ترجمة: شروق حسن
عيّن دونالد ترامب مستشاره السابق مايكل أنطون ليتولّى ملف التفاوض مع إيران، في خطوة أثارت تكهنات بشأن توجّه محتمل نحو تشديد المواقف الأمريكية، يناقش هذا التقرير المترجم من الصحيفة الإيرانية “هممیهن” خلفيات هذا التعيين وتداعياته المحتملة على مستقبل المحادثات النووية.
حيث قالت صحيفة “هممیهن” يوم الخميس 1 مايو/أيار 2025، في تقرير لها، أن مايكل أنطون، كبير مفاوضي الولايات المتحدة، ربما يكون آخر المستجدات الرسمية في هذه الجولة من المحادثات هو تولّيه هذه المسؤولية.

فرغم الضجة الإعلامية التي أحاطت بملف إيران النووي، ما تزال المباحثات تجري بصمت، ولا يخرج منها، سوى عناوين عامة وتعبيرات عن التفاؤل ووعود بمتابعة النقاشات، أيّ مؤشر واضح على مجريات الأمور أو تفاصيلها.
وتابعت الصحيفة بالقول إنه يبدو أن هذا هو ما يريده الطرفان، فهذه المرّة- وخلاف عهد الاتفاق النووي- لا تشارك في المفاوضات ثماني دول، مما يسهّل ضبط المواقف وحدود تسريب الأخبار.
وعلقت بالقول إن أهم خبر طفا على سطح النقاش، هو انطلاق الحوارات الفنية، متبوعا بالإعلان عن اسم رئيس الوفد الأمريكي في هذه المباحثات، وهو الاسم الجديد لكثيرين: مايكل أنطون. وبينما تستمر المحادثات، قد يشكّل هذا التعيين مؤشرا لا يُستهان به لرصد المسار المُتّخذ وآفاق المرحلة المقبلة.
وأردفت أنه من هاهنا، يتبادر سؤال لدى كثير من المتابعين إثر الإعلان عن مسؤوليته الجديدة: مَن هو مايكل أنطون؟ والأهمّ، لماذا لم يلقَ ترحيباً يذكر- لا بين مؤيدي الحوار ولا معارضيه- عند الكشف عن اسمه؟
السيرة الأكاديمية
ذكرت الصحيفة أنه كما في الولاية الأولى، شهدت إدارة ترامب الثانية تعيينات في مناصب عليا لأشخاص بلا خبرات متخصصة. ورغم أن رئيس الوفد الأمريكي في المفاوضات، ستيف ويتكوف، لا يملك خلفية دبلوماسية، بل يعمل في العقارات، يُعد مايكل أنطون استثناءً، إذ عمل باحثا في “معهد كليرمونت” المحافظ ومدرّسا في “كلية هيلسديل”.
هاتان المؤسستان معروفتان بدعمهما لترامب، خاصة خلال حملات 2020 التي طعنت في نتائج الانتخابات. وشارك جون إيستمان، من “كليرمونت”، في تلك الجهود. أما “هيلسديل” فهي كلية خاصة محافظة تقدم برامج في القانون والدين والعلوم. ويُعرف أنتون بميوله المحافظة.
الخبرة الحكومية
أضاف أنه ليست مشاركة أنطون في إدارة ترامب أول تجربة رسمية له في الدولة؛ إذ تُظهر بيانات وزارة الخارجية الأمريكية أنه أمضى نحو تسع سنوات في مناصب حكومية مختلفة.
فقد كان كاتب خطب ومتحدثا باسم رودي جولياني خلال فترة توليه ولاية عمدة نيويورك، وهي المرحلة التي شهدت هجمات 11 سبتمبر وارتقى خلالها جولياني إلى شهرة استثنائية حتى لقّب بـ«عمدة أمريكا». قبل ذلك، عمل في فريق بيت ويلسون، حاكم كاليفورنيا الأسبق.
