- يسرا شمندي
- 25 Views
نشر موقع فرارو الإصلاحي، الأحد 11 مايو/أيار 2025، تقريرا جاء فيه أنه في مجال السياسة الدولية المعقدة، حيث تزداد التوترات بين المصالح والمبادئ وتتداخل الحدود بين الممكن والممتنع، لا يُعتبر التفاوض دائما حلا نهائيا لإنهاء النزاعات، ففي العديد من الحالات، تتحول هذه العملية إلى ساحة لإدارة التوازن المتغير للقوى ومراقبة التحولات الهيكلية في علاقات اللاعبين الدوليين.
في هذا السياق، يشير أبرز الخبراء العالميين في مجال التفاوض وفضّ النزاعات راجر فيشر، وويليام يوري وبروس باتون إلى أن مفهوم الجلوس على طاولة المفاوضات لا يُعتبر مجرد وسيلة لحل الأزمات، بل يُعد هدفا مستقلا واستراتيجيا.
إيران، ليست خاسرة في الحوار؛ بل هي مالكة السردية الخاصة بالتفاوض
وأضاف الموقع أن الاستمرارية في المشاركة في مسار التفاوض تتحول إلى وسيلة لترسيخ الهوية السياسية وإعادة بناء الدور الاستراتيجي للدولة. ومن هذا المنطلق، لا يُستغرب أن بعض الدول التي تنتهج هذا الأسلوب لا تُعرّف نجاحها من خلال المكاسب السريعة، بل من خلال التآكل البطيء للمجال الدولي، ورصد نقاط ضعف الخصوم، واستنزاف أدوات الضغط.
وفي ضوء هذه الاستراتيجية، لا يُعتبر الوقت تهديدا، بل حليفا استراتيجيا؛ وعاملا يمكن أن يُبدّل مواقف الطرف المقابل ويُضعف تماسك جبهاته الداخلية والخارجية.
وتابع الموقع أنه من هذا المنظور، تبدو إيران، في إدارتها لما يقرب من 21 شهرا من المفاوضات، كطرف لا يسعى إلى إنهاء تقليدي للحوار؛ بل أقرب إلى لاعب يعتبر عملية التفاوض بحد ذاتها أداة استراتيجية، وفي كل جلسة، وكل لقاء دبلوماسي، وكل بيان رسمي، تعيد طهران بناء سرديتها عن نفسها؛ سردية فاعل مشروع راسخ، وغير قابل للتهميش في النظام العالمي.
وأكد أن استمرارية حضور إيران على طاولة المفاوضات لا تمثل فقط رمزا للاستقرار السياسي، بل هي أداة لتثبيت نوع من الاعتراف الدولي الذي لن يكون من السهل إنكاره حتى مع تغيرات توازن القوى.
وأوضح أنه قد لا يكون من قبيل المبالغة اعتبار الجملة الشهيرة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، التي قال فيها إن أمريكا غادرت طاولة المفاوضات، فيما لا تزال إيران جالسة عليها، فهي لا تُختزل في رسالة إعلامية، بل تمثل انعكاسا لرؤية تحليلية معمّقة لأهمية التواجد الفاعل في مسار التفاوض؛ إذ بات هذا الحضور ذاته أداة استراتيجية مستقلة.
وصرّح الموقع، استنادا إلى تحليلات مفكرين بارزين مثل ماكس بيزيرمان، وهيرب كوهين، بأن القيمة الحقيقية للتفاوض تكمن في أن مجرد الجلوس على الطاولة يخلق واقعا سياسيا يصبح فيه استبعاد الطرف الحاضر أكثر كلفة بكثير من إشراكه؛ إذ يُجبر هذا الحضور الطرف المقابل على التعاطي مع هذا اللاعب، لا كخيار اختياري، بل كضرورة لا يمكن تجاوزها في معادلة القوة
تراجع إيران
وأفاد الموقع بأن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2025، مصحوبة بالشروط الصارمة الاثني عشر نفسها التي كانت قد أطاحت سابقا بأي اتفاق مستدام، ولم تدفع طهران إلى التراجع عن نهجها التفاوضي؛ بل على العكس، أظهرت إيران من جديد قدرتها على الدمج بين الصبر الاستراتيجي والمبادرة التكتيكية، عبر انخراط مدروس في القنوات الخلفية وغير الرسمية. كالمسارات الاتصالية في مسقط وروما، دون الانزلاق إلى لعبة التنازلات المبكرة أو المغامرات السياسية قصيرة الأمد.
وأوضح أن طهران أدركت بدقة أن مجرد إبقاء باب الحوار مفتوحا يمكن أن يُبطئ وتيرة العقوبات الجديدة، وفي الوقت ذاته، يمنحها هامشا مرنا للمناورة الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي.
