- زاد إيران - المحرر
- 52 Views
كتب: محمد بركات
تصدرت الصحف الإيرانية في الفترة الأخيرة العديد من التصريحات والأخبار عن الصحفي والناشط الحقوقي الإصلاحي عباس عبدي، والذي كان آخرها اتهامه هو ومدير تحرير صحيفة اعتماد بنشر أخبار كاذبة ومنافية لأحكام الدستور، وهي التهمة التي وُجِّهت له من قبل. فعباس عبدي الشخصية المثيرة للجدل وأحد المتحدثين للحملة الانتخابية لمسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني الحالي، والذي طالما جره قلمه للمتاعب والمشاكل، فمن انتقاد الأحوال الاجتماعية إلى التعليق على نشيد “سلام فرمانده”، بمعنى مرحبًا أيها القائد والذي بُث على التلفاز الإيراني لتحية المرشد الأعلى علي خامنئي، إلى مخاطبة الحكومة بضرورة حل مشكلة الحجاب الإجباري بعد مقتل مهسا أميني، قد مثل مصدر إزعاج للنظام في إيران مما وضعه خلف القضبان عدة مرات، في الأسطر التالية نعرف عنه وعن تاريخه وملابسات إدانته.
النشأة:
ولد عباس عبدي في 22 يونيو 1956 في طهران، وأكمل دراسته الثانوية في مدرسة “الهي”، وتخرَّج في عام 1974 في تخصص هندسة النسيج من كلية البوليتكنيك في طهران، ثم واصل دراسته في مجال هندسة البوليمرات في جامعة أمير كبير. بدأ نشاطاته السياسية والدينية مع التحاقه بالجامعة، وعمل لفترة في قسم المعلومات الخارجية بمكتب المعلومات والبحوث التابع لرئاسة الوزراء، حيث بدأ دراساته السياسية والاجتماعية في تلك الفترة. وبعد فترة من عمله، تولى مسؤولية مكتب البحوث الاجتماعية في القسم السياسي للمدعي العام، وبدأ دراسات ميدانية اجتماعية. ومن أنشطته الأخرى توليه منصب نائب رئيس المركز الثقافي للبحوث الاستراتيجية برئاسة الجمهورية وعضويته في مجلس تحرير صحيفة “سلام”.
كما كان عبدي من مؤسسي معهد “آينده (المستقبل)” للبحوث، وعضوًا مؤسسًا في جبهة المشاركة الوطنية، وعضوًا في المجلس المركزي والمكتب السياسي للحزب، وعضوًا في مجلس إدارة نقابة الصحفيين الإيرانية.
مشاركته في احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية:
كان عبدي أحد الطلاب التابعين لحركة السائرين على هدى الإمام الذين شاركوا في احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، الأمر الذي أدى إلى احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين لمدة 444 يومًا حتى أسفرت المفاوضات عن الإفراج عنهم، وتسبب في أزمة في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، ولم يكن فقط عبدي من المشاركين في الاحتجاز بل كان أيضًا من المدافعين عنه، فبعد مضي عقود على ذلك الأمر ذكر عبدي أن هذا التصرف من قبله والطلاب الآخرين كان صحيحًا وهو ليس نادمًا عليه.
اعتقاله عدة مرات:
في التسعينيات، وعندما كان يعمل عبدي كرئيس تحرير صحيفة “سلام”، تم اعتقاله بسبب نشره خبر عن مرض حسين علي منتظري، رجل الدين الشيعي الإيراني وأحد رجالات الثورة. وفي العام 1994، تم اعتقاله أيضًا لفترة من قبل وزارة الاستخبارات. وفي الذكرى السنوية للاستيلاء على السفارة الأمريكية من قِبَل طلاب خط الإمام في 3 نوفمبر 2002، تم اعتقاله بتهمة التجسس بناءً على أمر من سعيد مرتضوي، قاضي إيراني والذي عُين بعد ذلك نائب رئيس المحكمة العليا للبلاد، ووجهت اتهامات لأفراد عائلته، بما في ذلك زوجته وابنته.
كان عبدي عضوًا في مجلس إدارة معهد البحوث “آينده”، واعتقل مع أعضاء آخرين في المعهد، من بينهم الدكتور حسين قاضيان وبهروز جرانبايه، وفي النهاية تمت تبرئة عباس عبدي وحسين قاضيان من تهمة التجسس وبيع المعلومات للأجانب والدعاية ضد النظام الإسلامي الإيراني بعد أن أمضيا عامين في السجن من قبل المحكمة العليا.
