مسؤول سابق بالخارجية الإيرانية: إيران تراقب بصمتٍ تحوّلات الجيش السوري وإدماج المقاتلين الأجانب

أجرت وكالة خبر أونلاين الإيرانية المحافظة المحسوبة على مكتب علي لاريجاني، الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2025، حوارا مع المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية قاسم محب علي، حول تأثير انضمام الميليشيات الأجنبية المرتبطة بـ”القاعدة” إلى الجيش السوري على الأمن الداخلي والوضع الإقليمي. 

وفي ما يلي نص الحوار:

ما تأثير انضمام الميليشيات الأجنبية المرتبطة بـ”القاعدة” إلى الجيش السوري على الأمن الداخلي والوضع الإقليمي؟

هناك خط رفيع يفصل بين مفهومي الإرهابي والمناضل من أجل الحرية. هذا التمايز غالبا ما يكون قرارا سياسيا أكثر منه تعريفا ثابتا. فقد شهدنا خلال القرن العشرين حالات عديدة أُدرجت فيها جماعات ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية، لكنها تحولت لاحقا، بفعل تغيّر المصالح والظروف السياسية، إلى قوى تحررية أو حتى حلفاء. فعلى سبيل المثال، قد تكون جماعة ما عدوة للولايات المتحدة في مرحلة معينة، ثم تصبح شريكة لها في مرحلة لاحقة.

وفي الأزمة السورية، بعد اندلاع الربيع العربي، دخلت مجموعات عديدة من دول مختلفة مثل الشيشان، والصين، وإندونيسيا، وأفغانستان، وآسيا الوسطى إلى سوريا. في المقابل، نشطت في الأراضي السورية أيضا قوى حليفة لإيران، كلواء فاطميون، وزينبيون، وبعض الفصائل العراقية. وقد دخل بعض هذه الجماعات دعما للحكومة في دمشق، بينما جاء البعض الآخر معارضا لها.

هذا التنوع في الجماعات شبه العسكرية الأجنبية تحوّل إلى واحدة من أبرز المعضلات الأمنية في سوريا. واليوم، تظهر ظروف مشابهة في سجون الرقة، حيث يُحتجز عناصر من تنظيم داعش وعائلاتهم في مخيمات، بينما ترفض بلدانهم الأصلية استعادتهم. 

ويبدو أن الهدف من دمج بعض هؤلاء العناصر في الجيش السوري هو ضبط أوضاعهم ومنع تحوّلهم إلى تهديدات أمنية جديدة، وذلك في إطار عملية إعادة تأهيل فكري محتملة ضمن النظام السياسي الجديد في سوريا.

لماذا تخلت الولايات المتحدة عن سياستها السابقة تجاه المقاتلين الأجانب من “القاعدة” ووافقت على هذا الإجراء؟

كما أُشير سابقا، فإن اتخاذ قرار حول تصنيف مجموعة ما على أنها إرهابية هو قرار سياسي. والعديد من الدول تُصنّف معارضيها على أنهم إرهابيون. فتركيا تعتبر حزب العمال الكردستاني (PKK) منظمة إرهابية، لكن إذا تم إحلال السلام يوما، فليس هناك من بديل سوى نزع سلاحهم ودمجهم في النسيج الاجتماعي. وهناك أمثلة مشابهة في العراق كالحشد الشعبي، وفي لبنان كحزب الله وغيرها من المجموعات المسلحة.

وفي سوريا أيضا، كانت هناك مجموعات مثل داعش، وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات المتطرفة، حيث كانت تخوض معارك مع الحكومة وقوات أجنبية. لكن الآن، تم إخراج بعض منها من قوائم الجماعات الإرهابية، وأصبحت جزءا من عملية المصالحة والتعاون مع الغرب. 

