مدنيون يسقطون ضحايا في الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران

كتب: أمير عباس هدايت

في الساعات الأولى من فجر الجمعة، 13 يونيو/حزيران 2025، دوّت سلسلة انفجارات متتالية في سماء طهران، لتوقظ السكان على وقع الرعب والدمار. تحطمت النوافذ بفعل شدة الانفجارات، وغطّى دخان كثيف أجواء غرب العاصمة وشمالها الشرقي.

وفي عملية أطلقت عليها اسم “الأسد الصاعد”، أطلقت إسرائيل مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة نحو أهداف في أنحاء متفرقة من إيران. ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي أن الهجوم استهدف منشآت نووية وعسكرية، تشير المعطيات إلى إصابة مناطق سكنية وسقوط ضحايا مدنيين، إضافة إلى تقارير عن اغتيال عدد من المسؤولين الإيرانيين.

قال أحد الصحفيين، نقلا عن مجلة “تايم”، إنه واثق تماما من وقوع خسائر في صفوف المدنيين نتيجة انهيار عدد من المباني السكنية. وقد أكدت الصور المنتشرة من أحياء مدمرة مثل فرحزاد، ونارمك، وبلوار اندرزغو، وباكدشت وتشيتغَر هذه المزاعم، حيث أظهرت مشاهد مروعة لضحايا مدنيين: عائلات كانت تنام بسلام في منازلها، أطفال لم يستيقظوا أبدا، وآباء ينقبون تحت الأنقاض بحثا عن أبنائهم.

في تصريح أولي، قال المتحدث باسم جمعية الهلال الأحمر الإيرانية، مجتبی خالدي:
“عمليات الإنقاذ والإغاثة متواصلة في 12 محافظة، وقد أُصيب خلال الهجوم فجر اليوم 95 شخصا تم نقلهم إلى المستشفيات، فيما تلقّى 26 آخرون العلاج في موقع الحادث.”

وبعد ساعات، نشرت وكالة أنباء “فارس” إحصائية غير رسمية تفيد بسقوط 78 شهيدا وأكثر من 320 جريحا في أنحاء متفرقة من البلاد، معظمهم من المدنيين. وكان من بين الضحايا أسماء لا علاقة لها بالمجالين العسكري أو النووي: أطفال، رياضيون، أمهات، وموظفون عاديون.

وفي السياق نفسه، أفادت وكالة أنباء “إرنا” بسقوط قتلى من النساء والأطفال في مجمعات سكنية، مشيرة إلى العثور على جثتي أم وطفلها تحت أنقاض مبنى في حي فرحزاد. أما الهجوم على مبنى في نارمك، فقد أسفر عن مقتل شخصين وإصابة ستة آخرين. وفي بلوار اندرزغو، قُتل مدني يُدعى سينا سليماني، فيما استُشهد لاعب البادل الإيراني بارسا منصور جرّاء القصف.

قُتلت الصحفية الشابة فرشته باقري مساء بعد إصابة منزلها بصاروخ، لتُضاف إلى قائمة ضحايا الهجوم.

من جهته، أعلن الاتحاد الإيراني للتايكوندو نبأ استشهاد اللاعب الناشئ أميرعلي أميني، ونعاه في بيان جاء فيه:
“استشهاد هذا الفتى الرياضي البريء إثر العدوان الجبان الذي شنّته إسرائيل، قد خلّف أسى وألما عميقا. نعزّي عائلته الكريمة، والمجتمع الرياضي الشريف، وكل أبطال التايكوندو ومحبيه بهذا المصاب الجلل.”

أما سعيد مرادي، وهو مسعف متطوع في جمعية الهلال الأحمر وكان يشارك في عمليات الإنقاذ غرب طهران، فروى مشهدا مفجعا من حي فرحزاد قائلا:
انهار مبنى بالكامل، ورأيت جثة امرأة تحت الأنقاض وهي تحتضن طفلها. كانا بلا حراك… كأن الموت خطفهما في لحظة واحدة دون أن يمنحهما حتى فرصة الصراخ.”

أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي أنه نفّذ خمس موجات من الهجمات الجوية، استهدفت خلالها مئات المواقع النووية والعسكرية داخل إيران. وجاء هذا التصعيد بعد صدور قرار من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يُدين إيران.

وفي مساء الجمعة، 13 يونيو/حزيران، وردت تقارير متعددة عن سماع دوي انفجارات متتالية في مناطق غربي محافظة طهران، وضمن ذلك شهريار، وملارد، وحي تشيتغر غرب العاصمة. وقد أكّدت كل من وكالة الأنباء الرسمية “إرنا” ووكالة “مهر” وقوع هذه الانفجارات، فيما أفادت الأخيرة أيضا بحدوث انفجار في منطقة باكدشت جنوب شرق طهران.

وبحسب ما نقلته القناة 13 الإسرائيلية، فقد بدأت موجة جديدة من الهجمات الجوية مع حلول الظلام داخل إيران. وأشارت القناة، نقلا عن مراسلها العسكري، إلى أن الضربات الأخيرة لم تقتصر على غرب طهران، بل شملت أيضا مدينتي قم وكرج.
ورغم قرب منشأة فوردو النووية من مدينة قم، إلا أنه لم ترد حتى الآن أي تقارير رسمية أو موثوقة تؤكد استهداف هذا الموقع بالتحديد.

قُتلت أيضا ابنة نائب وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيراني خلال الهجوم الإرهابي الذي شنّه الجيش الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية.

وبحسب ما أوردته وكالة أنباء “إرنا”، فقد أسفر الهجوم في مدينة تبريز بمحافظة أذربيجان الشرقية عن سقوط ثلاثة شهداء وإصابة ستة آخرين. وفي بروجرد بمحافظة لرستان، استُشهد جندي أثناء استهداف معسكر “بعثت 24″، فيما سقط موظف في هيئة الشؤون الاجتماعية (بهزيستي) شهيدا في مدينة قصر شيرين بمحافظة كرمانشاه. كما أُصيب في هذه المنطقة 24 شخصا آخرين، معظمهم من المدنيين والمواطنين العاديين.

وقد وصفت إيران هذه الهجمات بجريمة حرب وعمل إرهابي، مؤكدة أنها سترد في الزمان والمكان المناسبين. غير أن المشهد في شوارع طهران بدا مختلفا؛ إذ حلّ الغضب والحزن مكان التحليلات السياسية.

تقول نيلوفر عباسي، وهي معلمة تبلغ من العمر 32 عاما، وقد أُصيبت ابنة خالتها في الهجوم على حي تشيتغر:
“إسرائيل قالت إنها استهدفت منشآت نووية، لكن ابنة خالتي كانت تسكن قرب مخبز… هل كانت تمثّل تهديدا نوويا؟!”

أما رضا يوسفِي، أحد سكان غرب طهران، فوقف مذهولا بجوار أنقاض شقة والدته قائلا:
“إذا كانت حربا، فلماذا سقط صاروخ على بيت والدتي؟”.

حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم يُعقَد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، فيما اكتفى الاتحاد الأوروبي بدعوة جميع الأطراف إلى ضبط النفس. في المقابل، أدانت دول مستقلة مثل الهند، جنوب إفريقيا، وماليزيا الهجمات، ووصفتها بأنها غير متكافئة ولا يمكن تبريرها.

في إسرائيل، زعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحفي أن قدرة إيران على الوصول إلى سلاح نووي قد “تضررت بشدة”، مشيدا بنجاح العملية العسكرية.
ومع ذلك، امتنع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن تأكيد أو نفي سقوط ضحايا من المدنيين.

وفي ظل صمت دولي وغموض يكتنف مستقبل التصعيد، تبقى الحقيقة واضحة للشعب الإيراني: الهجمات التي قيل إنها تستهدف منشآت عسكرية، هدمت منازل، قتلت أطفالا، ودفعت المجتمع إلى دوامة من الصدمة والحزن.

إنه هجوم لا يُعد فصلا جديدا في الصراع بين إيران وإسرائيل فحسب، بل سردية دامية لحرب دخلت البيوت، وبدّلت حياة المدنيين إلى الأبد.