نائب سابق بالبرلمان الإيراني: فاجعة بندر عباس إنذار أخير والمسؤولون مطالَبون بالمحاسبة الجادة

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين 

أجرت صحيفة “آرمان ملي” الإيرانية الإصلاحية، الخميس 1 مايو/أيار 2025، حوارا مع النائب السابق في البرلمان الإيراني، سيد رضا أكرمي، تناول أبعاد فاجعة “بندر عباس” وأسبابها، ودور الإهمال وسوء الإدارة في تكرار الكوارث، وضرورة محاسبة المسؤولين ومنع تكرار مثل هذه الحوادث.

كارثة “بندر عباس” تُعدّ جرس إنذار

ذكرت الصحيفة أن نحو 22 شخصًا لا يزالون في عداد المفقودين، في حين أن جثث 22 آخرين لم يُمكن التعرف عليها. وفي الوقت الذي تتّضح فيه أبعاد الكارثة بشكل أكبر، يحاول البعض توجيه أصابع الاتهام إلى الآخرين لتبرئة أنفسهم.

وتابعت أنه خلال الساعات الماضية، حيث أثار ارتفاع عدد الضحايا مشاعر الناس بشدة، سعى البعض لاستدعاء وزير الطرق والتنمية العمرانية إلى البرلمان، في حين اعتبر آخرون وزير الصناعة والتجارة والمناجم هو المسؤول الأول عن هذه الكارثة الكبيرة.

وأضافت أنه في هذا السياق، أعلنت لجنة التحقيق في أسباب الحريق الذي وقع في ميناء “الشهيد رجائي”، أعلنت نتائجها الأولية في بيان صادر عنها. وقد أشارت اللجنة إلى ثلاثة عوامل رئيسية: 

أولا: ثبت وجود تقصير في الالتزام بمبادئ السلامة والدفاع المدني.

ثانيا: وُجدت تصريحات كاذبة في بعض المواضع، وتعمل الأجهزة الأمنية والقضائية بجدية على تحديد المسؤولين عن ذلك.

ثالثا: يتطلب التوصل إلى السبب النهائي لهذه الحادثة دراسة شاملة وكاملة لجميع أبعادها، وهو أمر يستلزم اتباع عمليات فنية ومخبرية ضرورية، رغم أن الإجراءات التنفيذية المتعلقة بذلك قد بدأت بالفعل دون تأخير، وسيتم إطلاع الرأي العام على النتائج بأسرع وقت ممكن.

وفي ما يلي نص الحوار:

إلى أيّ مدى تعتبرون أن حادثة بندر عباس ناتجة عن سوء الإدارة؟

بعض الحوادث في الحياة لا يمكن تجنبها، وهي تقع في جميع دول العالم. فالمصائب والتحديات جزء من الحياة البشرية، ولا يمكن تخيل مجتمع أو حياة خالية تماما من الاضطرابات.

 ومع ذلك، فإننا في العصر الحديث، عصر الاتصالات والمعلومات، نمتلك من الإمكانيات ما يمكّننا من تفادي كثير من الحوادث، لكن للأسف لا نستفيد منها جيدا في بلدنا، وهذا ما يؤدي إلى كوارث كحادثة بندر عباس.

 ووفقا لما أعلنه المسؤولون القائمون على التحقيق، فإن الإهمال في هذه الحادثة أمر محرز، ولهذا ينبغي تحديد المسؤولين الرئيسيين عن هذه الفاجعة، ولماذا حدث هذا الإهمال في بندر عباس، التي تُعدّ أهم موانئ البلاد ويُفترض أن تكون مجهزة بأعلى الإمكانيات.

أعتقد أنه لا يجوز المرور مرور الكرام على مثل هذه الحادثة المؤلمة، بل ينبغي فهم أسبابها لمنع تكرارها. لقد شهدنا في السنوات الأخيرة حوادث أخرى كان من الواجب الوقوف عند أسبابها وجذورها، ولو تم التعامل معها مبكرا وبشكل أكثر دقة، لما تكررت، ولكان بالإمكان إنقاذ أرواح بعض مواطنينا.

في الوقت الحالي، يعيش أهالي بندر عباس حالة من الحزن والمأساة، ما انعكس على مشاعر جميع الإيرانيين. في مثل هذه الظروف، ينبغي على المسؤولين بدلا من إطلاق الشعارات، تحديد الأسباب الحقيقية ومحاسبة المقصرين، حتى لا نشهد تكرارا لهذه الكوارث المؤلمة.

ما هي التحذيرات والرسائل التي تحملها فاجعة بندر عباس للمسؤولين والمجتمع؟

الكارثة تُعدّ تحذيرا ودرسا بليغا يجب أن يلتفت إليه المسؤولون في المجتمع. ففي عالم اليوم لا يمكن تجاهل بعض الحوادث، بل يجب دراستها وإدارتها بجدية.

