- يسرا شمندي
- 20 Views
ترجمة: يسرا شمندي
نشرت صحيفة كيهان الأصولية، الاثنين 2 يونيو/حزيران 2025، تقريرا تطرّق إلى محاولات الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، بالتزامن مع تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية المتحيّز، لإعادة إحياء مشروع قديم لتشكيل إجماع دبلوماسي مزيف ضد إيران. لكن الدبلوماسية الإيرانية لم تكن مكتوفة الأيدي أو ساذجة هذه المرة.
وأضافت الصحيفة أن إيران أفشلت خطة الأميركيين لفرض التعليق وتشكيل كونسورتيوم بذكاء، وبدلا من ذلك، تجلّت عقلانيتها ومسؤوليتها من خلال التزامها بالتفاوض غير المباشر. وعلى الرغم من الحملات الإعلامية الغربية المكثفة، لم تسفر هذه المحاولات إلا عن نتائج ضعيفة وهزيلة.
وتابعت أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أصدر تقريرا حادا واستفزازيا كشف من خلاله التماهي الواضح بين الوكالة والسياسات الأميركية والأوروبية المعادية لإيران. واتهم غروسي إيران بعدم التعاون وزيادة مخزون اليورانيوم، دون أن يشير مطلقا إلى جذور الأزمة الراهنة والمتمثلة في إلغاء الاتفاق النووي (برجام) من قبل الولايات المتحدة.
واستنادا إلى ما نشرته وكالات الأنباء الغربية مثل أسوشيتد برس ورويترز، فإن التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية – والذي لم يُنشر رسميا بعد، ورغم ذلك تم تسريبه بشكل غريب إلى وسائل الإعلام الأميركية – يبدو بوضوح أنه ليس تقريرا فنيا بقدر ما هو بيان سياسي منسّق مع تحركات واشنطن وتل أبيب ضد البرنامج النووي السلمي الإيراني.
ويزعم التقرير المذكور أن إيران رفعت كمية مخزونها من اليورانيوم المخصّب حتى مستوى 60٪ إلى 408 كيلوجرامات، فيما استخدم نبرة تحذيرية مشددا على فرادة هذا المستوى من التخصيب بين الدول غير النووية.
والمدهش أن التقرير يتجاهل أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي أزال التزامات إيران وفقا لقانون رفع العقوبات الذي أقرّه البرلمان. ورغم ذلك، خلط التقرير بين التزامات إيران في اتفاق الضمانات والتزامات برجام، وتجاهل انتهاك أمريكا للاتفاق، مما صور إيران كطرف مذنب.
ومن جهة أخرى، يؤكد التقرير نفسه أنه لا توجد أي مؤشرات موثوقة على وجود برنامج نووي غير معلَن في إيران! وهو تناقض فاضح وسخيف، يكشف أن الهدف من التقرير لم يكن تقديم إيضاحات فنية نزيهة، بل تمهيد الطريق لمزيد من الضغوط السياسية على إيران.
الوكالة الدولية.. في خدمة السيناريو الغربي ضد إيران
أفادت الصحيفة بأن تسريب التقرير السري للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى وسائل الإعلام الأميركية يثير تساؤلات حول تنسيق محتمل بين التحضير الإعلامي، والمناورات الأوروبية، والمقترح الأميركي المرسل عبر سلطنة عمان، في إطار سيناريو متكرر يهدف إلى تشويه صورة إيران وخلق مبررات للضغط عليها دوليا.
وكشف الصحفي الإسرائيلي باراك راويد أن واشنطن قدّمت عبر سلطنة عمان اقتراحا مكتوبا إلى طهران لكسر الجمود في المفاوضات النووية، يتضمن إنشاء كونسورتيوم إقليمي لتخصيب اليورانيوم تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة.
وبذلك تحاول واشنطن خداعا الإيحاء باعترافها بحق إيران في التخصيب، بينما تهدف فعليا إلى وقف التخصيب داخل إيران، في التفاف واضح على سيادتها وحقها المشروع في برنامج نووي سلمي.
وقالت الصحيفة إن هذا النموذج يكرّر تجربة مفاوضات سعد آباد، حيث علّقت إيران التخصيب طوعا دون ضمانات، اعتمادا على وعود لم تُنفذ، ما أدى لاحقا إلى صدور ستة قرارات ضدها وإحالة ملفها إلى مجلس الأمن الدولي.