وأشار إلى أنه انتقل بعد ذلك إلى مجلس الأمن القومي في إدارة جورج دبليو بوش، حيث شغل منصب المتحدث باسم مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس. ثم غادر الحكومة عام 2005، مطلع الولاية الثانية لبوش، ليتولى كتابة الخطب في “نيوز كورب”، الإمبراطورية الإعلامية المحافظة التي يملكها روبرت مردوخ. وذكر أنه بعد عدة سنوات، عُيّن مديرا للعلاقات العامة في بنك «سيتي غروب»، ثم انتقل لاحقا إلى شركة الاستثمار الضخمة «بلاك روك» كمدير للاتصالات.
أنطون وحكومات ترامب
ليست تجربة مايكل أنطون في إدارة ترامب الأولى له في العمل الحكومي، فقد شغل مناصب مختلفة لنحو تسع سنوات، منها العمل مع رودي جولياني خلال أحداث 11 سبتمبر، وقبلها في فريق حاكم كاليفورنيا الأسبق بيت ويلسون.
ثم انتقل إلى مجلس الأمن القومي في عهد بوش الابن، حيث كان متحدثا باسم كوندوليزا رايس، وغادر الحكومة عام 2005 ليعمل في قطاعات الإعلام والبنوك، من “نيوز كورب” إلى “سيتي غروب” ثم “بلاك روك”.
خلال حملة 2016، برز أنطون كمؤيد قوي لترامب، واشتهر بمقال “انتخابات الرحلة 93” الذي حث فيه المحافظين على دعم ترامب كخيار حتمي لإنقاذ القيم الأمريكية. لاحقا، حوّل المقال إلى كتاب، وأصدر كتابا آخر عام 2020 بعنوان “أمريكا عند نقطة اللاعودة” مؤكدا أهمية فوز ترامب.
ومنذ ذلك الحين، لم يُخفِ أنطون نقده لبعض رفاقه المحافظين، متهما إياهم في مقالته الشهيرة بأنهم يسعون إلى “حروب لا نهاية لها، بلا هدف ولا انتصار”.
وأردفت أنه في السنة الأولى من ولاية ترامب الأولى، شغل أنطون منصب نائب مساعد الرئيس لشؤون الاتصال الاستراتيجي والمتحدث باسم مجلس الأمن القومي، لكنه استقال بعد فترة قصيرة، بالتزامن مع مغادرة مستشاره الأعلى، الجنرال هربرت مكماستر، منصب مستشار الأمن القومي.
وذكر أن أنطون قد قدّم استقالته ليلة وصول جون بولتون خلفا لمكماستر، وهو من القلائل الذين غادروا إدارة ترامب من دون أن يتعرضوا لغضبه وعدائه لاحقا.
وزير في حكومة ترامب
في أواخر الولاية الأولى لترامب، عيّنه الرئيس في المجلس الوطني للعلوم التربوية في وزارة التعليم.
وذكر أنه بعد فوز ترامب مجددا عام 2024، طُرح اسمه كخيار لمنصب نائب مستشار الأمن القومي للرئيس المنتخب، لكن بحسب صحيفة واشنطن بوست، فقد سحب نفسه من القائمة حين علم بأن سباستيان غوركا، أحد محللي قناة فوكس نيوز، سيتولى موقعا في مجلس الأمن القومي. لاحقا، رشحه ترامب لتولي منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية، وهو المنصب الذي شغله سابقا جيك ساليفان في عهد باراك أوباما، قبل أن يصبح من أبرز المفاوضين في الملف الإيراني.
ظاهرة نادرة
علقت الصحيفة بالقولِ إن استعراض سيرة مايكل آنتون يميّزه عن العديد من أعضاء إدارات ترامب، ففي حكومتي ترامب، لم يكن نادرا أن يتولى أشخاص مناصب رفيعة دون أي خلفية مناسبة أو خبرة تقنية.
أما أنطون، فعكس كثيرين، يمتلك خلفية أكاديمية ومهنية، وكرّس وقتا للدراسة والكتابة في شؤون الحكم والسياسة. وهو ليس من منتجات الحقبة الترامبية للجمهوريين، بل محافظ تقليدي ومحترف منذ زمن بعيد.
