موقع إيراني ينتقد هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية:  ليست وسيلة إعلامية وطنية

ترجمة: يارا حلمي 

نشر موقع ” عصر إيران” الإيراني الإصلاحي، الخميس 24 أبريل/ نيسان 2025، تقريرا تناول فيه انتقاد “هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية” لافتقارها للاستقلالية والموضوعية، ولتوجهاتها الأيديولوجية الانتقائية التي تتناقض مع التعددية المجتمعية في إيران.

ذكر الموقع أن الاتفاقات الأخيرة في مؤسسة ” الإذاعة والتلفزيون” التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية تُظهر مرة أخرى أن هذه الهيئة الإعلامية الضخمة ليست “وسيلة إعلام” بالمعنى الفني والعالمي والصحفي للكلمة، فما بالك بأن تكون “وطنية”.

وتابع أنه على الرغم من أن الحادثة الأخيرة تُثير الشكوك بشكل جدي، لأن احتمال وجود مؤامرة داخلية داخل المؤسسة أو تهديد للأمن الوطني يمكن أن يكون محتملا.

وأضاف أن مؤسسة ” الإذاعة والتلفزيون”، وخاصة منذ أن أصبحت تحت إشراف شخصيات مثل “بيمان جبلي” و” سعيد جليلي” عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام، لم تعد وسيلة إعلام مثل جميع الوسائل الإعلامية المعترف بها عالميا، بل هي جهاز ضخم للدعاية السياسية والفكرية، ومن ثم فهي شديدة الإيديولوجية.

وأشار إلى أنه وإن كانت تظهر في شكل “إعلامي”، حيث إنها لا تسعى لاكتشاف الحقيقة بقدر ما تسعى لفرض رواياتها الخاصة، وليس تقديم تقارير صحفية مهنية، وأحيانا قد تصاحب أو تهدف إلى قلب وتحريف الحقيقة.

وأكد أنه في الآونة الأخيرة، أصبحوا مهتمين بكلمة “رواية”، بل حتى المراسل الخاص بهم الذي تم إرساله لتغطية المفاوضات مع الولايات المتحدة، بدلا من استخدام كلمة “تقرير” المتخصصة، بدأ في استخدام “رواية” بشكل مستمر، وهو يكرر كلمة “غير مباشرة” بهدف إخراج الراديكاليين من صدمتهم.

وبين أنه ربما لأنهم يرغبون في تفسير الجملة الشهيرة “الحرب، حرب الروايات” على طريقتهم الخاصة، ويعتقدون أن مؤسسة ” الإذاعة والتلفزيون” هي في الواقع مركز قيادة للحرب، لأنها في صراع مستمر مع الروايات الأخرى، وكلما زاد التمويل الذي تحصل عليه، تشبه أكثر قوات عسكرية تحصل على المزيد من الذخائر والأسلحة، مما يجعلها أكثر نجاحا.

إشكالية الهوية الإسلامية 

ذكر الموقع أن برنامج “سيمای خانواده” (عرض عائلي) الذي يُعرض على الشبكة الأولى، التي تُعد أكثر الشبكات السياسية في المؤسسة ذات التوجه الأمني، شهد مؤخرا إساءة إلى الخليفة الأول.

وتابع أنه في حين أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد وصل إلى منصبه بدعم من إخوانه وأبناء وطنه من أهل السنة، والأهم من ذلك أن اسم الحكومة التي نشأت من الثورة عام 1979 هو “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، وليس “الجمهورية الشيعية الإيرانية”. 

وأوضح أنه على الرغم من أن مرجعا شيعيا هو من قاد هذه الثورة، ويترأس الدولة حاليا فقيه شيعي، إلا أن هذا لا يعني أن الجمهورية هي جمهورية شيعية، بل هي جمهورية إسلامية، والإسلام ليس محصورا في مذهب الشيعة.

وأضاف أن الإسلام نفسه، خصوصا من خلال رؤية الإمام الخميني الذي نعلم أن إسلامه لم يكن محصورا في الفقه فقط، بل كان يعنى أيضا بالعرفان والفلسفة والأدب، وكان يثني صراحة على ابن عربي وصدر المتألهين، وكان بذلك متميزا عن الفقهاء الذين يعارضون الفلسفة والعرفان.