آلية الزناد.. الإرث المشؤوم للاتفاق النووي
أوضحت الصحيفة أن أحد الجوانب المهمة والمغفلة إلى حد كبير في التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، هو أن هذا التقرير يبدو وكأنه كُتب ليخدم غرضا يتجاوز الأهداف الفنية أو الرقابية المعتادة؛ بل يبدو أنه صُمم ليكون تمهيدا لبدء عملية تفعيل آلية الزناد من قِبل الدول الأوروبية.
وأضافت أن المراقبين المطلعين يدركون جيدا أن تبنّي مثل هذا المسار لا يمكن أن يتم من دون تنسيق مسبق مع العواصم الأوروبية الكبرى، وعلى رأسها لندن، باريس، وبرلين. وهذا التواطؤ المحتمل يعيد طرح أسئلة جدية حول حيادية الوكالة ومدى استخدامها كأداة سياسية في يد القوى الغربية
وتابعت الصحيفة أن آلية الزناد تُعد من أضعف جوانب الاتفاق النووي، إذ تحولت لأداة ضغط نفسي مستمر بيد الغرب ضد إيران. ووصفتها بـالتحفة الدبلوماسية التي وُلدت في عهد دبلوماسية الابتسامة، لكنها أصبحت اليوم وسيلة دائمة للتهديد الأوروبي.
وأورد التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية مزاعم غير موثقة بشأن تخصيب اليورانيوم ومواقع غير معلنة في إيران، ما جعله يتجاوز طابعه الفني ليتحول إلى أداة سياسية تمهّد لتصعيد محتمل. ومن المرجّح أن تسعى الدول الأوروبية إلى استغلال هذا التقرير لتفعيل آلية الزناد، بهدف إعادة فرض العقوبات وتصوير إيران كطرف غير ملتزم.
وبيّنت الصحيفة أن تفعيل آلية الزناد من قِبل الأوروبيين، في ظل الظروف الحالية، يفتقر للتأثير العملي، إذ إن العقوبات الأساسية فُرضت مسبقا، وإيران تواجه ضغوطا تفوق ما فرضته قرارات مجلس الأمن السابقة. وأضافت أن تجربة برجام أثبتت أن تلك القرارات لم تعد سوى أوراق بالية تُستخدم لأغراض إعلامية ونفسية في إطار سياسة كبح إيران.
وأكَّدت أن الغرب اليوم يواجه أزمة شرعية كبيرة أمام شعوبهم، فليس لديهم ما يقدّمونه لإيران من مكاسب عبر برجام، وفي المقابل آلية الزناد أصبحت سلاح تهديد دائم، فهو سلاح نفسي أكثر منه واقعي.
وأفادت بأن الخطر يكمن في تحول الضغوط النفسية إلى فخ جديد إذا لم تعتمد إيران مواقف حازمة وفاعلة. وشددت على أهمية تمسك طهران بموقفها المستند إلى القانون الاستراتيجي للبرلمان والمنطق القانوني، مؤكدة أن إيران لم تفقد مشروعيتها، بل باتت اليوم أكثر شرعية في مواجهة المطامع الغربية.
الاقتراح الأمريكي: آلية تحمل مخاطر كبيرة ضمن إطار دبلوماسي
أشارت الصحيفة إلى أن الاقتراح الأمريكي ليس علامة حسن نية بل فخ يهدف إلى إضعاف برنامج إيران النووي السلمي. ورفضت فكرة انضمام إيران إلى تحالف شكلي، معتبرة ذلك تراجعا خطوة إلى الوراء وتشجيعا للغرب على زيادة الضغوط، مستندة إلى تجارب سابقة أثبتت أن التراجع بدون ضمانات يؤدي إلى ضغوط جديدة.
وأضافت أن أسماء مثل سعدآباد وبروكسل وباريس باتت رمزا لفترة من السذاجة الدبلوماسية تجاه العداء الغربي، والتي حدثت في آخر عامين من حكومة الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ولا تزال آثارها السلبية تؤثر على إيران حتى اليوم.
