محلل سياسي إيراني: بعض معارضي الاتفاق مع أمريكا راكموا ثروات من العقوبات


ترجمة: شروق حسن

في ظل الحديث المتجدد عن استئناف المحادثات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة، يطرح المحلل السياسي والناشط أحمد ترك‌نجاد، في حوار له مع الصحيفة الإيرانية الإصلاحية “اعتماد” يوم الخميس 22 مايو/أيار 2025، رؤيته حول مسار هذه المفاوضات وتداعياتها.

حوار مع أحمد ترك‌نجاد، الناشط والمحلل في الشؤون السياسية وأحد المسؤولين التنفيذيين السابقين.

نص الحوار:

كيف تقيّمون بشكل عام، المحادثات الثنائية بين إيران وأمريكا في ضوء استئنافها المرتقب، وما تأثير طرح مسألة التخصيب بنسبة صفر بالمئة على فرص التوصل إلى اتفاق؟

في رأيي، مسألة المدّ والجزر في مفاوضات بهذه الدرجة من الحساسية أمر طبيعي، فكلما تقدّم الطرفان إلى الأمام، ازداد هذا المدّ والجزر واشتدت حدّته، لأن كلا الجانبين يسعيان، في الفرص الأخيرة قبل الاتفاق، إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب وتقديم أقل قدر من التنازلات للطرف المقابل.

 من الطبيعي أن يتحدث ترامب عن التخصيب بنسبة صفر بالمئة، وفي المقابل، فإن القيادة قدّمت ردودا منطقية للطرف الآخر. 

يجب أن نلاحظ أن المرشد الأعلى بإيران لم يتحدث أبدا عن وقف المفاوضات، لقد رسم المرشد فقط الخطوط الحمراء لكي يدرك الطرف المقابل حدوده.

 إذا جرى مسار المفاوضات في إطار محدد وقائم على التفاهم المتبادل، فسيصل بالتأكيد إلى نتيجة، وإلا فسيواجه طريقا مسدودا.

 لا ينبغي الشك في ضرورة أن تتجه إيران نحو اتفاق جاد مع أمريكا، لأن الظروف الداخلية – التي ليست ضئيلة – إلى جانب التهديدات الإقليمية والظروف العالمية، كلها تفرض، انطلاقا من مبدأ العزة والمصلحة والحكمة، أن تُختتم المفاوضات باتفاق، ومن الإنصاف القول إن المفاوضين الإيرانيين قد أولوا حتى الآن أقصى درجات الاهتمام بهذه الاعتبارات.

ما رأيكم في الحرب الإعلامية المتبادلة بين إيران وأمريكا خارج إطار المفاوضات الرسمية، وكيف تقيّمون سياسة التقطير في المعلومات التي يعتمدها الجانب الإيراني مقارنة بالنهج الإعلامي الأمريكي؟

الحرب الإعلامية والحوار الإعلامي جزء مهم من هذه المعركة الدبلوماسية، بل ومن أي مفاوضات أخرى أساسا، من وجهة نظري، فإن كلا من أمريكا وإيران بحاجة إلى هذا الاتفاق.

 إيران ليست مكبّلة الأيدي، ولديها العديد من أوراق اللعب في المنطقة، رغم وجود العديد من المشكلات أمامها أيضا.

 وفي الوقت ذاته، فإن القدرات الإيرانية في خلق التهديد تشكل فرصا كبيرة تدرك أمريكا هذه القدرات التي يمتلكها الطرف الإيراني، من الضروري، في أجواء واقعية، أن نلفت انتباه الطرف المقابل إلى هذه القدرات. وهذه مهمة وسائل الإعلام والمحللين الإعلاميين.

 بالطبع، فإن بعض التجارب السابقة قد أوصلت المفاوضين الإيرانيين إلى نتيجة مفادها أن من الأفضل ربما أن تُدار المفاوضات بأقصى قدر من الحذر وفي صمت إعلامي.

هل تعتقدون أن إعلان أمريكا أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة يتعارض مع إدراكهم مخاطر الانخراط في نزاعات جديدة في المنطقة؟

يجب الانتباه إلى أن إيران لم تكن يوما، ولا هي الآن، راغبة في الدخول في مواجهات عسكرية، ومن جهة أخرى، فإن أمريكا أيضا ليست لديها رغبة في صراع عسكري مع إيران.

 أمريكا تدرك أنها من خلال التورط في الشرق الأوسط ستفقد كثيرا من الفرص، ومثال ذلك هو رحلة ترامب إلى الشرق الأوسط وحديثه عن استثمار بقيمة خمسة تريليونات دولار في دول الخليج العربي.

 من الواضح أن تحقيق مثل هذه الاستثمارات مرهون بالاستقرار الإقليمي، في شرق أوسط مضطرب، لن تحصد أمريكا أية مكاسب، كما أن تحرك إيران نحو التنمية يشترط أيضا هدوء المنطقة ورفع العقوبات، ولذلك أعتقد أن المفاوضات ستتواصل وسيتم التوصل إلى اتفاق.

كيف تفسّرون التناقض في المواقف الأمريكية؟

أمريكا، في الخطوة الأولى ومن خلال رسائلها الأولى، أعلنت أن مطلبها هو عدم تحرك إيران باتجاه تصنيع السلاح النووي، قبل كل هذه التصريحات، كانت إيران قد أوضحت عقيدتها عبر فتوى صادرة عن المرشد.

