إقالة مايك والتز.. بداية فصل جديد في سياسة أمريكا تجاه إيران

ورغم أن الحكومة الأمريكية حاولت تصوير هذه الإقالة على أنها مجرد تغيير تنظيمي، فإنه من الواضح أن عوامل أخرى كانت وراء هذا القرار، كما يتضح أن هذه التغييرات تعود إلى خلافات عميقة بين رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب ومايك والتز بشأن قضايا محورية في السياسة الخارجية.

والجدير بالملاحظة أن مايك والتز كان يتبنى سياسات تميل إلى النزعة العسكرية، وكان من المؤيدين لسياسة الضغط الأقصى ضد إيران ومن المعارضين للمفاوضات، لذلك، يمكن اعتبار إقالته تخلّصًا من أحد رموز التشدد.

لكن يبقى السؤال: ما هو تأثير هذا التغيير في الإدارة الأمريكية؟

ناقشت صحيفة “ستاره صبح” هذا الموضوع مع أستاذ الجغرافيا السياسية والسفير السابق لإيران في النرويج عبد الرضا فرجي راد، وفي ما يلي نص الحوار:

قال عبد الرضا فرجي راد، في معرض شرحه للانقسام داخل الساحة السياسية الأمريكية، إن هناك مجموعتين رئيسيتين في السياسة الأمريكية، تتقاسمان الهدف ذاته، لكن تختلفان في الأسلوب، إحداهما تتبنى المسار الدبلوماسي، ويقودها ترامب ونائبه جي دي فانس، وتسعى هذه المجموعة إلى التوصل إلى اتفاق مع إيران من خلال الوسائل الدبلوماسية، لكنها في الوقت نفسه تؤمن بضرورة استمرار الضغط الأقصى والحفاظ على الخيار العسكري كأدوات داعمة للمفاوضات.

وأضاف فرجي راد في حواره، أن المجموعة الثانية هي تلك التي تؤمن بالحتمية العسكرية في التعامل مع إيران، وتعتقد أنه لا يمكن التوصل إلى نتائج من خلال الدبلوماسية مع إيران، ومن أبرز الشخصيات التي تمثل هذه النظرة هو مايك والتز، الذي تم عزله من منصبه قبل يومين. كما يُعتبر عدد من أعضاء الكونغرس جزءا من هذه المجموعة.

واصل فرجي راد في هذا السياق قائلا إن نظرة والتز والآخرين الذين يرتبطون بالتيار النيوكوني واللوبي اليهودي، تؤمن بأن إيران تهدد أمن إسرائيل، وبالنسبة لهم تأمين مصالح إسرائيل يُعدّ أولوية قصوى.

نشرت صحيفة ستاره صبح بتاريخ 3 مايو/أيار 2025، تقريرا عن إقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز من منصبه وتعيينه ممثلا دائما للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، في ظل انخراط أمريكا في مفاوضات مع إيران، وهو ما يُعدّ زلزالا سياسيا.

اختبار للدبلوماسية

يَعتبر  فرجي راد سياسات ترامب اختبارا للدبلوماسية في ولايته الثانية، وفي هذا السياق، صرح فرجي راد قائلا: “دونالد ترامب في فترته الثانية من الرئاسة لا يؤمن بالحرب ويسعى للسلام، فلقد وضع أهدافا لنفسه من خلال هذا المسار، حيث تُعد جائزة نوبل للسلام واحدة منها، ويرى ترامب أنه لا يجب إنفاق ثروة أمريكا على الحروب، بل يجب استثمار هذه الأموال داخل البلاد في مجالات مثل الاستثمارات والإنتاج والصناعة، كما يعد ترامب الآن في مرحلة اختبار الدبلوماسية”.

وتجدر الإشارة إلى أنه في البيت الأبيض، لم يكن هناك شخص أقرب إلى ترامب من مایك والتز، ولا يمكن لأحد أن يكون قريبا من الرئيس مثله، كما كان مكتبه بجانب غرفة الرئيس، وكان يتم إعداد التقارير بانتظام وتقديمها مباشرة إلى الرئيس.