كما أن مواقفه، وإن بدت قريبة من ترامب في بعض المراحل، تختلف شكلا ومضمونا عن معظم رموز هذا التيار.
كما ذكرت أنه في عام 2016، كان من بين من رأوا في ترامب “دواءً ضروريا”، وليس خيارا مثاليا، وتُظهر خبرته السياسية أنه، بخلاف شخصيات مثل بيت هيغيست، وزير الدفاع الحالي في حكومة ترامب، لم يهبط فجأة من العدم إلى قلب الإدارة، بل هو أقرب إلى شخصيات مثل جون بولتون، من حيث تاريخه السياسي ومواقفه المعلنة، وهو ما قرّبه من جماعة ترامب.
لكن هذه القرابة لا تعد غالبا ميزة في بيئة ترامب، إذ إن شخصيات مستقلة مثل بولتون دخلت الحكومة بهدف تنفيذ أجنداتها الخاصة، لا تأييد ترامب فقط، وهو ما أدى لاحقا إلى انفصال عدائي بين الطرفين.
سياسي لا تقني
وأضافت أنه في سجله نقطتان تجعلانه أقرب إلى بقية فريق إدارة ترامب في مفاوضات الملفّ التقني مع إيران:
أولا، هو ليس بشخصية «تقنية» بمعنى المرتبط بهذه المفاوضات؛ لا يحمل أي مؤهلات في مجال الفيزياء النووية، وليس على سبيل المثال خبيرا اقتصاديا متخصصا في العقوبات والحرب الاقتصادية.
ثانيا، رغم توليه منصبا قصير الأمد في وزارة الخارجية، فإن الجزء الأكبر من خبرته ومواقفه يرتبط بالشؤون الداخلية. في «كليرمونت»، يُصنّف كخبير في السياسة الداخلية الأمريكية.
وتابع بالقولِ إنه بإلقاء نظرة على قائمة مقالاته التي ليست بالقصيرة في «كليرمونت»، يظهر أن معظم كتاباته ومواقفه تتعلق بسياسة الولايات المتحدة الداخلية.
وحتى حين أبدى دعمه لترشيح ترامب وحكومته، لم يبنِ هذا الدعم على القضايا الخارجية والعالمية، بل ركّز على هموم السياسة الداخلية.
السياسة الخارجية لأنطون
وأضافت الصحيفة أنه بوصفه مسؤولا في الحقل الدبلوماسي، هو خيار مناسب ومرغوب فيه لحكومة من طراز إدارة ترامب. فقد شرع في كتاباته ومواقفه منذ عام 2016 في تفسير والدفاع الجاد عن النهج الأمريكي في السياسة الخارجية على المستويين الجزئي والكلي، وأشاد بـ«عقيدة ترامب» أو «الترامبية».
وأضاف أن أنطون يولي دعما قويا لنهج الانعزالية في السياسة الخارجية لترامب؛ وهو النهج الذي وصفه سابقا في مقابلة مع «جويش إنسايدر»، بأنه «السعي للحدّ من انخراط الولايات المتحدة في شؤون العالم والتركيز على الدفاع عن الأمن القومي والمصالح الاقتصادية والقدرة التنافسية وبنية التحالفات: هذا النهج هو عقيدة، أكثر تركيزا مما تتركه مكانه الترامبية».
وأضاف أنه يرى أنّ العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل جوهرية لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، ويعتبر أساس هذه العلاقة أكثر من مجرد قضايا مالية، بل تقوم على «قناعة مشتركة ومصالح مشتركة» و«تقارب طبيعي مع الديمقراطيات التي تشترك في القيم».
ويندرج أنطون من معارضي الهجرة، ومن معارضي موضوع «التنوع السكاني». ففي عام 2016 كتب صراحة: «التنوع ليس قوتنا، بل مصدر ضعف وتوتر وفرقة…”.