وتابعت أنه في تلك الفترة، اعتقد فريق التفاوض آنذاك أن حسن النية والتعليق الطوعي سيقودان الغرب إلى تفاهم ومصالحة مع إيران، فتوقفوا مؤقتا وبشكل طوعي عن أنشطة تخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة، وقبلوا البروتوكول الإضافي وتخلوا عن بعض الأنشطة النووية.
وذكرت أن الحقيقة كانت عكس المتوقع، فالتعليق الطوعي لم يخفف الضغوط أو يرفع العقوبات، بل أصبح مبررا لتصعيد العداء، حيث تصاعدت قرارات مجلس المحافظين ضد إيران إلى ستة قرارات، ثم القرار السابع الذي أدى إلى إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن، وسط تراجع طوعي من جانب إيران.
وأبرزت أن الأغرب من ذلك أن من تسببوا في هذه القرارات السبعة وإحالة الملف إلى مجلس الأمن، باتوا اليوم يتهمون حكومة الدولة التاسعة زورا بأنها سبب رفع الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن.ففي الواقع، لم يعتبر الغرب التعليق تنازلا، بل اعتبره ضعفا وتراجعا، مما مهد لإحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي. وهكذا، ما بدأ بنية حسن النية والتفاعل تحول إلى سلسلة من الضغوط والتهديدات والعزلة الدبلوماسية.
وحذَّرت من ضرورة أخذ هذه التجربة التاريخية المريرة بعين الاعتبار بحذر في الظروف الراهنة.
وأكدت أنه مع دراسة المقترحات الأمريكية الجديدة ومحاولات الغرب لإعادة إيران إلى التعليق والقيود الطوعية، يتكرر نفس السيناريو القديم. فمصطلحات مثل كونسورتيوم إقليمي، ومراقبة مضاعفة، ووقف التخصيب داخل إيران هي نسخة حديثة من التعليق الطوعي في سعدآباد، الذي سبق وأن تسبب بخسائر كبيرة.
لذلك، أي عودة إلى نموذج سعد آباد الفاشل والتعليق بدون ضمانات لن تكون مجرد ضعف استراتيجي، بل سترسل رسالة للعدو مفادها أنه لا يزال بالإمكان باستمرار الضغط والخداع والوعود الكاذبة إجبار إيران على التنازل عن حقوقها المشروعة.
وشددت على ضرورة اعتماد سياسة المقاومة النشطة والمنطق القانوني، والتمسك بقانون الإجراءات الاستراتيجية للبرلمان كأولوية. وأكدت أن تجارب بروكسل، سعدآباد، ومجلس الأمن تشكل درسا واضحا بأن التراجع بدون ضمانات يفتح الباب أمام تقدم العدو بدلا من حل الأزمة.
وأوردت أنه بعد شهرين من المحادثات غير المباشرة، وإرسال الرسائل عبر وساطة عمان، وتمسك إيران بمواقفها المبدئية، ما حصل ليس اتفاقا عادلا، بل تقريرا عدائيا مليئا بالاتهامات من الوكالة الدولية، يتناغم مع سيناريوهات أمريكا وأوروبا، ويُستخدم لأغراض دعائية، انتخابية، وحتى أمنية ضد إيران.
وتابعت أن مقترح واشنطن بشأن تعليق التخصيب مقابل الاعتراف به هو دورة مفرغة جديدة من الألعاب الغربية القديمة نفسها؛ لا يضمن حقوق إيران، ولا يلغي العقوبات، ولا يحقق الأمن لإيران.
خطة أمريكا باءت بالفشل
أوضحت الصحيفة أنه في حين اعتمدت مراكز الأبحاث الأمريكية على تكرار أنماط نفسية وسياسية من العقد الماضي لمحاولة وضع إيران في مأزق دبلوماسي، أظهرت إيران التزاما وحسن نية في الدبلوماسية، مبرزة قوتها المسؤولة. لكن هذه المرة، لم يكن ذلك بدافع تفاؤل ساذج، بل بحكمة المرشد الأعلى الإيراني وبمتابعة دقيقة عبر التفاوض غير المباشر، تم إحباط مخطط العدو.
