- زاد إيران - المحرر
- 53 Views
في تطور مفاجئ أعاد تسليط الضوء على العلاقة المعقدة بين الدين والسلطة في إيران، تفجرت قضية أثارت جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية والدينية، بعد الإعلان عن القبض على أقارب شخصية بارزة في المؤسسة الدينية، الحدث لم يمر مرور الكرام، بل فتح الباب أمام أسئلة حرجة حول مدى استقلال القضاء، وحدود المحاسبة حين تقترب من دوائر رجال الدين النافذين.
وبين تأكيدات رسمية بالالتزام بالقانون، وتفاعل شعبي وسياسي متباين، تبدو القضية مرشحة لأن تتحول إلى اختبار جديد لمصداقية المؤسسات، في نظام طالما رفع شعار العدالة دون استثناء.
فقد أعلنت مصادر بالسلطة القضائية الأحد 8 يونيو/حزيران 2025، عن اعتقال اثنين من أقارب كاظم صديقي، إمام جمعة طهران المؤقت ورئيس هيئة الأمر بالمعروف، أحدهما نجله والآخر زوجة نجله، بتهم تتعلق بملفات فساد مالي، وقد أكدت السلطة القضائية أن عملية التوقيف تمت بناء على أمر قضائي، وأن المتهمين يخضعون حاليا للتحقيق في إطار الإجراءات القانونية المعتادة، مشيرة إلى أن القضاء سيواصل التحقيق بـدقة ومن دون تساهل، في ظل التزامه بمبدأ المساواة أمام القانون.

في اليوم التالي، أكد صديقي الخبر، حيث صرح بأن”اثنين من أقاربي قد اعتقلا بالفعل بأمر قضائي، وهما حاليا قيد الاحتجاز، وذلك لكي تقوم السلطة القضائية، كما في سائر القضايا، باستكمال مراحل التحقيق في التهم المنسوبة إليهما”.

وأوضح صديقي أن “الجميع يجب أن يكونوا حماة للقانون”، قائلا: “أعتبر أن القضاء والقانون هما الفيصل، ودائما ما رأيت نفسي من المدافعين عن القانون؛ وإذا اتخذ القانون قرارا بشأن أقاربي، فسأكون ملتزما به، وفي هذه الحالة أيضا، إذا ثبتت التهم المنسوبة إليهم، فيجب التعامل معهم وفقا للقانون”.
وفي ختام تصريحاته، شدد صديقي: “لم أتدخل بأي شكل من الأشكال في متابعة قضية اعتقال أقاربي، كما أنني لم ولن أؤيد أي إجراء مخالف للقانون والضوابط”.
جدير بالذكر، أنه ومنذ فترة قصيرة، كشفت وسائل إعلام إيرانية عن معلومات مثيرة تتعلق بصديقي، تتضمن تفاصيل ملف عقاري أثار تساؤلات واسعة لدى الرأي العام، فوفقا لما نشرته وسائل الإعلام، فإن صديقي يمتلك حديقة واسعة بمساحة 4200 مترا في منطقة أزغل شمال طهران، كانت ملكيته تعود في الأصل إلى إحدى الحوزات الدينية، قبل أن يتم نقلها إلى مؤسسة خاصة أُسست حديثا تحت اسم مؤسسة أتباع أفكار القائم ما أثار الجدل هو السرعة التي تم بها تحويل الملكية، إذ جرى ذلك بعد فترة قصيرة فقط من تأسيس المؤسسة الجديدة، دون تقديم توضيحات وافية للرأي العام.