وأضافت الصحيفة أنه يعارض أنطون الإسلام والمسلمين، ويصف هذا الدين بأنه بطبيعة الحال خطر وغير متوافق مع الغرب الحديث: «الإسلام ليس (دين سلام)؛ إنه دين عدواني يحمل سيفا لتنصير الناس بالقوة، وهو مصدر إلهام لآلاف الأعمال الإرهابية وللملايين الذين يؤيدونها أو يتعاطفون معها».
وتابعت أنه في عام 2016 وصف تصريح السماح بدخول المهاجرين المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر بـ«الجنون»: «لا مجتمع سوى مجتمع مجنون أو مجتمع عاجز عن إثبات ولائه لفضيلة وهمية هو الذي سيزيد من دخول المهاجرين المسلمين بعد هجمات 11 سبتمبر؛ لكن هذا بالضبط ما فعلته الولايات المتحدة”.
أنطون وإيران
وأضافت الصحيفة بالقول إنه في ما يتعلق بإيران، يتبنّى أنطون مواقف متوافقة مع ترامب، ففي عام 2020، أي في أواخر الولاية الأولى لإدارة ترامب، وصف في مقابلة مع “فوكس نيوز” اتفاق برجام بأنه يعاني من قصور، نظرا إلى أنه يمنح إيران مزايا مالية فورية وكبيرة قبل أن يبدأ مفعول البنود المفضلة للولايات المتحدة.
ويرى أن هذه المزايا استُخدمت أيضا «لتعزيز الإرهاب». وقد صرح في ذلك الوقت بأن ترامب تصرّف بشكل صحيح عندما انتقد الاتفاق وطالب بإعادة فرض العقوبات. ومن وجهة نظر أنطون، فإن قطع موارد إيران سيؤدي إلى خفض التوترات لا إلى زيادتها.
وعلقت بالقول إنّ أنطون كان من أنصار اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. ففي عام 2019، صرّح في مقابلات مع فوكس نيوز وشبكة NPR، بأن إيران عادةً ما تتّصف بالتحفّظ، وأنها تتراجع عند مواجهتها بمقاومة قوية.
ويرى أن الولايات المتحدة وحلفاءها يستطيعون خلق رادع ضد نهج إيران العدواني من خلال تشكيل جبهة قوية وموحّدة في مواجهتها. وبعد توقيع اتفاقيات أبراهام، أشاد خلال مقابلة مع CNN بـ«التحالف الناشئ ضد إيران».
الكلمة، كلمة الرئيس
وعلقت الصحيفة بالقول إن الفارق المهم بينه وبين شخصية مثل بولتون بدا واضحا حتى خلال الولاية الأولى، وهو ما يثير القلق لدى دعاة التصعيد مع إيران: أنطون يعتبر كلمة الرئيس هي الفصل الأخير.
فعندما نشر موقع «بوليتيكو» أولا خبر توليه الدور الجديد، نقل عن مسؤول لم يُفصح عن اسمه قوله: «بخبرته وذكائه، هو شخص ممتاز لهذا العمل.
والأهم من ذلك، أنه سيضمن متابعة جدول أعمال الرئيس ترامب في هذا الملف حتى نهايته».
وتابعت أنه في العام 2019، وفي المقابلة ذاتها مع شبكة NPR، انتقد أنطون مساعي جون بولتون مستشار الأمن القومي حينها، ومايك بومبيو وزير الخارجية، لشن حرب على إيران، بصياغة أوردتها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية: «لديهم رئيس واحد، الرئيس هو رئيس الولايات المتحدة… [ترامب] لا يريد حربا مع إيران، ولا يسعى إليها».
واختتتمت الصحيفة بالقول إن هذه الصورة هي التي تجعل تعيين شخصية معارضة بالكامل لإيران يُنظر إليه كخطوة داعمة للحوار، وبحسب تعبير صحيفة «هآرتس»، «تفجّر حفيظة محبّي الحرب».