وأضافت أن الأمريكيين ظنوا أنهم يستطيعون من خلال مقترحات تبدو دبلوماسية لكنها تقييدية، تصوير إيران كعائق أمام الدبلوماسية وجعلها تبدو غير منطقية في المحافل الدولية. لكن ذكاء فريق التفاوض الإيراني، المدعوم بمعرفة قواعد اللعبة الدبلوماسية وشعبه والاستراتيجيات الوطنية، أحبط مؤامرتهم الخبيثة.
وأوردت أن طهران أظهرت استعدادها للتفاوض دون التنازل عن حقوقها المشروعة، مع التأكيد على أن التفاوض يجب أن يكون مدروسا ويستند إلى مصالحها الوطنية. هذا النهج الحكيم حال دون تحقيق الولايات المتحدة لمخططها في حشد الدعم الدولي وخلق إجماع إعلامي وقانوني ضد إيران. بل إن بعض الخبراء والسياسيين الأمريكيين مثل ستيفن والت وجون ميرشيمر أعربوا عن استيائهم من المواقف الأمريكية الغامضة وغير الواضحة.
وأبرزت أن إيران نجحت في اجتياز هذا الامتحان بنجاح. والآن تبدأ مرحلة جديدة من المواجهة التي تقع مسؤوليتها بشكل أكبر على عاتق الحكومة. وحان الوقت للحكومة أن تتجاوز انتظار المفاوضات وأن تشرع في تصميم خطط ذكية وطويلة الأمد تنبع من داخل البلاد، وتعزز الاقتصاد، وتقوي ثقة الجمهور، وترسل رسالة واضحة للطرف المقابل: إيران ليست قابلة للضغط، بل تتخذ قراراتها بناء على مصالحها.
وأضافت الصحيفة أن هناك مسؤولية رئيسية تتمثل في توضيح الأبعاد الحقيقية لهذه المواجهة للجمهور بشفافية ووضوح وبالاعتماد على الحقائق. ويجب أن يعرف الناس مسار إيران، والمؤامرات التي أُحبطت، والموقف الحالي لإيران، لأن هذا التوضيح يعزز الوحدة الوطنية ويقوي الحصن الوطني في مواجهة الضغوط الخارجية.
وتابعت أن إيران وصلت سواء في الميدان أو في الدبلوماسية، إلى نضج يمكنها من إحباط مخططات أعدائها في كلا المجالين. لكن شرط بقاء هذا الانتصار هو الانتقال السريع من مرحلة الردود إلى مرحلة التحرك الفعّال؛ وهو تحرك يجب أن يصاحبه حكم ذكي ودبلوماسية داخلية شفافة.
وأفادت الصحيفة بأن حسن نية إيران والتزامها بالدبلوماسية لا ينبغي تجاهلهما. وقادت إيران المفاوضات بحكمة وذكاء، مما جعل الطرف الأمريكي يقع في فخ حملته الدعائية. كما فشلت محاولات تصوير إيران كطرف متهور بفضل دهاء الفريق الإيراني، واليوم أشار تقرير غروسي بوضوح إلى عدم وجود دليل على برنامج نووي غير معلن في إيران.
وأوضحت أن إيران اجتازت هذا الاختبار بنجاح، وحان الوقت للحكومة أن تحدد الطريق المستقبلي للشعب عبر خطط ذكية وبرامج طويلة الأمد. كما أكد المرشد الأعلى دائما يجب الاعتماد على القدرات الداخلية والإمكانات الإقليمية الفريدة بدلا من إبقاء الاقتصاد والسياسة في حالة انتظار على طاولة المفاوضات، للحفاظ على راية العزة والاستقلال مرفوعة.
وأبرزت أن هذا المسرح المتكرر بين الولايات المتحدة وأوروبا والوكالة انتهى مرة أخرى، لكن نتائجه كشفت نوايا الغرب الحقيقية وأكدت صحة تحليلات إيران السابقة. وعلى غرار المرات السابقة، لم تُثمر المفاوضات إلا نتيجة ضعيفة، وهذه المرة جاءت من طرف الوكالة والغرب أنفسهم.
وفي الختام أقرت الصحيفة بأن مستقبل إيران لا يكمن في الاتحادات المصطنعة ولا في التعليق المكلف، بل في الاعتماد على القوة الوطنية والشك الدائم في عدو متجذر يظهر دائما بوجه جديد لكن بنية ثابتة.