وكان مثار الجدل في الأمر أن المؤسسين والمسؤولين عن الكيان الجديد يتألفون من أفراد من عائلة صديقي وبعض المقربين منه، بينهم أبناؤه وزوجة أحد أبنائه التي سُجّلت كمفتشة في المؤسسة، هذا التداخل العائلي في هيكل المؤسسة أثار علامات استفهام حول الغاية من تأسيسها والجهات المستفيدة منها.
ردود الفعل
هذا وقد أثارت تلك الواقعة ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية، تراوحت بين الدعوة إلى المحاكمة العادلة، والمطالبة بتنحي صديقي عن مناصبه، إلى الإشادة بالقضاء الإيراني على تعامله مع الملف.
فقد علق الناشط السياسي الإصلاحي أحمد زيد آبادي على القضية بمقال بعنوان الشيخ كاظم وأبناؤه، نشره على قناته في تلغرام الإثنين 9 يونيو/حزيران 2025، قال فيه: “لقد تم اعتقال أبناء كاظم صديقي بتهم فساد اقتصادي، والموقف المنصف الوحيد هو إجراء محاكمة علنية، شفافة، وعادلة أمام محكمة صالحة، أما ما يزيد عن ذلك، فيدخل ضمن المناكفات السياسية غير المجدية”.
وأضاف زيد آبادي: “أرى أنه من الأفضل لصديقي أن يتنحى عن مناصبه، لا لأن الأب مسؤول بالضرورة عن تصرفات أبنائه، بل لأن نهجه الديني والسياسي، كما أراه، بعيد عن معايير العدالة والإنصاف والإحسان”، مشيرا إلى أن الأمر سيأخذ منحى آخر في حال ثبتت بالأدلة مشاركة صديقي نفسه، بشكل مباشر أو غير مباشر، فيما نُسب إلى أبنائه.
من جانبها، أعربت سكينة سادات باد، عضو لجنة متابعة احتجاجات 2022، عن شكرها للقضاء الإيراني، وكتبت عبر حسابه على منصة إكس في اليوم نفسه: “أشكر القضاء على تعامله الإيماني والعادل دون تمييز مع أبناء صديقي”.

كما نشر السياسي الإصلاحي سيد محمد علي أبطحي تغريدة مدافعا عن رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني ايجئي، قال فيها: “إن شفافية السيد ايجئي ونزاهته وشجاعته تمثل نموذجا جديرا بالاقتداء في الحكم، يجب أن نثمّن سعيه الجاد لمحاربة الفساد بلا استثناء، سواء لدى المسؤولين أو أقاربهم”.

من صديقي إلى أبناء مصدق.. فصول في الفساد العائلي
تعيد تلك الحادثة إلى الأذهان إحدى أكبر قضايا الفساد التي طالت أبناء مسؤول رفيع في السلطة القضائية الإيرانية، حيث كانت المحاكم الإيرانية قد أصدرت أحكاما نهائية بالسجن ضد أمير حسين ومحمد صادق مصدق كهنمويي، نجلي النائب الأول السابق لرئيس السلطة القضائية، بلغت في مجموعها 25 عاما و9 أشهر من السجن، إلى جانب غرامات مالية بمئات المليارات من الريالات وذلك بعد إدانتهم بعدة تهم أبرزها استغلال النفوذ غير القانوني والمشاركة في الرشوة وغسيل الأموال.