كما أن هذا التغير في الموقف الأمريكي يُظهر أن العداوات والتحالفات تُعاد تعريفها بناء على المصالح الوطنية، وليس بناء على مبادئ أخلاقية أو أيديولوجية ثابتة. كما أن الفيتناميين الشماليين كانوا في يوم من الأيام أعداء للولايات المتحدة، لكن اليوم، تعتبر فيتنام واحدة من شركائها المقربين للولايات المتحدة.

نظرا للخلفية الأيديولوجية العلمانية والاشتراكية للجيش السوري، ما تأثير دخول هذه العناصر على بنيته؟

في الواقع، الجيش السوري السابق، بذلك الهيكل البعثي وتعاليمه العلمانية والاشتراكية، لم يعد له وجود فعلي. فالجيش السوري الآن في طور إعادة البناء من خلال دمجه مع قوات شبه عسكرية ومجموعات مدعومة من دول مختلفة. وجزء من الجيش السابق، وخاصة الضباط السنة الذين انضموا إلى الجيش السوري الحر، فقد يُعاد استخدامهم في البنية الجديدة.

وهذه الظروف تُشبه إلى حد كبير وضع الجيش العراقي بعد سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين؛ فالجيش لم يعد يحمل الهوية البعثية السابقة، ولكن تم استخدام جزء من موارده البشرية وتجهيزاته في الهيكل الجديد.

كان هيكل الجيش السوري في الماضي ذا طابع شرقي، لكنه يتجه الآن نحو النمط الغربي. وبما أن مصادر التسليح تُشكّل أساسا للمصالح الاقتصادية، ما رأيك في هذا الشأن؟

إن هذا التغيير طبيعي. بعد التغيرات السياسية، وغالبا يتغير هيكل النظام العسكري أيضا. فقد استبدلت قوات الجيش في العراق وليبيا الأسلحة الشرقية بالأسلحة الغربية بعد التحولات السياسية. والهيكل العسكري، من حيث نوع السلاح، والتدريب، والدكتورين، وحتى لغة القيادة، هو علامة على التبعية السياسية.

وفي المستقبل، من المحتمل أن يُعاد بناء الجيش السوري الجديد تحت الدعم والمراقبة من قبل الدول الغربية وحلفائها مثل تركيا وقطر، باستخدام أسلحة وتدريبات غربية. كما أن الأسلحة الروسية التي كانت موجودة في الجيش السابق قد تظل كغنيمة أو يتم استبدالها تدريجيا.

إن تجربة إيران مشابهة أيضا؛ فجيش ما قبل الثورة كان يعتمد بشكل أساسي على المعدات والأسلحة الغربية، لكن بعد قطع العلاقات مع الغرب، اضطرت إيران لشراء معدات عسكرية من روسيا والصين وكوريا الشمالية. ومن الممكن أن يتكرر هذا النموذج في سوريا أيضا؛ مع الفرق أن المسار سيكون من الشرق إلى الغرب.

ما سبب صمت إيران وروسيا على الرغم من أنهما لم تعترضا بشكل علني على هذا الإجراء للحكومة الانتقالية السورية؟

يعود قلق الصين بشكل أكبر إلى وجود الأويغور، والمسلمين الآخرين من منطقة شينجيانغ في جماعات متطرفة مثل داعش، وجبهة النصرة، وتخشى بكين من أن يُعيد هؤلاء تمرُدهم ضد مصالحها الداخلية في غرب الصين في المستقبل، خاصة في ظل التوترات مع الغرب. 

وبالنسبة لروسيا، قد تكون ردود فعلها غير علنية بسبب علاقاتها الوثيقة مع تركيا والتفاهمات السرية، أو ربما تفضل متابعة الأمر من خلال القنوات الدبلوماسية. أما إيران، فتبدو في الوقت الحالي غير حساسة بشكل كبير تجاه هذا التطور، لأن المجموعات التي هي موضوع النقاش عنها مثل الشيشانيين والأويغور لم تكن أبدا في صراع مباشر مع مصالح أو قوات إيران في سوريا، ولهذا فضلت طهران عدم التدخل في هذا الملف.