 وبحسب فتوى المرشد، لا يُسمح لإيران بالتوجه نحو السلاح النووي، فتوى دينية صادرة عن مرجع مثل المرشد تعلو بمراحل على أي قانون، ولذلك لم يكن هناك في البداية أي إشكال بين الطرفين. 

وفي ما يتعلق بظروف ومستوى التخصيب، ينبغي الانتباه إلى أن إيران وصلت إلى المعرفة النووية، وهذه المعرفة لا يمكن أن تُمحى، حتى وإن قصفت أمريكا جميع المنشآت النووية الإيرانية، فإن المعرفة النووية الإيرانية ستبقى وتزدهر.

 أعتقد أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين الأخيرة هي في الأغلب تكتيكية وتهدف إلى الحصول على مكاسب أكبر من المفاوضات، يجب على إيران أن تردّ على كل هجمة بهجمة مضادة مناسبة.

 لا يمكن لأحد أن يفرض على إيران أن تتخلى عن معرفتها النووية، المعرفة النووية الإيرانية تُصنّف ضمن الأصول غير الملموسة للبلاد، من وجهة نظري، فإن طرح موضوع التخصيب بنسبة صفر بالمئة هو تكتيك أمريكي، لا ينبغي أن نقع في فخ التكتيكات التي يعتمدها الطرف المقابل.

الاتفاق المحتمل بين إيران وأمريكا له مؤيدون ومعارضون، أو رابحون وخاسرون. كيف تبدو صورة هؤلاء الرابحين والخاسرين؟

من الواضح أن الأفراد والمجموعات التي استفادت من العقوبات وجنت منها مكاسب، قد راكمت ثروات هائلة بناء على قدراتها ومهاراتها وذكائها وإمكاناتها.

وصل هؤلاء إلى مثل هذه المكانة نتيجة تقليص أو انعدام المنافسة، فعلى سبيل المثال، أدّت العقوبات إلى تمكين بعض الأشخاص في إيران من تصدير النفط.

 هذا الامتياز لا يُمنح للجميع على قدم المساواة، بل إن هناك فئة محددة فقط هي التي تنال مثل هذه الفرصة، وكذلك الأفراد والمجموعات التي لها إمكانية الوصول إلى العملة الصعبة بالسعر الرسمي لأغراض استيراد غير رسمي، تندرج ضمن هذه الفئة. 

في الأساس، جميع الذين جَنوا أرباحا ضخمة من العقوبات يعارضون الاتفاق بين إيران وأمريكا، ومن الطبيعي أنهم لا يستطيعون المجاهرة علنا بسبب مصالحهم الخاصة، ولذلك يُضطرون إلى إظهار معارضتهم في إطار شعارات ثورية ومن خلال رؤى دينية حتى لا تظهر القضية الحقيقية.

 المتشددون، سواء داخل البلاد أو خارجها، يسيرون في خطى نتنياهو، الشخص والجهة الوحيدة التي تعارض الاتفاق بشكل جذري هو نتنياهو. 

وبعده يأتي عناصر النفوذ الإسرائيلي في إيران والأفراد والمجموعات التي، من دون وعي، تلعب في ملعب نتنياهو. إيران لا تسعى لإقامة علاقة مع أمريكا من باب الترفيه، بل إن المصالح الوطنية هي التي تحدد مع من ينبغي أن تكون علاقات عادية ومع من ينبغي أن تكون علاقات استراتيجية.

 لإيران مصالح استراتيجية مع الصين وروسيا، ومع دول المنطقة، هناك ضرورة جيوسياسية لتوسيع العلاقات، أما العلاقة المحتملة مع أمريكا، فهي أيضا تُفهم وتُفسر في إطار مثل هذه الضرورات، هذه الضرورات تُملي على إيران أن تمضي قدما في مسار خفض التوتر والاستقرار.

 إيران، بحاجة إلى الاستفادة من جميع الطاقات الاقتصادية والتواصلية من أجل التنمية.

بعد طرح مسألة التخصيب بنسبة صفر بالمئة، أعلنت بعض التيارات في إيران أن على إيران تأجيل الجولة الخامسة من المفاوضات. هل تؤيد هذا التوجّه؟

إيران يجب ألا تغادر طاولة المفاوضات أبدا، لكن يمكن طرح تعليق المفاوضات كتكتيك. بالطبع، يجب على المسؤولين أن يتحكموا في جميع العواقب والتبعات المحتملة لمثل هذا القرار.

 على إيران أن تعلن للعالم أنها من أنصار السلام والمفاوضة والحوار، يجب ألا يُمنح الأعداء ذريعة، ففي مثل هذا الجو، قد يتحوّل تعليق المفاوضات إلى ذريعة بأيدي الحاقدين ومثيري الحروب.

 يجب على إيران أن توضح أن أربع جولات من المفاوضات قد أُنجزت، وتم تحديد أطر معينة، ويجب الاستمرار ضمن هذه الأطر، لقد أعلنت إيران أنها لا تريد امتلاك سلاح نووي، ولا تزال تؤكد على هذا، وهي مستعدة لبناء الثقة.

 وفي الوقت ذاته، فإن التخصيب حق غير قابل للمصادرة بحسب معاهدة عدم الانتشار (NPT)، وإيران تمتلك هذه المعرفة، أما ما إذا كان التخصيب قد عاد على إيران بعوائد اقتصادية أم لا؟ فهذه مسألة أخرى، لكن هذا الحق لا يمكن لأحد أن يسلبه من إيران، المعرفة، في الأساس، تُصنَّف ضمن الأصول غير الملموسة لكل دولة وكل هيكل.