كما تضمنت لائحة الاتهام تفاصيل صادمة، من بينها تورط الشقيقين في صفقة فساد متعلقة بملعب شهداء قيطرية في شمال طهران، حيث تم تسليمه إلى أحد كبار رجال الأعمال العقاريين مقابل حصة بلغت 20% من المشروع، كما كشفت التحقيقات عن تدخلهم لصالح محمد رستمي صفا، أحد أكبر المدينين للبنوك الإيرانية، مقابل مكاسب مالية.
ووفقا لتحقيقات النيابة وقتها، فقد شكل المتهمان شبكة منظمة للتأثير على سير القضايا القضائية الكبرى، مع استغلال مناصب نافذة في الجهاز القضائي. وتداول أعضاء الشبكة فيما بينهم ممتلكات فاخرة، من بينها فيلا في شمال إيران وسيارات من طراز مازيراتي ومرسيدس ولكزس، وكان أبناء المسؤول القضائي يمتلكون وكالات قانونية لبيعها.
القضية التي هزت الرأي العام الإيراني، انتهت باستقالة محمد مصدق كهنمويي من منصبه في مارس/آذار 2024، لتغلق فصلا حرجا في سجل السلطة القضائية الإيرانية أعادت فتحه القضية الحالية.
كاظم صديقي.. من المنابر الدينية إلى القضاء والتعليم الحوزوي في إيران
ولد كاظم صديقي عام 1951 في مدينة أبهر الواقعة شمال غربي إيران، وسط أسرة ذات خلفية دينية، وعلى مدى العقود الماضية، برز اسمه كإحدى الشخصيات المؤثرة في المشهدين الديني والقضائي في البلاد، وقد شغل منصب خطيب الجمعة المؤقت في طهران، ورئيس هيئة الأمر بالمعروف، بالإضافة إلى تأسيسه وإدارته لحوزة علمية تحمل اسم الخميني في العاصمة.

التحق صديقي بالحوزة الدينية في مدينة قم عام 1963، بالتزامن مع انطلاق حركة الاحتجاج التي قادها روح الله الخميني، قائد الثورة الإيرانية، ضد نظام الشاه، وبدأ مسيرته التعليمية في مدرسة حقاني، حيث درس المراحل الأولى من العلوم الدينية على يد مجموعة من أبرز أساتذة الحوزة آنذاك، مثل علي أكبر خزعلي، وأحمد جنتي، وحسن زاده آملي، وحائري الطهراني.
بعد استكمال المراحل الأساسية، واصل صديقي دراسته في مجال الفقه والأصول، وهي المرحلة الأعلى في النظام الحوزوي التقليدي، تحت إشراف فقهاء بارزين مثل مرتضى الحائري اليزدي، شبيـري الزنجاني، وحسين الوحيد الخراساني، كما انخرط في دراسة الفلسفة الإسلامية على يد شخصيات مثل جوادي آملي، مصباح يزدي، فيما تلقى مبادئ الفلسفة الغربية من خلال دروس ألقاها كل من محمد بهشتي وعبد المجيد أحمدي.
بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، التحق صديقي بجهاز القضاء في البلاد بناء على دعوة من شخصيات قضائية رفيعة المستوى في تلك المرحلة، كان من أبرزهم محمد قدوسي، الذي ساهم في تشكيل الهيكل القضائي الجديد بعد الثورة. وتولى صديقي لاحقاً عدة مناصب في السلك القضائي، منها رئاسة المحاكم العامة في طهران، وكذلك رئاسة المحكمة العليا لتأديب القضاة.
في عام 2004، أسّس صديقي حوزة علمية تحمل اسم الخميني في منطقة أزغُل الواقعة شمال طهران، وهي مؤسسة دينية تعليمية تجمع بين المناهج التقليدية والانفتاح على بعض المجالات الفكرية المعاصرة. ويمارس حتى اليوم التدريس في هذه الحوزة، ضمن دروس الفقه العليا.
وفي عام 2009، أصدر المرشد الإيراني، علي خامنئي، قرارا بتعيين صديقي خطيبا مؤقتا لصلاة الجمعة في طهران، وهو موقع رمزي وسياسي مهم ضمن هيكل النظام في إيران، حيث تُعتبر خطبة الجمعة من أبرز المنابر لتوجيه الرأي العام ونقل رسائل السلطة السياسية والدينية.
كما شارك صديقي في الانتخابات الخاصة بمجلس خبراء القيادة خلال دورتيه الرابعة والخامسة، وهو المجلس المسؤول عن مراقبة وتعيين المرشد الأعلى، غير أنه لم يتمكن من اجتياز امتحان الاجتهاد الذي يشترطه مجلس صيانة الدستور للترشح، فتم رفض أهليته.