بعض آرائه المثيرة للجدل:
كان لعبدي العديد من الآراء المثيرة للجدل على المستوى الوطني، فقد كتب منتقدًا نشيد “سلام فرمانده”: “بما أن النظام لم يتمكن من المشاركة في عملية الاندماج الاجتماعي من خلال الآليات المدنية مثل الانتخابات، والنظام التعليمي كان مدمراً إلى درجة لا تسمح له بلعب مثل هذا الدور، فإننا الآن نواجه جيل الألفية الثانية الذي لا يستطيع النظام السيطرة عليه، بينما أنصار النظام يتجاهلون الواقع ويشغلون أنفسهم بصنع أغنية ‘سلام فرمانده’ كما لو أن الأغنية تحل محل الواقع. في كل الأحوال، هناك احتمال بأن تنطفئ هذه النار عاجلاً أم آجلاً. وبالتأكيد، سيأتي وقت لا يمكن فيه إخماد هذه النار، ولكن في كلتا الحالتين، فإن تكاليفها ستطال الجميع. هل ستتجاهلون مرة أخرى أم ستستعدون هذه المرة لإصلاحات أكثر جوهرية؟”.
وعلى إثر مقتل مهسا أميني، نصح عبدي الحكومة مراراً بأن تتراجع عن فرض الحجاب، وادعى أيضاً أن النظام يتجاهل دائماً حقوق النساء. في أحد ردوده على مقتل مهسا أميني، قال: “ماذا يمكن أن يُقال بشأن السيدة مهسا أميني؟ لا القانون يتوافق مع الرغبة العامة، ولا يمكنهم التصرف بطريقة متوازنة في التنفيذ.” كما نصح رئيسي بأن الاتصال والتعاطف مع عائلة المتوفية ليس كافياً، ويجب أن يتراجع عن موقفه بشأن الحجاب.
الإدانة الأخيرة وسببها:
وفقًا لما ذكره موقع خبر أونلاين الإخباري الإيراني بتاريخ 9 سبتمبر/ أيلول 2024، فقد صرح أكبر نصر اللهي، رئيس كلية الفنون والإعلام في جامعة آزاد الإسلامية “تتمثل اتهامات عباس عبدي في نشر أخبار كاذبة ونشر أخبار مخالفة للدستور، وذلك بناءً على الشكوى التي قدمها مكتب الادعاء في طهران بشأن المقال الذي نُشر في صحيفة “اعتماد” في 14 أبريل 2024، بعنوان “خطورة الرد وعدم الرد”. وأكمل” أن تلك الاتهامات الموجهة لعبدي لا تتوافق وأحكام الدستور وقانون تنظيم الصحافة.” وبحسب تقرير وكالة “إيسنا”، فقد أضاف: “نُشر هذا المقال بعد أيام قليلة من هجوم النظام الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق، وبالتزامن مع رد إيران على هذا النظام في عملية “الوعد الصادق”.
وذكر عباس عبدي في هذا المقال: “على عكس التصور الشائع، أعتقد أن الهجوم الإسرائيلي كان في الأصل رد فعل، ولا يستوجب رد فعل أو رد من إيران. إن إسرائيل، خلال حرب غزة، تعرضت لأكبر خسارة عسكرية واعتبارية وسياسية منذ العام 1948، ولا تزال غير قادرة على تجاوز هذه الضربة. صحيح كان هذا أم خاطئ، إلا أنهم يرون أن جزءًا من هذا الوضع هو نتيجة السياسات الإيرانية، ويصفون إجراءاتهم بأنها رد فعل على هذا الوضع. لذا، أعتقد أنه لا حاجة لرد عسكري من إيران”.
وفي جزء آخر من المقال، جاء: “إن التوقعات غير المجدية والشعارات التي يطلقها أنصار الوضع الحالي هي ما قد يسبب الأزمة وخيبة الأمل لدى الناس. مثال على ذلك هو الهجوم الصاروخي على قاعدة عين الأسد. فمع مواقف البعض الدعائية وغير الحكيمة، رفعوا التوقعات، واليوم يجدون أنفسهم عالقين في مستنقع تلك الشعارات”.
وفي الجزء الأخير من مقاله، أشار السيد عبدي إلى أن “الردع عبر الأسلحة التقليدية ضد دولة لا يعترف بوجودها أو يرغب في تدميرها هو أمر لا معنى له ولا يمكن تطبيقه”. وفي رده على سؤال حول الحل، أكد أن “تغيير السياسات الإقليمية الكبرى هو السبيل الوحيد لمنع أي مواجهة محتملة”.
من جانبه قال علي رضائي، محامي عباس عبدي، في لقاء مع موقع جماران الإخباري الإيراني بتاريخ 9 سبتمبر /أيلول “يجب أن أؤكد أن اتهام نشر معلومات كاذبة ونشر معلومات مخالفة للدستور لا يستند إلى أي سبب وجيه، ولا يمكن استخراج مثل هذه الاتهامات من محتوى هذا المقال. لم يذكر موكلي في هذا المقال أي خبر يمكن وصفه بالصدق أو الكذب، كما أن السيد عبدي لم يكتب أساسًا عن مبادئ الدستور في هذا المقال. آمل أن تصدر هيئة القضاء المحترمة، على خلاف رأي هيئة المحلفين، حكم البراءة للسيد عبدي والسيد بهزادي مع الأخذ في الاعتبار الدفاعات المقدمة، وأن يثبتوا بحكمهم أن هناك فرقًا جوهريًا من الناحية القانونية بين التحليل والخبر، ولا يمكن إجبار المحلل على الصمت باستخدام تهمة نشر معلومات كاذبة وغير صحيحة.”
