العسكري، مع تأكيد أن إيران لن تتفاوض تحت الضغط.

يُشار إلى أن عراقجي كان يتبنى نهجا صلبا ولكنه براغماتي في المفاوضات، مع الحرص على حماية المصالح الوطنية. 

شخصية محورية

خلال فترة رئاسة جو بايدن، كان عراقجي الشخصية المحورية في محاولات إحياء الاتفاق النووي، لكن هذه الجهود لم تسفر عن أي نتائج ثم تم تعيينه أمينا عاما للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، وهو الهيئة التي تقدم المشورة للمرشد علي خامنئي، وهو التعيين الذي وضعه في أقرب دائرة نفوذ في البلاد.

ورغم قلة التفاؤل في طهران بشأن فرص نجاح المحادثات خلال الجولات القادمة، يبدو النظام الإيراني واثقا بقدرة عراقجي على التعامل بمهارة مع موقف طهران، وباعتباره مسلما متدينا يؤمن بمبادئ الثورة فقد خدم في عهد مجموعة متنوعة من الرؤساء، من المعتدلين إلى المتشددين. 

على مدى السنوات الماضية، كانت علاقات إيران بالعالم الأوسع تتحدد إلى حد كبير من خلال برنامجها النووي، الذي تدعي إيران أنه مخصص لأغراض مدنية فقط، في حين أن العديد من الدول الغربية مقتنعة بأن هدفها هو تطوير الأسلحة النووية.

ولكن سمعته كأحد أفراد النظام الإيراني قد تحميه من الانتقادات الداخلية إذا اضطر إلى التنازل عن قضايا رئيسية في المحادثات مع الولايات المتحدة، وبحسب مسؤول إيراني كبير، ورغم علاقاته الوثيقة مع خامنئي، تمكن عراقجي من الحفاظ على مسافة بينه وبين “الصراعات على السلطة السياسية” بين الفصائل المختلفة. 

انتقادات لمرونته الزائدة

أثار إعجاب نظرائه الغربيين بمهارته، لكنه واجه انتقادات داخلية من المتشددين لمرونته الزائدة المزعومة في المفاوضات، خاصة من صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد. ردا على ذلك، استشهد بمذكرات ويندي شيرمان (نائبة وزير الخارجية السابقة وكبيرة المفاوضين الأمريكيين) التي ذكرت بكاءها خلال جولات التفاوض، ليبرز قوته التفاوضية.

يُعتبر عباس عراقجي أحد أبرز الساسة والدبلوماسيين الإيرانيين في العصر الحديث، حيث جمع بين الالتزام بمبادئ الثورة والبراغماتية في التعامل مع الغرب، ودوره في الاتفاق النووي جعله رمزا للدبلوماسية الإيرانية القادرة على مواجهة القوى العظمى. 

كوزير خارجية، يسعى لتجنيب إيران حربا محتملة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، مع الحفاظ على استقلالية سياساتها الخارجية تحت شعار “لا شرقية ولا غربية”.