وأشار إلى أن المذهب الرسمي في إيران، وفقا للدستور، هو المذهب الجعفري، واليوم، بمناسبة ذكرى رحيل إمام هذا المذهب، يتم إغلاق الدوائر الحكومية في إيران، ولكن الإمام جعفر الصادق يحظى باحترام كبير عند بعض المذاهب الإسلامية، كما نرى في كتاب “تذكرة الأولياء” فريد الدين العطار، حيث يبدأ الشاعر غير الشيعي كتابه الضخم بحكاية عن الإمام الصادق.

كما أكد أن الشك يزداد خصوصا بعد أن تم في الأيام القليلة التي سبقت هذا الحدث، وبالتزامن مع زيارة شقيق ولي العهد السعودي إلى طهران، تم الاستهزاء بوزير خارجية السعودية في برنامج بدا أنه ساخر.

دوافع الأخطاء في هيئة الإذاعة والتلفزيون

ذكر الموقع أن إحدى الفرضيات هي أن هناك تيارا داخل المؤسسة يحاول أن يظهر قوته، وأنه من الأسهل بكثير تحريك هذا النوع من البرامج من تنفيذ عمليات مثل اغتيال إسماعيل هنية(رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) في مقر تحت رقابة شديدة، وهو أمر كان مستحيلا في حالة عدم وجود النفوذ.

وتابع أن فرضية أخرى هي أنه عندما تكون لدى مؤسسة ” الإذاعة والتلفزيون” هذا الكم الكبير من الشبكات، قد تصبح الأمور خارجة عن سيطرتها في بعض الأحيان، ويحدث الخطأ، وهو أمر وارد في أي وسيلة إعلامية. 

وأضاف أنه حتى هذه الوسيلة التي يتم نشر هذا النص فيها ليست خالية من الأخطاء، ونحن أيضا نرتكب أخطاء، وأن ” الإذاعة والتلفزيون” التي تضم 40 ألف موظف وميزانية تبلغ 30 ألف مليار تومان تجعل مهمة بيمان جبلي أكثر صعوبة، وليس أسهل. 

وأوضح أنه في هذا السياق، الانتقاد موجه إلى ” الإذاعة والتلفزيون” في كيفية تعامل المديرين المسؤولين في وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية مع الأخطاء، بينما في ” الإذاعة والتلفزيون” يتم معالجة الأخطاء في المستويات الأدنى.

وأشار إلى أن الافتراض الثالث هو أن ذلك كان متعمدا، أي أن هناك يدا خفية تعمل على تسريع إقالة جبلي وجليلي من منصبيهما، لكي تتخلص ” الإذاعة والتلفزيون” من هيمنة جبهة الثبات، وتتنفس الصعداء، وقد يأتي ذلك من داخل المؤسسة من قبل الأشخاص الغاضبين، أو ربما من الخارج، حيث يرى البعض أن وجود شقيق سعيد جليلي في مجال المفاوضات وما بعد الاتفاق غير مبرر.

وأكد أنه بعيدا عن السبب الذي يقف وراء هذه الحوادث المشكوك فيها، لكن المشكلة الأساسية تكمن في مكان آخر، وهي أن هذه الوسيلة الإعلامية ليست وطنية، وكل هذا الإصرار على أن يطلقوا على أنفسهم اسم “الوطنية” هو لأنهم يعلمون جيدًا أنهم ليسوا كذلك.

وبين أنه من المفارقات أن اسم هذه المؤسسة قد تغير إلى “راديو وتلفزيون إيران الوطني” بعد أن تم انتزاع ملكيته من “ثابت باسال”، وبعد “الثورة” أصبحوا “جمهورية إسلامية”، والآن يصرون على أن يسموا أنفسهم “وطنية”.

كما أورد أن ما هو هذا “الإعلام الوطني” الذي لا يُعبر عن اهتمامات وتوجهات 85% من المجتمع؟ لا في مظهر المذيعين، ولا في ما نراه في المسلسلات، ولا في أسلوب تقديم الأخبار.