العقوبة التي تنتظر عبدي:
وفقًا للبند 11 من المادة 6 من قانون الصحافة فيُعد “نشر الشائعات والمعلومات الكاذبة” أحد الجرائم الصحفية المستندة إلى المادة 698 من قانون العقوبات الإيراني. كذلك يحظر البند 12 من المادة 6 من القانون نفسه “نشر أي مادة ضد مبادئ الدستور”.
وبموجب المادة 698 من قانون العقوبات الإيراني والتي تنص على “كل من يقوم بنشر أكاذيب أو ينسب أقوالًا أو أفعالًا غير حقيقية، سواء بشكل مباشر أو على سبيل الاقتباس، إلى شخص حقيقي أو اعتباري أو إلى السلطات الرسمية، سواء تسببت تلك الأفعال في ضرر مادي أو معنوي للغير أم لا بقصد الإضرار بالغير أو تشويش الأذهان العامة أو السلطات الرسمية، عن طريق رسالة أو شكوى أو مراسلات أو تقارير أو توزيع أي نوع من الأوراق المطبوعة أو المكتوبة، موقعة أو غير موقعة، يُحكم عليه، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار إن أمكن، بالسجن من شهرين إلى سنتين أو بالجلد حتى 74 جلدة”.
ردود الأفعال على قضية عبدي:
وعلى وقع هذه الإدانة اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، وخصوصاً موقع إكس، الذي انقسم إلى فريقين. ففريق يندد بتلك الإدانة وكان في مقدمتهم سعيد حجاريان، الصحفي الإصلاحي، حيث غرد: “كنت دائمًا أقول إن الخطاب الإصلاحي المعتدل هو خطاب سيد مصطفى تاج زاده وعباس عبدي، والآن فإن تاج زاده يواجه حكمًا بالسجن 5 سنوات وعبدي تمت إدانته، فقولي لي أين الصوت الإصلاحي المعتدل الآن؟”، فيما تتلخص آراء باقي الفريق في أن النظام الذي لا يمكنه تحمل معارض كعباس عبدي، هو نظام لا يريد مشاركة الناس في الحكم، فيرى آخرون أن إدانته هذه المرة هي الضريبة التي يدفعها بسبب دعمه لبزشكيان، وأن إدانته جاءت كحلقة في مسلسل تشويه رجال بزشكيان من قبل حكومة الظل في إيران.
ويرى الفريق الآخر، والذي يتصدره الأصوليون، أن تلك هي العقوبة المناسبة لمن ينشر معلومات كاذبة بهدف إثارة الرأي العام، وقد أضاف البعض أن هذا التصرف لا يختلف كثيرًا عن تصرفات بزشكيان نفسه والتي وصفوها بغير القانونية، في إشارة إلى قراره برجوع الطلاب والأساتذة المفصولين من الجامعات.
هذا وقد كتب كامبیز نوروزی، وهو حقوقي إصلاحي مقالًا في صحيفة هم ميهن الإيرانية تحت عنوان إنصاف يدين فيه ما حدث لعبدي من تلفيق تهم له، وقال: “أولئك الذين في هيئة المحلفين والذين أخذوا بعين الاعتبار إدانة عبدي وبهزادي لنشرهم مواد ضد الدستور، كيف يمكنهم أن يظهروا جملة تحمل صراحةً أو تلميحًا مثل هذا المعنى؟ وبأي نظرة منصفة يمكن اتخاذ مثل هذا القرار؟ الكلام له قدسية، والقانون له قدسية، وحقوق الإنسان وحرياته لها قدسية، والإنصاف هو الضامن الرئيسي لكل هذه الأمور، وهو ما ينبع من الضمير والأخلاق. ومع ذلك، أعتقد أن القاضي المحترم الذي سيصدر الحكم بعد قرار هيئة المحلفين، هو أكثر مني دراية بضعف وهشاشة هذا القرار. العدالة الحقيقية لن تسمح له بأن يصدر حكمًا بناءً على قرار غير صحيح لا يوجد فيه إنصاف؛ مخالف للقانون والعدل والإنصاف، ويصدر حكمًا بالإدانة لجريمة لم تحدث. في هذه القضية، سيستخدم القاضي الوعي والسلطة الممنوحة له بموجب الفقرة 2 من المادة 43 من قانون الصحافة لضمان الحفاظ على القانون والعدل.”