النقطة الأخرى هي أننا طالما نركّز على إدارة الأزمات بعد وقوعها فلن نصل إلى نتائج ملموسة. المقاربة الصحيحة هي أن نمنع وقوع الأزمات من خلال الإدارة السليمة ووضع المعايير الدولية المناسبة. في معظم دول العالم، يُبذل جهد أكبر في مجال الوقاية مقارنة بإدارة الكوارث بعد حدوثها، ولهذا السبب فإن عدد الحوادث في تلك البلدان محدود ونادر.

أما في بلادنا، فإن عدد الحوادث التي تودي بحياة المواطنين أعلى من المتوسط العالمي، وهذا مؤشر خطر ينبغي أن يوقظ ضمير المسؤولين.

النقطة الأساسية هنا أن إيران تعاني من ضعف واضح في إدارة الأزمات. وفي حادثة بندر عباس تحديدا، كان واضحا أن قلة التجهيزات وعدم الالتزام بإجراءات السلامة هما السبب المباشر في وقوع الكارثة. وهي أمور لو وُجدت لها إدارة سليمة وبرامج مدروسة لما وقعت.

ووفقا للأخبار، فقد سبق أن حذر المسؤولون من خطر محتمل في تلك المخازن، لكن لم يأبه أحد بهذه التحذيرات.

الآن، ينبغي للجهات الرقابية والقضائية أن تحدد من الذي تجاهل هذه التحذيرات ولماذا، ويجب محاسبة هؤلاء.

طالما شاهدنا توظيف أفراد غير متخصصين في مناصب تخصصية، ما مدى تأثير ذلك في حدوث الحوادث؟

هذا نتيجة سوء الإدارة والإهمال الإداري. فقد أثبتت اللجنة المختصة أن الحادث كان نتيجة الإهمال وعدم الالتزام بالمعايير.

حين يتولى شخص غير مؤهل ولا يمتلك الخبرة أو التخصص منصبا حساسا، تكون النتيجة هي ما شهدناه يوم السبت من فقدان عدد من مواطنينا حياتهم.

لطالما حذّرنا من ضرورة توظيف المتخصصين والأكفاء في المناصب الحساسة بالبلاد. جميع الخبراء والنخب في المجتمع مجمعون على أهمية الاستعانة بأصحاب الخبرات والمؤهلات العلمية. لكن للأسف لا أحد يصغي لهذه التحذيرات، إذ إن الحكومات المتعاقبة تهتم غالبًا بانتماء الشخص السياسي أكثر من كفاءته وتخصصه.

وقد دخل في حكومات ما بعد الثورة أفراد لا يملكون الحد الأدنى من المؤهلات، بل تسببوا في إثارة الجدل وخلق مشكلات.

وأي مؤسسة لا يمكن أن تؤدي عملها بشكل فعّال إلا بوجود إدارة عليا ذات كفاءة. لذلك فإن دور المدير في المؤسسات والهيئات المختلفة بالغ الأهمية.

أعتقد أنه كي لا تتكرر كوارث مثل بندر عباس، ينبغي إعادة النظر في منهجية اختيار المديرين، والاستعانة بأشخاص يمتلكون التخصص والخبرة الكافية. وفقط في مثل هذه الظروف يمكننا الحد من تكرار هذه المآسي.

لقد شهدنا في السنوات الأخيرة تزايدا في مثل هذه الحوادث. لماذا برأيكم ازدادت وتيرتها، وكيف يمكن الحد منها؟

ثمة عوامل متعددة، ولا يمكن ردّ هذه الحوادث إلى سبب واحد. منها ما يتعلق بالإدارة، إذ يقع الحادث نتيجة لانعدام الخبرة والتخصص. وهناك عوامل ترتبط بأخطاء فردية، حيث يتخذ شخص في موقع حساس قرارا خاطئا يعرّض حياة الآخرين للخطر.

لكن السبب الأهم في حوادث السنوات الأخيرة هو الإهمال وعدم الالتزام بإجراءات السلامة.

فعندما يكون هناك نظام وإدارة سليمة في مؤسسة ما أو في المجتمع ككل، فإن احتمال الخطأ البشري والإهمال يتضاءل تلقائيا. أما في حال غياب مثل هذا النظام، فإن الأفراد لا يكتفون بعدم أداء واجباتهم، بل قد يتسببون في أضرار جسيمة تمسّ المؤسسة كلها وحتى من هم خارجها.

لهذا السبب، أعتقد أننا بحاجة إلى نظرة جديدة في معالجة هذه القضايا، وأن نستخلص العبر من المآسي التي وقعت حتى الآن.

وطالما أن بعض المديرين لا يولون اهتماما جادا للمعايير وإجراءات السلامة ولا يضعون خططا لها، فإن احتمال تكرار كوارث مثل ما حدث في بندر عباس يبقى واردا.

إن فاجعة بندر عباس يجب أن تكون آخر درس قاس للمسؤولين، ليتخذوا مما حدث عبرة، ولا يسمحوا بوقوع حوادث مشابهة في المستقبل.