ما هو هذا “الإعلام الوطني” الذي يقول بعض ممثلي المسلسلات إنهم لا يلعبون إلا من أجل المال، وأنهم لا يشاهدون أعمالهم؟

طريقة إنقاذ هيئة الإذاعة والتليفزيون

ذكر الموقع أنه ما هو هذا “الإعلام الوطني” الذي يقدم الأخبار بطريقة لا تُشبع عطش الجمهور، مما يجعله مضطرا للجوء إلى وسائل الإعلام الأجنبية؟ الجواب هو أن إدارة ” الإذاعة والتلفزيون” أسيرة للأفكار الأصولية، في حين أن قائدي إيران لم يكن لهم مثل هذه القراءة للإسلام والشيعة، ولا يزالون لا يتبنونها.

وتابع أن الطريق لإنقاذ ” الإذاعة والتلفزيون” ليس في مغادرة جبلي وجليلي، بل: أولا، يجب أن تكون ” الإذاعة والتلفزيون” وسيلة إعلامية حقيقية، لا مجرد آلة دعاية لمجموعة سياسية، ويجب أن يصبح الوضع بحيث يُستخدم مصطلح “مجموعة” بدلا من “تنظيم” كما استخدمه الرئيس الأسبق لإيران (حسن روحاني)، الذي كان في بداية ” الجمهورية الإيرانية” مسؤولا عن ” الإذاعة والتلفزيون”.

وأضاف، ثانيا، يجب أن تكون ” الإذاعة والتلفزيون” وطنية، لأنها ممولة من أموال جميع الشعب الإيراني، والشعب الإيراني يعني أصحاب الاهتمامات والآراء المتنوعة، وعندما لا يُذكر الدين في السجلات الرسمية للإيرانيين، فإن الجنسية الإيرانية تكون أولى من كونهم شيعة أو سنة.

وأوضح، ثالثا، يجب تحديد علاقة ” الإذاعة والتلفزيون” بالحكومة الإيرانية”، وإذا كانت جزءا من الحكومة، فلماذا يتم بث تصريحات رئيسها بشكل انتقائي؟ وإذا لم تكن كذلك، فلماذا يشارك رئيسها في جلسات مجلس الوزراء ويجلس على مائدة الميزانية التي تخصصها الحكومة؟ يبدو أن المؤسسة نفسها تعترف بأنها سلطة مستقلة تعادل السلطات الأخرى.

وأشار أنه استنادا إلى ما ذكره أحمد ملكيان في تقديم كتابه القيم “الإيمان دون تعصب”، فإن الأصولية ترتكز على ثلاث فرضيات: الفرضية الأولى: “لا أستطيع تحمل الرأي المخالف لي ولا يمكنني التسامح مع من يختلف معي، إما أن يكون مكاني أو مكان مخالف لي، ولا أستطيع العيش بسلام مع من يعارضني، وإذا كنت في مكان، يجب ألا يكون هناك مكان للمخالف، وفي الواقع، أنا والمخالف خصمان”.

وتابع أن الفرضية الثانية: “الحقيقة المطلقة وغير القابلة للاستثناء والغير مشروطة هي عندي، وتلك الحقيقة التي لا تخص زمانا أو مكانا معينا، لا تقبل أي قيد أو شرط، والحقيقة التي أؤمن بها وأعلنها هي الحقيقة المطلقة”.

وأضاف أن الفرضية الثالثة: “هناك حقيقة واحدة فقط، ولا توجد حقيقة أخرى غير حقيقتي، وحقيقتي تلغي أي ادعاء آخر بالحقيقة، وتعتبره كذبا و خطأ وجهلا”، ووفقا لملكيان، من يؤمن بهذه الثلاث فرضيات هو أصولي.

وأوضح أن الطريق لإنقاذ ” الإذاعة والتلفزيون” يكمن في أن تتخلص من هذا التفكير الأصولي الذي لا علاقة له بالثورة المتنوعة والمتعددة لعام 1979، وأن تصبح وطنية.