وبيّن أن من هذا المنظور، تظهر أحدث مظاهر استراتيجية إيران، ليس كردود فعل آنية، بل كتمديد طبيعي لاستراتيجية طويلة الأمد قابلة للفهم؛ استراتيجية تحول التفاوض من أداة تكتيكية إلى عملية لتثبيت مستمر للشرعية السياسية وإعادة خلق النظام الدولي؛ نظام قادر في الوقت نفسه على صد التهديدات وتوفير الفرص للمناورة، دون أن يؤدي إلى استنفاد الموارد الداخلية أو مواجهة مباشرة مع القوى الكبرى.
وأخبر بأن هذه الاستراتيجية تعتمد على فهم عميق لمنطق الترغيب والترهيب، وتعمل على استغلال التناقضات الهيكلية في مواقف القوى الغربية بشكل مدروس، متماشية مع القاعدة الذهبية لنظريات مفكري الواقعية في التفاوض، وإن الانتصار الحقيقي ليس في فرض الإرادة، بل في إجبار الخصم على التصرف بناء على مصالحك؛ دون أن يكون بالضرورة واعيا لتراجع مواقفه.
وأبرز أن اليوم، بينما يجلس نهجَان أساسيان متناقضان أمام بعضهما البعض على طاولة المفاوضات، يبدو المشهد أكثر من مجرد صراع تقني على بنود الاتفاق؛ إنه يشبه عرضا رمزيا لعالمين مختلفين.
وأفاد بأن الصراع بين النهج الإيراني المتأنّي، الذي ينسق وتيرة المفاوضات مع الزمن الممتد وسعة الصبر، مؤمنا بأن الجمال والمتانة لا يمكن تحقيقهما إلا بالبطء الذي ينبع من تراكمات الصبر، وبين الطريقة الأمريكية في المعاملات التي تقيم النجاح في السرعة وتعتبر العجلة مرادفا للذكاء، حيث يسعى لتقليص المفاوضات إلى صفقة فورية قد تنهار عند أول هفوة.
وأكد أن هنا يظهر بوضوح، أن المعركة الرئيسية، بعيدا عن التفاصيل الفنية للاتفاق، نزاع عميق حول فلسفتين مختلفتين بشأن الزمن، والفرص، والرؤية المستقبلية. وفي النهاية، لا يكون الانتصار لمن يرفع صوته أعلى أو يتخذ موقفا أكثر صلابة، بل هو لمن يستطيع تحويل عمق الصبر إلى استراتيجية فعالة، ويُعيد تعريف قواعد اللعبة ليعيد تشكيل الأرض بهدوء وصمت لصالحه.
الصبر الاستراتيجي، الفخ الناعم للدبلوماسية الإيرانية
ذكر الموقع أنه إذا كان الزمن في يد من يعرف فن صنعه، فإن إيران، مثل المبدع الصبور، لم تقتصر على الجلوس على طاولة المفاوضات، بل حولت حضورها إلى طقس عميق ومتعدد الطبقات؛ طقس تتشابك فيه الكلمات، ليس على اللسان، بل في خيوط احتمالات الأقدار، ويُستنبط فيه الصبر بألوان من الحذر، والتمهل، والتفكير.
وأضاف أن طهران استطاعت في هذه الصلاة الصامتة والممتدة أن تعيد كتابة قواعد اللعبة، ليس بكسرها أو بالمواجهة المباشرة، بل بترويض الزمن وتعليقه لصالحها؛ حتى أصبحت مواقف الأطراف المقابلة تتغير بهدوء وصمت، قبل أن تضطر إيران إلى تغيير موقفها.
وربما، كما تشير بعض الدلائل اليوم، يكون هذا الفخ الناعم، الهادئ، والمستتر، قد جعل الولايات المتحدة نفسها تنغمس فيه؛ فهي دولة تعودت على إتمام الاتفاقات بسرعة وتفهم النجاح في السرعة والوصول الفوري.
وشدد الموقع على أن هذه المرة، قد تقع في فخ لعبة ليست فقط أبطأ مما يظهر للوهلة الأولى، بل أعمق مما يمكن فهمه من خلال بنود الاتفاقات والنصوص الرسمية فقط.
وفي النهاية أفاد الموقع بأن عالم التفاوض، مثل فن نسج السجاد، لا ينال الانتصار من يسعى بسرعة، بل هو من نصيب من يحول الصبر إلى سلاح استراتيجي ويخفي هدفه النهائي في طبقات متعددة؛ طبقات لا تكشف إلا واحدة تلو أخرى عندما يفقد النزاع معناه، ويأخذ الزمن، بهدوء وبدون ادعاء، المخطط النهائي بين يديه.