وأفاد في تفسيره للتحولات السياسية في الحكومة الأمريكية في الأيام الأخيرة بالقول إنه كما تم سماعه، شعر دونالد ترامب بأن التقارير كانت قاسية، وكان يشعر بالإحباط بسبب إصرار البعض على فرض آرائهم عليه، ومن ناحية أخرى، كان السيد والتز قد واجه مشاكل مع أشخاص آخرين في الحكومة وكانت هناك مشاجرات، لذلك، تم استبعاد والتز من منصبه.

وأردف قائلا: “ترامب يعتزم تعيين المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف مكان والتز مستشارا للأمن القومي، لكن ويتكوف رفض حتى الآن هذا المنصب لأنه رجل أعمال ثري ولا يتناسب معاه الجلوس في مكتب مستشار الأمن القومي وإعداد التقارير حول القضايا الحساسة، وهو أمر لا يثير اهتمامه”.

واستكمل حديثه مشيرا إلى أن “التفاوض مع الروس والإيرانيين هو مهمة ويتكوف إلى جانب أعماله التجارية، ولكن يجب أن نرى ما إذا كان مستعدا لتولي مسؤولية أكبر في منصب حساس أم لا؟”.

استمرار المفاوضات

أشار فرجي راد في ما يتعلق بمفاوضات إيران والولايات المتحدة إلى أن المفاوضات ستستمر، ولكن قد يكون هناك شك في الالتزام بالوعود التي قدمتها الولايات المتحدة في الجولات الأولى والثانية من المفاوضات، كما ذكر أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو تشير إلى وجود ضغوط يتم نقلها عبر وسائل الإعلام.

ولفت الانتباه إلى تداعيات ردود الفعل الداخلية في هذا السياق: عبّر بعض الأشخاص داخل إيران عن سعادتهم بنتائج الجلسات الأولى والثانية، وظنوا أن كل شيء سينتهي وأنهم سيصلون إلى اتفاق في عدة جلسات أخرى، كما نقلت بعض وسائل الإعلام المحلية عن المفاوضين قولهم: “حتى الآن، وافق الأمريكيون على كل ما طلبناه، وفرصة التوصل إلى اتفاق هي 99%”.

أكد أن “ردود الفعل في إيران على نتائج المفاوضات قد منحت الفرصة للقيادات السياسية البارزة في واشنطن لنقل استياءها من سير المفاوضات مع إيران إلى ترامب. ومن المتوقع أن يواجه المفاوضون الإيرانيون في الجولات المقبلة مطالب إضافية من الجانب الأمريكي”.

وتابع في حواره، أن التصريحات في إيران أثارت الجناح المتطرف في أمريكا، حيث انزعجت مجموعة النيوكون، المؤيدين لإسرائيل، ومن ضمنهم نتنياهو وأشخاص مثل والتز أو وزير الدفاع الأمريكي، وبدأوا طرح الأسئلة على ترامب: ماذا تفعلون؟ ولماذا تمنحون إيران هذه التنازلات بهذه السرعة.

وأفاد بأن “المتطرفين” داخل الحكومة والكونغرس الأمريكي شنوا هجوما قويا على ويتكوف، معتبرين أنه يفتقر إلى الخبرة اللازمة. وبالتالي، من المحتمل أن تكون التنازلات في الجلسات المقبلة أقل أو أن يتم تشديد الإجراءات، وقد جاءت تصريحات مارك روبيو الأخيرة كنتيجة لهذا المناخ السياسي.

قال عبد الرضا فرجي راد في ختام حديثه: “تحولات البيت الأبيض تزيد من حساسية المفاوضات، وكما ذكرت سابقا، قد نكون أمام تغييرات في الجانب الآخر، ومن أجل تحليل وتقييم أفضل، يجب أن ننتظر المواقف الجديدة من الأمريكيين”.